📁 آخر الأخبار

كتاب تعزية باب كتاب التعزية


كتاب تعزية باب كتاب التعزية

كتاب تعزية باب كتاب التعزية

أما بعد، فإنَ أحق مَن تعزَّى، وأوْلى مَنْ تأسى وسلّم لأمر اللّه، وقَبِلَ تأديبَه في الصَبر على نَكبَات الدنيا، وتجرع غُصَص البَلْوى، مَن تَنجَز من الله وعده، وفَهِم عن كتابه أمرَه، وأخْلص له نفسَه، واعترف له بما هو أهلُه. وفي كتاب اللّه سَلوَة من فَقْدَ كل حَبيب وإن لم تَطب النفسُ عنه، وأنْسٌ من كلِّ فقيد وإن عَظًمت اللوعةُ به، إذ يقول عزَّ وجلّ:
 " كلُّ شيءَ هَالِكٌ إلاّ وَجْهَه لَهُ الحُكم وَإلَيْهِ تُرْجَعُون " وحيث يقول:
 " الذِين إذا أصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إنّا للّه وَإنّا إلَيْهِ رَاجِعُون أولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهمْ وَرَحْمَةٌ وأولئِكَ المُهُتَدُون " . والموتُ سبيل الماضِين والغابرين، ومورِد الخَلاَئق أجْمعين، وفي أَنبياء الله وسالفِ أوليائه أفضلُ العِبْرة، وأحْسن الأسوة، فهل أحد منهم إلا وقد أخذ من فجائع الدُّنيا بأَجْزل العطاء، ومن الصبر عليها باحتساب الأجْر فيها بأوْفر الأنصِبَاء؛ فِجع نبيّنا عليه الصلاةُ والسلام بابنه إبراهيم، وكان ذخْرَ الإيمان، وقُرَّة عَين الإسلام، وعَقِب الطٌهارة، وسَلِيل الوحي، ونَتِيج الرَّحمة، وحَضِين الملائِكة، وبِقيّة آل إبراهيم وإسماعيل صلوات اللهّ عليهم أجمعين وعلى عامة الأنبياء والمُرْسلين، فعمَت الثقلَين مُصِيبتُه، وخَصَّت الملائكةَ رَزِيتَّهً، " ورضى صلى الله عليه وسلم من فراقه بثواب الله بدلاً، ومنِ " فِقْدَانه عِوَضاً، فشكَرَ قَضَاه، واتبع رِضَاه، فقال:
 يَحْزَن القَلب وتَدْمَع العين، ولا نقول ما يُسْخِط الربّ، وإنّا بك يا إبراهيم لَمَحْزونون. وإذا تأمَّل ذو النّظَر ما هو مُشْفٍ عليه من غَير الدُّنيا، وانْتَصح نفسه وفِكْرَه في غِيرَها بتنقُّل الأحوال، وتقارُب الآجال، وانقطاع يسير هذه المُدَّة، ذَلَّت الدُّنيا عنده، وهانت المصائبُ عليه، وتَسهًّلت الفجائعُ لديه، فأخَذ للأَمر أُهْبته، وأعدَّ للموت عًدَّته. ومن صَحِب الدُّنيا بحُسْن رَويَّة، ولاحَظَها بعين الحقيقة، كان على بَصِيرة من وَشْكِ زوالها. قال النبي صلى الله عليه وسلم:
 أذكُرُوا الموت فإنه هادم اللذات، ومُنَغِّص الشَّهَوَات. وليس شيء مما اقتصصتُ إلا وقد جعلك اللهّ مُقَدَّماً في العِلْم به. ولَعْمري إن الخَطْبَ فيما أصِبْتَ به لَعَظيم، غير أن تَعوّصه من الأجْر والمَثُوبة عليه بحُسْن الصَّبر يُهَوِّنان الرَّزِيِّة وإن ثَقُلَت، ويُسَهِّلاَن الخَطْب وإن عَظُم. وهب الله لك من عِصْمة الصَّبر ما يُكمل لك به زُلْفي الفائزين، ومزيد الشاكرين، وجعلك من المُرتَضين قَوْلاً وفِعلا، الذين أعطاهم " الحُسْنَى " ووفَّقهم للصَّبْر والتَّقْوَى.
محمد بن الفَضل عن أبي حازم قال:
 مات عُقْبة بن عِيَاض بن غَنْم الفِهْريّ، فعزَّى رجلٌ أباه فقال:
 لا تَجْزع عليه فقد قُتِل شهيداً؛ فقال:
 وكيف أجزع على من كان في حَيَاته زينةَ الدُّنيا، وهو اليومَ من الباقيَات الصَّالحات.
ابن الغاز قال:
 حَدَّثنا عيسى بن إسماعيل قال:
 سمعتُ الأصمعيّ يقول:
 دخلتُ على جعفر بن سُليمان وقد ترك الطعامَ جَزَعاً على أخيه محمد بن سليمان فأنشدته بيتين، فما برحتُ حتى دعا بالمائدة. فقلتُ للأصمعيّ:
 ما هما، فسكت، فسألتهُ، فقال:
 أتدري ما قال الأحوص؟ قلت:
 لا أدْري؛ قال:
 قال الأحوص:

قد زادهُ كلَفاً بالحُبِّ إذ مَنَعت
***
 أحبُ شيء إلى الإنسان ما مُنِعاَ
قال أبو موسى:
 والأبيات لأراكة الثقفي يرْثى بها عمرو بن أراكَة ويُعزِّى نفسه حيث يقول:

لَعَمْري لئن أَتْبَعْتَ عينك ما مضى
***
 به الدَّهْرُ أو ساق الحِمَامُ إلى القَبر
لتستنفدن ماءَ الشُّئون بأَسْره
***
 وإنْ كُنْتَ تَمريهنَ من ثَبَج البَحْر
تَبَيّنْ فإنْ كان البُكا ردّ هالِكاً
***
 على أَحَدٍ فاجْهَد بُكاك على عَمْرو
فلا تَبْكِ مَيْتاً بعد مَيت أَجَنَّة
***
 عليُّ وعبَّاس وآل أبي بَكْر
أبو عمر بن يزيد قال:
 لما مات أخو مالكَ بن دِينار، بكى مالك، وقال:
 يا أخي، لا تَقَرُّ عيْني بعدك حتى أعْلم أفي الجنِّة أنت أم في النَّار، ولا أعلم ذلك حتى ألحق بك. وقالت أعرابية، ورأت ميتاً يُدْفَن:
 جافي الله عن جَنْبَيْه الثَّرَى وأعانه على طول البِلَى. وعَزَّى أعرابيَ رجلاً فقال:
 أوصيك بالرِّضا من الله بقَضائه، والتنجًّز لما وعد به من ثوابه، فإنَ الدُّنيا دار زوال، ولا بد من لقاء اللهّ. وَعزَّى أيضاً رجلاً فقال:
 إنّ من كان لك في الآخرة أجراً، خيرٌ لك ممن كان لك في الدُّنيا سرُوراً. وجَزع رجلٌ على ابن له، فشكا ذلك إلى الحسن؛ فقال له:
 هل كان ابنك يَغيب عنك؟ قال:
 نَعم، كان مَغيبُه عنِّي أكثر من حضوره؛ قال:
 فاترًكه غائباً فإنه فإنه لم يَغِب عنك غيبةً الأجر لك فيها أعظمُ من هذه الغَيْبة. وعزّى رجلٌ نصرانيٌّ مسلماً، فقال له:
 إنّ مِثْلي لا يُعزِّي مِثْلك، ولكن انظُر ما زَهِد فيه الجاهلُ فارغب فيه.
وكان عليُّ بن الحُسين رضى الله عنه في مجلسه وعنده جماعةٌ، إذ سمع ناعيةً في بَيْته، فنَهض إلى منزله فَسَكّنَهم، ثم رجَعَ إلى مجلسه، فقالوا له:
 أَمِنْ حَدَث كانت الناعية؟ قال:
 نعم. فعَزَّوه وعَجِبوا من صَبْره فقال:
 إنا أهل بيت نُطيع الله فيما نُحب، ونَحْمَدُه على ما نَكره.
تعزية - التمس ما وَعد الله من ثَوَابه بالتّسليم لقضائِه، والانتهاء إلى أمره، فإن ما فات غير مُسْتَدْرَك.
وعزى موسى المَهْدِيّ إبراهيمَ بن سَلْم على ابن له مات، فَجَزع عليه جزعاً شديداً، فقال له:
 أَيسرُّك وهو بلية وفِتْنَة، ويَحْزُنك وهو صَلَوات ورحمة؟ سُفيان الثّوْري عن سعيد بن جُبير قال:
 ما أعْطِيَتْ أمّة عند المُصِيبة ما أعْطِيَت هذه الأمة من قولها:
 " إنّا للّه وإنّا إليه رَاجِعُون " . ولو أعْطِيها أحدٌ لأعْطيها يَعْقوب حيثُ يقول:
 " يا أسَفَا عَلَى يوسُف، وابيضتْ عَيْنَاهُ منَ الحُزْن فَهُوَ كَظيم " . وعَزَى رجلٌ بابن له فقال له:
 ذَهب أبوك وهو أصلُك، وذَهب ابنك وهو فَرْعك، فما بَقَاء مَن ذهب أصلُه وفرعه؟
كتاب تعزية باب كتاب التعزية
۞۞۞۞۞۞۞۞
 كتاب الدرة في المعازي والمراثي ﴿ 15 ﴾ 
۞۞۞۞۞۞۞۞كتاب تعزية باب كتاب التعزية


كاتب
كاتب
مصطفى خميس خريج كلية اللغة العربية جامعة الإسكندرية، لعيب كرة قدم سابق لدي نادي أهلي دمنهور، مدون ومحرر اخبار ومالك عدة مواقع إلكترونية.
تعليقات