📁 آخر الأخبار

القناعة باب القناعة


القناعة باب القناعة

القناعة باب القناعة

قال النبي صلى الله عليه وسلم:
 من أصبح وأَمسى آمناً في سربه مُعَافي في بَدنه عنده قوتُ يومه كان كمن حِيزَتْ له الدُّنيا بحذافيرها. والسِّرب:
 المَسْلَك؛ يقال:
 فلان واسع السِّرب، يعني المسلك والمذهب.
وقال قيسُ بيت عاصم:
 يا بَنيّ:
 عليكمِ بحِفْظ المال فإنه مَنْبَهةٌ للكريم، ويُسْتَغْنى به عن اللئيم. وإياكم والمَسْألَة، فَإنها آخِر كسْب الرَّجُل. وقال سعد ابن أبي وقّاص لابنه:
 يا بُني، إذا طلبتَ الغِنَى فاطلبه بالقَناة، فإِنها مالٌ لا يَنْفَد؛ وإياك والطمعَ، فإنه فقْر حاضر؛ وعليك باليأْس، فإِنك لا تَيْأَس من شيء قطُّ إلا أغناك اللهّ عنه. وقالوا:
 الغَنيُّ من استغنى باللّه، والفقيرُ ما افتقر إلى الناس. وقالوا:
 لا غِنى إلا غني النّفس. وقيلَ لأبي حازم:
 ما مالُك؟ قال:
 مالان، الغِنَى بما في يدي عن الناس، وَاليأسُ عما في أيدي الناس. وقيل لآخر:
 ما مالُك؟ فقال:
 التجمُل في الظاهر، والقَصْد في الباطن. وقال آخر:
 لا بُد مما ليس منه بدّ اليَأْس حُرٌ والرجاءُ عَبْدُ وليس يُغْني الكَدَ إلا الجَدّ.
وقالوا:
 ثمرةُ القناعة الرَّاحة، وثمرةُ الحِرْص التعب. وقال البُحْتريُّ:

إذا ما كان عندي قُوتُ يوم
***
 طَرَحْتُ الهمَّ عنّي يا سعيدُ
ولم تَخْطرُ هُمِوم غدٍ ببالِيً
***
 لأنَ غَداً له رِزْقِّ جَدِيد
وقال عُرْوَة بنُ أذَيْنَة:

وقد عَلِمتُ وخَيرُ القَوْل أصْدَقُه
***
 بأنَ رِزْقِي وَإنْ لم يَأْتِ يَأْتيني
أسْعى إليه فيعييني تطلبه
***
 ولو قَعَدْتُ أتاني لا يُعَنِّيني
وَوَفد عُروة بن أذَينة على عبد الملك بن مَرْوَان في رجال من أهل المدينة، فقال له عبد الملك:
 أَلستَ القائلَ يا عُرْوَة؟ أسْعى إليه فَيُعْييني تَطلبه ؟ فما أراك إلا قد سعيتَ له، فخرج عنه عُروة وشَخص من فَوْرِه إلى المدينة. فأفتقده عبدُ الملك، فقيل له:
 توجّه إلى المدينة، فبَعث إليه بألف دينار. فلما أتاه الرسول قال:
 قُلْ لأمير المؤِمنين:
 الأمرُ على ما قلتُ، قد سَعَيتُ له، فأعياني تطلُّبه، وقعدت عنه فأتاني لا يُعنيني.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
 إِنّ رُوح القُدس نَفَثَ في رُوعِي:
 إِنَّ نفساً لن تموت حتى تَسْتَوْفي رِزْقَهَا، فاتَّقوا الله وأجملوا في الطَّلب. وقالَ تعالى فيما حكى عن لُقمان الحكيم:
 " يا بنيَّ إنّها إِنْ تَكُ مِثْقًالَ حًبّةٍ مِن خَرْدَلٍ فَتكُنْ في صَخْرَةٍ أوْ في السَّمَوَاتِ أوْ في الأرْض يَأْتِ بها الله إِنّ الله لَطيفٌ خبِير " .
وقال الحسنُ:
 ابن آدمَ، لستَ بسابقٍ أجلَك، ولا ببالغٍ أمَلَك، ولا مَغْلوب على رِزْقِكَ، ولا بمرزوق ما ليس لك، فعلامَ تَقْتل نفسَك؟ وقال ابن عبد ربه:
 قد أخذتُ هذا المعنى فنظمتُه في شعر فقلت:

لستُ بقاض أملِى
***
 ولا بعَادٍ أجَلي
ولا بمَغْلُوب عَلَى الرًّزْ
***
 قِ الذي قُدِّرَ لَي
ولا بِمُعطًىً رِزْقَ غَي
***
 ري بالشقا والعَمَلَ
فليتَ شِعري ما الذي
***
 أدْخَلني في شُغُلي
وقال آخر:

سيكون الذي قًضي
***
 غضب المرءُ أَمْ رَضي
وقال محمودٌ الورَّاق:

أما عجبٌ أن يَكْفُلَ بُعَضَهُم
***
 ببعضٍ فيرضى بالكفِيل المُطالِبُ
وقد كفل اللهّ الوَفي برزقه
***
 فلم يَرْضَ والإنسانُ فيه عجائب
عليمٌ بأنّ الله مُوفٍ بوَعْده
***
 وفي قَلْبِه شَكٌّ على القَلْبِ دائب
أبَى الجهل إلا أن يَضرُّ بعلْمِه
***
 فلم يُغنِ عَنْه عِلْمُه والتجارب
وله أيضاً:

أتطلُبُ رِزْقَ اللهّ من عند غيْره
***
 وتُصْبِحُ من خوْفِ العواقِبِ آمنا
وترْضى بعَرّافٍ وَإِنْ كان مُشرْكَاً
***
 ضَميناً ولا تَرْضى بربِّكَ ضامنا
وقال أيضاً:

غِنىَ النَّفْس يغْنيها إذا كنْت قانِعاً
***
 وليسَ بمُغْنِيك الكثيرُ من الحِرْص
وإنّ اعتقادَ الهمِّ للخير جامعٌ
***
 وقِلْةَ هَمِّ المَرْءِ تَدْعًو إلى النَّقص
وله أيضاً:

مَن كان ذا مالٍ كثير وَلم
***
 يَقْنَعْ فَذَاك المُوسِرُ المعْسِرُ

وكل من كان قَنُوعاًً وإن
***
 كان مقلاً فَهُو المكثر
الفَقْرُ في النفْس وفيها الغِنىَ
***
 وفي غِنَى النَفس الغِنى الأكبر
وقالَ بَكْر بن حَمّاد:

تبارك مَن ساسَ الأمورَ بِعِلْمه
***
 وذَلَّ له أهلُ السّموات والأرْض
ومنْ قسِمَ الأرزاق بين عِباده
***
 وفَضّلَ بَعضَ النَّاس فيها على بعض
فمن ظَنَّ أنّ الحِرْص فيها يَزيده
***
 فقُولًوا له يزداد في الطول والعَرْض
وقال ابن أبي حازم:

ومًنْتَظِر للموت في كل ساعةٍ
***
 يَشِيدُ وَيِبْني دائباً ويُحَصِّن
له حينَ تَبْلُوه حقيقةُ مُوقِنِ
***
 وأفعالُه أفْعَالُ مَن ليس يُوقِن
عَيانٌ كإِنكارٍ وَكالجهْل عِلْمُهَ
***
 يَشُكّ به في كلِّ ما يتيقن
وقال أيضاً:

اضرع إلى اللهّ لا تَضْرعَ إلى النَّاس
***
 واقْنَعْ بِيأسٍ فإنّ العِزَّ في اليَاس
واستغنِ عن كل ذي قربى وذي رَحِم
***
 إنّ الغَنِيَّ مَنِ استغنى عن الناس
وَله أيضاً:

فلا تَحْرِصَنّ فإنّ الأمور
***
 بكَفِّ الإله مقَاديرُها
فليسَ بآتيك منْهيهاَ
***
 ولا قاصرٍ عنك مأمُورها
وله أيضاً:

كَمْ إلى كم أنت للحِر
***
 ص وللآمال عبْد
ليس يُجْدِي الحِرْصُ وَالسع
***
 يُ إذا لم يك جد
ما لما قد قَدَّرَ الل
***
 ه من الأمر مرد
قد جرى بالشرِّ نَحْسٌ
***
 وجَرَى بالخير سعد
وجرى الناسُ على جَر
***
 يهما قبل وبعد
أَمِنوا الدهر وما للدَ
***
 هر والأيام عهد
غالَهُم فآصطَلَم الجمْ
***
 ع وأفنى ما أعدوا
إنّها الدنيا فلا تح
***
 فل بها جزرٌ ومد
وقال الأضبَطُ بن قُرَيع:

ارْضَ من الدهر ما أتاك به
***
 مَنْ يَرْضَ يوماً بعَيشِهِ نَفَعَهْ
قد يَجْمع المال غيرُ آكله
***
 وَيأكلُ المالَ غيرُ مَنْ جَمَعه
وقال مُسلم بن الوليد:

لن يبطئ الأمرُ ما أمَلْتَ أوبتَه
***
 إذا أعَانَك فيه رِفْقُ مُتَّئِدِ
والدَهْرُ آخِذُ ما أعطى مًكَدِّرُ ما
***
 أصْفي وَمُفْسِدُ ما أهْوَى له بيَد
فلا يَغُرَّنْك من دهرٍ عَطيَّتُهُ
***
 فليس يترُكُ ما أعطى على أحد
وقال كُلْثوم العَتَابي:

تَلُومُ على تَرك الغنَى باهليَّةٌ
***
 لوَى الدهر عنها كلَّ طِرْفٍ وتالِد
رَأتْ حولها النسوانَ يرفُلْنَ في الكُسَا
***
 مقَلَّدَةً أجيادُها بالقلائد
يَسُرَكِ أني نِلْتُ ما نال جَعْفرٌ
***
 وما نال يحيى في الحياة ابن خالد
وأنّ أمير المؤمنين أعضّني
***
 مُعَضهما بالمُرهفات الحدائد
ذَرِيني تَجِئْني ميتتي مُطمَئنَّه
***
 ولم أتجشم هول تلك الموارد
فإنّ الذي يَسْمو إلى الرتب العُلا
***
 سَيُرْمَى بألوان الدُّهى والمكايد
وَجَدْتُ لَذَاذات الحياة مَشوبَةً
***
 بمُسْتودعات في بطون الأسَاوِد
وقال:

حتّى متى أنا في حِلّ وتَرْحال
***
 وطُول شُغلٍ بإدْبار وإِقْبَال
ونازح الدار ما ينفكُّ مُغتَرباً
***
 عن الأحَبِّة ما يَدْرُون ما حالي
بِمَشْرق الأرض طوْراً ثم مَغْرِبَها
***
 لا يَخْطُر الموت من حِرْص على بالي
ولوَ قَنعْتُ أتاني الرِّزْقُ في دَعَةٍ
***
 إنّ القُنُوع الغِنَى لا كثرةُ المال
وقال عبدُ الله بن عباس:
 القَناعة مال لا نَفَاد له. وقال عليُّ بنُ أبي طالب رضي الله عنه:
 الرِّزق رِزْقان:
 فرِزْقٌ تطلبه ورِزْقٌ يطلبك، فإن لم تأته أتاك.
وقال حبيب:

فالرِّزق لا تَكْمَدْ عليه فإنه
***
 يأتي ولم تَبْعث إليه رسولا

وفي كتاب للهند:
 لا ينبغي للمُلتمس أن يَلْتمس من العيش إلا الكفَافَ الذي به يَدْفع الحاجة عن نَفْسه، وما سِوىَ ذلك إنما هو زيادة في تَعَبه وغَمِّه. ومن هذا قالت الحكماء:
 أقلُّ الدنيا يَكْفي وأكثرُها لا يَكفي. وقال أبو ذُؤَيب:

والنَّفْسُ راغبة إذَا رغبتها
***
 وإذا تُرَدُّ إلى قليل تَقْنَعُ
وقال المسيح عليه السلام:
 عجباً منكم، إنكم تعملون للدُّنيا وأنتم تُرزَقُون فيها بلا عمل، ولا تَعْملون للآخرة و " أنتم " لا تُرْزَقون فيها إلا بالعمل. وقال الحسن:
 عَيَرَت اليهود عيسى عليه السلام بالفَقْر، فقالت:
 مِن الغِنَى أتيتم. أخذ هذا المعنى محمودٌ الورَّاق فقال:

يا عائبَ الفَقْرِ ألاَ تَزْدَجِر
***
 عَيْبُ الغِنَى أكثَرُ لو تَعْتَبِرْ
من شرًف الفَقْر ومن فَضْله
***
 عَلَى الغِنَى إن صَحَ منك النظر
أنك تَعْصى كي تنالَ الغِنَى
***
 وليس تَعصى الله كي تَفْتقِر
سُفيان عن مُغيرة عن إبراهيم قال:
 كانوا يَكرِهون الطلب في أطارف الأرض. وقال الأعمش:
 أعطاني البُنَانيُّ مَضَارِبه أخرُج بها إلى ماهٍ، فسألتُ إبراهيم، فقال لي:
 ما كان يَطْلبون الدنَيا هذا الطلب. وبين ماهٍ وبن الكوِفة عشرةُ أيام. الأصمعيُّ عن يُونس بن حَبيب قال:
 ليس دون الإيمان غِنًىِ ولا بعده فقْر. قيل لخالد بن صَفْوان:
 ما أصْبرَك عَلَى هذا الثَوْب " الخَلَق؟ قال:
 رُبَ مَمْلولٍ لا يُسْتطاع فِرَاقه.
وكتب حكيم إلى حكيم يشكو إليه دهرَه:
 إنه ليس من أحد أنْصَفه زمانُه فتصرفت به الحالُ حسب استحقاقه، وإنك لا تَرَى الناسَ إلا أحدَ رجلين:
 إمَا مُقدَّم أخّره حظه، أو متأخِّر قدَّمَه جَدُّه، فارضَ بالحال التِي أنت عليها وإن كانت دون أملك واستحقاقك اختياراً، وإلا رضيت بها اضطراراَ. وقيل للأحْنف بن قيس:
 ما أصبرك على هذا الثوب " ، فقال:
 أحقِ ما صُبِر عليه ما ليس إلى مُفارقته سَبيل.
" قال الأصمعيُّ:
 رأيت أعرابيةَ ذات جمال تسأل بمنى، فقلت لها:
 يا أمَة اللهّ، تسألين ولك هذا الجمال؟ قالت:
 قدَرً الله فما أصنع؟ قلت:
 فمن أين معاشكم؟ قالت:
 هذا الحاج، نَسْقيهم ونغسل ثيابهم؟ قلت:
 فإذا ذهب الحال فمن أين؟ فنظرت إليّ وقالت:
 يا صَلْت الجبين، لو كنّا نعيش من حيث نعلم ما عِشْنا " . وقيل لرجلٍ من أهل المدينة:
 ما أصْبرَك على الخُبْز والتَّمْر؟ قال:
 ليتَهما صبرَا عليّ.
الرضا بقضاء اللّه
قالت الحُكماء:
 أصلُ الزُهد الرِّضا عن اللّه. وقال الفُضَيل بن عِياض:
 استَخيروا الله ولا تتخيروا عليه، فرُبما اختار العبدُ أمرًا هلاَكُه فيه. وقالت الحكماء:
 رُبَّ مَحْسود على رَخاء هو شَقاؤه، ومَرْحُوم من سُقم هو شِفاؤه، ومَغْبُوط بنِعْمَة هي بَلاَؤُه. وقال الشاعر:

قد ينعِم الله بالبَلْوَى وإن عَظُمَت
***
 وَيبْتَلِى الله بَعْضَ القوم بالنِّعَم
" وقال بعضُهم:
 خاطَبني أخٌ من إخواني وعاتبني في طلب الرُتب، فأنشدته:

كم افتقرتُ فلم أَقْعُد على كَمَدِ
***
 وكم غَنِيتُ فلم أكبر على أحدِ
إنَي آمرؤ هانت الدنيا عليّ فما
***
 أشتاق فيها إلى مال ولا وَلَدِ
وقالوا:
 من طَلب فوق الكفاية رجع من الدَّهر إلى أبعد غاية " .

۞۞۞۞۞۞۞۞
 كتاب الزمردة في المواعظ والزهد ﴿ 26 ﴾ 
۞۞۞۞۞۞۞۞
القناعة باب القناعة القناعة باب القناعة

كاتب
كاتب
مصطفى خميس خريج كلية اللغة العربية جامعة الإسكندرية، لعيب كرة قدم سابق لدي نادي أهلي دمنهور، مدون ومحرر اخبار ومالك عدة مواقع إلكترونية.
تعليقات