الفرق بين الكناية والاستعارة في البلاغة العربية دليل شامل
الفرق بين الكناية والاستعارة في البلاغة العربية
مقدمة عن الكناية والاستعارة
الكناية والاستعارة هما من أبرز أساليب البلاغة العربية في علم البيان، ويُعدان أدوات أساسية لإضفاء الجمال والعمق على التعبير اللغوي. يُستخدمان في الشعر العربي، القرآن الكريم، والنصوص الأدبية لنقل المعاني بطريقة إبداعية. على الرغم من تشابههما في استخدام اللغة المجازية، إلا أن هناك فروقات جوهرية بينهما من حيث التعريف، الهدف، وطريقة الاستخدام.
في هذا المقال، سنوضح الفرق بين الكناية والاستعارة، مع تقديم تعريفاتهما، أنواعهما، وأمثلة عملية من القرآن والشعر العربي.
الفرق بين الاستعارة والكناية
يكمن الفرق الجوهري بين الاستعارة والكناية في طبيعة العلاقة بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي، وفي إمكانية إرادة المعنى الأصلي للّفظ أو استبعاده تمامًا.
أولاً: الاستعارة
الاستعارة هي في أصلها تشبيه بليغ حُذف أحد طرفيه الأساسيين، إمّا المشبَّه أو المشبَّه به. والعلاقة بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي فيها هي علاقة المشابهة.
-
المعنى الحقيقي غير مراد إطلاقًا، إذ توجد قرينة تمنع من إرادته وتدل على المعنى المجازي فقط.
-
الغرض منها هو المبالغة في الوصف، وإظهار المعاني في صورة حية مؤثرة.
مثال توضيحي:
رأيتُ أسدًا يخطب على المنبر.
في هذا المثال، المعنى الحقيقي (الحيوان المفترس) غير مراد، لأن القرينة "يخطب" تمنع إرادته.
والمقصود هو رجل شجاع يشبه الأسد في قوته وشجاعته.
إذن، الاستعارة قائمة على التشبيه المحذوف الأركان، والمقصود منها تصوير المعنى في صورة محسوسة مؤثرة.
ثانياً: الكناية
الكناية هي تعبير يُراد به معنى ملازم لمعناه الأصلي، مع جواز إرادة المعنى الحقيقي أيضًا.
فالعلاقة بين المعنيين هنا ليست المشابهة كما في الاستعارة، بل هي علاقة التلازم.
-
يمكن إرادة المعنى الحقيقي، لكنه ليس المقصود الأساس.
-
المعنى المراد هو لازم المعنى الأصلي الذي يدل عليه اللفظ بطريق غير مباشر.
مثال توضيحي:
فلانٌ طويلُ النِّجادِ.
المعنى الحقيقي هو طول حمالة السيف، وهذا ممكن فعلاً،
لكن المقصود هو أن الرجل طويل القامة، لأن طول النجاد يستلزم طول القامة عادة.
إذن، الكناية تعتمد على ذكر اللفظ الدال على المعنى الحقيقي مع إرادة المعنى الملازم له.
ثالثاً: ملخص الفروقات بين الاستعارة والكناية
-
العلاقة:
-
في الاستعارة: المشابهة بين المعنى الحقيقي والمجازي.
-
في الكناية: التلازم بين المعنى الحقيقي والمعنى المقصود.
-
-
المعنى الحقيقي:
-
في الاستعارة: غير جائز الإرادة لوجود قرينة مانعة.
-
في الكناية: جائز الإرادة ولا توجد قرينة تمنع منه.
-
-
الطرفان الأساسيان:
-
في الاستعارة: يُحذف أحد طرفي التشبيه (المشبّه أو المشبّه به).
-
في الكناية: يُذكر اللفظ الحقيقي ويُراد لازمه.
-
-
الغاية والوظيفة:
-
في الاستعارة: تهدف إلى المبالغة والتجسيد وإبراز المعاني في صور حيّة.
-
في الكناية: تهدف إلى قوة التأكيد وتقديم المعنى مصحوبًا بدليل وبرهان.
-
تعريف الكناية
الكناية هي أسلوب بلاغي يُعبّر فيه المتكلم عن معنى بطريقة غير مباشرة، من خلال ذكر صفة أو وصف بدلاً من الشيء نفسه، مع إمكانية إرادة المعنى الحقيقي والمجازي معًا. الكناية تهدف إلى إيصال المعنى بلطف أو تهذيب، أو لإبراز صفة معينة.
أنواع الكناية
- كناية عن صفة: تُذكر صفة للدلالة على موصوف، مثل وصفه بشيء يشتهر به.
- مثال: "فلانٌ طويل النجاد" (أي طويل القامة، حيث النجاد هو حزام السيف).
- كناية عن موصوف: تُذكر صفة للدلالة على الشخص نفسه.
- مثال: "رأيتُ كثير الرماد" (أي شخص كريم، لكثرة رماد النار من إطعام الضيوف).
- كناية عن نسبة: تُذكر صفة للدلالة على نسبة معينة.
- مثال: "فلانٌ واسع الجيب" (أي كريم، لأن جيبه واسع من كثرة العطاء).
مثال قرآني
- "وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ" (الإسراء: 24).
- التحليل: "جناح الذل" كناية عن التواضع واللين في التعامل مع الوالدين، دون ذكر التواضع صراحةً.
تعريف الاستعارة
الاستعارة هي أسلوب بلاغي يُستخدم فيه لفظ للدلالة على معنى غير معناه الأصلي، بناءً على علاقة تشابه بينهما، مع حذف أحد طرفي التشبيه (المستعار منه أو المستعار له). الاستعارة تهدف إلى إبراز جمال الصورة البلاغية وتعزيز التأثير العاطفي.
أنواع الاستعارة
- الاستعارة المكنية: يُذكر المستعار له مع حذف المستعار منه، ويُشار إليه بشيء من لوازمه.
- مثال: "رأيتُ الأسد يزأر في المعركة" (الأسد كناية عن الشجاع، وزأره دليل على المستعار منه).
- الاستعارة التصريحية: يُذكر المستعار منه صراحةً مع حذف المستعار له.
- مثال: "فلانٌ أسدٌ في المعركة" (الأسد مستعار للدلالة على الشجاعة).
مثال قرآني حول الاستعارة
- "وَالصُّبْحُ إِذَا تَنَفَّسَ" (التكوير: 18).
- التحليل: "تنفس" استعارة مكنية، حيث شُبه الصبح بشخص يتنفس، وحُذف المستعار له (الشخص) مع الإشارة إلى "التنفس" كلازم له.
الفرق بين الكناية والاستعارة
الفرق بين الكناية والاستعارة يكمن في الطريقة التي يُعبَّر بها عن المعنى، والعلاقة بين الألفاظ المستخدمة وما يُراد بها.- الكناية هي تعبير غير مباشر يُقصد به معنى خفي، ويُستخدم فيه وصف أو صفة للدلالة على هذا المعنى دون التصريح به. لا تقوم الكناية على التشابه، بل على الإشارة أو النسبة. مثل قولنا: "فلانٌ كثير الرماد"، فليس المقصود أن عنده رمادًا فعليًا، بل هي كناية عن كرمه؛ لأن كثرة الرماد تُشير إلى كثرة الطبخ والضيافة. وغالبًا ما تُستخدم الكناية للتهذيب أو التلميح أو إبراز صفات بطريقة غير صريحة.
- أما الاستعارة فهي استخدام لفظ بمعنى غير معناه الحقيقي على سبيل التشبيه، وهي تقوم أساسًا على وجود تشابه بين الشيء المذكور والشيء المقصود. فعندما نقول: "فلانٌ أسدٌ"، فإننا لا نقصد أنه حيوان مفترس، بل نشبهه بالأسد في الشجاعة، فـ"الأسد" هنا مستعار للشجاع. تُستخدم الاستعارة لإضفاء طابع بلاغي أو تصويري على الكلام، وتعزز الإحساس والانفعال.
امثلة على الكناية والاستعارة في القرآن الكريم
- كناية في قوله تعالى: "واخفض لهما جناح الذل من الرحمة" (الإسراء: 24)، فـ"جناح الذل" كناية عن التواضع ولين الجانب.
- استعارة في قوله: "والصبح إذا تنفس" (التكوير: 18)، فـ"تنفس الصبح" استعارة، لأن الصبح لا يتنفس حقيقة، وإنما شبَّه انبثاق نوره بتنفُّس الإنسان.
باختصار
- الكناية تعتمد على الوصف أو النسبة، وتوحي بالمعنى دون أن تصرّح به.
- الاستعارة تعتمد على التشبيه، وتستخدم لفظًا في غير معناه الأصلي بسبب وجود تشابه بينهما.
توضيح الفرق بالأمثلة بين الكناية والاستعارة
- كناية: "رأيتُ فلانًا طويل الباع" (أي واسع النفوذ أو الكرم). الكناية هنا تُشير إلى صفة (طول الباع) دون ذكر النفوذ صراحةً.
- استعارة: "فلانٌ بحرٌ في العلم" (البحر مستعار للدلالة على سعة العلم). الاستعارة تعتمد على التشابه بين سعة البحر وسعة العلم.
أمثلة على الفرق بين الكناية والاستعارة من الشعر العربي
- كناية: من شعر المتنبي:
وكم ذا بمصرَ من المضحكاتِ ولكنهُ ضحكٌ كالبكاءِ- التحليل: "ضحك كالبكاء" كناية عن الحزن العميق المقنّع بالضحك.
- استعارة: من شعر أحمد شوقي:
سلامٌ من صبا بردى أرقُّ - التحليل: "صبا بردى" استعارة تصريحية، حيث شُبه النسيم بالشخص الذي يُرسل السلام.
نصائح للطلاب والباحثين للفرق بين الكناية والاستعارة
- فهم العلاقة: الكناية تعتمد على الوصف أو النسبة، بينما الاستعارة تعتمد على التشابه.
- تحليل النصوص: راجع النصوص القرآنية والشعرية لتمييز الكناية عن الاستعارة.
- ممارسة الأمثلة: حاول صياغة جمل تحتوي على كناية (مثل "فلانٌ واسع الجيب") واستعارة (مثل "قلبهُ نارٌ").
- مراجعة السياق: السياق يساعد في تحديد ما إذا كان الأسلوب كناية أم استعارة.
أخطاء شائعة حول الفرق بين الاستعارة والكناية
- الخلط بين الكناية والاستعارة: مثل اعتبار "طويل النجاد" استعارة بدلاً من كناية.
- إهمال العلاقة: عدم التركيز على التشابه في الاستعارة أو الصفة في الكناية.
- عدم مراعاة السياق: تحليل النص دون النظر إلى المعنى المقصود.