الكناية في البلاغة شرح كامل لأنواعها وأغراضها مع أمثلة واضحة ومفصلة
الكناية وأهميتها في اللغة العربية
تُعدّ الكناية من أبرز الأساليب البلاغية في اللغة العربية، حيث تضفي على الكلام جمالًا وغموضًا يدفع القارئ للتأمل والتفكير. الكناية أسلوب غير مباشر يُستخدم لإيصال المعنى دون تصريح واضح، مما يجعلها أكثر قوة وعمقًا في التعبير.
في هذا المقال سنقدم شرحًا شاملاً للكناية، مع تعريفها، تقسيماتها، أهم أغراضها البلاغية، أمثلة من القرآن الكريم والأدب، والفرق بينها وبين المجاز.
تعريف الكناية في اللغة والاصطلاح البلاغي
-
الكناية لغةً: تعني الخفاء والستر، أي إخفاء المعنى الحقيقي وراء ألفاظ أخرى.
-
الكناية اصطلاحًا: هي أسلوب بلاغي يعتمد على إتيان المعنى المقصود بطريقة غير مباشرة، بحيث يُذكر لفظ يُراد به معنى آخر، مصحوبًا بدليل ملازم لهذا المعنى، يُسمى "دليل الكناية".
الكناية بذلك تُظهر المعنى بلا تصريح، أي بالإشارة إليه من خلال شيء ملازم له أو متصل به، مما يجعل المعنى أكثر حيوية وبلاغة.
مفهوم الكناية البلاغي
الكناية تعني إطلاق لفظ والمراد به معنى غيره، لكن مع وجود قرينة أو دليل يُبيّن ذلك، ويمنع إرادة المعنى الأصلي الحرفي للكلمة.
مثال: "يُشار إليه بالبنان" – اللفظ يشير إلى حركة اليد، لكن المقصود هو الشهرة، والدليل هو "الإشارة بالبنان" التي دلت على شهرة هذا الشخص.
أنواع الكناية وأمثلتها التفصيلية
1. الكناية عن صفة
في هذا النوع تُذكر الموصوف أو شيء متعلق به، وتكنى عن صفة ملازمة له، بحيث يترك للقارئ استنباط الصفة.
أمثلة على الكناية عن صفة
-
"له إبل لا تعد": كناية عن الثراء والغنى.
-
الخنساء في رثاء أخيها صخر تقول:
-
"طويل النجاد" → كناية عن طول القامة.
-
"رفيع العماد" → كناية عن السمو والرفعة.
-
"كثير الرماد إذا ما شتى" → كناية عن الكرم والسخاء.
-
-
"يُشار إليه بالبنان" → كناية عن الشهرة الواسعة.
-
"لا يفارقه جواز سفره" → كناية عن كثرة السفر والتنقل.
-
"مرفوع الرأس" → كناية عن الفخر والاعتزاز بالنفس.
2. الكناية عن الموصوف
في هذا النوع يُذكر شيء مرتبط بالموصوف كناية عنه، أو تذكر صفة وتكنى عن الموصوف نفسه.
أمثلة على الكناية عن الموصوف
-
في القرآن الكريم:
-
(وَحَمَلْنَاهُ عَلَى "ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ") → كناية عن السفينة.
-
(فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن "كَصَاحِبِ الْحُوتِ") → كناية عن النبي يونس عليه السلام.
-
(اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن "نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ") → كناية عن آدم عليه السلام.
-
-
في الأدب والحياة:
-
"بناة الأهرام" → كناية عن الفراعنة.
-
"أبناء النيل" → كناية عن المصريين.
-
"لغة الضاد" → كناية عن اللغة العربية.
-
"الناطقون بالضاد" → كناية عن العرب.
3. الكناية عن نسبة
تُنسب في هذا النوع صفة إلى شيء مرتبط بالموصوف وليس إليه مباشرة، أو توضع الصفة والموصوف معًا لكن تُكنى عن درجة القرب أو البعد بينهما.
أمثلة على الكناية عن نسبة
-
قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "الخيل معقود في نواصيها الخير"
-
النواصي (رأس الخيل) تُنسب إليها الصفة (الخير) نسبة مجازية، مع أن الخير من صفات الخيل نفسها.
-
-
قول الشاعر:
"النور يتبع موكب الأمير"-
نسبة النور إلى الموكب، والمقصود هو إشاعة الفخامة والبهاء.
-
-
قول الشاعر:
"فما جاده الجود ولا حل دونَه، ولكن يسير الجود حيث يسير" -
الجود ملازم للمكنى عنه في كل مكان يذهب إليه.
الأغراض البلاغية للكناية
-
الإلغاز والتشويق: تجعل الكلام أجمل وأكثر إثارة.
-
الستر: لتجنب التصريح بأمور محرجة أو حساسة.
-
التأكيد: لأن الدليل المصاحب يثبت المعنى بقوة.
-
التجسيم: تحويل المعنى إلى صورة محسوسة.
-
التصوير: يخلق صورة ذهنية حية للمعنى.
-
دفع الحرج: في التعبير عن معانٍ لا يرغب المتكلم في الإفصاح عنها مباشرة.
الفرق بين الكناية والمجاز
-
الكناية: يراد بها المعنى الحقيقي، ويُذكر دليل يدل عليه، فلا يمنع إرادة المعنى الأصلي وجود المعنى المجازي.
-
المجاز: تُمنع إرادة المعنى الأصلي بواسطة قرينة تمنع فهمه حرفيًا، فيُراد اللفظ بمعنى غير معناه الحقيقي.
خلاصة وأهمية الكناية في البلاغة العربية
الكناية من أعظم أساليب البلاغة في اللغة العربية، فهي تجمع بين جمال التعبير وعمق المعنى، وتمكن المتكلم من إيصال أفكاره بطريقة جذابة وراقية. كما تساعد في الحفاظ على الحياء والأدب عند الحديث عن مواضيع حساسة أو تحتاج إلى أدب في التعبير.