باب استحباب دخول مكة من الثنية العليا والخروج منها من الثنية السفلى ودخول بلدة من طريق غير التي خرج منها
باب استحباب دخول مكة من الثنية العليا والخروج منها من الثنية السفلى
2203- قَوْله: «عَنْ اِبْن عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْرُج مِنْ طَرِيق الشَّجَرَة وَيَدْخُل مِنْ طَرِيق الْمُعَرَّس، وَإِذَا دَخَلَ مَكَّة دَخَلَ مِنْ الثَّنِيَّة الْعُلْيَا، وَيَخْرُج مِنْ الثَّنِيَّة السُّفْلَى».
قِيلَ: إِنَّمَا فَعَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْمُخَالَفَة فِي طَرِيقه دَاخِلًا وَخَارِجًا تَفَاؤُلًا بِتَغَيُّرِ الْحَال إِلَى أَكْمَل مِنْهُ، كَمَا فَعَلَ فِي الْعِيد، وَلِيَشْهَد لَهُ الطَّرِيقَانِ، وَلِيَتَبَرَّك بِهِ أَهْلهمَا، وَمَذْهَبنَا: أَنَّهُ يُسْتَحَبّ دُخُول مَكَّة مِنْ الثَّنِيَّة الْعُلْيَا، وَالْخُرُوج مِنْهَا مِنْ السُّفْلَى لِهَذَا الْحَدِيث، وَلَا فَرْق بَيْن أَنْ تَكُون هَذِهِ الثَّنِيَّة عَلَى طَرِيقه كَالْمَدَنِيِّ وَالشَّامِيّ أَوْ لَا تَكُون كَالْيَمَنِيِّ، فَيُسْتَحَبّ لِلْيَمَنِيِّ وَغَيْره أَنْ يَسْتَدِير وَيَدْخُل مَكَّة مِنْ الثَّنِيَّة الْعُلْيَا، وَقَالَ بَعْض أَصْحَابنَا: إِنَّمَا فَعَلَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهَا كَانَتْ عَلَى طَرِيقه، وَلَا يُسْتَحَبّ لِمَنْ لَيْسَتْ عَلَى طَرِيقه كَالْيَمَنِيِّ، وَهَذَا ضَعِيف وَالصَّوَاب الْأَوَّل، وَهَكَذَا يُسْتَحَبّ لَهُ أَنْ يَخْرُج مِنْ بَلَده مِنْ طَرِيق، وَيَرْجِع مِنْ أُخْرَى لِهَذَا الْحَدِيث.
وَقَوْله: (الْمُعَرَّس) هُوَ بِضَمِّ الْمِيم وَفَتْح الْعَيْن الْمُهْمَلَة وَالرَّاء الْمُشَدَّدَة، وَهُوَ مَوْضِع مَعْرُوف بِقُرْبِ الْمَدِينَة عَلَى سِتَّة أَمْيَال مِنْهَا.
قَوْله: (الْعُلْيَا الَّتِي بِالْبَطْحَاءِ) هِيَ بِالْمَدِّ، وَيُقَال لَهَا الْبَطْحَاء وَالْأَبْطَح، وَهِيَ بِجَنْبِ الْمُحَصَّب، وَهَذِهِ الثَّنِيَّة يَنْحَدِر مِنْهَا إِلَى مَقَابِر مَكَّة.
✯✯✯✯✯✯
2205- قَوْله: «فِي حَدِيث عَائِشَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَام الْفَتْح مِنْ كَدَاء مِنْ أَعْلَى مَكَّة» هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ بِفَتْحِ الْكَاف وَبِالْمَدِّ، وَهَكَذَا هُوَ فِي نُسَخ بِلَادنَا، وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاض عَنْ رِوَايَة الْجُمْهُور، قَالَ: وَضَبَطَهُ السَّمَرْقَنْدِيّ بِفَتْحِ الْكَاف وَالْقَصْر.
قَوْله: (قَالَ هِشَام- يَعْنِي اِبْن عُرْوَة- فَكَانَ أَبِي يَدْخُل مِنْهُمَا كِلَيْهِمَا) (وَكَانَ أَبِي أَكْثَر مَا يَدْخُل مِنْ كَدَاء) اِخْتَلَفُوا فِي ضَبْط (كَدَاء) هَذِهِ، قَالَ جُمْهُور الْعُلَمَاء بِهَذَا الْفَنّ: كَدَاء بِفَتْحِ الْكَاف وَبِالْمَدِّ- هِيَ الثَّنِيَّة الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّة (وَكُدًى) بِضَمِّ الْكَاف وَبِالْقَصْرِ هِيَ الَّتِي بِأَسْفَل مَكَّة، وَكَانَ عُرْوَة يَدْخُل مِنْ كِلَيْهِمَا، وَأَكْثَر دُخُوله مِنْ كَدَاء بِفَتْحِ الْكَاف فَهَذَا أَشْهَر، وَقِيلَ: بِالضَّمِّ، وَلَمْ يَذْكُر الْقَاضِي عِيَاض غَيْره، وَأَمَّا (كُدَيّ) بِضَمِّ الْكَاف وَتَشْدِيد الْيَاء فَهُوَ فِي طَرِيق الْخَارِج إِلَى الْيَمَن، وَلَيْسَ مِنْ هَذَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ فِي شَيْء هَذَا قَوْل الْجُمْهُور، وَاَللَّه أَعْلَمبَاب اِسْتِحْبَاب الْمَبِيت بِذِي طَوًى عِنْد إِرَادَة دُخُول مَكَّة وَالِاغْتِسَال لِدُخُولِهَا وَدُخُولهَا نَهَارًا.
قَوْله: «عَنْ اِبْن عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاتَ بِذِي طَوًى حَتَّى أَصْبَحَ ثُمَّ دَخَلَ مَكَّة، وَكَانَ اِبْن عُمَر يَفْعَل ذَلِكَ» وَفِي رِوَايَة: «حَتَّى صَلَّى الصُّبْح»: وَفِي رِوَايَة عَنْ نَافِع عَنْ اِبْن عُمَر: «كَانَ لَا يَقْدَم مَكَّة إِلَّا بَاتَ بِذِي طَوًى حَتَّى يُصْبِح وَيَغْتَسِل ثُمَّ يَدْخُل مَكَّة نَهَارًا» وَيُذْكَر عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ فَعَلَهُ.
فِي هَذِهِ الرِّوَايَات فَوَائِد مِنْهَا: الِاغْتِسَال لِدُخُولِ مَكَّة، وَأَنَّهُ يَكُون بِذِي طَوًى لِمَنْ كَانَتْ فِي طَرِيقه، وَيَكُون بِقَدْرٍ بَعْدهَا لِمَنْ لَمْ تَكُنْ فِي طَرِيقه، قَالَ أَصْحَابنَا: وَهَذَا الْغُسْل سُنَّة، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ تَيَمَّمَ، وَمِنْهَا: الْمَبِيت بِذِي طَوًى، وَهُوَ مُسْتَحَبّ لِمَنْ هُوَ عَلَى طَرِيقه، وَهُوَ مَوْضِع مَعْرُوف بِقُرْبِ مَكَّة، يُقَال بِفَتْحِ الطَّاء وَضَمّهَا وَكَسْرهَا، وَالْفَتْح أَفْصَح وَأَشْهَر، وَيُصْرَف وَلَا يُصْرَف.
وَمِنْهَا اِسْتِحْبَاب دُخُول مَكَّة نَهَارًا وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ مِنْ أَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ أَنَّ دُخُولهَا نَهَارًا أَفْضَل مِنْ اللَّيْل، وَقَالَ بَعْض أَصْحَابنَا وَجَمَاعَة مِنْ السَّلَف: اللَّيْل وَالنَّهَار فِي ذَلِكَ سَوَاء، وَلَا فَضِيلَة لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَر، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَهَا مُحْرِمًا بِعُمْرَةِ الْجِعِرَّانَة لَيْلًا، وَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ حَمَلَهُ عَلَى بَيَان الْجَوَاز.
وَاَللَّه أَعْلَم.
✯✯✯✯✯✯
2206- سبق شرحه بالباب.
✯✯✯✯✯✯
2207- سبق شرحه بالباب.
✯✯✯✯✯✯
2208- سبق شرحه بالباب.
✯✯✯✯✯✯
2209- قَوْله: «اِسْتَقْبَلَ فُرْضَتَيْ الْجَبَل» هُوَ بِفَاءٍ مَضْمُومَة ثُمَّ رَاء سَاكِنَة ثُمَّ ضَاد مُعْجَمَة مَفْتُوحَة.
وَهُمَا تَثْنِيَة فُرْضَة وَهِيَ الثَّنِيَّة الْمُرْتَفِعَة مِنْ الْجَبَل.
قَوْله: (عَشَرَة أَذْرُع) كَذَا فِي بَعْض النُّسَخ، وَفِي بَعْضهَا (عَشْر) بِحَذْفِ الْهَاء، وَهُمَا لُغَتَانِ فِي الذِّرَاع التَّذْكِير وَالتَّأْنِيث، وَهُوَ الْأَفْصَح الْأَشْهَر، وَاَللَّه أَعْلَم.
باب استحباب دخول مكة من الثنية العليا والخروج منها من الثنية السفلى باب استحباب دخول مكة من الثنية العليا والخروج منها من الثنية السفلى