ما يأخذ به السلطان من الحزم والعزم ما يأخذ به السلطان من الحزم والعزم
ما يأخذ به السلطان من الحزم والعزم
يتناول النص المقتبس من كتاب اللؤلؤة في السلطان (الفصل الثاني عشر) موضوع الحزم والعزم كصفات أساسية للسلطان الناجح، مؤكداً أن القيادة الفعّالة تتطلب ضبط النفس، الحكمة في اتخاذ القرار، والحسم في مواجهة التحديات. يقدم النص أقوال الحكماء، وصايا الخلفاء، وتجارب تاريخية، مع التركيز على أهمية العدل، اليقظة، وتجنب التهاون في إدارة الدولة. فيما يلي تحليل النص مع التركيز على دلالاته البلاغية، الأخلاقية، والسياسية.
1. الأساس النظري الحزم والعزم في القيادة
يؤكد النص أن الحزم (الحسم في القرار) والعزم (الثبات على الهدف) هما ركيزتا نجاح السلطان:
- الحكماء: «أحزم الملوك من قهر جده هزله، وغلب رأيه هواه». يستخدم النص التقابلة (جد/هزل، رأي/هوى) ليبرز أن الحزم يتطلب ضبط النفس وتغليب العقل. «جعل له الفكر صاحباً يحسن له العواقب» يشبّه الفكر بصديق (تشبيه بليغ)، مؤكداً أهمية التخطيط. «أعرب عن ضميره فعله» يعكس الإيجاز في ربط النوايا بالأفعال.
- عبد الملك بن مروان لابنه الوليد: «ليس بين السلطان وبين أن يملك الرعية أو تملكه الرعية إلا حزم أو توان». يستخدم المقابلة (حزم/توان، يملك/تملكه) ليؤكد أن الحزم هو الفيصل بين السيطرة والضعف.
2. مخاطر التهاون الصغير يؤدي إلى الكبير
- الحكماء: «لا ينبغي للعاقل أن يستصغر شيئاً من الخطأ... فقد رأينا الملوك تؤتى من العدو المحتقر». يحذر من إهمال الأخطاء الصغيرة، مستخدماً التشبيه (الأنهار من الجداول، الصحة من الداء اليسير) ليبرز أن الصغائر تتراكم لتصبح كبائر. الإطناب في سرد الأمثلة (ملوك، صحة، أنهار) يعزز التأثير.
- أسباب ذم الرعية: النص يحدد ثلاثة أسباب (التقسيم):
- كريم قُصر عن قدره فأضمر ضغينة.
- لئيم رُفع فوق استحقاقه فأصبح متبختراً.
- رجل حُرم الإنصاف فشكا الظلم. هذا يعكس أهمية العدل والتوازن في التعامل مع الرعية.
3. وصايا وتجارب تاريخية
- كتاب للهند: «خير الملوك من أشبه النسر حوله الجيف، لا من أشبه الجيف حولها النسور». يستخدم التشبيه ليبرز أن الملك الحازم يسيطر على محيطه (كالنسر)، بينما الضعيف يصبح فريسة (الإيجاز لتكثيف المعنى).
- ملك سُلب ملكه: يعزو سقوطه إلى التسويف، تضييع الموارد، والثقة بالمخدوعين (الإطناب لتوضيح الأسباب). «المخدوع من بلغ قدراً لا يستحقه» يؤكد خطر تعيين غير الأكفاء.
- علي بن أبي طالب: «انتهزوا الفرص فإنها تمر مر السحاب». يشبّه الفرص بالسحاب (تشبيه بليغ)، داعياً إلى العزم في اغتنامها (الإيجاز).
4. عمر بن الخطاب: نموذج الحزم
يبرز النص عمر بن الخطاب كأنموذج للحزم:
- عائشة: «كان أحوزياً نسيج وحده، وقد أعد للأمور أقرانها». تصفه بالحكمة الفريدة (الإيجاز مع التعبير الرمزي).
- المغيرة بن شعبة: «ما رأيت أحداً أحزم من عمر... له فضل يمنعه أن يخدع». يؤكد ذكاءه ونزاهته (التكرير للتأكيد).
- عمر عن نفسه: «لست بخب، والخب لا يخدعني». يعكس ثقته بحزمه (الإيجاز مع المقابلة).
- مواقف عمر:
- مع سعد بن أبي وقاص: عندما شاطره ماله لتجميعه ثروة، رد على تهديده بالدعاء بثقة (الحزم في العدل).
- مع أبي موسى الأشعري: استجوبه عن ثروته، وأعاده للعمل بعد توضيح نزاهته (التوازن بين الحزم والإنصاف).
- مع أبي هريرة: ضربه لتجميعه ثروة مشبوهة، لكنه عرضه للعمل لاحقاً (الحزم مع العفو).
- مع عمرو بن العاص: شاطره ماله عندما وجد ثروة غير مبررة، متجاهلاً تبريراته (الإيجاز في القرار).
- مع أبي سفيان: قيّده بالأدهم لحجبه المال، مما يعكس الحزم في مواجهة النفوذ.
- مع عتبة بن أبي سفيان: صادر ماله لعدم تبريره، مؤكداً أن أموال العمال ملك للمسلمين (العدل).
5. تجارب أخرى في الحزم
- يزيد بن الوليد لمروان بن محمد: «اعتمد على أيهما شئت» يعكس الإيجاز في الحسم ضد التردد (التهديد الضمني).
- أبو غسان لأهل مرو: «ليمسيني الماء أو لتصبحنكم الخيل». يستخدم المقابلة (ماء/خيل) ليبرز الحزم، مع النتيجة السريعة (إرسال الماء).
- عبد الله بن طاهر للحسن بن عمر: يهدد بإرسال رجال لا يميزون (الإطناب في التهديد) لضمان حماية الطريق.
- الحجاج بن يوسف: أمر بعزل وكيع بن حسان وهدم بنائه (الإيجاز في القرار)، وهدد الأعراب بجيش مدمر (الإطناب للترهيب)، مما أوقف فسادهم.
6. التحليل البلاغي
- الإيجاز: يبرز في أقوال عمر وعلي، حيث تكثف المعاني (مثل «لست بخب، والخب لا يخدعني»).
- الإطناب: يظهر في تهديدات الحجاج وعبد الله بن طاهر، لتعزيز الهيبة.
- المساواة: كما في وصية عبد الملك، حيث تتساوى الألفاظ مع المعنى.
- الصور البلاغية:
- التشبيه: (النسر/الجيف، الفرص/السحاب، الأنهار/الجداول).
- المقابلة: (حزم/توان، رأي/هوى، ماء/خيل).
- التكرير: في تهديدات الحجاج لتأكيد الترهيب.
- الاستعارة: (الفكر صاحب، أعناق الدراهم).
- التقسيم: في أسباب ذم الرعية (كريم، لئيم، محروم).
7. الدلالات الأخلاقية والسياسية
- الحزم كأساس القيادة: النص يؤكد أن الحزم يمنع السلطان من الوقوع تحت سيطرة الرعية.
- ضبط النفس: تغليب الرأي على الهوى (الحكماء، عمر) يضمن قرارات عقلانية.
- العدل في الحزم: مواقف عمر تبرز أن الحزم يجب أن يقترن بالإنصاف.
- خطر التهاون: إهمال الصغائر (عدو محتقر، داء يسير) يؤدي إلى كوارث.
- اختيار الأكفاء: تعيين غير المستحقين (كما في قول الملك المخلوع) يهدد الملك.
- سرعة القرار: تجارب أبو غسان والحجاج تؤكد أهمية الحسم في الأزمات.
8. الخلاصة
نص ما يأخذ به السلطان من الحزم والعزم من كتاب اللؤلؤة في السلطان يقدم رؤية شاملة للقيادة الحازمة، مرتكزاً على ضبط النفس، العدل، واليقظة. أقوال الحكماء، وصايا الخلفاء (خاصة عمر بن الخطاب)، وتجارب الحجاج وأبو غسان تبرز أهمية الحزم في مواجهة التحديات. الأساليب البلاغية (الإيجاز، الإطناب، التشبيهات) تعزز تأثير النص، مما يجعله درساً خالداً في فن القيادة السياسية والإدارية.
ما يأخذ به السلطان من الحزم والعزم ما يأخذ به السلطان من الحزم والعزم