وفود جرير على عبد الملك بن مروان وفود جرير على عبد الملك بن مروان
وفود جرير على عبد الملك بن مروان قصة الشعر والمكافأة
جرير والحجاج وعبد الملك
جرير بن عطية الخطفي، أحد أعظم شعراء العصر الأموي، اشتهر بفصاحته وقدرته على نظم المدح والفخر بأسلوب يجمع بين القوة اللغوية والجرأة. وفي إحدى أبرز قصص وفوده، مدح جرير الحجاج بن يوسف، والي العراق البارز، بأبيات أثنت على قوته وحزمه، فأرسله الحجاج إلى الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان ليمدحه. تُظهر هذه القصة، كما وردت في كتاب "الجمانة في الوفود"، تفاعل الشعراء مع السلطة وكيف كان الشعر وسيلة لتحقيق المكانة والمكافأة. يروي هذا المقال قصة وفود جرير على عبد الملك، مع تسليط الضوء على أبياته وردود الخليفة.
مدح جرير للحجاج بن يوسف
من سدَّ مطلع النفاق عليكم
أم من يصول كصولة الحجاج
أم من يغار على النساء حفيظة
إذ لا يثقن بغيرة الأزواج
وقال أيضًا:
دعا الحجاج مثل دعاء نوح
فأسمع ذا المعارج فاستجابا
أعجب الحجاج بهذا المدح لما فيه من قوة وإظهار لسلطته، لكنه قال لجرير: "إن الطاقة تعجز عن المكافأة، ولكني موفدك على أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان، فسر إليه بكتابي هذا." وهكذا، أرسل الحجاج جريرًا إلى الخليفة مع كتاب توصية، ليكون المدح والمكافأة من الخليفة نفسه.
وفود جرير على عبد الملك
وصل جرير إلى دمشق، عاصمة الدولة الأموية، واستأذن عبد الملك بن مروان في إنشاد قصيدته. أذن له الخليفة، فبدأ جرير بقصيدته التي حملت مدحًا للخليفة وسلطته. من أبياته:
أتصحو بل فؤادك غير صاحي
رد عبد الملك بذكاء: "بل فؤادك!"، في إشارة إلى جرأة جرير وفصاحته. واصل جرير إنشاده حتى وصل إلى الأبيات التي أثارت إعجاب الخليفة:
تعزت أم حزرة ثم قالت
رأيت الواردين ذوي امتياح
ثقي بالله ليس له شريك
ومن عند الخليفة بالنجاح
سأشكر إن رددت إلي ريشي
وأثبت القوادم في جناحي
ألستم خير من ركب المطايا
وأندى العالمين بطون راح
عند سماع هذه الأبيات، تأثر عبد الملك، الذي كان متكئًا، فاستوى جالسًا، وقال: "من مدحنا منكم فليمدحنا بمثل هذا أو ليسكت!"، معبرًا عن إعجابه الشديد بفصاحة جرير ودقة مدحه. ثم سأل الخليفة: "يا جرير، أترى أم حزرة ترويها مائة ناقة من نعم كلب؟"، فقال جرير بذكاء وجرأة: "إذا لم تروها يا أمير المؤمنين فلا أرواها الله!"
مكافأة عبد الملك لجرير
استجاب عبد الملك لطلب جرير وأمر له بمائة ناقة من نعم كلب، وهي نوق معروفة بجودتها وسواد حدقتها. لكن جرير، مدركًا أن النوق قد تُباع أو تُفقد، طلب إضافة رعاة لها، قائلًا: "إنها أباق ونحن مشايخ، وليس بأحدنا فضل عن راحلته، فلو أمرت بالرعاء." فأمر عبد الملك بثمانية رعاة للنوق.
وأثناء المجلس، كانت أمام عبد الملك صحاف (صحون) من فضة يقرعها بقضيب في يده. لاحظ جرير إحدى هذه الصحاف، فقال: "والمحلب يا أمير المؤمنين!"، مشيرًا إلى صحفة منها. فرماها عبد الملك إليه بالقضيب وقال: "خذها لا نفعتك!"، في لحظة تجمع بين السخاء والمزاح.
شعر جرير في المكافأة
بعد هذا العطاء، نظم جرير أبياتًا يصف فيها مكافأة عبد الملك، قائلًا:
أعطوا هنيدة يحدوها ثمانية
ما في عطائهم من ولا شرف
هذه الأبيات، رغم إشارتها إلى العطاء، تحمل نبرة نقد خفيفة، ربما تعبيرًا عن طمع جرير أو إشارة إلى أن العطاء لم يكن كاملاً في نظره، مما يعكس جرأته حتى بعد المكافأة.
دروس من وفود جرير
- قوة الشعر في العصر الأموي: كان الشعر وسيلة فعالة للتواصل مع السلطة، يعبر عن الولاء ويحقق مكاسب مادية ومعنوية.
- ذكاء جرير وجرأته: أظهر جرير مهارة في مخاطبة الخليفة، مستخدمًا الفصاحة والجرأة لضمان تحقيق مطالبه.
- سخاء عبد الملك: يعكس رد الخليفة ومكافأته الكبيرة مكانته كحاكم يقدر المدح الصادق ويجزل العطاء.
- التفاعل بين الشاعر والسلطة: تُظهر القصة ديناميكية العلاقة بين الشعراء والحكام، حيث يجمع المدح بين الإطراء والمطالبة.
الأسئلة الشائعة
1. من هو جرير بن عطية؟
جرير بن عطية الخطفي، شاعر أموي بارز، اشتهر بمدحه للخلفاء والولاة وبمناظراته الشعرية مع الفرزدق والأخطل.
2. لماذا أرسل الحجاج جريرًا إلى عبد الملك؟
أعجب الحجاج بمدح جرير له، لكنه رأى أن مكافأته تفوق طاقته، فأوكل الأمر إلى الخليفة عبد الملك.
3. ما الذي مُنح لجرير من عبد الملك؟
مُنح جرير مائة ناقة من نعم كلب، ثمانية رعاة، وصحفة فضة.
4. ما دلالة أبيات جرير الأخيرة؟
تعبر عن شكره للعطاء مع نبرة نقد خفيفة، ربما للإشارة إلى أن العطاء لم يكن كافيًا في نظره.
5. كيف كان دور الشعر في العصر الأموي؟
كان الشعر وسيلة للمدح، الهجاء، والمناظرة، وأداة سياسية لتعزيز الولاء للسلطة وتحقيق المكاسب.
خاتمة
وفود جرير على عبد الملك بن مروان، كما ورد في كتاب "الجمانة في الوفود"، تُظهر تفاعلًا فريدًا بين الشعر والسلطة في العصر الأموي. أبيات جرير، التي جمعت بين الفصاحة والجرأة، أثرت في الخليفة، مما أدى إلى مكافأته بسخاء. تُبرز هذه القصة أهمية الشعر كأداة ثقافية وسياسية، وتعكس ذكاء جرير في استثمار موهبته لنيل رضا الحاكم. نسأل الله أن يرزقنا الفصاحة في القول والعمل الصالح.
المصدر: كتاب "الجمانة في الوفود"، مع توضيح الأحداث بناءً على الرواية المذكورة.
وفود جرير على عبد الملك بن مروان