الوفود على عمر بن عبد العزيز الوفود على عمر بن عبد العزيز
الوفود على عمر بن عبد العزيز
قدم جرير بن الخطفي على عمر بن عبد العزيز عن أهل الحجاز، فاستأذنه في إنشاد الشعر. فقال عمر:
ما لي وللشعر يا جرير؟ إني لفي شغل عنه.
فقال جرير:
يا أمير المؤمنين، إنها رسالة عن أهل الحجاز.
فقال عمر:
فهاتها إذن.
فقال جرير:
كم من ضرير أمير المؤمنين لدى
أهل الحجاز دهاه البؤس والضرر
أصابت السنة الشهباء ما ملكت
يمينه فحناه الجهد والكبر
ومن قطيع الحشا عاشت مخبأة
ما كانت الشمس تلقاها ولا القمر
لما اجتلتها صروف الدهر كارهة
قامت تنادي بأعلى الصوت: يا عمر
وفود دُكين الراجز على عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه
ذكر دكين بن رجاء الفقيمي أنه مدح عمر وهو والٍ على المدينة، فأعطاه خمس عشرة ناقة، وبعد فترة بلغه أن عمر صار خليفة، فتوجه إليه، ولقي في الطريق جريرًا، فقال له جرير:
من عند أمير يعطي الفقراء ويمنع الشعراء.
فأنشده دكين عند وصوله:
يا عمر الخيرات والمكارم
وعمر الدسائع العظائم
إني امرؤ من قطن بن دارم
أطلب حاجي من أخي مكارم
...
عند أبي يحيى وعند سالم
فقال له عمر:
إن لي نفسًا تواقة... فلما أدركت منازل الدنيا تاقت إلى الآخرة... وما عندي إلا ألفا درهم، أعطيك أحدهما.
فأمر له بألف درهم، فكانت أعظم بركة عليه.
وفود كثير والأحوص على عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه
قال حماد الراوية إن كثيرًا والأحوص ونُصيب ذهبوا إلى عمر بن عبد العزيز يطلبون العطاء. ولكن عمر لم يأذن لهم. فلما أُذن لكثير أخيرًا أن ينشد، أنشد قصيدةً مطلعها:
وليت فلم تشتم عليًا ولم تخف
بريًا ولم تقبل إشارة مجرم
وانتهت ببيت مؤثر:
فأربح بها من صفقة لمبايع
وأعظم بها أعظم بها ثم أعظم
ثم أنشد الأحوص:
وما الشعر إلا حكمة من مؤلف
بمنطق حق أو بمنطق باطل
فأعطاهم عمر: لكثير ٣٠٠، وللأحوص ٣٠٠، ولنصيب ١٥٠ درهمًا، وأمر نصيبًا بالغزو إلى دابق.
وفود الشعراء على عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه
قال ابن الكُبّى: لما استخلف عمر، وفدت عليه الشعراء، فمنعهم الدخول. فتوسط لهم عون بن عبد الله، فبدأ يستعرضهم الخليفة شاعرًا شاعرًا:
-
عمر بن أبي ربيعة
قال عمر:
لا قرب الله قرابته ولا حيا وجهه.
-
جميل بن معمر
قال:
اعزب به.
-
كثير عزة
قال:
اعزب به.
-
الأحوص
قال:
أبعده الله.
-
الفرزدق
قال:
اعزب به.
-
الأخطل
قال:
لا وطئ لي بساطًا أدبًا وهو كافر.
-
جرير
قال:
فإن كان ولابد، فهذا، فليدخل.
فدخل جرير وأنشد:
إن الذي بعث النبي محمدًا
جعل الخلافة في إمام عادل
ثم قال:
كم باليمامة من شعثاء أرملة
ومن يتيم ضعيف الصوت والنظر
...
هذي الأرامل قد قضيت حاجتها
فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر
فقال له عمر:
والله ما أملك إلا مائة درهم، يا غلام أعطه إياها.
فقال جرير:
والله إنها لأحب مال إلي كسبته.
وخرج وهو يقول:
رأيت رقى الشيطان لا تستفزه
وقد كان شيطاني من الجن راقيا
الخاتمة
هكذا كانت الوفود على عمر بن عبد العزيز، الذي جمع بين العدل، والورع، والزهد في الدنيا. فلم يمنع الشعر مدحًا أو حكمة، بل منعه حين رأى فيه ترفًا أو فجورًا، فكان عهده مرحلة فاصلة في تاريخ الخلافة، قلّ أن تجد لها مثيلًا.
ما لي وللشعر يا جرير؟ إني لفي شغل عنه؛ قال
الوفود على عمر بن عبد العزيز