حسن السياسة وإقامة المملكة حسن السياسة وإقامة المملكة
السياسة وإقامة المملكة دراسة في الحكمة والإدارة
يتناول النص المقتبس من كتاب اللؤلؤة في السلطان (الفصل الخامس) موضوع حسن السياسة وإقامة المملكة، وهو ركيزة أساسية لاستدامة السلطة واستقرار الدولة. يقدم النص رؤية متكاملة للسياسة الحكيمة من خلال الأقوال الحكيمة، ووصايا الملوك والحكماء، وتجارب تاريخية، مع التركيز على العدل، التوازن، والهيبة المحببة كأدوات لإقامة المملكة. فيما يلي تحليل النص مع التركيز على دلالاته البلاغية، الأخلاقية، والسياسية.
1. الأساس النظري للسياسة الحسنة العدل والتوازن
يؤكد النص أن العدل هو محور السياسة الناجحة، وأن السلطان لا يستقيم أمره إلا بالإنصاف وترتيب الأمور حسب مراتبها. الأقوال التالية تبين ذلك:
- الحكماء: «مما يجب على السلطان أن يلتزمه العدل في ظاهر أفعاله لإقامة أمر سلطانه، وفي ضميره لإقامة أمر دينه». يستخدم النص التقابلة بين الظاهر (الأفعال) والباطن (الضمير)، مؤكداً أن العدل يشمل السياسة والدين. «إنما يعرف حقوق الأشياء من يعرف مبلغ حدودها» يعكس أهمية معرفة الحدود لتحقيق التوازن.
- أردشير لابنه: «الملك والعدل أخوان... الملك أس والعدل حارس». يستخدم التشبيه (الملك كأسس، العدل كحارس)، ليؤكد أن السلطة تتهدم بدون عدل. النصيحة بتوزيع الحديث، العطية، والبشرى حسب الفئات (أهل المراتب، الجهاد، الدين) تعكس التقسيم لضمان شمولية السياسة.
2. تجارب تاريخية في حسن السياسة
يستعرض النص مواقف تاريخية تبرز تطبيقات السياسة الحسنة:
- الحجاج بن يوسف للوليد بن عبد الملك: يصف سياسته: «أيقظت رأي وأنمت هواي، فأدنيت السيد المطاع، ووليت الحرب الحصيف، وقلدت الخراج الموفر لأعاناته». يستخدم الإطناب لتوضيح كيفية اختيار القادة بناءً على الكفاءة، مع المقابلة بين العقاب (للمسيء) والثواب (للمحسن)، مما يحقق التوازن بين الرعب والجذب. «خاف المريب صولة العقاب» يعكس هيبة العدل.
- عبد الملك بن مروان لبنيه: «لا يصلح لهذا الأمر إلا من كان له سيف مسلول، ومال مبذول، وعدل تطمئن إليه القلوب». يحدد أركان السياسة (القوة، الكرم، العدل) بإيجاز، مع التركيز على العدل كعامل استقرار نفسي.
- عمر بن الخطاب: «لا يصلح لهذا الأمر إلا اللين من غير ضعف، القوي من غير عنف». يستخدم المقابلة لتحديد التوازن بين اللين والقوة، مع الإيجاز لتكثيف المعنى.
- الوليد لأبيه عبد الملك: يسأل عن السياسة، فيجيب: «هيبة الخاصة مع صدق مودتها، واقتياد قلوب العامة بالإنصاف». يجمع بين الهيبة والمحبة، مع التذييل في «احتمال هفوات الصنائع» لإبراز الحلم.
3. وصايا الملوك والفلاسفة
- أرسطوطاليس للإسكندر: «املك الرعية بالإحسان إليها تظفر بالمحبة». يفضل الإحسان على الإكراه (المقابلة)، مؤكداً أن المحبة أدوم من الخوف. «اجتهد ألا تقول تسلم من أن تفعل» يدعو إلى الحذر في الوعود (إيجاز بليغ).
- أردشير لأصحابه: «أملك الأجساد لا النيات، وأحكم بالعدل لا بالرضا». يميز بين السيطرة الظاهرة والباطنة (التقسيم)، مؤكداً أن العدل أساس الحكم.
- أبرويز لشيرويه: «لا توسع على جندك سعة يستغنون بها عنك، ولا تضيق عليهم ضيقاً يضجون به». يدعو إلى التوازن في العطاء (المقابلة)، مع تحذير من الإفراط أو التفريط. «أجع كلبك يتبعك، وسمنه يأكلك» يستخدم التشبيه لتحذير المنصور من الإفراط في الكرم.
- أبرويز من الحبس: «اعلم أن كلمة منك تسفك دماً، وأخرى تحقن دماً». يبرز قوة كلام الحاكم (التكرير)، داعياً إلى الحذر في الغضب والحلم في العقوبة (الإطناب للتأكيد).
4. تجارب معاوية نموذج السياسة الناجحة
- قول عمرو بن العاص: يصف معاوية بأنه «أكرم قريش... يضحك في الغضب، ولا ينام إلا على الرضا». يستخدم التصوير البلاغي لإبراز قدرته على ضبط النفس وكسب القلوب.
- معاوية عن نفسه: «لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي... ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت». يصور سياسته بالمرونة (التشبيه بالشعرة)، حيث يوازن بين الشدة واللين (المقابلة).
- موقف معاوية في صفين: يصف عمرو دقة معاوية في قيادة الجيش، حيث يسد الخلل بلحظة (الإيجاز). تحذيره من فساد السياسة بالكذب في الوعد والوعيد يعكس الحكمة في تحديد نقاط الضعف.
5. نصائح أخرى في السياسة
- عبد الله بن عباس للحسن بن علي: «شمر للحرب، وجاهد عدوك، وول أهل البيوتات». يدعو إلى القوة والعدل في التعيينات (الإيجاز).
- سعيد بن سويد: «حائط الإسلام الحق وبابه العدل». يشبّه الإسلام ببناء (تشبيه بليغ)، مؤكداً أن العدل أساس قوة السلطان.
- عبد الله بن الحكم: يحذر من استياء المحسن المحروم أو المسيء المعاقب (التقسيم)، داعياً إلى الحذر.
- وصف أعرابي لأمير: «غائب عنهم شاهد معهم». يستخدم الطباق لتصوير الأمير اليقظ الذي يجمع بين الهيبة والعدل.
6. التحليل البلاغي
- الإيجاز: يبرز في أقوال عمر ومعاوية، حيث تكثف المعاني في عبارات موجزة (مثل «اللين من غير ضعف»).
- الإطناب: يظهر في وصايا أردشير وأبرويز، حيث يفصلون لتأكيد شمولية النصائح.
- المساواة: كما في نصيحة عبد الملك، حيث تتساوى الألفاظ مع المعنى.
- الصور البلاغية: التشبيه (الملك كأس، الشعرة)، المقابلة (اللين/القوة، العدل/الرضا)، والتكرير (كلمة تسفك/تحقن) تعزز التأثير.
- التقسيم: يستخدم لتنظيم النصائح (فئات الرعية، مراتب الأمور).
7. الدلالات الأخلاقية والسياسية
- العدل أساس السياسة: النص يؤكد أن العدل يحقق الاستقرار، سواء للمؤمنين أو غيرهم.
- التوازن بين القوة واللين: كما في سياسة معاوية، يظهر الجمع بين الهيبة والمحبة.
- ضبط النفس: تحذيرات أبرويز ومروان من الغضب تبرز أهمية الحلم.
- اختيار القادة: النص يدعو إلى اختيار الأكفاء (الحجاج، أبرويز)، مع الحذر من المتعجرفين أو المذلولين.
- المحبة عبر الإحسان: كما في نصيحة أرسطوطاليس، تكون المحبة أدوم من الإكراه.
8. الخلاصة
نص حسن السياسة وإقامة المملكة من كتاب اللؤلؤة في السلطان يقدم رؤية عميقة للحكم الناجح، مرتكزاً على العدل، التوازن، والهيبة المحببة. الأقوال الحكيمة، الوصايا، والتجارب (معاوية، الحجاج، أردشير) تبرز أهمية الإحسان، ضبط النفس، واختيار الأكفاء. الأساليب البلاغية (الإيجاز، الإطناب، الصور) تعزز تأثير النص، مما يجعله درساً خالداً في فن السياسة والإدارة الإسلامية.