الثقلاء
الثقلاء باب في من يثقلون القلوب والمجالس
الثقلاء في النصوص والآثار
قالت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها عن مشهد ثقيل الحضور:
"نزلت آية في الثقلاء: ﴿فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ﴾."
وهكذا جاء الثقلاء في موضع التنبيه القرآني، حين يمكث المرء بلا استئذان ولا أدب.
وقال الشعبي:
"من فاتته ركعتا الفجر، فليَلعن الثقلاء!"
وفي هذا ما يكفي لوصف البلاء الذي يُنزلونه.
حكم وأقوال عن الثقلاء
الثقلاء يثقلون القلب لا البدن، كما وصفهم جالينوس:
"الرجل الثقيل إنما ثِقَلُه على القلب دون الجوارح، أما الحمل الثقيل فتعين فيه الجوارح."
أما سهل بن هارون فقال فيهم:
"من ثقل عليك بنفسه، وغمك بسؤاله، فأعره أذناً صماء وعيناً عمياء."
وكان أبو هريرة إذا استثقل رجلاً دعا قائلاً:
"اللهم اغفر له وأرحنا منه."
نوادر الثقلاء في المجالس
كان الأعمش إذا دخل عليه ثقيل، أنشد قول الشاعر:
فما الفيل تحمله ميتًا
بأثقل من بعض جلاسِنا
وروى عن أبي حنيفة أنه قال للأعمش حين زاره مريضًا:
"لولا أني أخشى أن أثقل عليك، لعدتك مرتين كل يوم."
فأجابه الأعمش بسخرية حادة:
"أنت ثقيل عليّ وأنت في بيتك، فكيف لو جئتني يوميًا؟"
أما رجل آخر، فبلغ به الضيق أن قال عن جليسه الثقيل:
"والله إني لأبغض شقي الذي يليه إذا جلس إليّ."
الشعراء يجلدون الثقلاء
قال أحد الشعراء في هجاء ثقيل يُكنّى أبا عمران:
ربما يثقل الجليس وإن
كان حنيفًا في كفة الميزان
كيف لا تحمل الأمانة أرض
حملت فوقها أبا عمران
وأنشد آخر:
أنت يا هذا ثقيل
وثقيل وثقيل
أنت في المنظر إنسان
وفي الميزان فيل
أما الحسن بن هانئ فله أبيات مشهورة:
رأيت الرقاشي في موضع
وكان إليّ بغيضًا مقيتا
فقال: اقترح بعض ما تشتهي
فقلت: اقترحت عليك السكوتا
طرائف الثقلاء في الهدايا
جاء أحد الثقلاء وأهدى جملاً لصديق ظريف، ثم لازمه حتى ضجر منه، فنظم فيه:
يا مبرمًا أهدى جمل
خذ وانصرف ألفي جمل
قال: وما أوقارها؟
قلت: زبيب وعسل
قال: وقد أثقلتكم؟
قلت له: فوق الثقل
قال: فإني راحل
قلت: العجل ثم العجل!
الختام: الثقلاء شرٌّ أدبي مبين
في ختام هذا الباب الطريف، يظهر لنا أن الثقلاء كانوا دائمًا مصدر إزعاج للناس في كل العصور. وقد سلّط الأدباء والشعراء سهامهم نحوهم هجاءً ونقدًا وتهكمًا.
فإن لم تكن ظريفًا محبوبًا، فلا تكن ثقيلاً ممقوتًا. فالمجلس أمانة، وخفة الظل نعمة، و"الثقل" بلاء يتمنى الجميع زواله سريعًا.