المشورة باب المشورة العقد الفريد
المشورة دراسة في حكمة اتخاذ القرار من كتاب اللؤلؤة في السلطان
يتناول النص المقتبس من كتاب اللؤلؤة في السلطان (الفصل الخامس عشر) موضوع المشورة كأداة أساسية لاتخاذ القرار الحكيم، مؤكداً أن الاستشارة تحمي من الندم وتضمن النجاح. يعتمد النص على النصوص الدينية، أقوال الحكماء، تجارب تاريخية، وأشعار العرب ليبرز أهمية التثبت، تجنب الاستبداد، واختيار الناصح الأمين. فيما يلي تحليل النص مع التركيز على دلالاته البلاغية، الأخلاقية، والسياسية.
1. الأساس الديني للمشورة
يؤسس النص لأهمية المشورة انطلاقاً من النصوص الدينية:
- الحديث النبوي: «ما ندم من استشار، ولا خاب من استخار». يستخدم الإيجاز مع المقابلة (استشار/لم يندم، استخار/لم يخب) ليؤكد أن المشورة والاستخارة درع ضد الخطأ.
- القرآن الكريم: {وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله} [آل عمران: 159]. يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالمشورة رغم علمه وحزمه (الإيجاز)، مع التذييل (التوكل على الله) لربط المشورة بالإيمان.
2. تجارب تاريخية في المشورة
- ثقيف وعثمان بن أبي العاص: عندما همت ثقيف بالارتداد، نصحهم عثمان: «لا تكونوا آخر العرب إسلاماً وأولهم ارتداداً». يعكس الإيجاز والمقابلة (آخر/أول) حكمة النصيحة التي حفظت استقرارهم.
3. أقوال الحكماء: عوامل النجاح والفشل
- حكيم: يحدد ثلاثة عوامل للتأييد وثلاثة للإضرار (التقسيم):
- التأييد: مشاورة العلماء، تجربة الأمور، حسن التثبت (الإيجاز لتكثيف الفوائد).
- الإضرار: الاستبداد، التهاون، العجلة (الإطناب لتحذير من المخاطر).
- حكيم لآخر: يمدح النصيحة بأنها «حلو كلامها بمر... سهلها بوعر». يستخدم التصوير البلاغي والتقابلة (حلو/مر، سهل/وعر) ليبرز توازن النصح. «مناراً بيناً» (استعارة) تعكس وضوح الرأي.
- عبد الله بن وهب الراسي: يحذر من «الرأي الفطير» و«الرأي الدبري» (الإيجاز مع التشبيه بالخبز غير الناضج)، داعياً إلى التثبت.
- علي بن أبي طالب: «رأي الشيخ خير من مشهد الغلام». يفضل خبرة الشيوخ (المقابلة: رأي/مشهد) بإيجاز بليغ.
- ابن هبيرة لابنه: يحذر من الاستشارة المبكرة، الهوى، والرأي الفطير، وينصح بتجنب المستبد والمتلون (الإطناب للتأكيد). «موافقة هوى المستشير لؤم» يعكس الإيجاز في الحكم الأخلاقي.
- عامر بن الظرب: «دعوا الرأي يغب حتى يختمر». يشبّه الرأي بالخميرة (تشبيه)، داعياً إلى الأناة. «لا رأي لمن لا يطاع» (مثل موجز) يربط الرأي بالنفوذ.
- المهلب: «من البلية أن يكون الرأي بيد من يملكه دون من يبصره». يحذر من استبداد غير الحكيم (الإيجاز مع التصوير).
4. تجارب وأشعار في قبول النصيحة ورفضها
- عبس: «نحن ألف رجل وفينا حازم واحد، فنشاوره». يبرز قيمة المشورة الجماعية (الإيجاز مع التشبيه: ألف حازم).
- الشاعر:
«الرأي كالليل مسود جوانبه / والليل لا ينجلي إلا بإصباح
فاضمم مصابيح آراء الرجال إلى / مصباح رأيك».
يشبّه الرأي بالليل والآراء بالمصابيح (تشبيه ممتد)، داعياً إلى الجمع بين الآراء (الإطناب للتأثير). - عبد الله بن عبد الأعلى: يُهان بعد أن كان مقرب الخليفة لاتهامه بالخيانة. يعكس التصوير (يتقى كالبعير الأجرب) مخاطر سوء الظن بالناصح.
- سبيع لأهل اليمامة: يعاتبهم على رفض نصيحته: «أنبأتكم بالأمر قبل وقوعه... فاجتنيتم الندامة». يستخدم الإطناب والتصوير (أسمع جرسه، أبصر غيبه) ليبرز حكمته وندمهم.
- القطامي:
«ومعصية الشفيق عليك مما / تزيدك مرة منه استماعا
وخير الأمر ما استقبلت منه / وليس بأن تتبعه اتباعا».
يحذر من رفض النصيحة (الإيجاز مع التقابلة: استقبال/اتباع)، ويصور ميل الناس إلى الغواية (التكرير).
5. من لا يُستشار
- الحكماء: يحذرون من استشارة:
- المعلم، الحائك، راعي الغنم، كثير القعود مع النساء (التقسيم). الشعر: «وكيف يرجى العقل... من يغدو إلى طفل» يستخدم الاستفهام البلاغي.
- صاحب الحاجة (الإيجاز)، لأنه يرجح مصلحته.
- الحاقن والحازق والحاقب (التصوير)، لأن انشغالهم يعيق الرأي.
6. نتائج رفض المشورة
- الشاعر: «وعاجز الرأي مضياع لفرصته / حتى إذا فات أمر عاتب القدرا». يصور الندم على الفرص الضائعة (الإيجاز مع التصوير).
- قول: «فلئن سمعت نصيحتي وعصيتها / ما كنت أول ناصح معصي». يعكس شيوع رفض النصيحة (الإيجاز).
- حبيب عن بني تغلب: يعاتب على رفض نصيحتهم لمالك بن طوق، مشبهاً جهلهم بنار لا تنطفئ (التصوير).
7. التحليل البلاغي
- الإيجاز: يبرز في الأحاديث وقول علي، حيث تكثف المعاني (مثل «ما ندم من استشار»).
- الإطناب: يظهر في عتاب سبيع والقطامي، لتعزيز التأثير النفسي.
- المساواة: كما في نصيحة ابن هبيرة، حيث تتساوى الألفاظ مع المعنى.
- الصور البلاغية:
- التشبيه: (الرأي كالليل، المصابيح للآراء، الرأي كالخميرة).
- المقابلة: (استشار/لم يندم، حلو/مر، استقبال/اتباع).
- التكرير: (نصيحة/ندامة في سبيع) للتأكيد.
- الاستعارة: (منار بين، مصابيح الآراء).
- التقسيم: في عوامل التأييد/الإضرار ومن لا يُستشار.
8. الدلالات الأخلاقية والسياسية
- المشورة درع النجاح: النص يؤكد أن الاستشارة تحمي من الندم وتضمن الصواب.
- تجنب الاستبداد: الاستبداد، العجلة، والتهاون آفات القرار (الحكماء، ابن هبيرة).
- اختيار الناصح: يجب استشارة العلماء والحكماء، وتجنب أصحاب المصلحة أو قليلي الخبرة.
- الأناة والتثبت: تشبيه الرأي بالخميرة يدعو إلى الصبر في التفكير.
- نتائج رفض النصيحة: تجارب ثقيف (إيجابية) واليمامة (سلبية) تبرز الفرق بين القبول والرفض.
9. الخلاصة
نص المشورة من كتاب اللؤلؤة في السلطان يقدم رؤية عميقة لأهمية الاستشارة في اتخاذ القرار، مرتكزاً على النصوص الدينية، أقوال الحكماء، وتجارب تاريخية. يؤكد النص أن المشورة تحمي من الاستبداد والعجلة، وتتطلب اختيار الناصح الحكيم والتثبت في الرأي. الأساليب البلاغية (الإيجاز، الإطناب، التشبيهات) تعزز تأثير النص، مما يجعله درساً خالداً في فن القيادة وحكمة اتخاذ القرار.