باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها
باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها
1684- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلَا يَقْبَل اللَّه إِلَّا الطَّيِّب» الْمُرَاد بِالطَّيِّبِ هُنَا الْحَلَالِ.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِلَّا أَخَذَهَا الرَّحْمَن بِيَمِينِهِ وَإِنْ كَانَتْ تَمْرَة فَتَرْبُو فِي كَفّ الرَّحْمَن حَتَّى تَكُون أَعْظَم مِنْ الْجَبَل» قَالَ الْمَازِرِيّ: قَدْ ذَكَرْنَا اِسْتِحَالَة الْجَارِحَة عَلَى اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى، وَأَنَّ هَذَا الْحَدِيث وَشِبْهه إِنَّمَا عَبَّرَ بِهِ عَلَى مَا اِعْتَادُوا فِي خِطَابِهِمْ لِيَفْهَمُوا، فَكَنَّى هُنَا عَنْ قَبُول الصَّدَقَة بِأَخْذِهَا فِي الْكَفِّ، وَعَنْ تَضْعِيف أَجْرهَا بِالتَّرْبِيَةِ، فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض: لَمَّا كَانَ الشَّيْء الَّذِي يُرْتَضَى وَيُعَزُّ يُتَلَقَّى بِالْيَمِينِ وَيُؤْخَذ بِهَا اُسْتُعْمِلَ فِي مِثْل هَذَا، وَاسْتُعِيرَ لِلْقَبُولِ وَالرِّضَا كَمَا قَالَ الشَّاعِر:إِذَا مَا رَايَةٌ رُفِعَتْ لِمَجْدٍ
***
تَلَقَّاهَا عَرَابَةُ بِالْيَمِينِقَالَ: وَقِيلَ عَبَّرَ بِالْيَمِينِ هُنَا عَنْ جِهَة الْقَبُول وَالرِّضَا إِذْ الشِّمَال بِضِدِّهِ فِي هَذَا.
قَالَ: وَقِيلَ الْمُرَاد بِكَفِّ الرَّحْمَن هُنَا وَيَمِينه كَفّ الَّذِي تُدْفَع إِلَيْهِ الصَّدَقَة، وَإِضَافَتهَا إِلَى اللَّه تَعَالَى إِضَافَة مِلْك وَاخْتِصَاصٍ لِوَضْعِ هَذِهِ الصَّدَقَة فيها لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
قَالَ: وَقَدْ قِيلَ فِي تَرْبِيَتهَا وَتَعْظِيمهَا حَتَّى تَكُون أَعْظَم مِنْ الْجَبَل، أَنَّ الْمُرَاد بِذَلِكَ تَعْظِيم أَجْرهَا وَتَضْعِيف ثَوَابهَا.
قَالَ: وَيَصِحّ أَنْ يَكُون عَلَى ظَاهِره وَأَنْ تَعْظُم ذَاتُهَا وَيُبَارِك اللَّه تَعَالَى فيها وَيَزِيدهَا مِنْ فَضْلِهِ حَتَّى تَثْقُل فِي الْمِيزَان، وَهَذَا الْحَدِيث نَحْو قَوْل اللَّه تَعَالَى: {يَمْحَق اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَات}.
وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَمَا يُرَبِّي أَحَدكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ فَصِيله» قَالَ أَهْل اللُّغَة: (الْفَلُوّ) الْمُهْر سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فُلِّي عَنْ أُمّه، أَيْ: فَصْل وَعَزْل.
وَالْفَصِيل: وَلَد النَّاقَة إِذَا فَصْل مِنْ إِرْضَاع أُمّه، فَعِيل بِمَعْنَى مَفْعُول، كَجَرِيحٍ، وَقَتِيل: بِمَعْنَى مَجْرُوح وَمَقْتُول.
وَفِي (الْفَلُوّ) لُغَتَانِ فَصَيْحَتَانِ أَفْصَحُهُمَا وَأَشْهَرهمَا: فَتْح الْفَاء وَضَمّ اللَّام وَتَشْدِيد الْوَاو، وَالثَّانِيَة: كَسْر الْفَاء وَإِسْكَان اللَّام وَتَخْفِيف اللَّام.
✯✯✯✯✯✯
1685- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلُوَّهُ أَوْ قَلُوصه» هِيَ بِفَتْحِ الْقَاف وَضَمِّ اللَّامِ، وَهِيَ النَّاقَةُ الْفَتِيَّةُ وَلَا يُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ.
✯✯✯✯✯✯
1686- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّه طَيِّب لَا يَقْبَل إِلَّا طَيِّبًا» قَالَ الْقَاضِي: الطَّيِّب فِي صِفَة اللَّه تَعَالَى بِمَعْنَى الْمُنَزَّه عَنْ النَّقَائِص، وَهُوَ بِمَعْنَى الْقُدُّوس، وَأَصْل الطِّيب الزَّكَاة وَالطَّهَارَة وَالسَّلَامَة مِنْ الْخُبْث.
وَهَذَا الْحَدِيث أَحَد الْأَحَادِيث الَّتِي هِيَ قَوَاعِد الْإِسْلَام وَمَبَانِي الْأَحْكَام، وَقَدْ جَمَعْت مِنْهَا أَرْبَعِينَ حَدِيثًا فِي جُزْء، وَفيه: الْحَثّ عَلَى الْإِنْفَاق مِنْ الْحَلَال، وَالنَّهْي عَنْ الْإِنْفَاق مِنْ غَيْره.
وَفيه: أَنَّ الْمَشْرُوب وَالْمَأْكُول وَالْمَلْبُوس وَنَحْو ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُون حَلَالًا خَالِصًا لَا شُبْهَة فيه، وَأَنَّ مَنْ أَرَادَ الدُّعَاء كَانَ أَوْلَى بِالِاعْتِنَاءِ بِذَلِكَ مِنْ غَيْره.
قَوْله: «ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُل يُطِيل السَّفَر أَشْعَث أَغْبَر يَمُدّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاء يَا رَبّ يَا رَبّ» إِلَى آخِره.
مَعْنَاهُ- وَاَللَّه أَعْلَم-: أَنَّهُ يُطِيل السَّفَر فِي وُجُوه الطَّاعَات كَحَجٍّ وَزِيَارَة مُسْتَحَبَّة وَصِلَة رَحِم وَغَيْر ذَلِكَ.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَغُذِيَ بِالْحِرَامِ» هُوَ بِضَمِّ الْغَيْن وَتَخْفِيف الذَّال الْمَكْسُورَة.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَأَنَّى يُسْتَجَاب لِذَلِكَ» أَيْ مِنْ أَيْنَ يُسْتَجَاب لِمَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ؟ وَكَيْفَ يُسْتَجَابُ لَهُ؟
باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها
باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها