📁 آخر الأخبار

باب الصيد بالكلاب المعلمة


 باب الصيد بالكلاب المعلمة

 باب الصيد بالكلاب المعلمة


:3560- قَوْله: (أُرْسِل كِلَابِي الْمُعَلَّمَة إِلَى آخِره) مَعَ الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة فِي الِاصْطِيَاد فيها كُلّهَا إِبَاحَة الِاصْطِيَاد، وَقَدْ أَجْمَع الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ، وَتَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ دَلَائِل الْكِتَاب وَالسُّنَّة وَالْإِجْمَاع.

قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: هُوَ مُبَاح لِمَنْ اِصْطَادَ لِلِاكْتِسَابِ وَالْحَاجَة وَالِانْتِفَاع بِهِ بِالْأَكْلِ وَثَمَنه، قَالَ: وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ اِصْطَادَ لِلَّهْوِ، وَلَكِنْ قَصَدَ تَذْكِيَته وَالِانْتِفَاع بِهِ، فَكَرِهَهُ مَالِك، وَأَجَازَهُ اللَّيْث وَابْن عَبْد الْحَكَم، قَالَ: فَإِنْ فَعَلَهُ بِغَيْرِ نِيَّة التَّذْكِيَة فَهُوَ حَرَام؛ لِأَنَّهُ فَسَاد فِي الْأَرْض وَإِتْلَاف نَفْس عَبَثًا.

 قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَرْسَلْت كَلْبك الْمُعَلَّم وَذَكَرْت اِسْم اللَّه فَكُلْ، قُلْت: وَإِنْ قَتَلْنَ؟ قَالَ: وَإِنْ قَتَلْنَ مَا لَمْ يُشْرِكهَا كَلْب لَيْسَ مَعَهَا»، وَفِي رِوَايَة: «فَإِنَّمَا سَمَّيْت عَلَى كَلْبك وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى غَيْره» فِي هَذَا الْأَمْرُ بِالتَّسْمِيَةِ عَلَى إِرْسَال الصَّيْد، وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى التَّسْمِيَة عِنْد الْإِرْسَال عَلَى الصَّيْد وَعِنْد الذَّبْح وَالنَّحْر، وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ ذَلِكَ وَاجِب أَمْ سُنَّة، فَمَذْهَب الشَّافِعِيّ وَطَائِفَة أَنَّهَا سُنَّة، فَلَوْ تَرَكَهَا سَهْوًا أَوْ عَمْدًا حَلَّ الصَّيْد وَالذَّبِيحَة، وَهِيَ رِوَايَة عَنْ مَالِك وَأَحْمَد، وَقَالَ أَهْل الظَّاهِر: إِنْ تَرَكَهَا عَمْدًا أَوْ سَهْوًا لَمْ يَحِلّ، وَهُوَ الصَّحِيح عَنْ أَحْمَد فِي صَيْد الْجَوَارِح، وَهُوَ مَرْوِيّ عَنْ اِبْن سِيرِينَ وَأَبِي ثَوْر، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَمَالك وَالثَّوْرِيُّ وَجَمَاهِير الْعُلَمَاء: إِنْ تَرَكَهَا سَهْوًا حَلَّتْ الذَّبِيحَة وَالصَّيْد، وَإِنْ تَرَكَهَا عَمْدًا فَلَا، وَعَلَى مَذْهَب أَصْحَابنَا يُكْرَه تَرْكهَا، وَقِيلَ: لَا يُكْرَه، بَلْ هُوَ خِلَاف الْأَوْلَى، وَالصَّحِيح الْكَرَاهَة.

 وَاحْتَجَّ مَنْ أَوْجَبَهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَر اِسْم اللَّه عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْق} وَبِهَذِهِ الْأَحَادِيث.

 وَاحْتَجَّ أَصْحَابنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة} إِلَى قَوْله: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} فَأَبَاحَ بِالتَّذْكِيَةِ مِنْ غَيْر اِشْتِرَاط التَّسْمِيَة وَلَا وُجُوبهَا، فَإِنْ قِيلَ: التَّذْكِيَة لَا تَكُون إِلَّا بِالتَّسْمِيَةِ، قُلْنَا: هِيَ فِي اللُّغَة الشَّقّ وَالْفَتْح، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَطَعَام الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب حِلّ لَكُمْ} وَهُمْ لَا يُسَمُّونَ، وَبِحَدِيثِ عَائِشَة: «أَنَّهُمْ قَالُوا: يَا رَسُول اللَّه إِنَّ قَوْمًا حَدِيث عَهْدهمْ بِالْجَاهِلِيَّةِ يَأْتُونَا بِلُحْمَان لَا نَدْرِي أَذَكَرُوا اِسْم اللَّه أَمْ لَمْ يَذْكُرُوا فَنَأْكُل مِنْهَا؟ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَمُّوا وَكُلُوا» رَوَاه الْبُخَارِيّ، فَهَذِهِ التَّسْمِيَة هِيَ الْمَأْمُور بِهَا عِنْد أَكْل كُلّ طَعَام، وَشُرْب كُلّ شَرَاب، وَأَجَابُوا عَنْ قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَر اِسْم اللَّه عَلَيْهِ} أَنَّ الْمُرَاد مَا ذُبِحَ لِلْأَصْنَامِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الْآيَة الْأُخْرَى: {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُب وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّه} وَلِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ: {وَإِنَّهُ لَفِسْق}.

وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى مَنْ أَكَلَ مَتْرُوك التَّسْمِيَة لَيْسَ بِفَاسِقٍ، فَوَجَبَ حَمْلهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ؛ لِيُجْمَع بَيْنهَا وَبَيْن الْآيَات السَّابِقَات، وَحَدِيث عَائِشَة.

 وَحَمَلَهَا بَعْض أَصْحَابنَا عَلَى كَرَاهَة التَّنْزِيه، وَأَجَابُوا عَنْ الْأَحَادِيث فِي التَّسْمِيَة أَنَّهَا لِلِاسْتِحْبَابِ.

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَرْسَلْت كَلْبك الْمُعَلَّم» فِي إِطْلَاقه دَلِيل لِإِبَاحَةِ الصَّيْد بِجَمِيعِ الْكِلَاب الْمُعَلَّمَة مِنْ الْأُسُود وَغَيْره، وَبِهِ قَالَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو حَنِيفَة وَجَمَاهِير الْعُلَمَاء، وَقَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ وَالنَّخَعِيّ وَقَتَادَة وَأَحْمَد وَإِسْحَاق: لَا يَحِلّ صَيْد الْكَلْب الْأَسْوَد لِأَنَّهُ شَيْطَان.

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَرْسَلْت كَلْبك الْمُعَلَّم» فيه: أَنَّهُ يُشْتَرَط فِي حِلّ مَا قَتَلَهُ الْكَلْب الْمُرْسَل كَوْنه كَلْبًا مُعَلَّمًا، وَأَنَّهُ يُشْتَرَط الْإِرْسَال، فَلَوْ أَرْسَلَ غَيْر مُعَلَّم أَوْ اُسْتُرْسِلَ الْمُعَلَّم بِلَا إِرْسَال، لَمْ يَحِلّ مَا قَتَلَهُ، فَأَمَّا غَيْر الْمُعَلَّم فَمُجْمَع عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْمُعَلَّم إِذَا اُسْتُرْسِلَ فَلَا يَحِلّ مَا قَتَلَهُ عِنْدنَا وَعِنْد الْعُلَمَاء كَافَّة، إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ الْأَصَمّ مِنْ إِبَاحَته، وَإِلَّا مَا حَكَاهُ اِبْن الْمُنْذِر عَنْ عَطَاء وَالْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ يَحِلّ إِنْ كَانَ صَاحِبه أَخْرَجَهُ لِلِاصْطِيَادِ.

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا لَمْ يُشْرِكهَا كَلْب لَيْسَ مَعَهَا» فيه تَصْرِيح بِأَنَّهُ لَا يَحِلّ إِذَا شَارَكَهُ كَلْب آخَر، وَالْمُرَاد كَلْب آخَر اِسْتَرْسَلَ بِنَفْسِهِ، أَوْ أَرْسَلَهُ مَنْ لَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْل الذَّكَاة، أَوْ شَكَكْنَا فِي ذَلِكَ، فَلَا يَحِلّ أَكْله فِي كُلّ هَذِهِ الصُّوَر، فَإِنْ تَحَقَّقْنَا أَنَّهُ إِنَّمَا شَارَكَهُ كَلْب أَرْسَلَهُ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْل الذَّكَاة عَلَى ذَلِكَ الصَّيْد حَلَّ.

قَوْله: «قُلْت: إِنِّي أَرْمِي بِالْمِعْرَاضِ الصَّيْد، فَأُصِيب، فَقَالَ: إِذَا رَمَيْت بِالْمِعْرَاضِ فَخَزَقَ فَكُلْهُ، وَإِنْ أَصَابَهُ بِعَرْضِهِ فَلَا تَأْكُلهُ»، وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «مَا أَصَابَ بِحَدِّهِ فَكُلْ، وَمَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَهُوَ وَقِيذ فَلَا تَأْكُل».

 (الْمِعْرَاض) بِكَسْرِ الْمِيم وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَة، وَهِيَ: خَشَبَة ثَقِيلَة، أَوْ عَصًا فِي طَرَفهَا حَدِيدَة، وَقَدْ تَكُون بِغَيْرِ حَدِيدَة، هَذَا هُوَ الصَّحِيح فِي تَفْسِيره، وَقَالَ الْهَرَوِيُّ: هُوَ سَهْم لَا رِيش فيه وَلَا نَصْل، وَقَالَ اِبْن دُرَيْد: هُوَ سَهْم طَوِيل لَهُ أَرْبَع قُذَذ رِقَاق، فَإِذَا رَمَى بِهِ اِعْتَرَضَ، وَقَالَ الْخَلِيل كَقَوْلِ الْهَرَوِيِّ، وَنَحْوه عَنْ الْأَصْمَعِيّ، وَقِيلَ: هُوَ عُود رَقِيق الطَّرَفَيْنِ غَلِيظ الْوَسَط إِذَا رُمِيَ بِهِ ذَهَبَ مُسْتَوِيًا.

وَأَمَّا (خَزَقَ) فَهُوَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالزَّاي، وَمَعْنَاهُ نَفَذَ، وَالْوَقْذ وَالْمَوْقُوذ هُوَ الَّذِي يُقْتَل بِغَيْرِ مُحَدَّد مِنْ عَصًا أَوْ حَجَر وَغَيْرهمَا.

 وَمَذْهَب الشَّافِعِيّ وَمَالك وَأَبِي حَنِيفَة وَأَحْمَد وَالْجَمَاهِير: أَنَّهُ إِذَا اِصْطَادَ بِالْمِعْرَاضِ فَقَتَلَ الصَّيْد بِحَدِّهِ حَلَّ، وَإِنْ قَتَلَهُ بِعَرْضِهِ لَمْ يَحِلّ لِهَذَا الْحَدِيث.

وَقَالَ مَكْحُول وَالْأَوْزَاعِيُّ وَغَيْرهمَا مِنْ فُقَهَاء الشَّام: يَحِلّ مُطْلَقًا، وَكَذَا قَالَ هَؤُلَاءِ وَابْن أَبِي لَيْلَى أَنَّهُ يَحِلّ مَا قَتَلَهُ بِالْبُنْدُقَةِ، وَحُكِيَ أَيْضًا عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب، وَقَالَ الْجَمَاهِير: لَا يَحِلّ صَيْد الْبُنْدُقَة مُطْلَقًا: لِحَدِيثِ الْمِعْرَاض؛ لِأَنَّهُ كُلّه رَضّ وَوَقْذ، وَهُوَ مَعْنَى الرِّوَايَة الْأُخْرَى فَإِنَّهُ وَقِيذ أَيْ مَقْتُول بِغَيْرِ مُحَدَّد، وَالْمَوْقُوذَة الْمَقْتُولَة بِالْعَصَا وَنَحْوهَا، وَأَصْله مِنْ الْكَسْر وَالرَّضّ.

✯✯✯✯✯✯

‏3561- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُل» هَذَا الْحَدِيث مِنْ رِوَايَة عَدِيّ بْن حَاتِم وَهُوَ صَرِيح فِي مَنْع أَكْل مَا أَكَلَتْ مِنْهُ الْجَارِحَة، وَجَاءَ فِي سُنَن أَبِي دَاوُدَ وَغَيْره بِإِسْنَادٍ حَسَن عَنْ أَبِي ثَعْلَبَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: «كُلْ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ الْكَلْب».

 وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فيه فَقَالَ الشَّافِعِيّ فِي أَصَحّ قَوْلَيْهِ: إِذَا قَتَلَتْهُ الْجَارِحَة الْمُعَلَّمَة مِنْ الْكِلَاب وَالسِّبَاع وَأَكَلَت مِنْهُ فَهُوَ حَرَام، وَبِهِ قَالَ أَكْثَر الْعُلَمَاء مِنْهُمْ اِبْن عَبَّاس وَأَبُو هُرَيْرَة وَعَطَاء وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَالْحَسَن وَالشَّعْبِيّ وَالنَّخَعِيّ وَعِكْرِمَة وَقَتَادَة وَأَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابه وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر وَابْن الْمُنْذِر وَدَاوُد، وَقَالَ سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص وَسَلْمَان الْفَارِسِيّ وَابْن عُمَر وَمَالك: يَحِلّ، وَهُوَ قَوْل ضَعِيف لِلشَّافِعِيِّ، وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِحَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَة، وَحَمَلُوا حَدِيث عَدِيّ عَلَى كَرَاهَة التَّنْزِيه، وَاحْتَجَّ الْأَوَّلُونَ بِحَدِيثِ عَدِيّ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مَعَ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ}، وَهَذَا مِمَّا لَمْ يُمْسَك عَلَيْنَا، بَلْ عَلَى نَفْسه، وَقَدَّمُوا هَذَا عَلَى حَدِيث أَبِي ثَعْلَبَة؛ لِأَنَّهُ أَصَحّ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَ حَدِيث أَبِي ثَعْلَبَة عَلَى مَا إِذَا أَكَلَ مِنْهُ بَعْد أَنْ قَتَلَهُ وَخَلَّاهُ وَفَارَقَهُ، ثُمَّ عَادَ فَأَكَلَ مِنْهُ، فَهَذَا لَا يَضُرّ، وَاللَّهُ أَعْلَم.

وَأَمَّا جَوَارِح الطَّيْر إِذَا أَكَلَتْ مِمَّا صَادَتْهُ فَالْأَصَحّ عِنْد أَصْحَابنَا وَالرَّاجِح مِنْ قَوْل الشَّافِعِيّ تَحْرِيمه، وَقَالَ سَائِر الْعُلَمَاء بِإِبَاحَتِهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِن تَعْلِيمهَا ذَلِكَ، بِخِلَافِ السِّبَاع، وَأَصْحَابنَا يَمْنَعُونَ هَذَا الدَّلِيل.

وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنِّي أَخَاف أَنْ يَكُون إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسه»، مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} فَإِنَّمَا إِبَاحَته بِشَرْطِ أَنْ نَعْلَم أَنَّهُ أُمْسِكَ عَلَيْنَا، وَإِذَا أَكَلَ مِنْهُ لَمْ نَعْلَم أَنَّهُ أَمْسَكَ لَنَا أَمْ لِنَفْسِهِ، فَلَمْ يُوجَد شَرْط إِبَاحَته، وَالْأَصْل تَحْرِيمه.

✯✯✯✯✯✯

‏3562- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَإِذَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ» هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْن، أَيْ: غَيْر الْمُحَدَّد مِنْهُ.

✯✯✯✯✯✯

‏3563- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنَّ ذَكَاته أَخْذه» مَعْنَاهُ: إِنَّ أَخْذ الْكَلْب الصَّيْد وَقَتْله إِيَّاهُ ذَكَاة شَرْعِيَّة بِمَنْزِلَةِ ذَبْح الْحَيَوَان الْإِنْسِيّ، وَهَذَا مُجْمَع عَلَيْهِ وَلَوْ لَمْ يَقْتُلهُ الْكَلْب لَكِنْ تَرَكَهُ، وَلَمْ تَبْقَ فيه حَيَاة مُسْتَقِرَّة أَوْ بَقِيَتْ وَلَمْ يَبْقَ زَمَان يُمَكِّن صَاحِبه لِحَاقه وَذَبْحه فَمَاتَ حَلَّ؛ لِهَذَا الْحَدِيث فَإِنَّ ذَكَاته أَخْذه.

✯✯✯✯✯✯

‏3564- قَوْله: (سَمِعْت عَدِيّ بْن حَاتِم، وَكَانَ لَنَا جَارًا وَدَخِيلًا وَرَبِيطًا بِالنَّهْرَيْنِ) قَالَ أَهْل اللُّغَة: الدَّخِيل وَالدَّخَّال الَّذِي يُدَاخِل الْإِنْسَان وَيُخَالِطهُ فِي أُمُوره، وَالرَّبِيط هُنَا بِمَعْنَى الْمُرَابِط وَهُوَ الْمُلَازِم، وَالرِّبَاط الْمُلَازَمَة، قَالُوا: وَالْمُرَاد هُنَا رَبْط نَفْسه عَلَى الْعِبَادَة وَعَنْ الدُّنْيَا.

✯✯✯✯✯✯

‏3565- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنْ أَمْسَكَ عَلَيْك فَأَدْرَكْته حَيًّا فَاذْبَحْهُ» هَذَا تَصْرِيح بِأَنَّهُ إِذَا أَدْرَكَ ذَكَاته وَجَبَ ذَبْحه، وَلَمْ يَحِلّ إِلَّا بِالذَّكَاةِ، وَهُوَ مُجْمَع عَلَيْهِ، وَمَا نُقِلَ عَنْ الْحَسَن وَالنَّخَعِيِّ خِلَافه فَبَاطِل، لَا أَظُنّهُ يَصِحّ عَنْهُمَا.

وَأَمَّا إِذَا أَدْرَكَهُ وَلَمْ تَبْقَ فيه حَيَاة مُسْتَقِرَّة بِأَنْ كَانَ قَدْ قَطَعَ حُلْقُومه وَمُرَّيْهِ، أَوْ أَجَافَهُ أَوْ خَرَقَ أَمْعَاءَهُ، أَوْ أَخْرَجَ حَشْوَته.

 فَيَحِلّ مِنْ غَيْر ذَكَاة بِالْإِجْمَاعِ.

قَالَ أَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ: وَيُسْتَحَبّ إِمْرَار السِّكِّين عَلَى حَلْقه لِيُرِيحَهُ.

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَإِنْ وَجَدْت مَعَ كَلْبك كَلْبًا غَيْره وَقَدْ قَتَلَ فَلَا تَأْكُل فَإِنَّك لَا تَدْرِي أَيّهمَا قَتَلَهُ» فيه بَيَان قَاعِدَة مُهِمَّة، وَهِيَ أَنَّهُ إِذَا حَصَلَ الشَّكّ فِي الذَّكَاة الْمُبِيحَة لِلْحَيَوَانِ لَمْ يَحِلّ؛ لِأَنَّ الْأَصْل تَحْرِيمه، وَهَذَا لَا خِلَاف فيه، وَفيه تَنْبِيه عَلَى أَنَّهُ لَوْ وَجَدَهُ حَيًّا وَفيه حَيَاة مُسْتَقِرَّة فَذَكَّاهُ حَلَّ، وَلَا يَضُرّ كَوْنه اِشْتَرَكَ فِي إِمْسَاكه كَلْبه وَكَلْب غَيْره لِأَنَّ الِاعْتِمَاد حِينَئِذٍ فِي الْإِبَاحَة عَلَى تَذْكِيَة الْآدَمِيّ لَا عَلَى إِمْسَاك الْكَلْب، وَإِنَّمَا تَقَع الْإِبَاحَة بِإِمْسَاكِ الْكَلْب إِذَا قَتَلَهُ، وَحِينَئِذٍ إِذَا كَانَ مَعَهُ كَلْب آخَر لَمْ يَحِلّ إِلَّا أَنْ يَكُون أَرْسَلَهُ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْل الذَّكَاة كَمَا أَوْضَحْنَاهُ قَرِيبًا.

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَإِنْ رَمَيْت بِسَهْمِك فَاذْكُرْ اِسْم اللَّه، فَإِنْ غَابَ عَنْك يَوْمًا فَلَمْ تَجِد فيه إِلَّا أَثَر سَهْمك فَكُلْ إِنْ شِئْت» هَذَا دَلِيل لِمَنْ يَقُول: إِذَا أَثَّرَ جُرْحه فَغَابَ عَنْهُ فَوَجَدَهُ مَيِّتًا، وَلَيْسَ فيه أَثَر غَيْر سَهْمه، حَلَّ، وَهُوَ أَحَد قَوْلَيْ الشَّافِعِيّ وَمَالك فِي الصَّيْد وَالسَّهْم، وَالثَّانِي: يَحْرُم، وَهُوَ الْأَصَحّ عِنْد أَصْحَابنَا، وَالثَّالِث يَحْرُم فِي الْكَلْب دُون السَّهْم، وَالْأَوَّل أَقْوَى وَأَقْرَب إِلَى الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة.

وَأَمَّا الْأَحَادِيث الْمُخَالِفَة لَهُ فَضَعِيفَة، وَمَحْمُولَة عَلَى كَرَاهَة التَّنْزِيه، وَكَذَا الْأَثَر عَنْ اِبْن عَبَّاس: كُلْ مَا أَصْمَيْت، وَدَعْ مَا أَنْمَيْت.

 أَيْ كُلْ مَا لَمْ يَغِبْ عَنْك دُون مَا غَابَ.

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَإِنْ وَجَدْته غَرِيقًا فِي الْمَاء فَلَا تَأْكُل» هَذَا مُتَّفَق عَلَى تَحْرِيمه.

✯✯✯✯✯✯

‏3567- قَوْله فِي حَدِيث أَبِي ثَعْلَبَة: «إِنَّا بِأَرْضِ قَوْم مِنْ أَهْل الْكِتَاب نَأْكُل فِي آنِيَتهمْ؟ فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَإِنْ وَجَدْتُمْ غَيْر آنِيَتهمْ فَلَا تَأْكُلُوا فيها، وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَاغْسِلُوهَا، ثُمَّ كُلُوا» هَكَذَا رَوَى هَذَا الْحَدِيث الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم، وَفِي رِوَايَة أَبِي دَاوُدَ قَالَ: إِنَّا نُجَاوِر أَهْل الْكِتَاب، وَهُمْ يَطْبُخُونَ فِي قُدُورهمْ الْخِنْزِير، وَيَشْرَبُونَ فِي آنِيَتهمْ الْخَمْر، فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرهَا فَكُلُوا فيها وَاشْرَبُوا، وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا غَيْرهَا فَارْحَضُوهَا بِالْمَاءِ، وَكُلُوا وَاشْرَبُوا» قَدْ يُقَال: هَذَا الْحَدِيث مُخَالِف لِمَا يَقُول الْفُقَهَاء، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّهُ يَجُوز اِسْتِعْمَال أَوَانِي الْمُشْرِكِينَ إِذَا غُسِلَتْ، وَلَا كَرَاهَة فيها بَعْد الْغُسْل، سَوَاء وَجَدَ غَيْرهَا أَمْ لَا، وَهَذَا الْحَدِيث يَقْتَضِي كَرَاهَة اِسْتِعْمَالهَا إِنْ وَجَدَ غَيْرهَا، وَلَا يَكْفِي غَسْلهَا فِي نَفْي الْكَرَاهَة، وَإِنَّمَا يَغْسِلهَا وَيَسْتَعْمِلهَا إِذَا لَمْ يَجِد غَيْرهَا.

 وَالْجَوَاب أَنَّ الْمُرَاد النَّهْي عَنْ الْأَكْل فِي آنِيَتهمْ الَّتِي كَانُوا يَطْبُخُونَ فيها لَحْم الْخِنْزِير، وَيَشْرَبُونَ الْخَمْر كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَة أَبِي دَاوُدَ؛ وَإِنَّمَا نَهَى عَنْ الْأَكْل فيها بَعْد الْغَسْل لِلِاسْتِقْذَارِ، وَكَوْنهَا مُعْتَادَة لِلنَّجَاسَةِ، كَمَا يُكْرَه الْأَكْل فِي الْمِحْجَمَة الْمَغْسُولَة، وَأَمَّا الْفُقَهَاء فَمُرَادهمْ مُطْلَق آنِيَة الْكُفَّار الَّتِي لَيْسَتْ مُسْتَعْمَلَة فِي النَّجَاسَات، فَهَذِهِ يُكْرَه اِسْتِعْمَالهَا قَبْل غَسْلهَا، فَإِذَا غُسِلَتْ فَلَا كَرَاهَة فيها؛ لِأَنَّهَا طَاهِرَة وَلَيْسَ فيها اِسْتِقْذَار، وَلَمْ يُرِيدُوا نَفْي الْكَرَاهَة عَنْ آنِيَتهمْ الْمُسْتَعْمَلَة فِي الْخِنْزِير وَغَيْره مِنْ النَّجَاسَات.

 وَاللَّهُ أَعْلَم.

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا أَصَبْت بِكَلْبِك الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ فَأَدْرَكْت ذَكَاته فَكُلْ» هَذَا مُجْمَع عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَحِلّ إِلَّا بِذَكَاةٍ.


 باب الصيد بالكلاب المعلمة


۞۞۞۞۞۞۞۞

كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان ﴿ 1 ﴾ 

۞۞۞۞۞۞۞۞



تعليقات