📁 آخر الأخبار

باب ما روي فيمن نام الليل اجمع حتى اصبح

 

 باب ما روي فيمن نام الليل اجمع حتى اصبح

باب ما روي فيمن نام الليل اجمع حتى اصبح


1293- قَوْله: (حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن أَبِي شَيْبَة وَإِسْحَاق عَنْ جَرِير عَنْ مَنْصُور عَنْ أَبِي وَائِل عَنْ عَبْد اللَّه) يَعْنِي اِبْن مَسْعُود، هَذَا الْإِسْنَاد كُلّه كُوفِيُّونَ إِلَّا إِسْحَاق.

قَوْله: «ذُكِرَ عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُل نَامَ لَيْلَة حَتَّى أَصْبَحَ قَالَ: ذَاكَ رَجُل بَالَ الشَّيْطَان فِي أُذُنه أَوْ قَالَ: فِي أُذُنَيْهِ» اِخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ فَقَالَ اِبْن قُتَيْبَة: مَعْنَاهُ: أَفْسَدَهُ، يُقَال: بَالَ فِي كَذَا إِذَا أَفْسَدَهُ، وَقَالَ الْمُهَلَّب وَالطَّحَاوِيُّ وَآخَرُونَ: هُوَ اِسْتِعَارَة وَإِشَارَة إِلَى اِنْقِيَاده لِلشَّيْطَانِ وَتَحَكُّمه فيه وَعَقْده عَلَى قَافِيَة رَأْسه: عَلَيْك لَيْل طَوِيل وَإِذْلَاله، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ اِسْتَخَفَّ بِهِ وَاحْتَقَرَهُ وَاسْتَعْلَى عَلَيْهِ، يُقَال لِمَنْ اِسْتَخَفَّ بِإِنْسَانٍ وَخَدَعَهُ: بَالَ فِي أُذُنه، وَأَصْل ذَلِكَ فِي دَابَّة تَفْعَل ذَلِكَ بِالْأَسَدِ إِذْلَالًا لَهُ، وَقَالَ الْحَرْبِيّ: مَعْنَاهُ ظَهَرَ عَلَيْهِ، وَسَخِرَ مِنْهُ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: وَلَا يَبْعُد أَنْ يَكُون عَلَى ظَاهِره قَالَ: وَخَصَّ الْأُذُن؛ لِأَنَّهَا حَاسَّة الِانْتِبَاه.

✯✯✯✯✯✯

‏1294- قَوْله: (حَدَّثَنَا قُتَيْبَة بْن سَعِيد حَدَّثَنَا ليث عَنْ عُقَيْل عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ عَلِيّ بْن حُسَيْن أَنَّ الْحُسَيْن بْن عَلِيّ حَدَّثَهُ عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ) هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ أَنَّ الْحُسَيْن بْن عَلِيّ بِضَمِّ الْحَاء عَلَى التَّصْغِير، وَكَذَا فِي جَمِيع نُسَخ بِلَادنَا الَّتِي رَأَيْتهَا مَعَ كَثْرَتهَا، وَذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَاب الِاسْتِدْرَاكَات وَقَالَ: إِنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَة مُسْلِم أَنَّ الْحَسَن بِفَتْحِ الْحَاء عَلَى التَّكْبِير، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: كَذَا رَوَاهُ مُسْلِم عَنْ قُتَيْبَة أَنَّ الْحَسَن بْن عَلِيّ، وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ إِبْرَاهِيم بْن نَصْر النَّهَاوَنْدِيّ وَالْجُعْفِيّ، وَخَالَفَهُمْ النَّسَائِيُّ وَالسَّرَّاج وَمُوسَى بْن هَارُون فَرَوَوْهُ عَنْ قُتَيْبَة أَنَّ الْحُسَيْن يَعْنِي بِالتَّصْغِيرِ قَالَ: وَرَوَاهُ أَبُو صَالِح وَحَمْزَة بْن زِيَاد وَالْوَلِيد بْن صَالِح عَنْ لَيْث فَقَالُوا فيه: (الْحَسَن)، وَقَالَ يُونُس الْمُؤَدِّب وَأَبُو النَّضْر وَغَيْرهمَا: عَنْ لَيْث: (الْحُسَيْن) يَعْنِي بِالتَّصْغِيرِ، قَالَ: وَكَذَلِكَ قَالَ أَصْحَاب الزُّهْرِيّ مِنْهُمْ: صَالِح بْن كَيْسَانَ وَابْن أَبِي عَقِيق وَابْن جُرَيْجٍ وَإِسْحَاق بْن رَاشِد وَزَيْد بْن أَبِي أُنَيْسَة وَشُعَيْب وَحَكِيم بْن حَكَم وَيَحْيَى بْن أَبِي أُنَيْسَة وَعُقَيْل مِنْ رِوَايَة اِبْن لَهِيعَة عَنْهُ، وَعَبْد الرَّحْمَن بْن إِسْحَاق وَعُبَيْد اللَّه بْن أَبِي زِيَاد وَغَيْرهمْ، وَأَمَّا مَعْمَر فَأَرْسَلَهُ عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ عَلِيّ بْن حُسَيْن، وَقَوْل مَنْ قَالَ: عَنْ لَيْث: (الْحَسَن بْن عَلِيّ) وَهْمٌ، يَعْنِي مَنْ قَالَهُ بِالتَّكْبِيرِ فَقَدْ غَلِطَ، هَذَا كَلَام الدَّارَقُطْنِيِّ، وَحَاصِله أَنَّهُ يَقُول: إِنَّ الصَّوَاب مِنْ رِوَايَة لَيْث (الْحُسَيْن) التَّصْغِير، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ الْمَوْجُود فِي رِوَايَات بِلَادنَا.

 وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْله: «طَرَقَهُ وَفَاطِمَة» أَيْ أَتَاهُمَا فِي اللَّيْل.

قَوْله: «سَمِعْتُهُ وَهُوَ مُدْبِر يَضْرِب فَخِذه وَيَقُول: وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا» الْمُخْتَار فِي مَعْنَاهُ أَنَّهُ تَعَجَّبَ مَنْ سُرْعَة جَوَابه وَعَدَم مُوَافَقَته لَهُ عَلَى الِاعْتِذَار بِهَذَا، وَلِهَذَا ضَرَبَ فَخِذه، وَقِيلَ: قَالَهُ تَسْلِيمًا لِعُذْرِهِمَا، وَأَنَّهُ لَا عَتْبَ عَلَيْهِمَا.

 وَفِي هَذَا الْحَدِيث الْحَثّ عَلَى صَلَاة اللَّيْل، وَأَمْر الْإِنْسَان صَاحِبه بِهَا، وَتَعَهُّد الْإِمَام وَالْكَبِير رَعِيَّته بِالنَّظَرِ فِي مَصَالِح دِينهمْ وَدُنْيَاهُمْ، وَأَنَّهُ يَنْبَغِي لِلنَّاصِحِ إِذَا لَمْ يَقْبَل نَصِيحَته أَوْ اِعْتَذَرَ إِلَيْهِ بِمَا لَا يَرْتَضِيه أَنْ يَنْكَفّ وَلَا يُعَنِّف إِلَّا لِمَصْلَحَةٍ.

قَوْله: «طَرَقَهُ وَفَاطِمَة فَقَالَ: أَلَا تُصَلُّونَ» هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُول: «تُصَلُّونَ»، وَجَمْع الِاثْنَيْنِ صَحِيح، لَكِنْ هَلْ هُوَ حَقِيقَة أَوْ مَجَاز؟ فيه الْخِلَاف الْمَشْهُور، الْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ مَجَاز، وَقَالَ آخَرُونَ: حَقِيقَة.

✯✯✯✯✯✯

‏1295- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَعْقِد الشَّيْطَان عَلَى قَافِيَة رَأْس أَحَدكُمْ ثَلَاث عُقَد» الْقَافِيَة: آخِر الرَّأْس، وَقَافِيَة كُلّ شَيْء آخِرُهُ، وَمِنْهُ قَافِيَة الشَّعْر.

 قَوْله: «عَلَيْك لَيْلًا طَوِيلًا» هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَم نُسَخ بِلَادنَا بِصَحِيحِ مُسْلِم، وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ رِوَايَة الْأَكْثَرِينَ: «عَلَيْك لَيْلًا طَوِيلًا» بِالنَّصْبِ عَلَى الْإِغْرَاء، وَرَوَاهُ بَعْضهمْ: «عَلَيْك لَيْل طَوِيل» بِالرَّفْعِ أَيْ بَقِيَ عَلَيْك لَيْل طَوِيل، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي هَذِهِ الْعُقَد فَقِيلَ: هُوَ عَقْد حَقِيقِيّ بِمَعْنَى عَقْد السِّحْر لِلْإِنْسَانِ وَمَنْعُهُ مِنْ الْقِيَام قَالَ اللَّه تَعَالَى: {وَمِنْ شَرّ النَّفَّاثَات فِي الْعُقَد} فَعَلَى هَذَا هُوَ قَوْل يَقُولهُ يُؤَثِّر فِي تَثْبِيط النَّائِم كَتَأْثِيرِ السِّحْر، وَقِيلَ: يَحْتَمِل أَنْ يَكُون فِعْلًا يَفْعَلهُ كَفِعْلِ النَّفَّاثَات فِي الْعُقَد، وَقِيلَ: هُوَ مِنْ عَقْد الْقَلْب وَتَصْمِيمه، فَكَأَنَّهُ يُوَسْوِس فِي نَفْسه وَيُحَدِّثهُ بِأَنَّ عَلَيْك لَيْلًا طَوِيلًا فَتَأَخَّرْ عَنْ الْقِيَام، وَقِيلَ: هُوَ مَجَاز، كُنِّيَ لَهُ عَنْ تَثْبِيط الشَّيْطَان عَنْ قِيَام اللَّيْل.

 قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِذَا اِسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ اِنْحَلَّتْ عُقْدَة، وَإِذَا تَوَضَّأَ اِنْحَلَّتْ عَنْهُ عُقْدَتَانِ، فَإِذَا صَلَّى اِنْحَلَّتْ الْعُقَد، فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّب النَّفْس، وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيث النَّفْس كَسْلَان» فيه فَوَائِد مِنْهَا: الْحَثّ عَلَى ذِكْر اللَّه تَعَالَى عِنْد الِاسْتِيقَاظ، وَجَاءَتْ فيه أَذْكَار مَخْصُوصَة مَشْهُورَة فِي الصَّحِيح، وَقَدْ جَمَعْتهَا وَمَا يَتَعَلَّق بِهَا مِنْ بَاب مِنْ كِتَاب الْأَذْكَار وَلَا يَتَعَيَّن لِهَذِهِ الْفَضِيلَة ذِكْر، لَكِنَّ الْأَذْكَار الْمَأْثُورَة فيه أَفْضَل.

 وَمِنْهَا: التَّحْرِيض عَلَى الْوُضُوء حِينَئِذٍ وَعَلَى الصَّلَاة وَإِنْ قَلَّتْ.

وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَإِذَا تَوَضَّأَ اِنْحَلَّتْ عُقْدَتَانِ» مَعْنَاهُ: تَمَام عُقْدَتَيْنِ، أَيْ اِنْحَلَّتْ عُقْدَة ثَانِيَة، وَتَمَّ بِهَا عُقْدَتَانِ، وَهُوَ بِمَعْنَى قَوْل اللَّه تَعَالَى: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِاَلَّذِي خَلَقَ الْأَرْض فِي يَوْمَيْنِ} إِلَى قَوْله: {فِي أَرْبَعَة أَيَّام} أَيْ فِي تَمَام أَرْبَعَة وَمَعْنَاهُ: فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ تَمَّتْ الْجُمْلَة بِهِمَا أَرْبَعَة أَيَّام، وَمِثْله فِي الْحَدِيث الصَّحِيح: «مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَة فَلَهُ قِيرَاط، وَمَنْ تَبِعَهَا حَتَّى تُوضَع فِي الْقَبْر فَقِيرَاطَانِ»هَذَا لَفْظ إِحْدَى رِوَايَات مُسْلِم، وَرَوَى الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم مِنْ طُرُق كَثِيرَة بِمَعْنَاهُ، وَالْمُرَاد قِيرَاطَانِ بِالْأَوَّلِ، وَمَعْنَاهُ: أَنَّ بِالصَّلَاةِ يَحْصُل قِيرَاط، وَبِالِاتِّبَاعِ قِيرَاط آخَر، يَتِمّ بِهِ الْجُمْلَة قِيرَاطَانِ.

 وَدَلِيل أَنَّ الْجُمْلَة قِيرَاطَانِ رِوَايَة مُسْلِم فِي صَحِيحه: «مَنْ خَرَجَ مَعَ جِنَازَة مِنْ بَيْتهَا وَصَلَّى عَلَيْهَا، ثُمَّ تَبِعَهَا حَتَّى تُدْفَن كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ مِنْ الْأَجْر، كُلّ قِيرَاط مِثْل أُحُد، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْر مِثْل أُحُد» وَفِي رِوَايَة لِلْبُخَارِيِّ فِي أَوَّل صَحِيحه: «مَنْ اِتَّبَعَ جِنَازَة مُسْلِم إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، وَكَانَ مَعَهُ حَتَّى يُصَلِّي عَلَيْهَا وَيَفْرُغ مِنْ دَفْنهَا فَإِنَّهُ يَرْجِع مِنْ الْأَجْر بِقِيرَاطَيْنِ، كُلّ قِيرَاط مِثْل أُحُد، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ قَبْل أَنْ تُدْفَن فَإِنَّهُ يَرْجِع بِقِيرَاطٍ».

 وَهَذِهِ الْأَلْفَاظ كُلّهَا مِنْ رِوَايَة أَبِي هُرَيْرَة، وَمِثْله فِي صَحِيح مُسْلِم: «مَنْ صَلَّى الْعِشَاء فِي جَمَاعَة فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْف اللَّيْل، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْح فِي جَمَاعَة فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْل كُلّه».

وَقَدْ سَبَقَ بَيَانه فِي مَوْضِعه.

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّب النَّفْس» مَعْنَاهُ: لِسُرُورِهِ بِمَا وَفَّقَهُ اللَّه الْكَرِيم لَهُ مِنْ الطَّاعَة، وَوَعَدَهُ بِهِ مِنْ ثَوَابه مَعَ مَا يُبَارِك لَهُ فِي نَفْسه، وَتَصَرُّفه فِي كُلّ أُمُوره، مَعَ مَا زَالَ عَنْهُ مِنْ عُقَد الشَّيْطَان وَتَثْبِيطه، وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيث النَّفْس كَسْلَان»، مَعْنَاهُ لِمَا عَلَيْهِ مِنْ عُقَد الشَّيْطَان وَآثَار تَثْبِيطه وَاسْتِيلَائِهِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ ذَلِكَ عَنْهُ، وَظَاهِر الْحَدِيث أَنَّ مَنْ لَمْ يَجْمَع بَيْن الْأُمُور الثَّلَاثَة وَهِيَ: الذِّكْر وَالْوُضُوء وَالصَّلَاة، فَهُوَ دَاخِل فِيمَنْ يُصْبِح خَبِيث النَّفْس كَسْلَان، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيث مُخَالَفَة لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَقُلْ أَحَدكُمْ خَبُثَتْ نَفْسِي» فَإِنَّ ذَلِكَ نَهْي لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَقُول هَذَا اللَّفْظ عَنْ نَفْسه، وَهَذَا إِخْبَار عَنْ صِفَة غَيْره.

 وَاعْلَمْ أَنَّ الْبُخَارِيّ بَوَّبَ لِهَذَا الْحَدِيث: بَاب عَقْد الشَّيْطَان عَلَى رَأْس مَنْ لَمْ يُصَلِّ، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ الْمَازِرِيُّ وَقَالَ: الَّذِي فِي الْحَدِيث أَنَّهُ يَعْقِد قَافِيَة رَأْسه وَإِنْ صَلَّى بَعْده، وَإِنَّمَا يَنْحَلّ عُقَده بِالذِّكْرِ وَالْوُضُوء وَالصَّلَاة، قَالَ: وَيُتَأَوَّل كَلَام الْبُخَارِيّ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ اِسْتِدَامَة الْعُقَد إِنَّمَا تَكُون عَلَى مَنْ تَرَكَ الصَّلَاة، وَجَعَلَ مَنْ صَلَّى وَانْحَلَّتْ عُقَدَهُ كَمَنْ لَمْ يَعْقِد عَلَيْهِ لِزَوَالِ أَثَرهبَاب: اِسْتِحْبَاب صَلَاة النَّافِلَة فِي بَيْته وَجَوَازهَا فِي الْمَسْجِد:وَسَوَاء فِي هَذَا الرَّاتِبَة وَغَيْرهَا إِلَّا الشَّعَائِر الظَّاهِرَة وَهِيَ الْعِيد وَالْكُسُوف وَالِاسْتِسْقَاء وَالتَّرَاوِيح وَكَذَا مَا لَا يَتَأَتَّى فِي غَيْر الْمَسْجِد كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِد وَيُنْدَب كَوْنه فِي الْمَسْجِد هِيَ رَكْعَتَا الطَّوَاف.

✯✯✯✯✯✯

‏1296- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اِجْعَلُوا مِنْ صَلَاتكُمْ فِي بُيُوتكُمْ وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا» مَعْنَاهُ: صَلُّوا فيها وَلَا تَجْعَلُوهَا كَالْقُبُورِ مَهْجُورَة مِنْ الصَّلَاة، وَالْمُرَاد لَهُ صَلَاة النَّافِلَة، أَيْ: صَلُّوا النَّوَافِل فِي بُيُوتكُمْ.

وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض: قِيلَ هَذَا فِي الْفَرِيضَة، وَمَعْنَاهُ: اِجْعَلُوا بَعْض فَرَائِضكُمْ فِي بُيُوتكُمْ لِيَقْتَدِيَ بِكُمْ مَنْ لَا يَخْرُج إِلَى الْمَسْجِد مِنْ نِسْوَة وَعَبِيد وَمَرِيض وَنَحْوهمْ، قَالَ: وَقَالَ الْجُمْهُور بَلْ هُوَ فِي النَّافِلَة لِإِخْفَائِهَا وَلِلْحَدِيثِ الْآخَر: «أَفْضَل الصَّلَاة صَلَاة الْمَرْء فِي بَيْته إِلَّا الْمَكْتُوبَة» قُلْت: الصَّوَاب أَنَّ الْمُرَاد النَّافِلَة، وَجَمِيع أَحَادِيث الْبَاب تَقْتَضِيه، وَلَا يَجُوزُ حَمْله عَلَى الْفَرِيضَة وَإِنَّمَا حَثَّ عَلَى النَّافِلَة فِي الْبَيْت لِكَوْنِهِ أَخْفَى وَأَبْعَدَ مِنْ الرِّيَاء، وَأَصْوَنُ مِنْ الْمُحْبِطَات، وَلِيَتَبَرَّك الْبَيْت بِذَلِكَ وَتَنْزِل فيه الرَّحْمَة وَالْمَلَائِكَة وَيَنْفِر مِنْهُ الشَّيْطَان، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيث الْآخَر، وَهُوَ مَعْنَى قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «فَإِنَّ اللَّه جَاعِل فِي بَيْته مِنْ صَلَاته خَيْرًا».

✯✯✯✯✯✯

‏1299- قَوْله: (بُرَيْد عَنْ أَبِي بُرْدَة) قَدْ سَبَقَ مَرَّات أَنَّ بُرَيْدًا بِضَمِّ الْمُوَحَّدَة.

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَل الْبَيْت الَّذِي يُذْكَر اللَّه فيه وَالْبَيْت الَّذِي لَا يُذْكَر اللَّه فيه مَثَل الْحَيّ وَالْمَيِّت» فيه: النَّدْب إِلَى ذِكْر اللَّه تَعَالَى فِي الْبَيْت، وَأَنَّهُ لَا يُخْلَى مِنْ الذِّكْر، وَفيه: جَوَاز التَّمْثِيل.

 وَفيه: أَنَّ طُول الْعُمْر فِي الطَّاعَة فَضِيلَة، وَإِنْ كَانَ الْمَيِّت يَنْتَقِل إِلَى خَيْر، لِأَنَّ الْحَيّ يَلْتَحِقُ بِهِ وَيَزِيد عَلَيْهِ بِمَا يَفْعَلهُ مِنْ الطَّاعَات.

✯✯✯✯✯✯

‏1300- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الشَّيْطَان يَنْفِر مِنْ الْبَيْت» هَكَذَا ضَبَطَهُ الْجُمْهُور (يَنْفِر) وَرَوَاهُ بَعْض رُوَاة مُسْلِم (يَفِرّ) وَكِلَاهُمَا صَحِيح.

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سُورَة الْبَقَرَة» دَلِيل عَلَى جَوَازه بِلَا كَرَاهَة.

وَأَمَّا مَنْ كَرِهَ قَوْل سُورَة الْبَقَرَة وَنَحْوهَا فَغَالِطٌ.

 وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَة وَسَنُعِيدُهَا قَرِيبًا- إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى- فِي أَبْوَاب فَضَائِل الْقُرْآن.

✯✯✯✯✯✯

‏1301- قَوْله: «اِحْتَجَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُجَيْرَة بِخَصَفَةٍ أَوْ حَصِير فَصَلَّى فيها» (فَالْحُجَيْرَة) - بِضَمِّ الْحَاء- تَصْغِير حُجْرَة، وَالْخَصَفَة وَالْحَصِير بِمَعْنًى، شَكَّ الرَّاوِي فِي الْمَذْكُورَة مِنْهُمَا، وَمَعْنَى اِحْتَجَرَ حُجْرَة أَيْ: حَوَّطَ مَوْضِعًا مِنْ الْمَسْجِد بِحَصِيرٍ لِيَسْتُرهُ لِيُصَلِّيَ فيه، وَلَا يَمُرّ بَيْن يَدَيْهِ مَارّ، وَلَا يَتَهَوَّش بِغَيْرِهِ، وَيَتَوَفَّر خُشُوعه وَفَرَاغ قَلْبه.

 وَفيه: جَوَاز مِثْل هَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ فيه تَضْيِيق عَلَى الْمُصَلِّينَ وَنَحْوهمْ، وَلَمْ يَتَّخِذهُ دَائِمًا؛ لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَحْتَجِرهَا بِاللَّيْلِ يُصَلِّي فيها، وَيُنَحِّهَا بِالنَّهَارِ وَيَبْسُطهَا.

 كَمَا ذَكَرَهُ مُسْلِم فِي الرِّوَايَة الَّتِي بَعْد هَذِهِ، ثُمَّ تَرَكَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار وَعَادَ إِلَى الصَّلَاة فِي الْبَيْت.

 وَفيه: جَوَاز النَّافِلَة فِي الْمَسْجِد.

 وَفيه: جَوَاز الْجَمَاعَة فِي غَيْر الْمَكْتُوبَة، وَجَوَاز الِاقْتِدَاء بِمِنْ لَمْ يَنْوِ الْإِمَامَة.

 وَفيه: تَرْك بَعْض الْمَصَالِح لِخَوْفِ مَفْسَدَة أَعْظَم مِنْ ذَلِكَ.

 وَفيه: بَيَان مَا كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ مِنْ الشَّفَقَة عَلَى أُمَّته وَمُرَاعَاة مَصَالِحهمْ، وَأَنَّهُ يَنْبَغِي لِوُلَاةِ الْأُمُور وَكِبَار النَّاس وَالْمَتْبُوعِينَ- فِي عِلْم وَغَيْره- الِاقْتِدَاء بِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ.

قَوْله: «فَتَتَبَّعَ إِلَيْهِ رِجَال» هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ، وَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخ، وَأَصْل التَّتَبُّع الطَّلَب، وَمَعْنَاهُ هُنَا طَلَبُوا مَوْضِعه وَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ.

قَوْله: «وَحَصَبُوا الْبَاب» أَيْ رَمَوْهُ بِالْحَصْبَاءِ، وَهِيَ الْحَصَى الصِّغَار تَنْبِيهًا لَهُ وَظَنُّوا أَنَّهُ نَسِيَ.

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنَّ خَيْر صَلَاة الْمَرْء فِي بَيْته إِلَّا الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة» هَذَا عَامّ فِي جَمِيع النَّوَافِل الْمُرَتَّبَة مَعَ الْفَرَائِض وَالْمُطْلَقَة إِلَّا فِي النَّوَافِل الَّتِي هِيَ مِنْ شَعَائِر الْإِسْلَام، وَهِيَ الْعِيد وَالْكُسُوف وَالِاسْتِسْقَاء وَكَذَا التَّرَاوِيح عَلَى الْأَصَحّ، فَإِنَّهَا مَشْرُوعَة فِي جَمَاعَة فِي الْمَسْجِد، وَالِاسْتِسْقَاء فِي الصَّحْرَاء، وَكَذَا الْعِيد إِذَا ضَاقَ الْمَسْجِد.

 وَاللَّهُ أَعْلَمُ.



باب ما روي فيمن نام الليل اجمع حتى اصبح

كاتب
كاتب
مصطفى خميس خريج كلية اللغة العربية جامعة الإسكندرية، لعيب كرة قدم سابق لدي نادي أهلي دمنهور، مدون ومحرر اخبار ومالك عدة مواقع إلكترونية.
تعليقات