باب في فضل سعد بن ابي وقاص رضي الله عنه
باب في فضل سعد بن ابي وقاص رضي الله عنه
4427- قَوْلُهَا: «أَرِقَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَات لَيْلَة» هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَكَسْر الرَّاء وَتَخْفِيف الْقَاف، أَيْ سَهِرَ وَلَمْ يَأْتِهِ نَوْم، وَالْأَرَقُ السَّهَرُ، وَيُقَالُ: أَرَّقَنِي الْأَمْر بِالتَّشْدِيدِ تَأْرِيقًا أَيْ أَسْهَرَنِي، وَرَجُل أَرِق عَلَى وَزْن فَرِح.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْتَ رَجُلًا صَالِحًا يَحْرُسُنِي» فيه جَوَاز الِاحْتِرَاس مِنْ الْعَدُوِّ، وَالْأَخْذ بِالْحَزْمِ، وَتَرْك الْإِهْمَال فِي مَوْضِع الْحَاجَة إِلَى الِاحْتِيَاط.
قَالَ الْعُلَمَاء: وَكَانَ هَذَا الْحَدِيث قَبْل نُزُول قَوْله تَعَالَى: {وَاَللَّهُ يَعْصِمُك مِنْ النَّاسِ} لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ الِاحْتِرَاس حِين نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة، وَأَمَرَ أَصْحَابه بِالِانْصِرَافِ عَنْ حِرَاسَته، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيث الْأَوَّل كَانَ فِي أَوَّل قُدُومه الْمَدِينَة، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْآيَة نَزَلَتْ بَعْد ذَلِكَ بِأَزْمَانٍ.
قَوْلهَا: «حَتَّى سَمِعْت غَطِيطه» هُوَ بَالِغَيْنِ الْمُعْجَمَة، وَهُوَ صَوْت النَّائِم الْمُرْتَفِع.
✯✯✯✯✯✯
4428- قَوْلُهَا: «سَمِعْنَا خَشْخَشَة سِلَاح» أَيْ صَوْت سِلَاح صَدَمَ بَعْضُهُ بَعْضًا.
✯✯✯✯✯✯
4429- قَوْله: «سَمِعْت عَلِيًّا رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يَقُولُ: مَا جَمَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَوَيْهِ لِأَحَدٍ غَيْرِ سَعْد بْن مَالِك؛ فَإِنَّهُ جَعَلَ يَقُول: اِرْمِ فِدَاك أَبِي وَأُمِّي» وَفِي رِوَايَة عَنْ سَعْد قَالَ: جَمَعَ لِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَوَيْهِ يَوْم أُحُد فَقَالَ: «اِرْمِ فِدَاك أَبِي وَأُمِّي» فيه جَوَازُ التَّفْدِيَةِ بِالْأَبَوَيْنِ، وَبِهِ قَالَ جَمَاهِير الْعُلَمَاء، وَكَرِهَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّاب وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا، وَكَرِهَهُ بَعْضهمْ فِي التَّفْدِيَة بِالْمُسْلِمِ مِنْ أَبَوَيْهِ.
وَالصَّحِيح الْجَوَاز مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فيه حَقِيقَةُ فِدَاء، وَإِنَّمَا هُوَ كَلَام وَأَلْطَاف وَإِعْلَام بِمَحَبَّتِهِ لَهُ، وَمَنْزِلَته، وَقَدْ وَرَدَتْ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة بِالتَّفْدِيَةِ مُطْلَقًا وَأَمَّا قَوْله: «مَا جَمَعَ أَبَوَيْهِ لِغَيْرِ سَعْد»، وَذَكَرَ بَعْدُ أَنَّهُ جَمَعَهُمَا لِلزُّبَيْرِ، وَقَدْ جَاءَ جَمْعُهُمَا لِغَيْرِهِمَا أَيْضًا، فَيُحْمَلُ قَوْلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ عَلَى نَفْيِ عِلْمِ نَفْسِهِ، أَيْ لَا أَعْلَمُهُ جَمَعَهُمَا إِلَّا لِسَعْدِ بْن أَبِي وَقَّاص، وَهُوَ سَعْد بْن مَالِك.
وَفيه فَضِيلَة الرَّمْي وَالْحَثّ عَلَيْهِ، وَالدُّعَاء لِمَنْ فَعَلَ خَيْرًا.
قَوْله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى وَابْن بَشَّار قَالَا: حَدَّثَنَا شُعْبَة وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة حَدَّثَنَا وَكِيع وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَإِسْحَاق الْحَنْظَلِيّ عَنْ مُحَمَّد بْن بِشْر عَنْ مِسْعَر وَحَدَّثَنَا اِبْن أَبِي عُمَر حَدَّثَنَا سُفْيَان عَنْ مِسْعَر كُلّهمْ عَنْ سَعْد بْن إِبْرَاهِيم) قَالَ أَبُو مَسْعُود الدِّمَشْقِيّ وَأَبُو عَلِيّ الْغَسَّانِيّ وَغَيْرهمَا هَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِم قَالُوا، وَأَسْقَطَ مِنْ رِوَايَته سُفْيَان الثَّوْرِيّ بَيْن وَكِيع وَمِسْعَر، لِأَنَّ أَبَا بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة إِنَّمَا رَوَاهُ فِي مُسْنَده وَالْمَغَازِي وَغَيْره مَوْضِع عَنْ وَكِيع عَنْ الثَّوْرِيّ عَنْ مِسْعَر، وَادَّعَى بَعْضهمْ أَنَّ وَكِيعًا لَمْ يُدْرِكْ مِسْعَرًا، وَهَذَا خَطَأ ظَاهِر، فَقَدْ ذَكَرَ اِبْن أَبِي حَاتِم وَغَيْره وَكِيعًا فِيمَنْ رَوَى عَنْ مِسْعَر، وَلِأَنَّ وَكِيعًا أَدْرَكَ نَحْو سِتّ وَعِشْرِينَ سَنَة مِنْ حَيَاة مِسْعَر مَعَ أَنَّهُمَا كُوفِيَّانِ.
قَالَ أَبُو نُعَيْم الْفَضْل بْن دُكَيْن وَالْبُخَارِيّ وَغَيْرهمَا: تُوُفِّيَ مِسْعَر سَنَة خَمْس وَخَمْسِينَ وَمِائَة، وَقَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَل وَغَيْره: وُلِدَ وَكِيع سَنَة تِسْع وَعِشْرِينَ وَمِائَة فَلَا يَمْنَع أَنْ يَكُونَ وَكِيع سَمِعَ هَذَا الْحَدِيث مِنْ مِسْعَر، وَكَوْن اِبْن أَبِي شَيْبَة رَوَاهُ عَنْ وَكِيع عَنْ الثَّوْرِيّ عَنْ مِسْعَر لَا يَلْزَمُ مِنْهُ مَنْع سَمَاعه مِنْ مِسْعَر كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي نَظَائِره.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
✯✯✯✯✯✯
4430- سبق شرحه بالباب.
✯✯✯✯✯✯
4431- قَوْله: «كَانَ رَجُل مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَدْ أَحْرَقَ الْمُسْلِمِينَ» أَيْ أَثْخَنَ فيهمْ، وَعَمِلَ فيهمْ نَحْو عَمَل النَّار.
قَوْله: «فَنَزَعْت لَهُ بِسَهْمٍ لَيْسَ فيه نَصْل، فَأَصَبْت جَنْبه، فَسَقَطَ، وَانْكَشَفَتْ عَوْرَته، فَضَحِكَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَظَرْت إِلَى نَوَاجِذه».
فَقَوْله: «نَزَعْت لَهُ بِسَهْمٍ» أَيْ رَمَيْته بِسَهْمٍ لَيْسَ فيه زَجّ.
وَقَوْله: «فَأَصَبْت جَنْبه» بِالْجِيمِ وَالنُّون.
هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَم النُّسَخ، وَفِي بَعْضهَا: «حَبَّته» بِحَاءٍ مُهْمَلَة وَبَاء مُوَحَّدَة مُشَدَّدَة ثُمَّ مُثَنَّاة فَوْق أَيْ حَبَّة قَلْبه.
وَقَوْله: «فَضَحِكَ» أَيْ فَرَحًا بِقَتْلِهِ عَدُوّهُ، لَا لِانْكِشَافِهِ.
وَقَوْله: «نَوَاجِذه» بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة أَيْ أَنْيَابه، وَقِيلَ: أَضْرَاسه، وَسَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ.
✯✯✯✯✯✯
4432- قَوْله: «أَرَدْت أَنْ أُلْقِيَهُ فِي الْقَبْض» هُوَ بِفَتْحِ الْقَاف وَالْبَاء الْمُوَحَّدَة وَالضَّاد الْمُعْجَمَة الْمَوْضِع الَّذِي يُجْمَعُ فيه الْغَنَائِم.
وَقَدْ سَبَقَ شَرْح أَكْثَر هَذَا الْحَدِيث مُفَرَّقًا.
وَالْحَشّ بِفَتْحِ الْحَاء وَضَمّهَا الْبُسْتَان.
قَوْله: «شَجَرُوا فَاهَا بِعَصًا ثُمَّ أَوْجَرُوهَا» أَيْ فَتَحُوهُ، ثُمَّ صَبُّوا فِي فيها الطَّعَام.
إِنَّمَا شَجَرُوهَا بِالْعَصَا لِئَلَّا تُطْبِقَهُ فَيَمْتَنِع وُصُول الطَّعَام جَوْفهَا.
وَهَكَذَا صَوَابه بِالشِّينِ الْمُعْجَمَة وَالْجِيم وَالرَّاء، وَهَكَذَا فِي جَمِيع النُّسَخ.
قَالَ الْقَاضِي: وَيُرْوَى: «شَحَوْا فَاهَا» بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَة وَحَذْف الرَّاء، وَمَعْنَاهُ قَرِيب مِنْ الْأَوَّل، أَيْ أَوْسَعُوهُ وَفَتَحُوهُ، وَالشَّحْو التَّوْسِعَة، وَدَابَّة شَحْو وَاسِعَة الْخَطْو وَيُقَال: أَوْجَرَهُ وَوَجَره لُغَتَانِ، الْأُولَى أَفْصَح وَأَشْهَر.
قَوْله: «ضَرَبَ بِهِ أَنْفَهُ فَفَزَرَهُ» هُوَ بِزَايٍ ثُمَّ رَاءٍ يَعْنِي شَقَّهُ، وَكَانَ أَنْفه مَفْزُورًا أَيْ مَشْقُوقًا.
باب في فضل سعد بن ابي وقاص رضي الله عنه
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب فضائل الصحابة ﴿ 6 ﴾
۞۞۞۞۞۞۞۞