باب جواز غسل المحرم بدنه وراسه
باب جواز غسل المحرم بدنه وراسه
ذَكَرَ فِي الْبَاب حَدِيث اِبْن حُنَيْنٍ أَنَّ اِبْن عَبَّاس وَالْمِسْوَر اِخْتَلَفَا، فَقَالَ اِبْن عَبَّاس: لِلْمُحْرِمِ غَسْل رَأْسه، وَخَالَفَهُ الْمِسْوَر، وَأَنَّ اِبْن عَبَّاس أَرْسَلَهُ إِلَى أَبِي أَيُّوب يَسْأَلهُ عَنْ ذَلِكَ فَوَجَدَهُ يَغْتَسِل بَيْن الْقَرْنَيْنِ، وَهُوَ يَسْتَتِر بِثَوْبٍ، قَالَ: فَسَلَّمْت عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقُلْت: أَنَا عَبْد اللَّه بْن حُنَيْنٍ أَرْسَلَنِي إِلَيْك عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس أَسْأَلك: كَيْف كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْسِل رَأْسه وَهُوَ مُحْرِم؟ فَوَضَعَ أَبُو أَيُّوب يَده عَلَى الثَّوْب فَطَأْطَأَهُ حَتَّى بَدَا لِي رَأْسه، ثُمَّ قَالَ لِإِنْسَانٍ يَصُبّ عَلَيْهِ: اُصْبُبْ.
فَصَبَّ عَلَى رَأْسه ثُمَّ حَرَّكَ رَأْسه بِيَدَيْهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَل.
قَوْله: (بَيْن الْقَرْنَيْنِ) هُوَ بِفَتْحِ الْقَاف تَثْنِيَة (قَرْن) وَهُمَا الْخَشَبَتَانِ الْقَائِمَتَانِ عَلَى رَأْس الْبِئْر وَشِبْهَهمَا مِنْ الْبِنَاء، وَتُمَدّ بَيْنهمَا خَشَبَة يُجَرّ عَلَيْهَا الْحَبْل الْمُسْتَقَى بِهِ، وَتُعَلَّق عَلَيْهَا الْبَكَرَة.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث فَوَائِد مِنْهَا: جَوَاز اِغْتِسَال الْمُحْرِم وَغَسْله رَأْسه، وَإِمْرَار الْيَد عَلَى شَعْره بِحَيْثُ لَا يَنْتِف شَعْرًا.
وَمِنْهَا: قَبُول خَبَر الْوَاحِد، وَأَنَّ قَبُوله كَانَ مَشْهُورًا عِنْد الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ.
وَمِنْهَا: الرُّجُوع إِلَى النَّصّ عِنْد الِاخْتِلَاف وَتَرْك الِاجْتِهَاد وَالْقِيَاس عِنْد وُجُود النَّصّ.
وَمِنْهَا: السَّلَام عَلَى الْمُتَطَهِّر فِي وُضُوء وَغُسْل، بِخِلَافِ الْجَالِس عَلَى الْحَدَث.
وَمِنْهَا: جَوَاز الِاسْتِعَانَة فِي الطَّهَارَة، وَلَكِنْ الْأَوْلَى تَرْكهَا إِلَّا لِحَاجَةٍ، وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى جَوَاز غَسْل الْمُحْرِم رَأْسه وَجَسَده مِنْ الْجَنَابَة، بَلْ هُوَ وَاجِب عَلَيْهِ، وَأَمَّا غَسْله تَبَرُّدًا مَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْجُمْهُور: جَوَازه بِلَا كَرَاهَة، وَيَجُوز عِنْدنَا غَسْل رَأْسه بِالسِّدْرِ وَالْخَطْمِيّ، بِحَيْثُ لَا يَنْتِف شَعْرًا فَلَا فِدْيَة عَلَيْهِ مَا لَمْ يَنْتِف شَعْرًا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَمَالِك: هُوَ حَرَام مُوجِب لِلْفِدْيَةِ.
باب جواز غسل المحرم بدنه وراسه