باب جواز التمتع
باب جواز التمتع
2146- قَوْله: (كَانَ عُثْمَان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يَنْهَى عَنْ الْمُتْعَة وَكَانَ عَلِيّ يَأْمُر بِهَا) الْمُخْتَار أَنَّ الْمُتْعَة الَّتِي نَهَى عَنْهَا عُثْمَان هِيَ التَّمَتُّع الْمَعْرُوف فِي الْحَجّ، وَكَانَ عُمَر وَعُثْمَان يَنْهَيَانِ عَنْهَا نَهْي تَنْزِيه لَا تَحْرِيم، وَإِنَّمَا نَهَيَا عَنْهَا لِأَنَّ الْإِفْرَاد أَفْضَل، فَكَانَ عُمَر وَعُثْمَان يَأْمُرَانِ بِالْإِفْرَادِ لِأَنَّهُ أَفْضَل، وَيَنْهَيَانِ عَنْ التَّمَتُّع نَهْي تَنْزِيه لِأَنَّهُ مَأْمُور بِصَلَاحِ رَعِيَّته، وَكَانَ يَرَى الْأَمْر بِالْإِفْرَادِ مِنْ جُمْلَة صَلَاحهمْ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله: (ثُمَّ قَالَ عَلِيّ لَقَدْ عَلِمْت أَنَّا قَدْ تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَجَلْ وَلَكِنْ كُنَّا خَائِفِينَ) فَقَوْله: (أَجَلْ) بِإِسْكَانِ اللَّام أَيْ نَعَمْ.
وَقَوْله: (كُنَّا خَائِفِينَ) لَعَلَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ خَائِفِينَ يَوْم عُمْرَة الْقَضَاء سَنَة سَبْع قَبْل فَتْح مَكَّة لَكِنْ لَمْ يَكُنْ تِلْكَ السَّنَة حَقِيقَة تَمَتُّع إِنَّمَا كَانَ عُمْرَة وَحْدهَا.
✯✯✯✯✯✯
2147- قَوْله: (فَقَالَ عُثْمَان: دَعْنَا عَنْك فَقَالَ يَعْنِي عَلِيًّا إِنِّي لَا أَسْتَطِيع أَنْ أَدَعك، فَلَمَّا أَنْ رَأَى عَلِيّ ذَلِكَ أَهَلَّ بِهِمَا) فَفيه إِشَاعَة الْعِلْم وَإِظْهَاره وَمُنَاظَرَة وُلَاة الْأُمُور وَغَيْرهمْ فِي تَحْقِيقه وَوُجُوب مُنَاصَحَة الْمُسْلِم فِي ذَلِكَ وَهَذَا مَعْنَى قَوْل عَلِيّ: لَا أَسْتَطِيع أَنْ أَدَعك، وَأَمَّا إِهْلَال عَلِيّ بِهِمَا فَقَدْ يَحْتَجّ بِهِ مَنْ يُرَجِّح الْقِرَان، وَأَجَابَ عَنْهُ مَنْ رَجَّحَ الْإِفْرَاد بِأَنَّهُ إِنَّمَا أَهَلَّ بِهِمَا لِيُبَيِّن جَوَازهمَا لِئَلَّا يَظُنّ النَّاس أَوْ بَعْضهمْ أَنَّهُ لَا يَجُوز الْقِرَان وَلَا التَّمَتُّع، وَأَنَّهُ يَتَعَيَّن الْإِفْرَاد.
وَاَللَّه أَعْلَم.
✯✯✯✯✯✯
2148- قَوْله: (عَنْ أَبِي ذَرّ قَالَ: كَانَتْ الْمُتْعَة فِي الْحَجّ لِأَصْحَابِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّة) وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: (كَانَتْ لَنَا رُخْصَة)، يَعْنِي الْمُتْعَة فِي الْحَجّ.
وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى قَالَ أَبُو ذَرّ: لَا تَصْلُح الْمُتْعَتَانِ إِلَّا لَنَا خَاصَّة يَعْنِي مُتْعَة النِّسَاء وَمُتْعَة الْحَجّ.
وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى إِنَّمَا كَانَتْ لَنَا خَاصَّة دُونكُمْ.
قَالَ الْعُلَمَاء مَعْنَى هَذِهِ الرِّوَايَات كُلّهَا أَنَّ فَسْخ الْحَجّ إِلَى الْعُمْرَة كَانَ لِلصَّحَابَةِ فِي تِلْكَ السَّنَة، وَهِيَ حَجَّة الْوَدَاع، وَلَا يَجُوز بَعْد ذَلِكَ.
وَلَيْسَ مُرَاد أَبِي ذَرّ إِبْطَال التَّمَتُّع مُطْلَقًا، بَلْ مُرَاده فَسْخ الْحَجّ كَمَا ذَكَرْنَا، وَحِكْمَته إِبْطَال مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّة مِنْ مَنْع الْعُمْرَة فِي أَشْهُر الْحَجّ، وَقَدْ سَبَقَ بَيَان هَذَا كُلّه فِي الْبَاب السَّابِق.
وَاَللَّه أَعْلَم.
✯✯✯✯✯✯
2150- قَوْله: (لَا تَصْلُح الْمُتْعَتَانِ إِلَّا لَنَا خَاصَّة) مَعْنَاهُ إِنَّمَا صَلَحَتَا لَنَا خَاصَّة فِي الْوَقْت الَّذِي فَعَلْنَاهُمَا فيه ثُمَّ صَارَتَا حَرَامًا بَعْد ذَلِكَ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.
وَاَللَّه أَعْلَم.
✯✯✯✯✯✯
2152- قَوْله: (سَأَلْت سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص عَنْ الْمُتْعَة فَقَالَ: فَعَلْنَاهَا وَهَذَا يَوْمَئِذٍ كَافِر بِالْعُرُشِ يَعْنِي بُيُوت مَكَّة) وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى (يَعْنِي مُعَاوِيَة) وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى (الْمُتْعَة فِي الْحَجّ).
أَمَّا الْعُرُش فَبِضَمِّ الْعَيْن وَالرَّاء وَهِيَ بُيُوت مَكّه كَمَا فَسَّرَهُ فِي الرِّوَايَة.
قَالَ أَبُو عُبَيْد: سُمِّيَتْ بُيُوت مَكَّة عُرُشًا لِأَنَّهَا عِيدَان تُنْصَب وَتُظَلَّل.
قَالَ: وَيُقَال لَهَا أَيْضًا عُرُوش بِالرَّاءِ وَوَاحِدهَا عَرْش كَفَلْسٍ وَفُلُوس، وَمَنْ قَالَ عَرْش فَوَاحِدهَا عَرِيش كَقَلِيبٍ وَقَلْب.
وَفِي حَدِيث آخَر أَنَّ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ كَانَ إِذَا نَظَرَ إِلَى عُرُوش مَكَّة قَطَعَ التَّلْبِيَة.
وَأَمَّا قَوْله (وَهَذَا يَوْمَئِذٍ كَافِر بِالْعُرُشِ) فَالْإِشَارَة بِهَذَا إِلَى مُعَاوِيَة بْن أَبِي سُفْيَان، وَفِي الْمُرَاد بِالْكُفْرِ هُنَا وَجْهَانِ أَحَدهمَا مَا قَالَهُ الْمَازِرِيُّ وَغَيْره الْمُرَاد وَهُوَ مُقِيم فِي بُيُوت مَكَّة.
قَالَ ثَعْلَب: يُقَال: اكْتَفَرَ الرَّجُل إِذَا لَزِمَ الْكُفُور، وَهِيَ الْقُرَى.
وَفِي الْأَثَر عَنْ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ (أَهْل الْكُفُور هُمْ أَهْل الْقُبُور) يَعْنِي الْقُرَى الْبَعِيدَة عَنْ الْأَمْصَار وَعَنْ الْعُلَمَاء.
وَالْوَجْه الثَّانِي الْمُرَاد الْكُفْر بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَالْمُرَاد أَنَّا تَمَتَّعْنَا وَمُعَاوِيَة يَوْمئِذٍ كَافِر عَلَى دِين الْجَاهِلِيَّة مُقِيم بِمَكَّة، وَهَذَا اِخْتِيَار الْقَاضِي عِيَاض وَغَيْره، وَهُوَ الصَّحِيح الْمُخْتَار، وَالْمُرَاد بِالْمُتْعَةِ الْعُمْرَة الَّتِي كَانَتْ سَنَة سَبْع مِنْ الْهِجْرَة، وَهِيَ عُمْرَة الْقَضَاء، وَكَانَ مُعَاوِيَة يَوْمَئِذٍ كَافِرًا، وَإِنَّمَا أَسْلَمَ بَعْد ذَلِكَ عَام الْفَتْح سَنَة ثَمَانٍ، وَقِيلَ: إِنَّهُ أَسْلَمَ بَعْد عُمْرَة الْقَضَاء سَنَة سَبْع، وَالصَّحِيح الْأَوَّل.
وَأَمَّا غَيْر هَذِهِ الْعُمْرَة مِنْ عُمَر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَكُنْ مُعَاوِيَة فيها كَافِرًا وَلَا مُقِيمًا بِمَكَّة بَلْ كَانَ مَعَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: وَقَالَهُ بَعْضهمْ كَافِر بِالْعَرْشِ بِفَتْحِ الْعَيْن وَإِسْكَان الرَّاء، وَالْمُرَاد عَرْش الرَّحْمَن.
قَالَ الْقَاضِي: هَذَا تَصْحِيف.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث جَوَاز الْمُتْعَة فِي الْحَجّ.
✯✯✯✯✯✯
2153- قَوْله: «عَنْ عِمْرَان بْن حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْمَرَ طَائِفَة مِنْ أَهْله فِي الْعَشْر فَلَمْ تَنْزِل آيَة تَنْسَخ ذَلِكَ وَلَمْ يُنْهَ عَنْهُ حَتَّى مَضَى لِوَجْهِهِ» وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْن حَجّ وَعُمْرَة ثُمَّ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ حَتَّى مَاتَ وَلَمْ يَنْزِل فيه قُرْآن يُحَرِّمهُ، وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى نَحْوه ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَجُل بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ يَعْنِي عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ.
وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَنْزِل فيه الْقُرْآن قَالَ رَجُل بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ.
وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «تَمَتَّعَ وَتَمَتَّعْنَا مَعَهُ».
وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «نَزَلَتْ آيَة الْمُتْعَة فِي كِتَاب اللَّه يَعْنِي مُتْعَة الْحَجّ وَأَمَرَنَا بِهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».
وَهَذِهِ الرِّوَايَات كُلّهَا مُتَّفِقَة عَلَى أَنَّ مُرَاد عُمَر أَنَّ التَّمَتُّع بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجّ جَائِزَة، وَكَذَلِكَ الْقِرَان، وَفيه التَّصْرِيح بِإِنْكَارِهِ عَلَى عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ مَنْعَ التَّمَتُّع، وَقَدْ سَبَقَ تَأْوِيل فِعْل عُمَر أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ إِبْطَال التَّمَتُّع بَلْ تَرْجِيح الْإِفْرَاد عَلَيْهِ.
✯✯✯✯✯✯
2154- قَوْله: «وَقَدْ كَانَ يُسَلَّم عَلَيَّ حَتَّى اِكْتَوَيْت فَتُرِكْت ثُمَّ تَرَكْت الْكَيّ فَعَادَ» فَقَوْله: «يُسَلَّم عَلَيَّ» هُوَ بِفَتْحِ اللَّام الْمُشَدَّدَة.
وَقَوْله: «فَتُرِكْت» هُوَ بِضَمِّ التَّاء أَيْ اِنْقَطَعَ السَّلَام عَلَيَّ، ثُمَّ تَرَكْت بِفَتْحِ التَّاء أَيْ تَرَكْت الْكَيّ فَعَادَ السَّلَام عَلَيَّ.
وَمَعْنَى الْحَدِيث أَنَّ عِمْرَان بْن الْحُصَيْن رَضِيَ اللَّه عَنْهُ كَانَتْ بِهِ بَوَاسِير فَكَانَ يَصْبِر عَلَى الْمُهِمَّات وَكَانَتْ الْمَلَائِكَة تُسَلِّم عَلَيْهِ، فَاكْتَوَى فَانْقَطَعَ سَلَامهمْ عَلَيْهِ، ثُمَّ تَرَكَ الْكَيّ فَعَادَ سَلَامهمْ عَلَيْهِ.
✯✯✯✯✯✯
2155- قَوْله: «بَعَثَ إِلَيَّ عِمْرَان بْن حُصَيْنٍ فِي مَرَضه الَّذِي تُوُفِّيَ فيه فَقَالَ: إِنِّي كُنْت مُحَدِّثك بِأَحَادِيث لَعَلَّ اللَّه أَنْ يَنْفَعك بِهَا بَعْدِي، فَإِنْ عِشْت فَاكْتُمْ عَنِّي، وَإِنْ مُتّ فَحَدِّثْ بِهَا إِنْ شِئْت أَنَّهُ قَدْ سُلِّمَ عَلَيَّ وَاعْلَمْ أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَمَعَ بَيْن حَجّ وَعُمْرَة» أَمَّا قَوْله: «فَإِنْ عِشْت فَاكْتُمْ عَنِّي» فَأَرَادَ بِهِ الْإِخْبَار بِالسَّلَامِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُشَاع عَنْهُ ذَلِكَ فِي حَيَاته لِمَا فيه مِنْ التَّعَرُّض لِلْفِتْنَةِ بِخِلَافِ مَا بَعْد الْمَوْت.
وَأَمَّا قَوْله: «لَعَلَّ اللَّه أَنْ يَنْفَعك بِهَا» فَمَعْنَاهُ تَعْمَل بِهَا وَتُعَلِّمهَا غَيْرك.
وَأَمَّا قَوْله: (أَحَادِيث) فَظَاهِره أَنَّهَا ثَلَاثَة فَصَاعِدًا وَلَمْ يَذْكُر مِنْهَا إِلَّا حَدِيثًا وَاحِدًا وَهُوَ الْجَمْع بَيْن الْحَجّ وَالْعُمْرَة.
وَأَمَّا إِخْبَاره بِالسَّلَامِ فَلَيْسَ حَدِيثًا فَيَكُون بَاقِي الْأَحَادِيث مَحْذُوفًا مِنْ الرِّوَايَة.
502158- قَوْله: (حَدَّثَنَا حَامِد بْن عُمَر الْبَكْرَاوِيُّ) هُوَ مَنْسُوب إِلَى جَدّ جَدّ أَبِيهِ أَبِي بَكْرَة الصَّحَابِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فَإِنَّهُ حَامِد بْن عُمَر بْن حَفْص بْن عُمَر بْن عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي بَكْرَة الثَّقَفِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ.
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب الحج ﴿ 24 ﴾
۞۞۞۞۞۞۞۞