باب مواقيت الحج والعمرة
باب مواقيت الحج والعمرة
ذَكَرَ مُسْلِم فِي الْبَاب ثَلَاثَة أَحَادِيث، حَدِيث اِبْن عَبَّاس أَكْمَلُهَا؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ فيه بِنَقْلِهِ الْمَوَاقِيت الْأَرْبَعَة مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلِهَذَا ذَكَرَهُ مُسْلِم فِي أَوَّل الْبَاب، ثُمَّ حَدِيث اِبْن عُمَر؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْفَظ مِيقَات أَهْل الْيَمَن، بَلْ بَلَغَهُ بَلَاغًا، ثُمَّ حَدِيث جَابِر؛ لِأَنَّ أَبَا الزُّبَيْر قَالَ: أَحْسَب جَابِرًا رَفَعَهُ، وَهَذَا لَا يَقْتَضِي ثُبُوته مَرْفُوعًا.
فَوَقَّتَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ الْمَدِينَة ذَا الْحُلَيْفَة، بِضَمِّ الْحَاء الْمُهْمَلَة وَبِالْفَاءِ، وَهِيَ أَبْعَد الْمَوَاقِيت مِنْ مَكَّة، بَيْنهمَا نَحْو عَشْر مَرَاحِل أَوْ تِسْع، وَهِيَ قَرِيبَة مِنْ الْمَدِينَة عَلَى نَحْو سِتَّة أَمْيَال مِنْهَا، وَلِأَهْلِ الشَّام الْجُحْفَة، وَهِيَ مِيقَات لَهُمْ وَلِأَهْلِ مِصْر، وَهِيَ بِجِيمٍ مَضْمُومَة ثُمَّ حَاء مُهْمَلَة سَاكِنَة، قِيلَ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ السَّيْل أَجْحَفَهَا فِي وَقْت، وَيُقَال لَهَا: «مَهْيَعَة» بِفَتْحِ الْمِيم وَإِسْكَان الْهَاء وَفَتْح الْمُثَنَّاة تَحْت، كَمَا ذَكَرَهُ فِي بَعْض رِوَايَات مُسْلِم، وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاض عَنْ بَعْضهمْ، كَسْر الْهَاء، وَالصَّحِيح الْمَشْهُور إِسْكَانهَا، وَهِيَ عَلَى نَحْو ثَلَاث مَرَاحِل مِنْ مَكَّة عَلَى طَرِيق الْمَدِينَة.
وَلِأَهْلِ الْيَمَن: «يَلَمْلَم» بِفَتْحِ الْمُثَنَّاة تَحْت وَاللَّامَيْنِ، وَيُقَال أَيْضًا: «أَلَمْلَم» بِهَمْزَةٍ بَدَل الْيَاء لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ، وَهُوَ جَبَل مِنْ جِبَال تِهَامَة، عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّة.
وَلِأَهْلِ نَجْد: «قَرْن الْمَنَازِل» بِفَتْحِ الْقَاف وَإِسْكَان الرَّاء بِلَا خِلَاف بَيْن أَهْل الْعِلْم مِنْ أَهْل الْحَدِيث وَاللُّغَة وَالتَّارِيخ وَالْأَسْمَاء وَغَيْرهمْ، وَغَلِطَ الْجَوْهَرِيّ فِي صِحَاحه فيه غَلَطَيْنِ فَاحِشَيْنِ فَقَالَ: بِفَتْحِ الرَّاء، وَزَعَمَ أَنَّ أُوَيْسًا الْقَرَنِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ مَنْسُوب إِلَيْهِ، وَالصَّوَاب إِسْكَان الرَّاء، وَأَنَّ أُوَيْسًا مَنْسُوب إِلَى قَبِيلَة مَعْرُوفَة يُقَال لَهُمْ: «بَنُو قَرَن» وَهِيَ بَطْن مِنْ مُرَاد، الْقَبِيلَة الْمَعْرُوفَة يُنْسَب إِلَيْهَا الْمُرَادِيّ، وَقَرْن الْمَنَازِل عَلَى نَحْو مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّة، قَالُوا: وَهُوَ أَقْرَب الْمَوَاقِيت إِلَى مَكَّة.
وَأَمَّا: «ذَات عِرْق» بِكَسْرِ الْعَيْن فَهِيَ مِيقَات أَهْل الْعِرَاق، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء هَلْ صَارَتْ مِيقَاتهمْ بِتَوْقِيتِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْ بِاجْتِهَادِ عُمَر بْن الْخَطَّاب؟ وَفِي الْمَسْأَلَة وَجْهَانِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيّ: أَصَحّهمَا: وَهُوَ نَصّ الشَّافِعِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي الْأُمّ: بِتَوْقِيتِ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، وَذَلِكَ صَرِيح فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ.
وَدَلِيل مَنْ قَالَ بِتَوْقِيتِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيث جَابِر، لَكِنَّهُ غَيْر ثَابِت؛ لِعَدَمِ جَزْمه بِرَفْعِهِ.
وَأَمَّا قَوْل الدَّارَقُطْنِيِّ إِنَّهُ حَدِيث ضَعِيف؛ لِأَنَّ الْعِرَاق لَمْ تَكُنْ فُتِحَتْ فِي زَمَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَلَامه فِي تَضْعِيفه صَحِيح، وَدَلِيله مَا ذَكَرْته، وَأَمَّا اِسْتِدْلَاله لِضَعْفِهِ بِعَدَمِ فَتْح الْعِرَاق فَفَاسِد؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِع أَنْ يُخْبِر بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ سَيُفْتَحُ، وَيَكُون ذَلِكَ مِنْ مُعْجِزَات النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْإِخْبَار بِالْمَغِيبَاتِ الْمُسْتَقْبَلَات، كَمَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لِأَهْلِ الشَّام الْجُحْفَة فِي جَمِيع الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة، وَمَعْلُوم أَنَّ الشَّام لَمْ يَكُنْ فُتِحَ حِينَئِذٍ، وَقَدْ ثَبَتَتْ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة عَنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَخْبَرَ بِفَتْحِ الشَّام وَالْيَمَن وَالْعِرَاق، وَأَنَّهُمْ يَأْتُونَ إِلَيْهِمْ يَبُسُّونَ وَالْمَدِينَة خَيْر لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ بِأَنَّهُ زُوِيَتْ لَهُ مَشَارِق الْأَرْض وَمَغَارِبهَا، وَقَالَ: سَيَبْلُغُ مِلْك أُمَّتِي مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا، وَأَنَّهُمْ سَيَفْتَحُونَ مِصْر وَهِيَ أَرْض يُذْكَر فيها الْقِيرَاط، وَأَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام يَنْزِل عَلَى الْمَنَارَة الْبَيْضَاء شَرْقِيّ دِمَشْق، وَكُلّ هَذِهِ الْأَحَادِيث فِي الصَّحِيح، وَفِي الصَّحِيح مِنْ هَذَا الْقَبِيل مَا يَطُول ذِكْره.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْمَوَاقِيت مَشْرُوعَة، ثُمَّ قَالَ مَالِك وَأَبُو حَنِيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَالْجُمْهُور: هِيَ وَاجِبَة لَوْ تَرَكَهَا وَأَحْرَمَ بَعْد مُجَاوَزَتهَا أَثِمَ، وَلَزِمَهُ دَم، وَصَحَّ حَجّه، وَقَالَ عَطَاء وَالنَّخَعِيّ: لَا شَيْء عَلَيْهِ، وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر: لَا يَصِحّ حَجّه.
وَفَائِدَة الْمَوَاقِيت: أَنَّ مَنْ أَرَادَ حَجًّا أَوْ عُمْرَة حَرُمَ عَلَيْهِ مُجَاوَزَتهَا بِغَيْرِ إِحْرَام، وَلَزِمَهُ الدَّم كَمَا ذَكَرْنَا، قَالَ أَصْحَابنَا: فَإِنْ عَادَ إِلَى الْمِيقَات قَبْل التَّلَبُّس بِنُسُكٍ، سَقَطَ عَنْهُ الدَّم، وَفِي الْمُرَاد بِهَذَا النُّسُك خِلَاف مُنْتَشِر، وَأَمَّا مَنْ لَا يُرِيد حَجًّا وَلَا عُمْرَة فَلَا يَلْزَمهُ الْإِحْرَام لِدُخُولِ مَكَّة عَلَى الصَّحِيح مِنْ مَذْهَبنَا، سَوَاء دَخَلَ لِحَاجَةٍ تَتَكَرَّر كَحَطَّابٍ وَحَشَّاش وَصَيَّاد وَنَحْوهمْ، أَوْ لَا تَتَكَرَّر كَتِجَارَةٍ وَزِيَارَة وَنَحْوهمَا، وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْل ضَعِيف أَنَّهُ يَجِب الْإِحْرَام بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَة إِنْ دَخَلَ مَكَّة أَوْ غَيْرهَا مِنْ الْحَرَم لِمَا يَتَكَرَّر، بِشَرْطٍ سَبَق بَيَانه فِي أَوَّل كِتَاب الْحَجّ، وَأَمَّا مَنْ مَرَّ بِالْمِيقَاتِ غَيْر مُرِيد دُخُول الْحَرَم، بَلْ لِحَاجَةٍ دُونه، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يُحْرِم فَيُحْرِم مِنْ مَوْضِعه الَّذِي بَدَا لَهُ فيه، فَإِنْ جَاوَزَهُ بِلَا إِحْرَام ثُمَّ أَحْرَمَ أَثِمَ وَلَزِمَهُ الدَّم، وَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ الْمَوْضِع الَّذِي بَدَا لَهُ أَجْزَأَهُ وَلَا دَم عَلَيْهِ، وَلَا يُكَلَّف الرُّجُوع إِلَى الْمِيقَات، هَذَا مَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْجُمْهُور.
وَقَالَ أَحْمَد وَإِسْحَاق: يَلْزَمهُ الرُّجُوع إِلَى الْمِيقَات.
✯✯✯✯✯✯
2022- قَوْله: «وَقَّتَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَهْلِ الْمَدِينَة ذَا الْحُلَيْفَة وَلِأَهْلِ الشَّام الْجُحْفَة وَلِأَهْلِ نَجْد قَرْن» هَكَذَا وَقَعَ فِي أَكْثَر النُّسَخ: «قَرْن» مِنْ غَيْر أَلِف بَعْد النُّون، وَفِي بَعْضهَا: «قَرْنًا» بِالْأَلِفِ، وَهُوَ الْأَجْوَد؛ لِأَنَّهُ مَوْضِع، وَاسْم لِجَبَلٍ، فَوَجَبَ صَرْفه، وَاَلَّذِي وَقَعَ بِغَيْرِ أَلِف يُقْرَأ مُنَوَّنًا، وَإِنَّمَا حَذَفُوا الْأَلِف كَمَا جَرَتْ عَادَة بَعْض الْمُحَدِّثِينَ يَكْتُبُونَ يَقُول: سَمِعْت أَنَس بِغَيْرِ أَلِف، وَيُقْرَأ بِالتَّنْوِينِ، وَيَحْتَمِل عَلَى بُعْد أَنْ نَقْرَأ: «قَرْن» مَنْصُوبًا بِغَيْرِ تَنْوِين وَيَكُون أَرَادَ بِهِ الْبُقْعَة، فَيُتْرَك صَرْفه.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَهُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْر أَهْلهنَّ» قَالَ الْقَاضِي: كَذَا جَاءَتْ الرِّوَايَة فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرهمَا عِنْد أَكْثَر الرُّوَاة، قَالَ: وَوَقَعَ عِنْد بَعْض رُوَاة الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم: «فَهُنَّ لَهُمْ» وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْره، وَكَذَا ذَكَرَهُ مُسْلِم مِنْ رِوَايَة اِبْن أَبِي شَيْبَة، وَهُوَ الْوَجْه؛ لِأَنَّهُ ضَمِير أَهْل هَذِهِ الْمَوَاضِع، قَالَ: وَوَجْه الرِّوَايَة الْمَشْهُورَة أَنَّ الضَّمِير فِي: «لَهُنَّ» عَائِد عَلَى الْمَوَاضِع وَالْأَقْطَار الْمَذْكُورَة، وَهِيَ الْمَدِينَة وَالشَّام وَالْيَمَن وَنَجْد، أَيْ: هَذِهِ الْمَوَاقِيت لِهَذِهِ الْأَقْطَار، وَالْمُرَاد لِأَهْلِهَا فَحَذَفَ الْمُضَاف وَأَقَامَ الْمُضَاف إِلَيْهِ مَقَامه.
وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْر أَهْلهنَّ» مَعْنَاهُ: أَنَّ الشَّامِيّ مَثَلًا إِذَا مَرَّ بِمِيقَاتِ الْمَدِينَة فِي ذَهَابه، لَزِمَهُ أَنْ يُحْرِم مِنْ مِيقَات الْمَدِينَة وَلَا يَجُوز لَهُ تَأْخِيره إِلَى مِيقَات الشَّام الَّذِي هُوَ الْجُحْفَة، وَكَذَا الْبَاقِي مِنْ الْمَوَاقِيت، وَهَذَا لَا خِلَاف فيه.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَهُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْر أَهْلهنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجّ وَالْعُمْرَة» فيه دَلَالَة لِلْمَذْهَبِ الصَّحِيح فِيمَنْ مَرَّ بِالْمِيقَاتِ لَا يُرِيد حَجًّا وَلَا عُمْرَة أَنَّهُ لَا يَلْزَمهُ الْإِحْرَام لِدُخُولِ مَكَّة، وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَة وَاضِحَة، قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء: وَفيه دَلَالَة عَلَى أَنَّ الْحَجّ عَلَى التَّرَاخِي لَا عَلَى الْفَوْر، وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَة وَاضِحَة فِي أَوَّل كِتَاب الْحَجّ.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَمَنْ كَانَ دُونهنَّ فَمِنْ أَهْله» هَذَا صَرِيح فِي أَنَّ مَنْ كَانَ مَسْكَنه بَيْن مَكَّة وَالْمِيقَات فَمِيقَاته مَسْكَنه، وَلَا يَلْزَمهُ الذَّهَاب إِلَى الْمِيقَات، وَلَا يَجُوز لَهُ مُجَاوَزَة مَسْكَنه بِغَيْرِ إِحْرَام.
هَذَا مَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْعُلَمَاء كَافَّة إِلَّا مُجَاهِدًا، فَقَالَ: مِيقَاته مَكَّة بِنَفْسِهَا.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَمَنْ كَانَ دُونهنَّ فَمِنْ أَهْله وَكَذَا فَكَذَلِكَ حَتَّى أَهْل مَكَّة يُهِلُّونَ مِنْهَا» هَكَذَا فِي جَمِيع النُّسَخ وَهُوَ صَحِيح، وَمَعْنَاهُ: وَهَكَذَا فَهَكَذَا مَنْ جَاوَزَ مَسْكَنه الْمِيقَات حَتَّى أَهْل مَكَّة يُهِلُّونَ مِنْهَا، وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى هَذَا كُلّه، فَمَنْ كَانَ فِي مَكَّة مِنْ أَهْلهَا أَوْ وَارِدًا إِلَيْهَا وَأَرَادَ الْإِحْرَام بِالْحَجِّ، فَمِيقَاته نَفْس مَكَّة وَلَا يَجُوز لَهُ تَرْك مَكَّة وَالْإِحْرَام بِالْحَجِّ مِنْ خَارِجهَا، سَوَاء الْحَرَم وَالْحِلّ هَذَا هُوَ الصَّحِيح عِنْد أَصْحَابنَا، وَقَالَ بَعْض أَصْحَابنَا: يَجُوز لَهُ أَنْ يُحْرِم بِهِ مِنْ الْحَرَم، كَمَا يَجُوز مِنْ مَكَّة؛ لِأَنَّ حُكْم الْحَرَم حُكْم مَكَّة، وَالصَّحِيح الْأَوَّل؛ لِهَذَا الْحَدِيث، قَالَ أَصْحَابنَا: وَيَجُوز أَنْ يُحْرِم مِنْ جَمِيع نَوَاحِي مَكَّة بِحَيْثُ لَا يَخْرُج عَنْ نَفْس الْمَدِينَة وَسُورهَا، وَفِي الْأَفْضَل قَوْلَانِ: أَصَحّهمَا: مِنْ بَاب دَاره.
وَالثَّانِي: مِنْ الْمَسْجِد الْحَرَام تَحْت الْمِيزَاب.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَهَذَا كُلّه فِي إِحْرَام الْمَكِّيّ بِالْحَجِّ، وَالْحَدِيث إِنَّمَا هُوَ فِي إِحْرَامه بِالْحَجِّ، وَأَمَّا مِيقَات الْمَكِّيّ لِلْعُمْرَةِ فَأَدْنَى الْحِلّ؛ لِحَدِيثِ عَائِشَة الْآتِي: أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهَا فِي الْعُمْرَة أَنْ تَخْرُج إِلَى التَّنْعِيم، وَتُحْرِم بِالْعُمْرَةِ مِنْهُ، و«التَّنْعِيم» فِي طَرَف الْحِلّ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
✯✯✯✯✯✯
2023- سبق شرحه بالباب.
✯✯✯✯✯✯
2024- سبق شرحه بالباب.
✯✯✯✯✯✯
2025- سبق شرحه بالباب.
✯✯✯✯✯✯
2026- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مُهَلّ أَهْل الْمَدِينَة» هُوَ بِضَمِّ الْمِيم وَفَتْح الْهَاء وَتَشْدِيد اللَّام، أَيْ: مَوْضِع إِهْلَالهمْ.
قَوْله: (قَالَ عَبْد اللَّه بْن عُمَر وَزَعَمُوا) أَيْ: قَالُوا، وَقَدْ سَبَقَ فِي أَوَّل الْكِتَاب أَنَّ الزَّعْم قَدْ يَكُون مَعْنَى الْقَوْل الْمُحَقَّق.
✯✯✯✯✯✯
2027- سبق شرحه بالباب.
✯✯✯✯✯✯
2028- قَوْله: «أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْر أَنَّهُ سَمِعَ جَابِر بْن عَبْد اللَّه يَسْأَل عَنْ الْمُهَلّ، فَقَالَ: سَمِعْته ثُمَّ اِنْتَهَى فَقَالَ: أَرَاهُ يَعْنِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» مَعْنَى هَذَا الْكَلَام: أَنَّ أَبَا الزُّبَيْر قَالَ سَمِعْت جَابِرًا، ثُمَّ اِنْتَهَى، أَيْ: وَقَفَ عَنْ رَفْع الْحَدِيث إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: «أُرَاهُ» بِضَمِّ الْهَمْزَة أَيْ: أَظُنّهُ رَفَعَ الْحَدِيث، فَقَالَ: «أُرَاهُ» يَعْنِي: النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: (أَحْسَبهُ رَفَعَ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَقَوْله: أَحْسَبهُ رَفَعَ، لَا يُحْتَجّ بِهَذَا الْحَدِيث مَرْفُوعًا؛ لِكَوْنِهِ لَمْ يَجْزِم بِرَفْعِهِ.
قَوْله فِي حَدِيث جَابِر: «وَمُهَلّ أَهْل الْعِرَاق مِنْ ذَات عِرْق» هَذَا صَرِيح فِي كَوْنه مِيقَات أَهْل الْعِرَاق، لَكِنْ لَيْسَ رَفْع الْحَدِيث ثَابِتًا كَمَا سَبَقَ، وَقَدْ سَبَقَ الْإِجْمَاع عَلَى أَنَّ ذَات عِرْق مِيقَات أَهْل الْعِرَاق، وَمَنْ فِي مَعْنَاهُمْ، قَالَ الشَّافِعِيّ: وَلَوْ أَهَلُّوا مِنْ الْعَقِيق كَانَ أَفْضَل، وَالْعَقِيق أَبْعَد مِنْ ذَات عِرْق بِقَلِيلٍ، فَاسْتَحَبَّهُ الشَّافِعِيّ؛ لِأَثَرٍ فيه؛ وَلِأَنَّهُ قِيلَ: إِنَّ ذَات عِرْق كَانَتْ أَوَّلًا فِي مَوْضِعه، ثُمَّ حُوِّلَتْ وَقُرِّبَتْ إِلَى مَكَّة.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَاعْلَمْ أَنَّ لِلْحَجِّ مِيقَات مَكَان، وَهُوَ مَا سَبَقَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيث، وَمِيقَات زَمَان: وَهُوَ شَوَّال وَذُو الْقَعْدَة وَعَشْر لَيَالٍ مِنْ ذِي الْحِجَّة، وَلَا يَجُوز الْإِحْرَام بِالْحَجِّ فِي غَيْر هَذَا الزَّمَان.
هَذَا مَذْهَب الشَّافِعِيّ، وَلَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فِي غَيْر هَذَا الزَّمَان لَمْ يَنْعَقِد حَجًّا، وَانْعَقَدَ عُمْرَة، وَأَمَّا الْعُمْرَة فَيَجُوز الْإِحْرَام بِهَا وَفِعْلهَا فِي جَمِيع السَّنَة، وَلَا يُكْرَه فِي شَيْء مِنْهَا، لَكِنْ شَرْطهَا أَلَّا يَكُون فِي الْحَجّ وَلَا مُقِيمًا عَلَى شَيْء مِنْ أَفْعَاله، وَلَا يُكْرَه تَكْرَار الْعُمْرَة فِي السَّنَة، بَلْ يُسْتَحَبّ عِنْدنَا وَعِنْد الْجُمْهُور، وَكَرِهَ تَكْرَارهَا فِي السَّنَة اِبْن سِيرِينَ وَمَالِك، وَيَجُوز الْإِحْرَام بِالْحَجِّ مِمَّا فَوْق الْمِيقَات أَبْعَد مِنْ مَكَّة سَوَاء دُوَيْرَة أَهْله وَغَيْرهَا، وَأَيّهمَا أَفْضَل؟ فيه قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ: أَصَحّهمَا: مِنْ الْمِيقَات أَفْضَل؛ لِلِاقْتِدَاءِ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب الحج ﴿ 3 ﴾
۞۞۞۞۞۞۞۞