باب بيان وقت انقضاء الصوم وخروج النهار
باب بيان وقت انقضاء الصوم وخروج النهار
1841- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْل وَأَدْبَرَ النَّهَار وَغَابَتْ الشَّمْس فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِم» مَعْنَاهُ: اِنْقَضَى صَوْمه وَتَمَّ، وَلَا يُوصَف الْآن بِأَنَّهُ صَائِم، فَإِنَّ بِغُرُوبِ الشَّمْس خَرَجَ النَّهَار وَدَخَلَ اللَّيْل، وَاللَّيْل لَيْسَ مَحِلًّا لِلصَّوْمِ.
وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَقْبَلَ اللَّيْل وَأَدْبَرَ النَّهَار وَغَرَبَتْ الشَّمْس» قَالَ الْعُلَمَاء: كُلّ وَاحِد مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَة يَتَضَمَّن الْآخَرَيْنِ وَيُلَازِمُهُمَا، وَإِنَّمَا جَمَعَ بَيْنَهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُون فِي وَادٍ وَنَحْوه بِحَيْثُ لَا يُشَاهِد غُرُوب الشَّمْس، فَيَعْتَمِد إِقْبَال الظَّلَّام وَإِدْبَار الضِّيَاء.
وَاَللَّه أَعْلَم.
✯✯✯✯✯✯
1842- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اِنْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا؛ فَنَزَلَ فَجَدَحَ» هُوَ بِجِيمٍ ثُمَّ حَاءٍ مُهْمَلَةٍ، وَهُوَ خَلْطُ الشَّيْءِ بِغَيْرِهِ، وَالْمُرَاد هُنَا خَلْط السَّوِيق بِالْمَاءِ وَتَحْرِيكه حَتَّى يَسْتَوِي و(الْمِجْدَح) بِكَسْرِ الْمِيم عُودٌ مُجَنَّحُ الرَّأْسِ.
لِيُسَاطَ بِهِ الْأَشْرِبَة، وَقَدْ يَكُون لَهُ ثَلَاث شُعَبٍ.
✯✯✯✯✯✯
1843- قَوْله: «كُنَّا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَلَمَّا غَابَتْ الشَّمْس قَالَ لِرَجُلٍ: اِنْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا فَقَالَ: يَا رَسُول اللَّه لَوْ أَمْسَيْت، فَقَالَ: اِنْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا قَالَ إِنَّ عَلَيْنَا نَهَارًا فَنَزَلَ فَجَدَحَ فَشَرِبَ ثُمَّ قَالَ: إِذَا رَأَيْتُمْ اللَّيْل إِلَى آخِره» مَعْنَى الْحَدِيث.
أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه كَانُوا صِيَامًا، وَكَانَ ذَلِكَ فِي شَهْر رَمَضَان، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَة يَحْيَى بْن يَحْيَى: «فَلَمَّا غَرَبَتْ الشَّمْس أَمَرَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجَدْحِ لِيُفْطِرُوا» فَرَأَى الْمُخَاطَب آثَار الضِّيَاء وَالْحُمْرَة الَّتِي بَعْد غُرُوب الشَّمْس فَظَنَّ أَنَّ الْفِطْر لَا يَحِلّ إِلَّا بَعْد ذَهَاب ذَلِكَ، وَاحْتَمَلَ عِنْده أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَرَهَا.
فَأَرَادَ تَذْكِيرَهُ وَإِعْلَامَهُ بِذَلِكَ، وَيُؤَيِّد هَذَا قَوْله: «إِنَّ عَلَيْك نَهَارًا» لِتَوَهُّمِهِ أَنَّ ذَلِكَ الضَّوْء مِنْ النَّهَار الَّذِي يَجِب صَوْمه، وَهُوَ مَعْنَى: «لَوْ أَمْسَيْت» أَيْ تَأَخَّرْت حَتَّى يَدْخُل الْمَسَاء، وَتَكْرِيره الْمُرَاجَعَة لِغَلَبَةِ اِعْتِقَاده عَلَى أَنَّ ذَلِكَ نَهَار يَحْرُم فيه الْأَكْل مَعَ تَجْوِيزه أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَنْظُر إِلَى ذَلِكَ الضَّوْء نَظَرًا تَامًّا، فَقَصَدَ زِيَادَة الْإِعْلَام بِبَقَاءِ الضَّوْء.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث: جَوَاز الصَّوْم فِي السَّفَر، وَتَفْضِيله عَلَى الْفِطْر لِمَنْ لَا تَلْحَقُهُ بِالصَّوْمِ مَشَقَّةٌ ظَاهِرَةٌ.
وَفيه: بَيَان اِنْقِضَاء الصَّوْم بِمُجَرَّدِ غُرُوب الشَّمْس وَاسْتِحْبَاب تَعْجِيل الْفِطْر، وَتَذْكِير الْعَالِم مَا يُخَاف أَنْ يَكُون نَسِيَهُ، وَأَنَّ الْفِطْر عَلَى التَّمْر لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ لَوْ تَرَكَهُ جَازَ، وَأَنَّ الْأَفْضَل بَعْده الْفِطْر عَلَى الْمَاء، وَقَدْ جَاءَ هَذَا التَّرْتِيب فِي الْحَدِيث الْآخَر فِي سُنَن أَبِي دَاوُدَ وَغَيْره فِي الْأَمْر بِالْفِطْرِ عَلَى تَمْر، فَإِنْ لَمْ يَجِد فَعَلَى الْمَاء فَإِنَّهُ طَهُور.
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب الصيام ﴿ 11 ﴾
۞۞۞۞۞۞۞۞