📁 آخر الأخبار

باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان على الصايم ووجوب الكفارة الكبرى


باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان على الصايم ووجوب الكفارة الكبرى فيه وبيناها وانها تجب على الموسر والمعسر وتثبت في ذمة المعسر حتى يستطيع

باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان على الصايم ووجوب الكفارة الكبرى


فِي الْبَاب: حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة فِي الْمُجَامِع اِمْرَأَته فِي نَهَار رَمَضَان، وَمَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْعُلَمَاء كَافَّة وُجُوب الْكَفَّارَة عَلَيْهِ إِذَا جَامَعَ عَامِدًا جِمَاعًا أَفْسَدَ بِهِ صَوْم يَوْم مِنْ رَمَضَان، وَالْكَفَّارَة عِتْق رَقَبَة مُؤْمِنَة سَلِيمَة مِنْ الْعُيُوب الَّتِي تَضُرُّ بِالْعَمَلِ إِضْرَارًا بَيِّنًا، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا فَصَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعِينَ، فَإِنْ عَجَزَ فَإِطْعَام سِتِّينَ مِسْكِينًا كُلّ مِسْكِينٍ مُدٌّ مِنْ طَعَام، وَهُوَ رِطْل وَثُلُث بِالْبَغْدَادِيِّ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْخِصَال الثَّلَاث، فَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ: أَحَدهمَا: لَا شَيْء عَلَيْهِ، وَإِنْ اِسْتَطَاعَ بَعْد ذَلِكَ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وَاحْتَجَّ لِهَذَا الْقَوْل بِأَنَّ حَدِيث هَذَا الْمُجَامِع ظَاهِر بِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَقِرّ فِي ذِمَّته شَيْء؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِعَجْزِهِ، وَلَمْ يَقُلْ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الْكَفَّارَة ثَابِتَةٌ فِي ذِمَّته، بَلْ أَذِنَ لَهُ فِي إِطْعَام عِيَاله.

وَالْقَوْل الثَّانِي- وَهُوَ الصَّحِيح عِنْد أَصْحَابنَا وَهُوَ الْمُخْتَار-: أَنَّ الْكَفَّارَة لَا تَسْقُط، بَلْ تَسْتَقِرّ فِي ذِمَّته، حَتَّى يُمْكِن، قِيَاسًا عَلَى سَائِر الدُّيُون وَالْحُقُوق، وَالْمُؤَاخَذَات، كَجَزَاءِ الصَّيْد وَغَيْره.

وَأَمَّا الْحَدِيث فَلَيْسَ فيه نَفْي اِسْتِقْرَار الْكَفَّارَة، بَلْ فيه دَلِيل لِاسْتِقْرَارِهَا؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكَفَّارَة بِأَنَّهُ عَاجِز عَنْ الْخِصَال الثَّلَاث، ثُمَّ أُتِيَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعِرْقِ التَّمْر، فَأَمَرَهُ بِإِخْرَاجِهِ، فَلَوْ كَانَتْ تَسْقُط بِالْعَجْزِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِإِخْرَاجِهِ، فَدَلَّ عَلَى ثُبُوتهَا فِي ذِمَّته، وَإِنَّمَا أَذِنَ لَهُ فِي إِطْعَام عِيَاله؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُحْتَاجًا وَمُضْطَرًّا إِلَى الْإِنْفَاق عَلَى عِيَاله فِي الْحَال، وَالْكَفَّارَة عَلَى التَّرَاخِي، فَأَذِنَ لَهُ فِي أَكْلِهِ وَإِطْعَام عِيَاله، وَبَقِيَتْ الْكَفَّارَة فِي ذِمَّته، وَإِنَّمَا لَمْ يُبَيِّن لَهُ بَقَاءَهَا فِي ذِمَّته؛ لِأَنَّ تَأْخِير الْبَيَان إِلَى وَقْت الْحَاجَة جَائِز عِنْد جَمَاهِير الْأُصُولِيِّينَ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب فِي مَعْنَى الْحَدِيث وَحُكْم الْمَسْأَلَة، وَفيها أَقْوَال وَتَأْوِيلَات أُخَر ضَعِيفَةٌ.

وَأَمَّا الْمُجَامِع نَاسِيًا فَلَا يُفْطِر وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، هَذَا هُوَ الصَّحِيح مِنْ مَذْهَبنَا، وَبِهِ قَالَ جُمْهُور الْعُلَمَاء، وَلِأَصْحَابِ مَالِك خِلَاف فِي وُجُوبهَا عَلَيْهِ، وَقَالَ أَحْمَد: يُفْطِر وَتَجِب بِهِ الْكَفَّارَة، وَقَالَ عَطَاء وَرَبِيعَة وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْث وَالثَّوْرِيُّ: يَجِب الْقَضَاء وَلَا كَفَّارَة، دَلِيلنَا أَنَّ الْحَدِيث صَحَّ أَنَّ أَكْل النَّاسِي لَا يُفْطِر، وَالْجِمَاع فِي مَعْنَاهُ، وَأَمَّا الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي الْكَفَّارَة فِي الْجِمَاع، فَإِنَّمَا هِيَ فِي جِمَاع الْعَامِد، وَلِهَذَا قَالَ فِي بَعْضهَا: «هَلَكْت»، وَفِي بَعْضهَا: «اِحْتَرَقْت.

 اِحْتَرَقْت» وَهَذَا لَا يَكُون إِلَّا فِي عَامِدٍ، فَإِنَّ النَّاسِيَ لَا إِثْمَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ.

✯✯✯✯✯✯

‏1870- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ تَجِد مَا تُعْتِق رَقَبَة» (رَقَبَة) مَنْصُوب بَدَل مِنْ (مَا).

قَوْله: «فَأُتِيَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَقٍ» هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْن وَالرَّاء، هَذَا هُوَ الصَّوَاب الْمَشْهُور فِي الرِّوَايَة وَاللُّغَة، وَكَذَا حَكَاهُ الْقَاضِي عَنْ رِوَايَة الْجُمْهُور، ثُمَّ قَالَ: وَرَوَاهُ كَثِير مِنْ شُيُوخنَا وَغَيْرهمْ بِإِسْكَانِ الرَّاء، قَالَ: وَالصَّوَاب الْفَتْح، وَيُقَال.

 لِلْعَرَقِ: (الزَّبِيل) بِفَتْحِ الزَّاي مِنْ غَيْر نُونٍ (وَالزِّنْبِيل) بِكَسْرِ الزَّاي وَزِيَادَة نُون، وَيُقَال لَهُ: (الْقُفَّة) و(الْمِكْتَل) بِكَسْرِ الْمِيم وَفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة فَوْق، و(السَّفِيفَة) بِفَتْحِ السِّين الْمُهْمَلَة وَبِالْفَاءَيْنِ، قَالَ الْقَاضِي: قَالَ اِبْن دُرَيْدٍ: سُمِّيَ (زَبِيلًا)؛ لِأَنَّهُ يُحْمَل فيه الزِّبْل، وَالْعَرَق عِنْد الْفُقَهَاء مَا يَسْعَ خَمْسَة عَشَرَ صَاعًا، وَهِيَ سِتُّونَ مُدًّا لِسِتِّينَ مِسْكِينًا، لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ.

قَوْله: (قَالَ: أَفْقَرَ مِنَّا) كَذَا ضَبَطْنَاهُ (أَفْقَرَ) بِالنَّصْبِ، وَكَذَا نَقَلَ الْقَاضِي أَنَّ الرِّوَايَة فيه بِالنَّصْبِ عَلَى إِضْمَار فِعْل تَقْدِيره: أَتَجِدُ أَفْقَرَ مِنَّا، أَوْ أَتُعْطِي، قَالَ: وَيَصِحّ رَفْعُهُ عَلَى تَقْدِير: هَلْ أَحَد أَفْقَرَ مِنَّا، كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيث الْآخَر بَعْده: (أَغْيَرُنَا) كَذَا ضَبَطْنَاهُ بِالرَّفْعِ، وَيَصِحّ النَّصْب عَلَى مَا سَبَقَ، هَذَا كَلَام الْقَاضِي، وَقَدْ ضَبَطْنَا الثَّانِيَ بِالنَّصْبِ أَيْضًا، فَهُمَا جَائِزَانِ كَمَا سَبَقَ تَوْجِيههمَا.

قَوْله: (فَمَا بَيْن لَابَتَيْهَا) هُمَا الْحَرَّتَانِ، وَالْمَدِينَة بَيْن حَرَّتَيْنِ، و(الْحَرَّة) الْأَرْض الْمُلْبِسَة حِجَارَةً سَوْدَاءَ، وَيُقَال: لَابَة، وَلُوبَة، وَنَوْبَة بِالنُّونِ، حَكَاهُنَّ أَبُو عُبَيْد وَالْجَوْهَرِيُّ، وَمَنْ لَا يُحْصَى مِنْ أَهْل اللُّغَة، قَالُوا: وَمِنْهُ قِيلَ لِلْأَسْوَدِ: لُوبِي، وَنُوبِي بِاللَّامِ وَالنُّون، قَالُوا: وَجَمْع اللَّابَة: لُوب، وَلَاب، وَلَابَات، وَهِيَ غَيْر مَهْمُوزَة.

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ تَسْتَطِيع أَنْ تَصُوم شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟» فيه حُجَّة لِمَذْهَبِنَا وَمَذْهَب الْجُمْهُور، وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ فِي الْأَعْصَار الْمُتَأَخِّرَة، وَهُوَ اِشْتِرَاط التَّتَابُع فِي صِيَام هَذَيْنِ الشَّهْرَيْنِ، حُكِيَ عَنْ اِبْن أَبِي لَيْلَى أَنَّهُ لَا يَشْتَرِطهُ.

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تُطْعِم سِتِّينَ مِسْكِينًا» فيه حُجَّة لَنَا وَلِلْجُمْهُورِ، وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاء فِي الْأَعْصَار الْمُتَأَخِّرَة، وَهُوَ اِشْتِرَاط إِطْعَام سِتِّينَ مِسْكِينًا، وَحُكِيَ عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ: أَنَّهُ إِطْعَام أَرْبَعِينَ مِسْكَيْنَا عِشْرِينَ صَاعًا، ثُمَّ جُمْهُور الْمُشْتَرِطِينَ سِتِّينَ، قَالُوا: لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ، وَهُوَ رُبُع صَاع، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَالثَّوْرِيُّ: لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ.

قَوْله: (وَهُوَ الزِّنْبِيل) هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ بِكَسْرِ الزَّاي وَبَعْدهَا نُون، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانه قَرِيبًا.

✯✯✯✯✯✯

‏1871- قَوْله: (إِنَّ رَجُلًا وَقَعَ بِامْرَأَتِهِ) كَذَا هُوَ فِي مُعْظَم النُّسَخ، وَفِي بَعْضهَا: (وَاقَعَ اِمْرَأَته)، وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ.

وَقَوْله: «أَمَرَ رَجُلًا أَفْطَرَ فِي رَمَضَان أَنْ يُعْتِق رَقَبَة أَوْ يَصُوم شَهْرَيْنِ أَوْ يُطْعِم سِتِّينَ مِسْكِينًا» لَفْظَة (أَوْ) هُنَا لِلتَّقْسِيمِ لَا لِلتَّخْيِيرِ، تَقْدِيره: يُعْتِق أَوْ يَصُوم إِنْ عَجَزَ عَنْ الْعِتْق، أَوْ يُطْعِم إِنْ عَجَزَ عَنْهُمَا.

 وَتُبَيِّنُهُ الرِّوَايَاتُ الْبَاقِيَةُ، وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَات دَلَالَة لِأَبِي حَنِيفَة وَمَنْ يَقُول: يُجْزِي عِتْق كَافِر عَنْ كَفَّارَة الْجِمَاع وَالظِّهَار، وَإِنَّمَا يَشْتَرِطُونَ الرَّقَبَة الْمُؤْمِنَة فِي كَفَّارَة الْقَتْل؛ لِأَنَّهَا مَنْصُوص عَلَى وَصْفِهَا بِالْإِيمَانِ فِي الْقُرْآن، وَقَالَ الشَّافِعِيّ وَالْجُمْهُور: يُشْتَرَط الْإِيمَان فِي جَمِيع الْكَفَّارَات، تَنْزِيلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّد، وَالْمَسْأَلَة مَبْنِيَّة عَلَى ذَلِكَ؛ فَالشَّافِعِيّ يَحْمِل الْمُطْلَق عَلَى الْمُقَيَّد، وَأَبُو حَنِيفَة يُخَالِفُهُ.

✯✯✯✯✯✯

‏1873- قَوْله: (اِحْتَرَقْت) فيه اِسْتِعْمَال الْمَجَاز، وَأَنَّهُ لَا إِنْكَار عَلَى مُسْتَعْمِلِهِ.

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَصَدَّقْ تَصَدَّقْ» هَذَا مُطْلَق، وَجَاءَ مُقَيَّدًا فِي الرِّوَايَات السَّابِقَة بِإِطْعَامِ سِتِّينَ مِسْكِينًا، وَذَلِكَ سِتُّونَ مُدًّا، وَهِيَ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا.

قَوْله: «فَجَاءَهُ عِرْقَانِ فيهمَا طَعَامٌ فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ» هَذَا أَيْضًا مُطْلَق مَحْمُولٌ عَلَى الْمُقَيَّدِ كَمَا سَبَقَ.


باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان على الصايم ووجوب الكفارة الكبرى

كاتب
كاتب
مصطفى خميس خريج كلية اللغة العربية جامعة الإسكندرية، لعيب كرة قدم سابق لدي نادي أهلي دمنهور، مدون ومحرر اخبار ومالك عدة مواقع إلكترونية.
تعليقات