باب رجم الثيب في الزنا
باب رجم الثيب في الزنا
3201- قَوْله: «فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّه عَلَيْهِ آيَة الرَّجْم قَرَأْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا» أَرَادَ بِآيَةِ الرَّجْم: «الشَّيْخ وَالشَّيْخَة إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّة» وَهَذَا مِمَّا نُسِخَ لَفْظه وَبَقِيَ حُكْمه، وَقَدْ وَقَعَ نَسْخ حُكْم دُون اللَّفْظ، وَقَدْ وَقَعَ نَسْخُهُمَا جَمِيعًا، فَمَا نُسِخَ لَفْظه لَيْسَ لَهُ حُكْم الْقُرْآن فِي تَحْرِيمه عَلَى الْجُنُب.
وَنَحْو ذَلِكَ، وَفِي تَرْك الصَّحَابَة كِتَابَة هَذِهِ الْآيَة دَلَالَة ظَاهِرَة أَنَّ الْمَنْسُوخ لَا يُكْتَب فِي الْمُصْحَف، وَفِي إِعْلَان عُمَر بِالرَّجْمِ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَر وَسُكُوت الصَّحَابَة وَغَيْرهمْ مِنْ الْحَاضِرِينَ عَنْ مُخَالَفَته بِالْإِنْكَارِ دَلِيل عَلَى ثُبُوت الرَّجْم، وَقَدْ يُسْتَدَلّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْلَد مَعَ الرَّجْم، وَقَدْ تَمْتَنِع دَلَالَته؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّض لِلْجَلْدِ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْقُرْآن وَالسُّنَّة.
قَوْله: «فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَان أَنْ يَقُول قَائِل: مَا نَجِد الرَّجْم فِي كِتَاب اللَّه فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَة» هَذَا الَّذِي خَشِيَهُ قَدْ وَقَعَ مِنْ الْخَوَارِج وَمَنْ وَافَقَهُمْ كَمَا سَبَقَ بَيَانه، وَهَذَا مِنْ كَرَامَات عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَيَحْتَمِل أَنَّهُ عَلِمَ ذَلِكَ مِنْ جِهَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَوْله: «وَإِنَّ الرَّجْم فِي كِتَاب اللَّه حَقّ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أُحْصِنَ مِنْ الرِّجَال وَالنِّسَاء إِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَة أَوْ كَانَ الْحَبَل أَوْ الِاعْتِرَاف» أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ الرَّجْم لَا يَكُون إِلَّا عَلَى مَنْ زَنَى وَهُوَ مُحْصَن، وَسَبَقَ بَيَان صِفَة الْمُحْصَن، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَة بِزِنَاهُ وَهُوَ مُحْصَن يُرْجَم، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْبَيِّنَة أَرْبَعَة شُهَدَاء ذُكُور عُدُول هَذَا إِذَا شَهِدُوا عَلَى نَفْس الزِّنَا، وَلَا يَقْبَل دُون الْأَرْبَعَة، وَإِنْ اِخْتَلَفُوا فِي صِفَاتهمْ، وَأَجْمَعُوا عَلَى وُجُوب الرَّجْم عَلَى مَنْ اِعْتَرَفَ بِالزِّنَا وَهُوَ مُحْصَن يَصِحّ إِقْرَاره بِالْحَدِّ، وَاخْتَلَفُوا فِي اِشْتِرَاط تَكْرَار إِقْرَاره أَرْبَع مَرَّات، وَسَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَأَمَّا الْحَبَل وَحْده فَمَذْهَب عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وُجُوب الْحَدّ بِهِ، إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْج وَلَا سَيِّد، وَتَابَعَهُ مَالِك وَأَصْحَابه فَقَالُوا: إِذَا حَبِلَتْ وَلَمْ يُعْلَم لَهَا زَوْج وَلَا سَيِّد وَلَا عَرَفْنَا إِكْرَاههَا لَزِمَهَا الْحَدّ إِلَّا أَنْ تَكُون غَرِيبَة طَارِئَة، وَتَدَّعِي أَنَّهُ مِنْ زَوْج أَوْ سَيِّد، قَالُوا: وَلَا تُقْبَل دَعْوَاهَا الْإِكْرَاه إِذَا لَمْ تُقِمْ بِذَلِكَ مُسْتَغِيثَة عِنْد الْإِكْرَاه قَبْل ظُهُور الْحَمْل، وَقَالَ الشَّافِعِيّ وَأَبُو حَنِيفَة وَجَمَاهِير الْعُلَمَاء: لَا حَدَّ عَلَيْهَا بِمُجَرَّدِ الْحَبَل سَوَاء لَهَا زَوْج أَوْ سَيِّد أَمْ لَا، سَوَاء الْغَرِيبَة وَغَيْرهَا، وَسَوَاء اِدَّعَتْ الْإِكْرَاه أَمْ سَكَتَتْ فَلَا حَدَّ عَلَيْهَا مُطْلَقًا إِلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ اِعْتِرَاف؛ لِأَنَّ الْحُدُود تَسْقُط بِالشُّبُهَاتِ.
باب رجم الثيب في الزنا
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب الحدود ﴿ 4 ﴾
۞۞
۞۞۞۞۞۞