باب بيان ما كان من النهي عن اكل لحوم الاضاحي بعد ثلاث في اول الاسلام وبيان نسخه واباحته الى متى شاء
باب بيان ما كان من النهي عن اكل لحوم الاضاحي بعد ثلاث في اول الاسلام
3639- قَوْله: (حَدَّثَنِي عَبْد الْجَبَّار بْن الْعَلَاء حَدَّثَنَا سُفْيَان حَدَّثَنَا الزُّهْرِيّ عَنْ أَبِي عُبَيْد قَالَ: شَهِدْت الْعِيد مَعَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَذَكَرَ الْحَدِيث) قَالَ الْقَاضِي: لِهَذَا الْحَدِيث مِنْ رِوَايَة سُفْيَان عِنْد أَهْل الْحَدِيث عِلَّة فِي رَفْعه؛ لِأَنَّ الْحُفَّاظ مِنْ أَصْحَاب سُفْيَان لَمْ يَرْفَعُوهُ، وَلِهَذَا لَمْ يَرْوِهِ الْبُخَارِيّ مِنْ رِوَايَة سُفْيَان، وَرَوَاهُ مِنْ غَيْر طَرِيقه، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هَذَا مِمَّا وَهَمَ فيه عَبْد الْجَبَّار بْن الْعَلَاء؛ لِأَنَّ عَلِيّ بْن الْمَدِينِيّ وَأَحْمَد بْن حَنْبَل وَالْقَعْنَبِيّ وَأَبَا خَيْثَمَةَ وَإِسْحَاق وَغَيْرهمْ رَوَوْهُ عَنْ اِبْن عُيَيْنَةَ مَوْقُوفًا قَالَ: وَرَفْع الْحَدِيث عَنْ الزُّهْرِيّ صَحِيح مِنْ غَيْر طَرِيق سُفْيَان، فَقَدْ رَفَعَهُ صَالِح وَيُونُس وَمَعْمَر وَالزُّبَيْدِيّ وَمَالك مِنْ رِوَايَة جُوَيْرِيَة كُلّهمْ رَوَوْهُ عَنْ الزُّهْرِيّ مَرْفُوعًا.
هَذَا كَلَام الدَّارَقُطْنِيِّ وَالْمَتْن صَحِيح بِكُلِّ حَال.
وَاللَّهُ أَعْلَم.
✯✯✯✯✯✯
3640- قَوْله فِي حَدِيث عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ خَطَبَ فَقَالَ: «إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَهَاكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا لُحُوم نُسْككُمْ فَوْق ثَلَاث لَيَالٍ فَلَا تَأْكُلُوا» وَفِي حَدِيث اِبْن عُمَر عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَأْكُل أَحَدكُمْ مِنْ أُضْحِيَّته فَوْق ثَلَاثَة أَيَّام» قَالَ سَالِم: وَكَانَ اِبْن عُمَر لَا يَأْكُل لُحُوم الْأَضَاحِيّ بَعْد ثَلَاث، وَذَكَرَ حَدِيث جَابِر مِثْله فِي النَّهْي، ثُمَّ قَالَ: كُلُوا بَعْد وَادَّخِرُوا وَتَزَوَّدُوا.
وَحَدِيث عَائِشَة أَنَّهُ دَفَّ نَاس مِنْ أَهْل الْبَادِيَة حَضْرَة الْأَضْحَى، فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اِدَّخِرُوا ثَلَاثَة أَيَّام، ثُمَّ تَصَدَّقُوا ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيث: إِنَّمَا كُنْت نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْل الدَّافَّة الَّتِي دَفَّتْ فَكُلُوا وَادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا، وَذَكَرَ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيث جَابِر وَسَلَمَة بْن الْأَكْوَع وَأَبِي سَعِيد وَثَوْبَان وَبُرَيْدَةَ.
قَالَ الْقَاضِي: وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْأَخْذ بِهَذِهِ الْأَحَادِيث، فَقَالَ قَوْم: يَحْرُم إِمْسَاك لُحُوم الْأَضَاحِيّ وَالْأَكْل مِنْهَا بَعْد ثَلَاث، وَإِنَّ حُكْم التَّحْرِيم بَاقٍ كَمَا قَالَهُ عَلِيّ وَابْن عُمَر، وَقَالَ جَمَاهِير الْعُلَمَاء: يُبَاح الْأَكْل وَالْإِمْسَاك بَعْد الثَّلَاث، وَالنَّهْي مَنْسُوخ بِهَذِهِ الْأَحَادِيث الْمُصَرِّحَة بِالنَّسْخِ لاسيما حَدِيث بُرَيْدَةَ، وَهَذَا مِنْ نَسْخ السُّنَّة بِالسُّنَّةِ، وَقَالَ بَعْضهمْ: لَيْسَ هُوَ نَسْخًا، بَلْ كَانَ التَّحْرِيم لِعِلَّةٍ فَلَمَّا زَالَتْ زَالَ؛ لِحَدِيثِ سَلَمَة وَعَائِشَة، وَقِيلَ: كَانَ النَّهْي الْأَوَّل لِلْكَرَاهَةِ لَا لِلتَّحْرِيمِ، قَالَ هَؤُلَاءِ: وَالْكَرَاهَة بَاقِيَة إِلَى الْيَوْم، وَلَكِنْ لَا يَحْرُم، قَالُوا: وَلَوْ وَقَعَ مِثْل تِلْكَ الْعِلَّة الْيَوْم فَدَفَّتْ دَافَّة وَاسَاهُمْ النَّاس، وَحَمَلُوا عَلَى هَذَا مَذْهَب عَلِيّ وَابْن عُمَر، وَالصَّحِيح نَسْخ النَّهْي مُطْلَقًا، وَأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ تَحْرِيم وَلَا كَرَاهَة، فَيُبَاح الْيَوْم الِادِّخَار فَوْق ثَلَاث، وَالْأَكْل إِلَى مَتَى شَاءَ لِصَرِيحِ حَدِيث بُرَيْدَةَ وَغَيْره وَاللَّهُ أَعْلَم.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَعْد ثَلَاث» قَالَ الْقَاضِي: يَحْتَمِل أَنْ يَكُون اِبْتِدَاء الثَّلَاث مِنْ يَوْم ذَبْحهَا، وَيَحْتَمِل مِنْ يَوْم النَّحْر، وَإِنْ تَأَخَّرَ ذَبْحهَا إِلَى أَيَّام التَّشْرِيق، قَالَ: وَهَذَا أَظْهَر.
✯✯✯✯✯✯
3641- سبق شرحه بالباب.
✯✯✯✯✯✯
3643- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْل الدَّافَّة الَّتِي دَفَّتْ» قَالَ أَهْل اللُّغَة: (الدَّافَّة) بِتَشْدِيدِ الْفَاء: قَوْم يَسِيرُونَ جَمِيعًا سَيْرًا خَفِيفًا، وَدَفَّ يَدِفّ بِكَسْرِ الدَّال، وَدَافَّة الْأَعْرَاب مَنْ يَرِد مِنْهُمْ الْمِصْر، وَالْمُرَاد هُنَا مَنْ وَرَدَ مِنْ ضُعَفَاء الْأَعْرَاب لِلْمُوَاسَاةِ.
قَوْله: «دَفَّ أَبْيَات مِنْ أَهْل الْبَادِيَة حَضْرَة الْأَضْحَى» هِيَ بِفَتْحِ الْحَاء وَضَمّهَا وَكَسْرهَا، وَالضَّاد سَاكِنَة فيها كُلّهَا، وَحُكِيَ فَتْحهَا وَهُوَ ضَعِيف، وَإِنَّمَا تُفْتَح إِذَا حُذِفَتْ الْهَاء فَيُقَال: بِحَضَرِ فُلَان.
قَوْله: «إِنَّ النَّاس يَتَّخِذُونَ الْأَسْقِيَة مِنْ ضَحَايَاهُمْ، وَيَجْمُلُونَ مِنْهَا الْوَدَك»، قَوْله: (يَجْمُلُونَ) بِفَتْحِ الْيَاء مَعَ كَسْر الْمِيم وَضَمّهَا، وَيُقَال: بِضَمِّ الْيَاء مَعَ كَسْر الْمِيم، يُقَال: جَمَلْت الدُّهْن أُجْمِلهُ بِكَسْرِ الْمِيم وَأَجْمُلهُ بِضَمِّهَا جَمْلًا، وَأَجْمَلْته إِجْمَالًا أَيْ أَذَبْته وَهُوَ بِالْجِيمِ.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْل الدَّافَّة الَّتِي دَفَّتْ فَكُلُوا وَادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا» هَذَا تَصْرِيح بِزَوَالِ النَّهْي عَنْ اِدِّخَارهَا فَوْق ثَلَاث، وَفيه الْأَمْر بِالصَّدَقَةِ مِنْهَا، وَالْأَمْر بِالْأَكْلِ، فَأَمَّا الصَّدَقَة مِنْهَا إِذَا كَانَتْ أُضْحِيَّة تَطَوُّع فَوَاجِبَة عَلَى الصَّحِيح عِنْد أَصْحَابنَا بِمَا يَقَع عَلَيْهِ الِاسْم مِنْهَا، وَيُسْتَحَبّ أَنْ يَكُون بِمُعْظَمِهَا.
قَالُوا: وَأَدْنَى الْكَمَال أَنْ يَأْكُل الثُّلُث وَيَتَصَدَّق بِالثُّلُثِ وَيُهْدِي الثُّلُث، وَفيه قَوْل أَنَّهُ يَأْكُل النِّصْف، وَيَتَصَدَّق بِالنِّصْفِ، وَهَذَا الْخِلَاف فِي قَدْر أَدْنَى الْكَمَال فِي الِاسْتِحْبَاب، فَأَمَّا الْإِجْزَاء فَيُجْزِيه الصَّدَقَة بِمَا يَقَع عَلَيْهِ الِاسْم كَمَا ذَكَرْنَا، وَلَنَا وَجْه أَنَّهُ لَا تَجِب الصَّدَقَة بِشَيْءٍ مِنْهَا.
وَأَمَّا الْأَكْل مِنْهَا فَيُسْتَحَبّ وَلَا يَجِب، هَذَا مَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْعُلَمَاء كَافَّة، إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ بَعْض السَّلَف أَنَّهُ أَوْجَبَ الْأَكْل مِنْهَا، وَهُوَ قَوْل أَبِي الطَّيِّب اِبْن سَلَمَة مِنْ أَصْحَابنَا، حَكَاهُ عَنْهُ الْمَاوَرْدِيّ لِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيث فِي الْأَمْر بِالْأَكْلِ مَعَ قَوْله تَعَالَى: {فَكُلُوا مِنْهَا} وَحَمَلَ الْجُمْهُور هَذَا الْأَمْر عَلَى النَّدْب أَوْ الْإِبَاحَة لاسيما وَقَدْ وَرَدَ بَعْد الْحَظْر كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ الْمُتَكَلِّمُونَ فِي الْأَمْر الْوَارِد بَعْد الْحَظْر، فَالْجُمْهُور مِنْ أَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ عَلَى أَنَّهُ لِلْوُجُوبِ كَمَا لَوْ وَرَدَ اِبْتِدَاء، قَالَ جِمَاعه مِنْهُمْ مِنْ أَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ: إِنَّهُ لِلْإِبَاحَةِ.
✯✯✯✯✯✯
3645- قَوْله فِي حَدِيث أَبِي بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة عَنْ عَلِيّ بْن مُسْهِر: (قُلْت لِعَطَاءٍ: قَالَ جَابِر حَتَّى جِئْنَا الْمَدِينَة قَالَ: نَعَمْ) وَوَقَعَ فِي الْبُخَارِيّ (لَا) بَدَل قَوْله هُنَا (نَعَمْ) فَيَحْتَمِل أَنَّهُ نَسِيَ فِي وَقْت فَقَالَ: (لَا) وَذَكَرَ فِي وَقْت فَقَالَ: (نَعَمْ).
✯✯✯✯✯✯
3647- قَوْله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْد الْأَعْلَى حَدَّثَنَا سَعِيد عَنْ قَتَادَة عَنْ أَبِي نَضْرَة عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيِّ) هَكَذَا وَقَعَ فِي نُسَخ بِلَادنَا (سَعِيد عَنْ قَتَادَة عَنْ أَبِي نَضْرَة) وَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو عَلِيّ الْغَسَّانِيّ وَالْقَاضِي عَنْ نُسْخَة الْجُلُودِيّ وَالْكِسَائِيّ قَالَا: وَفِي نُسْخَة اِبْن مَاهَان (سَعِيد عَنْ أَبِي نَضْرَة) مِنْ غَيْر (قَتَادَة)، وَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو مَسْعُود الدِّمَشْقِيّ فِي الْأَطْرَاف، وَخَلَف الْوَاسِطِيُّ، قَالَ أَبُو عَلِيّ الْغَسَّانِيّ: وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب عِنْدِي.
وَاللَّهُ أَعْلَم.
قَوْله فِي طَرِيق اِبْن أَبِي شَيْبَة وَابْن الْمُثَنَّى: (عَنْ أَبِي نَضْرَة عَنْ أَبِي سَعِيد) هَذَا خِلَاف عَادَة مُسْلِم فِي الِاقْتِصَار، وَكَانَ مُقْتَضَى عَادَته حَذْف أَبِي سَعِيد فِي الطَّرِيق الْأَوَّل، وَيَقْتَصِر عَلَى أَبِي نَضْرَة، ثُمَّ يَقُول: (ح) وَيَتَحَوَّل فَإِنَّ مَدَار الطَّرِيقَيْنِ عَلَى أَبِي نَضْرَة وَالْعِبَارَة فيهمَا عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيِّ بِلَفْظٍ وَاحِد، وَكَانَ يَنْبَغِي تَرْكه فِي الْأُولَى.
قَوْله: «إِنَّ لَهُمْ عِيَالًا وَحَشَمًا وَخَدَمًا» قَالَ أَهْل اللُّغَة: الْحَشَم- بِفَتْحِ الْحَاء وَالشِّين هُمْ- اللَّائِذُونَ بِالْإِنْسَانِ يَخْدُمُونَهُ، وَيَقُومُونَ بِأُمُورِهِ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيّ: هُمْ خَدَم الرَّجُل وَمَنْ يَغْضَب لَهُ، سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يَغْضَبُونَ لَهُ، وَالْحِشْمَة: الْغَضَب، وَيُطْلَق عَلَى الِاسْتِحْيَاء أَيْضًا، وَمِنْهُ قَوْلهمْ: فُلَان لَا يَحْتَشِم، أَيْ: لَا يَسْتَحِي، وَيُقَال: حَشَمْته وَأَحْشَمْته إِذَا أَغْضَبْته، وَإِذَا أَخْجَلْته فَاسْتَحْيَا الْخَجِلَة، وَكَأَنَّ الْحَشَم أَعَمّ مِنْ الْخَدَم، فَلِهَذَا جَمَعَ بَيْنهمَا فِي هَذَا الْحَدِيث، وَهُوَ مِنْ بَاب ذِكْر الْخَاصّ بَعْد الْعَامّ.
وَاللَّهُ أَعْلَم.
✯✯✯✯✯✯
3648- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ ذَلِكَ عَامٌّ كَانَ النَّاس فيه بِجَهْدٍ فَأَرَدْت أَنْ يَفْشُو فيهمْ» هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع نُسَخ مُسْلِم (يَفْشُو) بِالْفَاءِ وَالشِّين أَيْ يَشِيع لَحْم الْأَضَاحِي فِي النَّاس، وَيَنْتَفِع بِهِ الْمُحْتَاجُونَ، وَوَقَعَ فِي الْبُخَارِيّ (يُعِينُوا) بِالْعَيْنِ مِنْ الْإِعَانَة.
قَالَ الْقَاضِي فِي شَرْح مُسْلِم: الَّذِي فِي مُسْلِم أَشْبَه، وَقَالَ فِي الْمَشَارِق: كِلَاهُمَا صَحِيح، وَالَّذِي فِي الْبُخَارِيّ أَوْجَه.
وَاللَّهُ أَعْلَم.
وَالْجَهْد- هُنَا- بِفَتْحِ الْجِيم: وَهُوَ الْمَشَقَّة وَالْفَاقَة.
✯✯✯✯✯✯
3649- قَوْله: «عَنْ ثَوْبَان قَالَ: ذَبَحَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحِيَّته ثُمَّ قَالَ: يَا ثَوْبَان أَصْلِحْ هَذِهِ فَلَمْ أَزَلْ أُطْعِمهُ مِنْهَا حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَة» هَذَا فيه تَصْرِيح بِجَوَازِ اِدِّخَار لَحْم الْأُضْحِيَّة فَوْق ثَلَاث، وَجَوَاز التَّزَوُّد مِنْهُ، وَفيه: أَنَّ الِادِّخَار وَالتَّزَوُّد فِي الْأَسْفَار لَا يَقْدَح فِي التَّوَكُّل وَلَا يُخْرِج صَاحِبه عَنْ التَّوَكُّل، وَفيه: أَنَّ الضَّحِيَّة مَشْرُوعَة لِلْمُسَافِرِ كَمَا هِيَ مَشْرُوعه لِلْمُقِيمِ، وَهَذَا مَذْهَبنَا، وَبِهِ قَالَ جَمَاهِير الْعُلَمَاء، وَقَالَ النَّخَعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَة: لَا ضَحِيَّة عَلَى الْمُسَافِر، وَرُوِيَ هَذَا عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ، وَقَالَ مَالِك وَجَمَاعَة: لَا تُشْرَع لِلْمُسَافِرِ بِمِنًى وَمَكَّة.
✯✯✯✯✯✯
3651- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَة الْقُبُور فَزُورُوهَا وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُوم الْأَضَاحِيّ فَوْق ثَلَاث فَأَمْسِكُوا مَا بَدَا لَكُمْ، وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ النَّبِيذ إِلَّا فِي سِقَاء فَاشْرَبُوا فِي الْأَسْقِيَة كُلّهَا، وَلَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا» هَذَا الْحَدِيث مِمَّا صُرِّحَ فيه بِالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخ جَمِيعًا، قَالَ الْعُلَمَاء: يُعْرَف نَسْخ الْحَدِيث تَارَة بِنَصٍّ كَهَذَا، وَتَارَة بِإِخْبَارِ الصَّحَابِيّ كَكَانَ آخِر الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْك الْوُضُوء مِمَّا مَسَّتْ النَّار، وَتَارَة بِالتَّارِيخِ إِذَا تَعَذَّرَ الْجَمْع، وَتَارَة بِالْإِجْمَاعِ كَتَرْكِ قَتْل شَارِب الْخَمْر فِي الْمَرَّة الرَّابِعَة، وَالْإِجْمَاع لَا يَنْسَخ، لَكِنْ يَدُلّ عَلَى وُجُود نَاسِخ، أَمَّا زِيَارَة الْقُبُور فَسَبَقَ بَيَانهَا فِي كِتَاب الْجَنَائِز، وَأَمَّا الِانْتِبَاذ فِي الْأَسْقِيَة فَسَبَقَ شَرْحه فِي كِتَاب الْإِيمَان، وَسَنُعِيدُهُ قَرِيبًا فِي كِتَاب الْأَشْرِبَة إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى، وَنَذْكُر هُنَاكَ اِخْتِلَاف أَلْفَاظ هَذَا الْحَدِيث، وَتَأْوِيل الْمُؤَوَّل مِنْهَا، وَأَمَّا لُحُوم الْأَضَاحِيّ فَذَكَرْنَا حُكْمهَا.
وَاللَّهُ أَعْلَم.
باب بيان ما كان من النهي عن اكل لحوم الاضاحي بعد ثلاث في اول الاسلام
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب الْأَضْحَى ﴿ 5 ﴾
۞۞۞۞۞۞۞۞