📁 آخر الأخبار

باب جواز الذبح بكل ما انهر الدم الا السن والظفر وساير العظام


 باب جواز الذبح بكل ما انهر الدم الا السن والظفر وساير العظام

 باب جواز الذبح بكل ما انهر الدم الا السن والظفر وساير العظام

3638- قَوْله: «قُلْت: يَا رَسُول اللَّه إِنَّا لَاقُو الْعَدُوّ غَدًا وَلَيْسَ مَعَنَا مُدًى قَالَ: أَعْجِلْ أَوْ أَرِنْ» أَمَّا (أَعْجِلْ) فَهُوَ بِكَسْرِ الْجِيم وَأَمَّا (أَرِنْ) فَبِفَتْحِ الْهَمْزَة وَكَسْر الرَّاء وَإِسْكَان النُّون، وَرُوِيَ بِإِسْكَانِ الرَّاء وَكَسْر النُّون وَرُوِيَ (أَرْنِي) بِإِسْكَانِ الرَّاء وَزِيَادَة يَاء، وَكَذَا وَقَعَ هُنَا فِي أَكْثَر النُّسَخ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: صَوَابه (أَأْرِنْ) عَلَى وَزْن أَعْجِلْ، وَهُوَ بِمَعْنَاهُ وَهُوَ مِنْ النَّشَاط وَالْخِفَّة، أَيْ أَعْجِلْ ذَبْحهَا؛ لِئَلَّا تَمُوت خَنْقًا، قَالَ: وَقَدْ يَكُون (أَرْنِ) عَلَى وَزْن: «أَطْلِعْ» أَيْ أَهْلِكْهَا ذَبْحًا مِنْ أَرَانَ الْقَوْم إِذَا هَلَكَتْ مَوَاشِيهمْ، قَالَ: وَيَكُون (أَرْنِ) عَلَى وَزْن (أَعْطِ) بِمَعْنَى أَدِمْ الْحَزّ وَلَا تَفْتُر، مِنْ قَوْلهمْ: رَنَوْت إِذَا أَدَمْت النَّظَر.
 وَفِي الصَّحِيح (أَرْنُ) بِمَعْنَى أُعَجِّل، وَأَنَّ هَذَا شَكّ مِنْ الرَّاوِي، هَلْ قَالَ أَرْنُ، أَوْ قَالَ: أُعَجِّل؟ قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: وَقَدْ رَدّ بَعْضهمْ عَلَى الْخَطَّابِيّ قَوْله إِنَّهُ مِنْ أَرَانَ الْقَوْم إِذَا هَلَكَتْ مَوَاشِيهمْ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يَتَعَدَّى، وَالْمَذْكُور فِي الْحَدِيث مُتَعَدٍّ عَلَى مَا فَسَّرَهُ، وَرُدَّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْله إِنَّهُ (أَأْرَن) إِذْ لَا تَجْتَمِع هَمْزَتَانِ إِحْدَاهُمَا سَاكِنَة فِي كَلِمَة وَاحِدَة، وَإِنَّمَا يُقَال فِي هَذَا (إِيرِنْ) بِالْيَاءِ، قَالَ الْقَاضِي: وَقَالَ بَعْضهمْ: مَعْنَى (أَرْنِي) بِالْيَاءِ سَيَلَان الدَّم، وَقَالَ بَعْض أَهْل اللُّغَة: صَوَاب اللَّفْظَة بِالْهَمْزَةِ، وَالْمَشْهُور بِلَا هَمْز.
 وَاللَّهُ أَعْلَم.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَنْهَر الدَّم وَذَكَرَ اِسْم اللَّه فَكُلْ لَيْسَ السِّنّ وَالظُّفْر» أَمَّا السِّنّ وَالظُّفْر فَمَنْصُوبَانِ بِالِاسْتِثْنَاءِ بِلَيْسَ، وَأَمَّا أَنْهَرَهُ فَمَعْنَاهُ: أَسَالَهُ وَصَبَّهُ بِكَثْرَةٍ، وَهُوَ مُشَبَّه بِجَرْيِ الْمَاء فِي النَّهْر، يُقَال: نَهَر الدَّم وَأَنْهَرْته.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَذَكَرَ اِسْم اللَّه» هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخ كُلّهَا، وَفيه مَحْذُوف أَيْ وَذَكَرَ اِسْم اللَّه عَلَيْهِ أَوْ مَعَهُ.
 وَوَقَعَ فِي رِوَايَة أَبِي دَاوُدَ وَغَيْره: «وَذَكَرَ اِسْم اللَّه عَلَيْهِ» قَالَ الْعُلَمَاء: فَفِي هَذَا الْحَدِيث تَصْرِيح بِأَنَّهُ يُشْتَرَط فِي الذَّكَاة مَا يَقْطَع وَيُجْرِي الدَّم، وَلَا يَكْفِي رَضّهَا وَدَمْغهَا بِمَا لَا يُجْرِي الدَّم، قَالَ الْقَاضِي: وَذَكَرَ الْخَشَبِيّ فِي شَرْح هَذَا الْحَدِيث مَا أَنْهَز بِالزَّايِ، وَالنَّهْز بِمَعْنَى الدَّفْع، قَالَ: وَهَذَا غَرِيب وَالْمَشْهُور بِالرَّاءِ الْمُهْمَلَة، وَكَذَا ذَكَرَهُ إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ وَالْعُلَمَاء كَافَّة بِالرَّاءِ الْمُهْمَلَة، قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء: وَالْحِكْمَة فِي اِشْتِرَاط الذَّبْح وَإِنْهَار الدَّم تَمَيُّز حَلَال اللَّحْم وَالشَّحْم مِنْ حَرَامهمَا، وَتَنْبِيه عَلَى أَنَّ تَحْرِيم الْمَيْتَة لِبَقَاءِ دَمهَا.
 وَفِي هَذَا الْحَدِيث تَصْرِيح بِجَوَازِ الذَّبْح بِكُلِّ مُحَدَّد يَقْطَع إِلَّا الظُّفْر وَالسِّنّ وَسَائِر الْعِظَام، فَيَدْخُل فِي ذَلِكَ السَّيْف وَالسِّكِّين وَالسِّنَان وَالْحَجَر وَالْخَشَب وَالزُّجَاج وَالْقَصَب، وَالْخَزَف وَالنُّحَاس وَسَائِر الْأَشْيَاء الْمُحَدَّدَة، فَكُلّهَا تَحْصُل بِهَا الذَّكَاة إِلَّا السِّنّ وَالظُّفْر وَالْعِظَام كُلّهَا، أَمَّا الظُّفْر فَيَدْخُل فيه ظُفْر الْآدَمِيّ وَغَيْره مِنْ كُلّ الْحَيَوَانَات، وَسَوَاء الْمُتَّصِل وَالْمُنْفَصِل، الطَّاهِر وَالنَّجَس.
 فَكُلّه لَا تَجُوز الذَّكَاة بِهِ لِلْحَدِيثِ.
وَأَمَّا السِّنّ فَيَدْخُل فيه سِنّ الْآدَمِيّ وَغَيْره الطَّاهِر وَالنَّجَس، وَالْمُتَّصِل وَالْمُنْفَصِل، وَيَلْحَق بِهِ سَائِر الْعِظَام مِنْ كُلّ الْحَيَوَان الْمُتَّصِل مِنْهَا وَالْمُنْفَصِل.
 الطَّاهِر وَالنَّجَس، فَكُلّه لَا تَجُوز الذَّكَاة بِشَيْءٍ مِنْهُ.
قَالَ أَصْحَابنَا: وَفَهِمْنَا الْعِظَام مِنْ بَيَان النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِلَّة فِي قَوْله: «أَمَّا السِّنّ فَعَظْم» أَيْ: نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ لِكَوْنِهِ عَظْمًا، فَهَذَا تَصْرِيح بِأَنَّ الْعِلَّة كَوْنه عَظْمًا، فَكُلّ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ اِسْم الْعَظْم لَا تَجُوز الذَّكَاة بِهِ.
وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيّ وَأَصْحَابه بِهَذَا الْحَدِيث فِي كُلّ مَا تَضَمَّنَهُ عَلَى مَا شَرَحْته، وَبِهَذَا قَالَ النَّخَعِيُّ وَالْحَسَن بْن صَالِح وَاللَّيْث وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر وَدَاوُد وَفُقَهَاء الْحَدِيث وَجُمْهُور الْعُلَمَاء.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَصَاحِبَاهُ: لَا يَجُوز بِالسِّنِّ وَالْعَظْم الْمُتَّصِلَيْنِ، وَيَجُوز بِالْمُنْفَصِلَيْنِ.
 وَعَنْ مَالِك رِوَايَات أَشْهَرهَا: جَوَازه بِالْعَظْمِ دُون السِّنّ كَيْف كَانَا، وَالثَّانِيَة: كَمَذْهَبِ الْجُمْهُور، وَالثَّالِثَة: كَأَبِي حَنِيفَة، وَالرَّابِعَة: حَكَاهَا عَنْهُ اِبْن الْمُنْذِر يَجُوز بِكُلِّ شَيْء حَتَّى بِالسِّنِّ وَالظُّفْر، وَعَنْ اِبْن جُرَيْجٍ جَوَاز الذَّكَاة بِعَظْمِ الْحِمَار دُون الْقِرْد، وَهَذَا مَعَ مَا قَبْله بَاطِلَانِ مُنَابِذَانِ لِلسُّنَّةِ، قَالَ الشَّافِعِيّ وَأَصْحَابه وَمُوَافِقُوهُمْ: لَا تَحْصُل الذَّكَاة إِلَّا بِقَطْعِ الْحُلْقُوم وَالْمَرِيء بِكَمَالِهِمَا، وَيُسْتَحَبّ قَطْع الْوَدَجَيْنِ وَلَا يُشْتَرَط، وَهَذَا أَصَحّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَد، وَقَالَ اِبْن الْمُنْذِر: أَجْمَع الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهُ إِذَا قَطَعَ الْحُلْقُوم وَالْمَرِيء وَالْوَدَجَيْنِ وَأَسَالَ الدَّم حَصَلَتْ الذَّكَاة، قَالَ: وَاخْتَلَفُوا فِي قَطْع بَعْض هَذَا فَقَالَ الشَّافِعِيّ: يُشْتَرَط قَطْع الْحُلْقُوم وَالْمَرِيء وَيُسْتَحَبّ الْوَدَجَانِ، وَقَالَ اللَّيْث وَأَبُو ثَوْر وَدَاوُد وَابْن الْمُنْذِر: يُشْتَرَط الْجَمِيع، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: إِذَا قَطَعَ ثَلَاثَة مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَة أَجْزَأَهُ، وَقَالَ مَالِك: يَجِب قَطْع الْحُلْقُوم وَالْوَدَجَيْنِ، وَلَا يُشْتَرَط الْمَرِيء، وَهَذِهِ رِوَايَة عَنْ اللَّيْث أَيْضًا، وَعَنْ مَالِك رِوَايَة أَنَّهُ يَكْفِي قَطْع الْوَدَجَيْنِ، وَعَنْهُ اِشْتِرَاط قَطْع الْأَرْبَعَة كَمَا قَالَ اللَّيْث وَأَبُو ثَوْر، وَعَنْ أَبِي يُوسُف ثَلَاث رِوَايَات: إِحْدَاهَا كَأَبِي حَنِيفَة: وَالثَّانِيَة: إِنْ قَطَعَ الْحُلْقُوم وَاثْنَيْنِ مِنْ الثَّلَاثَة الْبَاقِيَة حَلَّتْ وَإِلَّا فَلَا، وَالثَّالِثَة: يُشْتَرَط قَطْع الْحُلْقُوم وَالْمَرِيء وَأَحَد الْوَدَجَيْنِ، وَقَالَ مُحَمَّد بْن الْحَسَن: إِنْ قَطَعَ مِنْ كُلّ وَاحِد مِنْ الْأَرْبَعَة أَكْثَره حَلَّ، وَإِلَّا فَلَا.
 وَاللَّهُ أَعْلَم.
قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء: وَفِي قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَنْهَرَ الدَّم فَكُلّ» دَلِيل عَلَى جَوَاز ذَبْح الْمَنْحُور وَنَحْر الْمَذْبُوح، وَقَدْ جَوَّزَهُ الْعُلَمَاء كَافَّة إِلَّا دَاوُدَ فَمَنَعَهُمَا، وَكَرِهَهُ مَالِك كَرَاهَة تَنْزِيه، وَفِي رِوَايَة كَرَاهَة تَحْرِيم، وَفِي رِوَايَة عَنْهُ إِبَاحَة ذَبْح الْمَنْحُور دُون نَحْر الْمَذْبُوح.
 وَأَجْمَعُوا أَنَّ السُّنَّة فِي الْإِبِل النَّحْر، وَفِي الْغَنَم الذَّبْح، وَالْبَقَرُ كَالْغَنَمِ عِنْدنَا وَعِنْد الْجُمْهُور، وَقِيلَ: يَتَخَيَّر بَيْن ذَبْحهَا وَنَحْرهَا.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَّا السِّنّ فَعَظْم» مَعْنَاهُ فَلَا تَذْبَحُوا بِهِ، فَإِنَّهُ يَتَنَجَّس بِالدَّمِ، وَقَدْ نُهِيتُمْ عَنْ الِاسْتِنْجَاء بِالْعِظَامِ؛ لِئَلَّا تُنَجَّس لِكَوْنِهَا زَادَ إِخْوَانكُمْ مِنْ الْجِنّ.
وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَأَمَّا الظُّفْر فَمُدَى الْحَبَشَة» فَمَعْنَاهُ: أَنَّهُمْ كُفَّار، وَقَدْ نُهِيتُمْ عَنْ التَّشَبُّه بِالْكُفَّارِ وَهَذَا شِعَار لَهُمْ.
قَوْله: «فَأَصَبْنَا نَهْبَ إِبِل وَغَنَم، فَنَدَّ مِنْهَا بَعِير فَرَمَاهُ رَجُل بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ، فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ لِهَذِهِ الْإِبِل أَوَابِد كَأَوَابِد الْوَحْش، فَإِذَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا شَيْء فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا» أَمَّا النَّهْب بِفَتْحِ النُّون فَهُوَ الْمَنْهُوب، وَكَانَ هَذَا النَّهْب غَنِيمَة.
وَقَوْله: «فَنَدَّ مِنْهَا بَعِير» أَيْ: شَرَدَ وَهَرَبَ نَافِرًا، وَالْأَوَابِد: النُّفُور وَالتَّوَحُّش، وَهُوَ جَمْع آبِدَة بِالْمَدِّ وَكَسْر الْبَاء الْمُخَفَّفَة، وَيُقَال مِنْهُ: أَبَدَتْ بِفَتْحِ الْبَاء تَأَبُد بِضَمِّهَا، وَتَأَبِد بِكَسْرِهَا، وَتَأْبَدَتْ، وَمَعْنَاهُ: نَفَرَتْ مِنْ الْإِنْس وَتَوَحَّشَتْ.
 وَفِي هَذَا الْحَدِيث دَلِيل لِإِبَاحَةِ عَقْر الْحَيَوَان الَّذِي يَنِدّ، وَيُعْجَز عَنْ ذَبْحه وَنَحْره، قَالَ أَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ: الْحَيَوَان الْمَأْكُول الَّذِي لَا تَحِلّ مَيْتَته ضَرْبَانِ: مَقْدُور عَلَى ذَبْحه، وَمُتَوَحِّش، فَالْمَقْدُور عَلَيْهِ لَا يَحِلّ إِلَّا بِالذَّبْحِ فِي الْحَلْق وَاللَّبَة كَمَا سَبَقَ، وَهَذَا مُجْمَع عَلَيْهِ، وَسَوَاء فِي هَذَا الْإِنْسِيّ وَالْوَحْشِيّ إِذَا قَدَرَ عَلَى ذَبْحه بِأَنْ أَمْسَكَ الصَّيْد أَوْ كَانَ مُتَأَنِّسًا فَلَا يَحِلّ إِلَّا بِالذَّبْحِ فِي الْحَلْق وَاللَّبَة، وَأَمَّا الْمُتَوَحِّش كَالصَّيْدِ فَجَمِيع أَجْزَائِهِ يُذْبَح مَا دَامَ مُتَوَحِّشًا، فَإِذَا رَمَاهُ بِسَهْمٍ أَوْ أَرْسَلَ عَلَيْهِ جَارِحَة فَأَصَابَ شَيْئًا مِنْهُ وَمَاتَ بِهِ حَلَّ بِالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا إِذَا تَوَحَّشَ إِنْسِيّ بِأَنَ نَدَّ بَعِير أَوْ بَقَرَة أَوْ فَرَس أَوْ شَرَدَتْ شَاة أَوْ غَيْرهَا فَهُوَ كَالصَّيْدِ، فَيَحِلّ بِالرَّمْيِ إِلَى غَيْر مَذْبَحه، وَبِإِرْسَالِ الْكَلْب وَغَيْره مِنْ الْجَوَارِح عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ تَرَدَّى بَعِير أَوْ غَيْره فِي بِئْر وَلَمْ يُمْكِن قَطْع حُلْقُومه وَمَرِيئُهُ فَهُوَ كَالْبَعِيرِ النَّادّ فِي حِلّه بِالرَّمْيِ بِلَا خِلَاف عِنْدنَا، وَفِي حِلّه بِإِرْسَالِ الْكَلْب وَجْهَانِ أَصَحّهمَا: لَا يَحِلّ، قَالَ أَصْحَابنَا: وَلَيْسَ الْمُرَاد بِالتَّوَحُّشِ مُجَرَّد الْإِفْلَات، بَلْ مَتَى تَيَسَّرَ لُحُوقه بَعْد وَلَوْ بِاسْتِعَانَةٍ بِمَنْ يُمْسِكهُ وَنَحْو ذَلِكَ فَلَيْسَ مُتَوَحِّشًا، وَلَا يَحِلّ حِينَئِذٍ إِلَّا بِالذَّبْحِ فِي الْمَذْبَح، وَإِنْ تَحَقَّقَ الْعَجْز فِي الْحَال جَازَ رَمْيه، وَلَا يُكَلَّف الصَّبْر إِلَى الْقُدْرَة عَلَيْهِ، وَسَوَاء كَانَتْ الْجِرَاحَة فِي فَخِذه أَوْ خَاصِرَته أَوْ غَيْرهمَا مِنْ بَدَنه فَيَحِلّ.
 هَذَا تَفْصِيل مَذْهَبنَا، وَمِمَّنْ قَالَ بِإِبَاحَةِ عَقْر النَّادّ كَمَا ذَكَرْنَا عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب وَابْن مَسْعُود وَابْن عُمَر وَابْن عَبَّاس وَطَاوُسٌ وَعَطَاء وَالشَّعْبِيّ وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ وَالْأَسْوَد بْن يَزِيد وَالْحَكَم وَحَمَّاد وَالنَّخَعِيّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَة وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر وَالْمُزَنِيّ وَدَاوُد وَالْجُمْهُور، وَقَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَرَبِيعَة وَاللَّيْث وَمَالك: لَا يَحِلّ إِلَّا بِذَكَاةٍ فِي حَلْقه كَغَيْرِهِ.
 دَلِيل الْجُمْهُور حَدِيث رَافِع الْمَذْكُور.
 وَاللَّهُ أَعْلَم.
قَوْله: «كُنَّا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذِي الْحُلَيْفَة مِنْ تِهَامَة» قَالَ الْعُلَمَاء: الْحُلَيْفَة هَذِهِ مَكَان مِنْ تِهَامَة بَيْن حَاذَّة وَذَات عِرْق، وَلَيْسَتْ بِذِي الْحُلَيْفَة الَّتِي هِيَ مِيقَات أَهْل الْمَدِينَة، هَكَذَا ذَكَرَهُ الْحَازِمِيّ فِي كِتَابه الْمُؤْتَلَف فِي أَسْمَاء الْأَمَاكِن، لَكِنَّهُ قَالَ: (الْحُلَيْفَة) مِنْ غَيْر لَفْظ (ذِي)، وَالَّذِي فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم (بِذِي الْحُلَيْفَة)، فَكَأَنَّهُ يُقَال بِالْوَجْهَيْنِ.
قَوْله: «فَأَصَبْنَا غَنَمًا وَإِبِلًا فَعَجِلَ الْقَوْم فَأَغْلَوْا بِهَا الْقُدُور، فَأَمَرَ بِهَا فَكُفِّئَتْ» مَعْنَى كُفِئَتْ أَيْ قُلِبَتْ وَأُرِيق مَا فيها، وَإِنَّمَا أَمَرَ بِإِرَاقَتِهَا لِأَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ اِنْتَهَوْا إِلَى دَار الْإِسْلَام، وَالْمَحِلّ الَّذِي لَا يَجُوز فيه الْأَكْل مِنْ مَال الْغَنِيمَة الْمُشْتَرَكَة، فَإِنَّ الْأَكْل مِنْ الْغَنَائِم قَبْل الْقِسْمَة إِنَّمَا يُبَاح فِي دَار الْحَرْب، وَقَالَ الْمُهَلَّب بْن أَبِي صُفْرَة الْمَالِكِيّ: إِنَّمَا أُمِرُوا بِإِكْفَاءِ الْقُدُور عُقُوبَة لَهُمْ لِاسْتِعْجَالِهِمْ فِي السَّيْر وَتَرْكهمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُخْرَيَات الْقَوْم مُتَعَرِّضًا لِمَنْ يَقْصِدهُ مِنْ عَدُوّ وَنَحْوه، وَالْأَوَّل أَصَحّ.
 وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَأْمُور بِهِ مِنْ إِرَاقَة الْقُدُور إِنَّمَا هُوَ إِتْلَاف لِنَفْسِ الْمَرَق عُقُوبَة لَهُمْ.
وَأَمَّا نَفْس اللَّحْم فَلَمْ يُتْلِفُوهُ، بَلْ يُحْمَل عَلَى أَنَّهُ جُمِعَ وَرُدَّ إِلَى الْمَغْنَم، وَلَا يُظَنّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِإِتْلَافِهِ؛ لِأَنَّهُ مَال لِلْغَانِمِينَ، وَقَدْ نَهَى عَنْ إِضَاعَة الْمَال، مَعَ أَنَّ الْجِنَايَة بِطَبْخِهِ لَمْ تَقَع مِنْ جَمِيع مُسْتَحِقِّي الْغَنِيمَة إِذْ مِنْ جُمْلَتهمْ أَصْحَاب الْخَمْس، وَمِنْ الْغَانِمِينَ مَنْ لَمْ يَطْبُخ، فَإِنْ قِيلَ: فَلَمْ يُنْقَل أَنَّهُمْ حَمَلُوا اللَّحْم إِلَى الْمَغْنَم، قُلْنَا: وَلَمْ يُنْقَل أَيْضًا أَنَّهُمْ أَحْرَقُوهُ وَأَتْلَفُوهُ، وَإِذَا لَمْ يَأْتِ فيه نَقْل صَرِيح وَجَبَ تَأْوِيله عَلَى وَفْق الْقَوَاعِد الشَّرْعِيَّة، وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَهَذَا بِخِلَافِ إِكْفَاء قُدُور لَحْم الْحُمُر الْأَهْلِيَّة يَوْم خَيْبَر، فَإِنَّهُ أَتْلَفَ مَا فيها مِنْ لَحْم وَمَرَق؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ نَجِسَة، وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها: «إِنَّهَا رِجْس أَوْ نَجَس» كَمَا سَبَقَ فِي بَابه، وَأَمَّا هَذِهِ اللُّحُوم فَكَانَتْ طَاهِرَة مُنْتَفَعًا بِهَا بِلَا شَكّ فَلَا يُظَنّ إِتْلَافهَا وَاللَّهُ أَعْلَم.
قَوْله: «ثُمَّ عَدَلَ عَشْرًا مِنْ الْغَنَم بِجَزُورٍ» هَذَا مَحْمُول عَلَى أَنَّ هَذِهِ كَانَتْ قِيمَة هَذِهِ الْغَنَم وَالْإِبِل فَكَانَتْ الْإِبِل نَفِيسَة دُون الْغَنَم بِحَيْثُ كَانَتْ قِيمَة الْبَعِير عَشْر شِيَاه، وَلَا يَكُون هَذَا مُخَالِفًا لِقَاعِدَةِ الشَّرْع فِي بَاب الْأُضْحِيَّة فِي إِقَامَة الْبَعِير مَقَام سَبْع شِيَاه؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ الْغَالِب فِي قِيمَة الشِّيَاه وَالْإِبِل الْمُعْتَدِلَة، وَأَمَّا هَذِهِ الْقِسْمَة فَكَانَتْ قَضِيَّة اِتَّفَقَ فيها مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ نَفَاسَة الْإِبِل دُون الْغَنَم، وَفيه أَنَّ قِسْمَة الْغَنِيمَة لَا يُشْتَرَط فيها قِسْمَة كُلّ نَوْع عَلَى حِدَة.
قَوْله: «فَنُذَكِّي بِاللِّيطِ» هُوَ بِلَامٍ مَكْسُورَة ثُمَّ يَاء مُثَنَّاة تَحْت سَاكِنَة ثُمَّ طَاء مُهْمَلَة، وَهِيَ قُشُور الْقَصَب، وَلِيط كُلّ شَيْء قُشُوره، وَالْوَاحِدَة: لِيطَة، وَهُوَ مَعْنَى قَوْله فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة: «أَفَنَذْبَح بِالْقَصَبِ» وَفِي رِوَايَة أَبِي دَاوُدَ وَغَيْره: «أَفَنَذْبَح بِالْمَرْوَةِ» فَهُوَ مَحْمُول عَلَى أَنَّهُمْ قَالُوا هَذَا وَهَذَا، فَأَجَابَهُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجَوَابٍ جَامِع لِمَا سَأَلُوهُ وَلِغَيْرِهِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا، فَقَالَ: «كُلْ مَا أَنْهَرَ الدَّم وَذُكِرَ اِسْم اللَّه فَكُلْ لَيْسَ السِّنّ وَالظُّفْر».
قَوْله: «فَرَمَيْنَاهُ بِالنَّبْلِ حَتَّى وَهَصْنَاهُ» هُوَ بِهَاءٍ مَفْتُوحَة مُخَفَّفَة ثُمَّ صَاد مُهْمَلَة سَاكِنَة ثُمَّ نُون، وَمَعْنَاهُ: رَمَيْنَاهُ رَمْيًا شَدِيدًا، وَقِيلَ: أَسْقَطْنَاهُ إِلَى الْأَرْض، وَوَقَعَ فِي غَيْر مُسْلِم: «رَهَصْنَاهُ» بِالرَّاءِ، أَيْ: حَبَسْنَاهُ.
 باب جواز الذبح بكل ما انهر الدم الا السن والظفر وساير العظام


۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب الْأَضْحَى ﴿ 4 ﴾ 
۞۞۞۞۞۞۞۞


تعليقات