باب صحبة المماليك وكفارة من لطم عبده
باب صحبة المماليك وكفارة من لطم عبده
3130- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَطَمَ مَمْلُوكه أَوْ ضَرَبَهُ فَكَفَّارَته أَنْ يَعْتِقهُ» قَالَ الْعُلَمَاء: فِي هَذَا الْحَدِيث الرِّفْق بِالْمَمَالِيكِ، وَحُسْن صُحْبَتهمْ وَكَفّ الْأَذَى عَنْهُمْ، وَكَذَلِكَ فِي الْأَحَادِيث بَعْده، وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ عِتْقه بِهَذَا لَيْسَ وَاجِبًا، وَإِنَّمَا هُوَ مَنْدُوب رَجَاء كَفَّارَة ذَنْبه، فيه: إِزَالَة إِثْم ظُلْمه.
وَمِمَّا اِسْتَدَلُّوا بِهِ لِعَدَمِ وُجُوب إِعْتَاقه: حَدِيث سُوَيْد بْن مُقَرِّن بَعْده: أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُمْ حِين لَطَمَ أَحَدهمْ خَادِمهمْ بِعِتْقِهَا، قَالُوا: لَيْسَ لَنَا خَادِم غَيْرهَا، قَالَ: «فَلْيَسْتَخْدِمُوهَا، فَإِذَا اِسْتَغْنَوْا عَنْهَا فَلْيُخَلُّوا سَبِيلهَا»، قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء أَنَّهُ لَا يَجِب إِعْتَاق الْعَبْد لِشَيْءٍ مِمَّا يَفْعَلهُ بِهِ مَوْلَاهُ مِثْل هَذَا الْأَمْر الْخَفِيف، قَالَ: وَاخْتَلَفُوا فِيمَا كَثُرَ مِنْ ذَلِكَ وَشَنُعَ، مِنْ ضَرْب مُبَرِّح مُنْهِك لِغَيْرِ مُوجِب لِذَلِكَ، أَوْ حَرْقه بِنَارٍ، أَوْ قَطْع عُضْوًا لَهُ، أَوْ أَفْسَدَهُ أَوْ نَحْو ذَلِكَ مِمَّا فيه مِثْله، فَذَهَبَ مَالِك وَأَصْحَابه وَاللَّيْث إِلَى عِتْق الْعَبْد عَلَى سَيِّده لِذَلِكَ، وَيَكُون وَلَاؤُهُ لَهُ، وَيُعَاقِبهُ السُّلْطَان عَلَى فِعْله، وَقَالَ سَائِر الْعُلَمَاء: لَا يُعْتَق عَلَيْهِ.
✯✯✯✯✯✯
3131- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ ضَرَبَ غُلَامًا لَهُ حَدًّا لَمْ يَأْتِهِ أَوْ لَطَمَهُ فَإِنَّ كَفَّارَته أَنْ يَعْتِقهُ» هَذِهِ الرِّوَايَة مُبَيِّنَة أَنَّ الْمُرَاد بِالْأُولَى مَنْ ضَرَبَهُ بِلَا ذَنْب، وَلَا عَلَى سَبِيل التَّعْلِيم وَالْأَدَب.
قَوْله: «أَنَّ اِبْن عُمَر أَعْتَقَ مَمْلُوكًا فَأَخَذَ مِنْ الْأَرْض عُودًا أَوْ شَيْئًا فَقَالَ: مَا فيها مِنْ الْأَجْر مَا يَسْوَى هَذَا إِلَّا أَنِّي سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: مَنْ لَطَمَ مَمْلُوكه أَوْ ضَرَّهُ فَكَفَّارَته أَنْ يَعْتِقهُ» هَكَذَا وَقَعَ فِي مُعْظَم النُّسَخ: «مَا يَسْوَى»، وَفِي بَعْضهَا: «مَا يُسَاوِي» بِالْأَلِفِ، وَهَذِهِ هِيَ اللُّغَة الصَّحِيحَة الْمَعْرُوفَة، وَالْأُولَى عَدَّهَا أَهْل اللُّغَة فِي لَحْن الْعَوَامّ، وَأَجَابَ بَعْض الْعُلَمَاء عَنْ هَذِهِ اللَّفْظَة بِأَنَّهَا تَغْيِير مِنْ بَعْض الرِّوَايَة، لَا أَنَّ اِبْن عُمَر نَطَقَ بِهَا، وَمَعْنَى كَلَام اِبْن عُمَر: أَنَّهُ لَيْسَ فِي إِعْتَاقه أَجْر الْمُعْتَق تَبَرُّعًا، وَإِنَّمَا عِتْقه كَفَّارَة لِضَرْبِهِ، وَقِيلَ: هُوَ اِسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، وَقِيلَ: بَلْ هُوَ مُتَّصِل، وَمَعْنَاهُ: مَا أَعْتَقْته إِلَّا لِأَنِّي سَمِعْت كَذَا.
✯✯✯✯✯✯
3132- قَوْله: «لَطَمْت مَوْلًى لَنَا فَهَرَبْت، ثُمَّ جِئْت قُبَيْل الظُّهْر فَصَلَّيْت خَلْف أَبِي فَدَعَانِي ثُمَّ قَالَ: اِمْتَثِلْ مِنْهُ فَعَفَا» قَوْله: (اِمْتَثِلْ) قِيلَ: مَعْنَاهُ عَاقِبْهُ قِصَاصًا، وَقِيلَ: اِفْعَلْ بِهِ مِثْل مَا فَعَلَ بِك، وَهَذَا مَحْمُول عَلَى تَطْيِيب نَفْس الْمَوْلَى الْمَضْرُوب، وَإِلَّا فَلَا يَجِب الْقِصَاص فِي اللَّطْمَة وَنَحْوهَا، وَإِنَّمَا وَاجِبه التَّعْزِير لَكِنَّهُ تَبَرَّعَ فَأَمْكَنَهُ مِنْ الْقِصَاص فيها.
وَفيه: الرِّفْق بِالْمَوَالِي وَاسْتِعْمَال التَّوَاضُع.
قَوْله: «لَيْسَ لَنَا إِلَّا خَادِم وَاحِدَة» هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع النُّسَخ، وَالْخَادِم بِلَا هَاء يُطْلَق عَلَى الْجَارِيَة كَمَا يُطْلَق عَلَى الرَّجُل، وَلَا يُقَال (خَادِمَة) بِالْهَاءِ إِلَّا فِي لُغَة شَاذَّة قَلِيلَة أَوْضَحْتهَا فِي تَهْذِيب الْأَسْمَاء وَاللُّغَات.
✯✯✯✯✯✯
3133- قَوْله: (هِلَال بْن يَسَاف) هُوَ بِفَتْحِ الْيَاء وَكَسْرهَا، وَيُقَال أَيْضًا (أَسَاف).
قَوْله: «عَجَزَ عَلَيْك إِلَّا حُرّ وَجْههَا» مَعْنَاهُ: عَجَزَتْ وَلَمْ تَجِد أَنْ تَضْرِب إِلَّا حُرّ وَجْههَا، وَحُرّ الْوَجْه: صَفْحَته وَمَا رَقَّ مِنْ بَشَرَته، وَحُرّ كُلّ شَيْء أَفْضَله وَأَرْفَعهُ، قِيلَ: وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون مُرَاده بِقَوْلِهِ: «عَجَزَ عَلَيْك» أَيْ: اِمْتَنَعَ عَلَيْك، وَعَجَزَ بِفَتْحِ الْجِيم، عَلَى اللُّغَة الْفَصِيحَة، وَبِهَا جَاءَ الْقُرْآن: {أَعْجَزْت أَنْ أَكُون مِثْل هَذَا الْغُرَاب} وَيُقَال بِكَسْرِهَا.
قَوْله: «فَأَمَرَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَعْتِقهَا» هَذَا مَحْمُول عَلَى أَنَّهُمْ كُلّهمْ رَضُوا بِعِتْقِهَا وَتَبَرَّعُوا بِهِ، وَإِلَّا فَاللَّطْمَة إِنَّمَا كَانَتْ مِنْ وَاحِد مِنْهُمْ فَسَمَحُوا لَهُ بِعِتْقِهَا تَكْفِيرًا لِذَنْبِهِ.
✯✯✯✯✯✯
3134- قَوْله: «أَمَا عَلِمْت أَنَّ الصُّورَة مُحَرَّمَة» فيه: إِشَارَة إِلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَدِيث الْآخَر: «إِذَا ضَرَبَ أَحَدكُمْ الْعَبْد فَلْيَجْتَنِبْ الْوَجْه» إِكْرَامًا لَهُ؛ لِأَنَّ فيه مَحَاسِن الْإِنْسَان وَأَعْضَاءَهُ اللَّطِيفَة، وَإِذَا حَصَلَ فيه شَيْن أَوْ أَثَر كَانَ أَقْبَح.
✯✯✯✯✯✯
3135- قَوْله فِي حَدِيث أَبِي مَسْعُود: «إِنَّهُ ضَرَبَ غُلَامه بِالسَّوْطِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اِعْلَمْ أَبَا مَسْعُود أَنَّ اللَّهَ أَقْدَر عَلَيْك مِنْك عَلَى هَذَا الْغُلَام» فيه: الْحَثّ عَلَى الرِّفْق بِالْمَمْلُوكِ، وَالْوَعْظ وَالتَّنْبِيه عَلَى اِسْتِعْمَال الْعَفْو، وَكَظْم الْغَيْظ، وَالْحُكْم كَمَا يَحْكُم اللَّه عَلَى عِبَاده.
قَوْله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن حُمَيْدٍ الْمَعْمَرِيّ) هُوَ بِفَتْحِ الْمِيم وَإِسْكَان الْعَيْن، قِيلَ لَهُ: الْمَعْمَرِيّ، لِأَنَّهُ رَحَلَ إِلَى مَعْمَر بْن رَاشِد، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ كَانَ يَتْبَع أَحَادِيث مَعْمَر.
✯✯✯✯✯✯
3137- قَوْله: «عَنْ أَبِي مَسْعُود أَنَّهُ كَانَ يَضْرِب غُلَامه فَجَعَلَ يَقُول: أَعُوذ بِاَللَّهِ فَجَعَلَ يَضْرِبهُ فَقَالَ أَعُوذ بِرَسُولِ اللَّه فَتَرَكَهُ» قَالَ الْعُلَمَاء: لَعَلَّهُ لَمْ يَسْمَع اِسْتِعَاذَته الْأُولَى لِشِدَّةِ غَضَبه، كَمَا لَمْ يَسْمَع نِدَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ يَكُون لَمَّا اِسْتَعَاذَ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنَبَّهَ لِمَكَانِهِ.
باب صحبة المماليك وكفارة من لطم عبده
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب الأيمان ﴿ 8 ﴾
۞۞۞۞۞۞۞۞