مقدمة كتاب اللعان مقدمة كتاب اللعان
اللِّعَان وَالْمُلَاعَنَة وَالتَّلَاعُن مُلَاعَنَة الرَّجُل اِمْرَأَته يُقَال تَلَاعَنَا وَالْتَعْنَا وَلَاعَنَ الْقَاضِي بَيْنهمَا، وَسُمِّيَ لَعَّانًا لِقَوْلِ الزَّوْج: عَلَيَّ لَعْنَة اللَّه إِنْ كُنْت مِنْ الْكَاذِبِينَ.
قَالَ الْعُلَمَاء مِنْ أَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ: وَاخْتِيرَ لَفْظ اللَّعْن عَلَى لَفْظ الْغَضَب وَإِنْ كَانَا مَوْجُودَيْنِ فِي الْآيَة الْكَرِيمَة وَفِي صُورَة اللِّعَان، لِأَنَّ لَفْظ اللَّعْنَة مُتَقَدِّم فِي الْآيَة الْكَرِيمَة وَفِي صُورَة اللِّعَان، وَلِأَنَّ جَانِب الرَّجُل فيه أَقْوَى مِنْ جَانِبهَا لِأَنَّهُ قَادِر عَلَى الِابْتِدَاء بِاللِّعَانِ دُونهَا، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَنْفَكّ لِعَانه عَنْ لِعَانهَا وَلَا يَنْعَكِس وَقِيلَ: سُمِّيَ لَعَّانًا مِنْ اللَّعْن وَهُوَ الطَّرْد وَالْإِبْعَاد لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَبْعُد عَنْ صَاحِبه وَيُحَرِّم النِّكَاح بَيْنهمَا عَلَى التَّأْيِيد بِخِلَافِ الْمُطْلَق وَغَيْره.
وَاللِّعَان عِنْد جُمْهُور أَصْحَابنَا يَمِين وَقِيلَ: شَهَادَة.
وَقِيلَ: يَمِين فيها ثُبُوت شَهَادَة.
وَقِيلَ: عَكْسه.
قَالَ الْعُلَمَاء: وَلَيْسَ مِنْ الْأَيْمَان شَيْء مُتَعَدِّد إِلَّا اللِّعَان وَالْقَسَامَة وَلَا يَمِين فِي جَانِب الْمُدَّعِي إِلَّا فيهمَا وَاَللَّه أَعْلَم.
قَالَ الْعُلَمَاء: وَجَوَّزَ اللِّعَان لِحِفْظِ الْأَنْسَاب وَدَفْع الْمَضَرَّة عَنْ الْأَزْوَاج وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى صِحَّة اللِّعَان فِي الْجُمْلَة وَاَللَّه أَعْلَم.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي نُزُول آيَة اللِّعَان هَلْ هُوَ بِسَبَبِ عُوَيْمِر الْعَجْلَانِيّ أَمْ بِسَبَبِ هِلَال بْن أُمَيَّة؟ فَقَالَ بَعْضهمْ: بِسَبَبِ عُوَيْمِر الْعَجْلَانِيّ.
وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيث الَّذِي ذَكَرَهُ مُسْلِم فِي الْبَاب أَوَّلًا لِعُوَيْمِر: «قَدْ أَنْزَلَ اللَّه فِيك وَفِي صَاحِبَتك» وَقَالَ جُمْهُور الْعُلَمَاء: سَبَب نُزُولهَا قِصَّة هِلَال بْن أُمَيَّة.
وَاسْتَدَلُّوا بِالْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ مُسْلِم بَعْد هَذَا فِي قِصَّة هِلَال قَالَ: وَكَانَ أَوَّل رَجُل لَاعَنَ فِي الْإِسْلَام.
قَالَ الْمَاوَرْدِيّ مِنْ أَصْحَابنَا فِي كِتَابه الْحَاوِي: قَالَ الْأَكْثَرُونَ: قِصَّة هِلَال بْن أُمَيَّة أَسْبَق مِنْ قِصَّة الْعَجْلَانِيّ.
قَالَ: وَالنَّقْل فيهمَا مُشْتَبَه وَمُخْتَلِف.
وَقَالَ اِبْن الصَّبَّاغ مِنْ أَصْحَابنَا فِي كِتَابه الشَّامِل فِي قِصَّة هِلَال: تَبَيَّنَ أَنَّ الْآيَة نَزَلَتْ فيه أَوَّلًا، قَالَ: وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُوَيْمِر: «إِنَّ اللَّه قَدْ أَنْزَلَ فِيك وَفِي صَاحِبَتك» فَمَعْنَاهُ مَا نَزَلَ فِي قِصَّة هِلَال لِأَنَّ ذَلِكَ حُكْم عَامّ لِجَمِيعِ النَّاس.
قُلْت: وَيُحْتَمَل أَنَّهَا نَزَلَتْ فيهمَا جَمِيعًا فَلَعَلَّهُمَا سَأَلَا فِي وَقْتَيْنِ مُتَقَارِبَيْنِ فَنَزَلَتْ الْآيَة فيهمَا وَسَبَقَ هِلَال اللِّعَان فَيَصْدُق أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي هَذَا وَفِي ذَاكَ وَأَنَّ هِلَالًا أَوَّل مَنْ لَاعَنَ وَاَللَّه أَعْلَم.
قَالُوا: وَكَانَتْ قِصَّة اللِّعَان فِي شَعْبَان سَنَة تِسْع مِنْ الْهِجْرَة.
وَمِمَّنْ نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاض عَنْ اِبْن جَرِير الطَّبَرِيّ.
✯✯✯✯✯✯
2741- قَوْله: «فَكَرِهَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسَائِل وَعَابَهَا» الْمُرَاد كَرَاهَة الْمَسَائِل الَّتِي لَا يُحْتَاج إِلَيْهَا لاسيما مَا كَانَ فيه هَتْك سِتْر مُسْلِم أَوْ مُسْلِمَة أَوْ إِشَاعَة فَاحِشَة أَوْ شَنَاعَة عَلَى مُسْلِم أَوْ مُسْلِمَة قَالَ الْعُلَمَاء: أَمَّا إِذَا كَانَتْ الْمَسَائِل مِمَّا يُحْتَاج إِلَيْهِ فِي أُمُور الدِّين وَقَدْ وَقَعَ فَلَا كَرَاهَة فيها وَلَيْسَ هُوَ الْمُرَاد فِي الْحَدِيث.
وَقَدْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَسْأَلُونَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْأَحْكَام الْوَاقِعَة فَيُجِيبهُمْ وَلَا يَكْرَههَا، وَإِنَّمَا كَانَ سُؤَال عَاصِم فِي هَذَا الْحَدِيث عَنْ قِصَّة لَمْ تَقَع بَعْد وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَيْهَا، وَفيها شَنَاعَة عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَات، وَتَسْلِيط الْيَهُود وَالْمُنَافِقِينَ وَنَحْوهمْ عَلَى الْكَلَام فِي أَعْرَاض الْمُسْلِمِينَ وَفِي الْإِسْلَام، وَلِأَنَّ مِنْ الْمَسَائِل مَا يَقْتَضِي جَوَابه تَضْيِيقًا وَفِي الْحَدِيث الْآخَر: أَعْظَم النَّاس حَرْبًا مَنْ سَأَلَ عَمَّا يُحْرَم فَحُرِمَ مِنْ أَجْل مَسْأَلَته.
قَوْله: «يَا رَسُول اللَّه أَرَأَيْت رَجُلًا وَجَدَ مَعَ اِمْرَأَته رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ؟ أَمْ كَيْف يَفْعَل؟ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ نَزَلَ فِيك وَفِي صَاحِبَتك فَاذْهَبْ فَأْتِ بِهَا قَالَ سَهْل: فَتَلَاعَنَا» هَذَا الْكَلَام فيه حَذْف وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ سَأَلَ وَقَذَفَ اِمْرَأَته وَأَنْكَرَتْ الزِّنَا وَأَصَرَّ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا عَلَى قَوْله ثُمَّ تَلَاعَنَا.
قَوْله: «أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ؟» مَعْنَاهُ إِذَا وَجَدَ رَجُلًا مَعَ اِمْرَأَته وَتَحَقَّقَ أَنَّهُ زَنَى بِهَا فَإِنْ قَتَلَهُ قَتَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَرَكَهُ صَبَرَ عَلَى عَظِيم فَكَيْفَ طَرِيقه؟ وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِيمَنْ قَتَلَ رَجُلًا وَزَعَمَ أَنَّهُ وَجَدَهُ قَدْ زَنَى بِامْرَأَتِهِ.
فَقَالَ جُمْهُورهمْ: لَا يُقْبَل قَوْله، بَلْ، يَلْزَمهُ الْقِصَاص إِلَّا أَنْ تَقُوم بِذَلِكَ بَيِّنَة أَوْ يَعْتَرِف بِهِ وَرَثَة الْقَتِيل.
وَالْبَيِّنَة أَرْبَعَة مِنْ عُدُول الرِّجَال يَشْهَدُونَ عَلَى نَفْس الزِّنَا، وَيَكُون الْقَتِيل مُحْصَنًا، وَأَمَّا فِيمَا بَيْنه وَبَيْن اللَّه تَعَالَى فَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَلَا شَيْء عَلَيْهِ.
وَقَالَ بَعْض أَصْحَابنَا: يَجِب عَلَى كُلّ مَنْ قُتِلَ زَانِيًا مُحْصَنًا الْقِصَاص مَا لَمْ يَأْمُر السُّلْطَان بِقَتْلِهِ، وَالصَّوَاب الْأَوَّل.
وَجَاءَ عَنْ بَعْض السَّلَف تَصْدِيقه فِي أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَتِهِ وَقَتَلَهُ بِذَلِكَ.
قَوْله: «قَالَ سَهْل: فَتَلَاعَنَا وَأَنَا مَعَ النَّاس عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» فيه أَنَّ اللِّعَان يَكُون بِحَضْرَةِ الْإِمَام وَالْقَاضِي وَبِمَجْمَعٍ مِنْ النَّاس، وَهُوَ أَحَد أَنْوَاع تَغْلِيظ اللِّعَان فَإِنَّهُ تَغْلِيظ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَان وَالْجَمْع.
فَأَمَّا الزَّمَان فَبَعْد الْعَصْر، وَالْمَكَان فِي أَشْرَف مَوْضِع فِي ذَلِكَ الْبَلَد، وَالْجَمْع طَائِفَة مِنْ النَّاس أَقَلّهمْ أَرْبَعَة.
وَهَلْ هَذِهِ التَّغْلِيظَات وَاجِبَة أَمْ مُسْتَحَبَّة؟ فيه خِلَاف عِنْدنَا الْأَصَحّ الِاسْتِحْبَاب.
قَوْله: «فَلَمَّا فَرَغَا قَالَ عُوَيْمِر كَذَبْت عَلَيْهَا يَا رَسُول اللَّه أَمْسَكْتهَا» فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْل أَنْ يَأْمُرهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ شِهَاب: «فَكَانَتْ سُنَّة الْمُتَلَاعِنَيْنِ» وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْل أَنْ يَأْمُرهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَارَقَهَا عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ذَاكُمْ التَّفْرِيق بَيْن كُلّ مُتَلَاعِنَيْنِ» وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «أَنَّهُ لَاعَنَ ثُمَّ لَاعَنَتْ ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنهمَا» وَفِي رِوَايَة: «أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا سَبِيل لَك عَلَيْهَا» اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْفِرْقَة بِاللِّعَانِ.
فَقَالَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَالْجُمْهُور: تَقَع الْفُرْقَة بَيْن الزَّوْجَيْنِ بِنَفْسِ التَّلَاعُن وَيَحْرُم عَلَيْهِ نِكَاحهَا عَلَى التَّأْيِيد لِهَذِهِ الْأَحَادِيث.
لَكِنْ قَالَ الشَّافِعِيّ وَبَعْض الْمَالِكِيَّة: تَحْصُل الْفُرْقَة بِلِعَانِ الزَّوْج وَحْده وَلَا تَتَوَقَّف عَلَى لِعَان الزَّوْجَة.
وَقَالَ بَعْض الْمَالِكِيَّة: تَتَوَقَّف عَلَى لِعَانهَا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: لَا تَحْصُل الْفُرْقَة إِلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِهَا بَعْد التَّلَاعُن، لِقَوْلِهِ: «ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنهمَا» وَقَالَ الْجُمْهُور: لَا تَفْتَقِر إِلَى قَضَاء الْقَاضِي لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا سَبِيل لَك عَلَيْهَا» وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى: «فَفَارَقَهَا» وَقَالَ اللَّيْث: لَا أَثَر لِلِّعَانِ فِي الْفُرْقَة وَلَا يَحْصُل بِهِ فِرَاق أَصْلًا.
وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِتَأْيِيدِ التَّحْرِيم فِيمَا إِذَا كَذَبَ بَعْد ذَلِكَ نَفْسه، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: تَحِلّ لَهُ لِزَوَالِ الْمَعْنَى الْمُحَرَّم.
وَقَالَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَغَيْرهمَا: لَا تَحِلّ لَهُ أَبَدًا لِعُمُومِ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا سَبِيل لَك عَلَيْهَا» وَاَللَّه أَعْلَم.
وَأَمَّا قَوْله: «كَذَبْت عَلَيْهَا يَا رَسُول اللَّه إِنْ أَمْسَكْتهَا» فَهُوَ كَلَام تَامّ مُسْتَقِلّ.
ثُمَّ اِبْتَدَأَ فَقَالَ: هِيَ طَالِق ثَلَاثًا.
تَصْدِيقًا لِقَوْلِهِ فِي أَنَّهُ لَا يُمْسِكهَا وَإِنَّمَا طَلَّقَهَا لِأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ اللِّعَان لَا يُحَرِّمهَا عَلَيْهِ فَأَرَادَ تَحْرِيمهَا بِالطَّلَاقِ، فَقَالَ: هِيَ طَالِق ثَلَاثًا.
فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا سَبِيل لَك عَلَيْهَا» أَيْ لَا مِلْك لَك عَلَيْهَا فَلَا يَقَع طَلَاقك.
وَهَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّ الْفُرْقَة تَحْصُل بِنَفْسِ اللِّعَان، وَاسْتَدَلَّ بِهِ أَصْحَابنَا عَلَى أَنَّ جَمْع الطَّلَقَات الثَّلَاث بِلَفْظٍ وَاحِد لَيْسَ حَرَامًا، وَمَوْضِع الدَّلَالَة أَنَّهُ لَمْ يُنْكِر عَلَيْهِ إِطْلَاق لَفْظ الثَّلَاث، وَقَدْ يُعْتَرَض عَلَى هَذَا فَيُقَال: إِنَّمَا لَمْ يُنْكِر عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَادِف الطَّلَاق مَحِلًّا مَمْلُوكًا لَهُ وَلَا نُفُوذًا.
وَيُجَاب عَنْ هَذَا الِاعْتِرَاض بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الثَّلَاث مُحْرِمًا لَأَنْكَرَ عَلَيْهِ، وَقَالَ لَهُ: كَيْف تُرْسِل لَفْظ الطَّلَاق الثَّلَاث مَعَ أَنَّهُ حَرَام وَاَللَّه أَعْلَم.
وَقَالَ اِبْن نَافِع مِنْ أَصْحَاب مَالِك: إِنَّمَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا لِأَنَّهُ يُسْتَحَبّ إِظْهَار الطَّلَاق بَعْد اللِّعَان مَعَ أَنَّهُ قَدْ حَصَلَتْ الْفُرْقَة بِنَفْسِ اللِّعَان، وَهَذَا فَاسِد وَكَيْفَ يُسْتَحَبّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُطَلِّق مَنْ صَارَتْ أَجْنَبِيَّة؟! وَقَالَ مُحَمَّد بْن أَبِي صُفْرَة الْمَالِكِيّ: لَا تَحْصُل الْفُرْقَة بِنَفْسِ اللِّعَان.
وَاحْتَجَّ بِطَلَاقِ عُوَيْمِر وَبِقَوْلِهِ: «إِنْ أَمْسَكْتهَا» وَتَأَوَّلَهُ الْجُمْهُور كَمَا سَبَقَ وَاَللَّه أَعْلَم.
وَأَمَّا قَوْله: (قَالَ اِبْن شِهَاب: فَكَانَتْ سُنَّة الْمُتَلَاعِنَيْنِ) فَقَدْ تَأَوَّلَهُ اِبْن نَافِع الْمَالِكِيّ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ اِسْتِحْبَاب الطَّلَاق بَعْد اللِّعَان كَمَا سَبَقَ، وَقَالَ الْجُمْهُور مَعْنَاهُ حُصُول الْفُرْقَة بِنَفْسِ اللِّعَان.
وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ذَاكُمْ التَّفْرِيق بَيْن كُلّ مُتَلَاعِنَيْنِ» فَمَعْنَاهُ عِنْد مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَالْجُمْهُور بَيَان أَنَّ الْفُرْقَة تَحْصُل بِنَفْسِ اللِّعَان بَيْن كُلّ مُتَلَاعِنَيْنِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ تَحْرِيمهَا عَلَى التَّأْيِيد كَمَا قَالَ جُمْهُور الْعُلَمَاء.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: وَاتَّفَقَ عُلَمَاء الْأَمْصَار عَلَى أَنَّ مُجَرَّد قَذْفِهِ لِزَوْجَتِهِ لَا يُحَرِّمهَا عَلَيْهِ، إِلَّا أَبَا عُبَيْد فَقَالَ: تَصِير مُحَرَّمَة عَلَيْهِ بِنَفْسِ الْقَذْف بِغَيْرِ لِعَان.
قَوْله: «وَكَانَتْ حَامِلًا فَكَانَ اِبْنهَا يُدْعَى إِلَى أُمّه ثُمَّ جَرَتْ السُّنَّة أَنْ يَرِثهَا وَتَرِث مِنْهُ مَا فَرَضَ اللَّه لَهَا» فِي جَوَاز لِعَان الْحَامِل وَأَنَّهُ إِذَا لَاعَنَهَا وَنَفَى عَنْ نَسَب الْحَمْل اِنْتَفَى عَنْهُ، وَأَنَّهُ يَثْبُت نَسَبه مِنْ الْأُمّ وَيَرِثهَا وَتَرِث مِنْ مَا فَرَضَ اللَّه لِلْأُمِّ وَهُوَ الثُّلُث إِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَلَد وَلَا وَلَد اِبْن وَلَا اِثْنَانِ مِنْ الْإِخْوَة أَوْ الْأَخَوَات وَإِنْ كَانَ شَيْء مِنْ ذَلِكَ فَلَهَا السُّدُس.
وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى جَرَيَان التَّوَارُث بَيْنه وَبَيْن أُمّه وَبَيْنه وَبَيْن أَصْحَاب الْفُرُوض مِنْ جِهَة أُمّه وَهُمْ إِخْوَته وَأَخَوَاته مِنْ أُمّه وَجَدَّاته مِنْ أُمّه، ثُمَّ إِذَا دَفَعَ إِلَى أُمّه فَرَضَهَا أَوْ إِلَى أَصْحَاب الْفُرُوض وَبَقِيَ شَيْء فَهُوَ لِمَوَالِي أُمّه إِنْ كَانَ عَلَيْهَا وَلَاء وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ هُوَ وَلَا بِمُبَاشَرَةِ إِعْتَاقه، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَوَالٍ فَهُوَ لِبَيْتِ الْمَال.
هَذَا تَفْصِيل مَذْهَب الشَّافِعِيّ وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيّ وَمَالِك وَأَبُو ثَوْر.
وَقَالَ الْحَكَم وَحَمَّاد: تَرِثهُ وَرَثَة أُمّه.
وَقَالَ آخَرُونَ: عُصْبَة أُمّه.
رُوِيَ هَذَا عَنْ عَلِيّ وَابْن مَسْعُود وَعَطَاء وَأَحْمَد بْن حَنْبَل.
قَالَ أَحْمَد: فَإِنْ اِنْفَرَدَتْ الْأُمّ أَخَذَتْ جَمِيع مَاله بِالْعُصُوبَةِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: إِذَا اِنْفَرَدَتْ أَخَذَتْ الْجَمِيع لَكِنْ الثُّلُث بِالْفَرْضِ وَالْبَاقِي بِالرَّدِّ عَلَى قَاعِدَة مَذْهَبه فِي إِثْبَات الرَّدّ وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله: «فَتَلَاعَنَا فِي الْمَسْجِد» فيه اِسْتِحْبَاب كَوْن اللِّعَان فِي الْمَسْجِد وَقَدْ سَبَقَ بَيَانه.
✯✯✯✯✯✯
2742- قَوْله: «فَقُلْت لِلْغُلَامِ: اِسْتَأْذَنَ لِي قَالَ: أَنَّهُ قَائِل.
فَسَمِعَ صَوْتِي فَقَالَ: اِبْن جُبَيْر؟ قُلْت: نَعَمْ» أَمَّا قَوْله: «إِنَّهُ قَائِل» فَهُوَ مِنْ الْقَيْلُولَة وَهِيَ النَّوْم نِصْف النَّهَار.
وَأَمَّا قَوْله (اِبْن جُبَيْر) فَهُوَ بِرَفْعِ (اِبْن) وَهُوَ اِسْتِفْهَام أَيْ أَأَنْتَ اِبْن جُبَيْر؟ قَوْله: «فَوَجَدَتْهُ مُفْتَرِشًا بَرْذعَة» هُوَ بِفَتْحِ الْبَاء وَفيه زَهَادَة اِبْن عُمَر وَتَوَاضُعه.
قَوْله: «وَوَعَظَهُ وَذَكَرَهُ وَأَخْبَرَهُ أَنَّ عَذَاب الدُّنْيَا أَهْوَن مِنْ عَذَاب الْآخِرَة» وَفَعَلَ بِالْمَرْأَةِ مِثْل ذَلِكَ.
فيه أَنَّ الْإِمَام يَعِظ الْمُتَلَاعِنَيْنِ وَيُخَوِّفهُمَا مِنْ وَبَال الْيَمِين الْكَاذِبَة وَأَنَّ الصَّبْر عَلَى عَذَاب الدُّنْيَا وَهُوَ الْحَدّ، أَهْوَن مِنْ عَذَاب الْآخِرَة.
قَوْله: «فَبَدَأَ بِالرَّجُلِ فَشَهِدَ أَرْبَع شَهَادَات إِلَى آخِره» فيه أَنَّ الِابْتِدَاء فِي اللِّعَان يَكُون بِالزَّوْجِ، لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى بَدَأَ بِهِ، وَلِأَنَّهُ يُسْقِط عَنْ نَفْسه حَدّ قَذْفهَا، وَيَنْفِي النَّسَب إِنْ كَانَ.
وَنَقَلَ الْقَاضِي وَغَيْره إِجْمَاع الْمُسْلِمِينَ عَلَى الِابْتِدَاء بِالزَّوْجِ.
ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيّ وَطَائِفَة: لَوْ لَاعَنْت الْمَرْأَة قَبْله لَمْ يَصِحّ لِعَانهَا.
وَصَحَّحَهُ أَبُو حَنِيفَة وَطَائِفَة.
قَوْله: «فَشَهِدَ أَرْبَع شَهَادَات بِاَللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ وَالْخَامِسَة أَنَّ لَعْنَة اللَّه عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ» هَذِهِ أَلْفَاظ اللِّعَان وَهِيَ مُجْمَع عَلَيْهَا.
✯✯✯✯✯✯
2743- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِلْمُتَلَاعِنَيْنِ: «حِسَابكُمَا عَلَى اللَّه أَحَدكُمَا كَاذِب» قَالَ الْقَاضِي عِيَاض ظَاهِره أَنَّهُ قَالَ هَذَا الْكَلَام بَعْد فَرَاغهمَا مِنْ اللِّعَان.
وَالْمُرَاد بَيَان أَنَّهُ يَلْزَم الْكَاذِب التَّوْبَة.
قَالَ: وَقَالَ الدَّاوُدِيّ: إِنَّمَا قَالَهُ قَبْل اللِّعَان تَحْذِيرًا لَهُمَا مِنْهُ، قَالَ: وَالْأَوَّل أَظْهَر أَوْلَى بِسِيَاقِ الْكَلَام قَالَ: وَفيه رَدّ عَلَى مَنْ قَالَ مِنْ النُّحَاة أَنَّ لَفْظَة أَحَد لَا تَسْتَعْمِل إِلَّا فِي النَّفْي، وَعَلَى مَنْ قَالَ مِنْهُمْ: لَا تُسْتَعْمَل إِلَّا فِي الْوَصْف وَلَا تَقَع مَوْقِع وَاحِد وَقَدْ وَقَعَتْ فِي هَذَا الْحَدِيث فِي غَيْر نَفْي وَلَا وَصْف وَوَقَعَتْ مَوْقِع وَاحِد وَقَدْ أَجَازَهُ الْمُبَرِّد وَيُؤَيِّدهُ قَوْله تَعَالَى: {فَشَهَادَة أَحَدهمْ}.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث أَنَّ الْخَصْمَيْنِ الْمُتَكَاذِبَيْنِ لَا يُعَاقَب وَاحِد مِنْهُمَا وَإِنْ عِلْمنَا كَذَبَ أَحَدهمَا عَلَى الْإِبْهَام.
قَوْله: «يَا رَسُول اللَّه مَالِي! قَالَ: لَا مَال لَك إِنْ كُنْت صَدَقْت عَلَيْهَا فَهُوَ بِمَا اِسْتَحْلَلْت مِنْ فَرْجهَا وَإِنْ كُنْت كَذَبْت عَلَيْهَا فَذَاكَ أَبْعَد لَك مِنْهَا» فِي هَذَا دَلِيل عَلَى اِسْتِقْرَار الْمَهْر بِالدُّخُولِ وَعَلَى ثُبُوت مَهْر الْمُلَاعَنَة الْمَدْخُول بِهَا وَالْمَسْأَلَتَانِ مُجْمَع عَلَيْهِمَا وَفيه أَنَّهَا لَوْ صَدَّقَتْهُ وَأَقَرَّتْ بِالزِّنَا لَمْ يَسْقُط مَهْرهَا.
✯✯✯✯✯✯
2748- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ اِفْتَحْ» مَعْنَاهُ بَيَّنَ لَنَا الْحُكْم فِي هَذَا.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَعَلَّهَا أَنْ تَجِيء بِهِ أَسْوَد جَعْدًا» وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ سَبِطًا قَضِيء الْعَيْنَيْنِ فَهُوَ لِهِلَالِ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَل جَعْدًا حَمْش السَّاقَيْنِ فَهُوَ لِشَرِيكِ» أَمَّا الْجَعْد فَبِفَتْحِ الْجِيم وَإِسْكَان الْعَيْن، قَالَ الْهَرَوِيُّ: الْجَعْد فِي صِفَات الرِّجَال يَكُون مَدْحًا وَيَكُون ذَمًّا فَإِذَا كَانَ مَدْحًا فَلَهُ مَعْنَيَانِ: أَحَدهمَا أَنْ يَكُون مَعْصُوب الْحَلْق شَدِيد الْأَسِرَّة، وَالثَّانِي أَنْ يَكُون شَعْره غَيْر سَبِط لِأَنَّ السُّبُوطَة أَكْثَرهَا فِي شُعُور الْعَجَم.
وَأَمَّا الْجَعْد الْمَذْمُوم فَلَهُ مَعْنَيَانِ: أَحَدهمَا الْقَصِير الْمُتَرَدِّد، وَالْآخَر الْبَخِيل يُقَال: جَعْد الْأَصَابِع وَجَعْد الْيَدَيْنِ أَيْ بَخِيل.
وَأَمَّا السَّبِط فَبِكَسْرِ الْبَاء.
وَإِسْكَانهَا وَهُوَ الشَّعْر الْمُسْتَرْسِل.
وَأَمَّا حَمْش السَّاقَيْنِ فَبِحَاءٍ مُهْمَلَة مَفْتُوحَة ثُمَّ مِيم سَاكِنَة ثُمَّ شِين مُعْجَمَة أَيْ رَقِيقهمَا، وَالْحُمُوشَة الدِّقَّة.
وَأَمَّا قَضِيء الْعَيْنَيْنِ فَمَهْمُوز مَمْدُود عَلَى وَزْن فَعِيل وَهُوَ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَة وَمَعْنَاهُ فَاسِدهمَا بِكَثْرَةِ دَمْع أَوْ حُمْرَة أَوْ غَيْر ذَلِكَ.
✯✯✯✯✯✯
2749- قَوْله: «إِنَّ هِلَال بْن أُمَيَّة قَذَفَ اِمْرَأَته بِشَرِيكِ بْن سَحْمَاء» هِيَ بِسِينِ مَفْتُوحَة ثُمَّ حَاء سَاكِنَة مُهْمَلَتَيْنِ وَبِالْمَدِّ، وَشَرِيك هَذَا صَحَابِيّ بَلَوِيّ حَلِيف الْأَنْصَار.
قَالَ الْقَاضِي: وَقَوْل مَنْ قَالَ: إِنَّهُ يَهُودِيّ، بَاطِل.
قَوْله: «وَكَانَ أَوَّل رَجُل لَاعَنَ فِي الْإِسْلَام» سَبَقَ بَيَانه فِي أَوَّل هَذَا الْبَاب.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ سَبِطًا قَضِيء الْعَيْنَيْنِ فَهُوَ لِهِلَالٍ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَل جَعْدًا حَمْش السَّاقَيْنِ فَهُوَ لِشَرِيكِ» أَمَّا السَّبِط فَبِكَسْرِ الْبَاء.
إِسْكَانهَا وَهُوَ الشَّعْر الْمُسْتَرْسِل.
وَأَمَّا حَمْش السَّاقَيْنِ فَبِحَاءٍ مُهْمَلَة مَفْتُوحَة ثُمَّ مِيم سَاكِنَة ثُمَّ شِين مُعْجَمَة أَيْ رَقِيقهمَا، وَالْحُمُوشَة الدِّقَّة.
وَأَمَّا قَضِيء الْعَيْنَيْنِ فَمَهْمُوز مَمْدُود عَلَى وَزْن فَعِيل وَهُوَ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَة وَمَعْنَاهُ فَاسِدهمَا بِكَثْرَةِ دَمْع أَوْ حُمْرَة أَوْ غَيْر ذَلِكَ.
✯✯✯✯✯✯
2750- قَوْله: «وَكَانَ خَدْلًا» هُوَ بِفَتْحِ الْخَاء الْمُعْجَمَة وَإِسْكَان الدَّال الْمُهْمَلَة وَهُوَ الْمُمْتَلِئ السَّاق.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ رَجَمْت أَحَدًا بِغَيْرِ بَيِّنَة رَجَمْت هَذِهِ» وَفَسَّرَهَا اِبْن عَبَّاس بِأَنَّهَا: «اِمْرَأَة كَانَتْ تُظْهِر فِي الْإِسْلَام السُّوء» وَفِي رِوَايَة أَنَّهَا: «اِمْرَأَة أَعْلَنَتْ» مَعْنَى الْحَدِيث أَنَّهُ اُشْتُهِرَ وَشَاعَ عَنْهَا الْفَاحِشَة وَلَكِنْ لَنْ يَثْبُت بَيِّنَة وَلَا اِعْتِرَاف فَفيه أَنَّهُ لَا يُقَام الْحَدّ بِمُجَرَّدِ الشِّيَاع وَالْقَرَائِن بَلْ لابد مِنْ بَيِّنَة أَوْ اِعْتِرَاف.
✯✯✯✯✯✯
2752- قَوْله: «أَنَّ سَعْد بْن عُبَادَة قَالَ: يَا رَسُول اللَّه أَرَأَيْت الرَّجُل يَجِد مَعَ اِمْرَأَته رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ؟ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا قَالَ سَعْد: بَلَى وَاَلَّذِي أَكْرَمك بِالْحَقِّ.
فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اِسْمَعُوا إِلَى مَا يَقُول سَيِّدكُمْ» وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «كَلَّا وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ إِنْ كُنْت لَأُعَاجِلهُ بِالسَّيْفِ» قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَغَيْره: لَيْسَ قَوْله هُوَ رَدَّا لِقَوْلِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا مُخَالَفَة مِنْ سَعْد بْن عُبَادَة لِأَمْرِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ الْإِخْبَار عَنْ حَالَة الْإِنْسَان عِنْد رُؤْيَته الرَّجُل عِنْد اِمْرَأَته وَاسْتِيلَاء الْغَضَب عَلَيْهِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُعَاجِلهُ السَّيْف وَإِنْ كَانَ عَاصِيًا.
وَأَمَّا السَّيِّد: فَقَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ وَغَيْره: هُوَ الَّذِي يَفُوق قَوْمه فِي الْفَخْر قَالُوا وَالسَّيِّد أَيْضًا الْحَلِيم وَهُوَ أَيْضًا حَسَن الْخُلُق وَهُوَ أَيْضًا الرَّئِيس.
وَمَعْنَى الْحَدِيث تَعَجَّبُوا مِنْ قَوْل سَيِّدكُمْ.
✯✯✯✯✯✯
2755- قَوْله: «لَضَرَبْته بِالسَّيْفِ غَيْر مُصَفَّح» هُوَ بِكَسْرِ الْفَاء أَيْ غَيْر ضَارِب بِصَفْحِ السَّيْف وَهُوَ جَانِبه بَلْ أَضْرِبهُ بِحَدِّهِ.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ لَغَيُور وَأَنَا أَغْيَر مِنْهُ» وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «وَاَللَّه أَغْيَر مِنِّي مِنْ أَجْل غَيْرَة اللَّه حَرَّمَ الْفَوَاحِش مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ» قَالَ الْعُلَمَاء الْغَيْرَة بِفَتْحِ الْغَيْن وَأَصْلهَا الْمَنْع وَالرَّجُل غَيُور عَلَى أَهْله أَيْ يَمْنَعهُمْ مِنْ التَّعَلُّق بِأَجْنَبِيٍّ بِنَظَرٍ أَوْ حَدِيث أَوْ غَيْره، وَالْغَيْرَة صِفَة كَمَالِ فَأَخْبَرَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ سَعْدًا غَيُور، وَأَنَّهُ أَغْيَر مِنْهُ، وَأَنَّ اللَّه أَغْيَر مِنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّهُ مِنْ أَجْل ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِش، فَهَذَا تَفْسِير لِمَعْنَى غَيْرَة اللَّه تَعَالَى أَيْ أَنَّهَا مَنْعه سُبْحَانه وَتَعَالَى النَّاس مِنْ الْفَوَاحِش لَكِنْ الْغَيْرَة فِي حَقّ النَّاس يُقَارِنهَا تَغَيُّر حَال الْإِنْسَان وَانْزِعَاجه وَهَذَا مُسْتَحِيل فِي غَيْرَة اللَّه تَعَالَى.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا شَخْص أَغْيَر مِنْ اللَّه تَعَالَى» أَيْ لَا أَحَد، وَإِنَّمَا قَالَ: «لَا شَخْص» اِسْتِعَارَة.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا يَنْبَغِي لِشَخْصٍ أَنْ يَكُون أَغْيَر مِنْ اللَّه تَعَالَى وَلَا يُتَصَوَّر ذَلِكَ مِنْهُ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَأَدَّب الْإِنْسَان بِمُعَامَلَتِهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى لِعِبَادِهِ، فَإِنَّهُ لَا يُعَاجِلهُمْ بِالْعُقُوبَةِ بَلْ حَذَّرَهُمْ وَأَنْذَرَهُمْ وَكَرَّرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَأَمْهَلَهُمْ، فَكَذَا يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَلَّا يُبَادِر بِالْقَتْلِ وَغَيْره فِي غَيْر مَوْضِعه، فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى لَمْ يُعَاجِلهُمْ بِالْعُقُوبَةِ مَعَ أَنَّهُ لَوْ عَاج