باب من استسلف شييا فقضى خيرا منه و«خيركم احسنكم قضاء»
باب من استسلف شييا فقضى خيرا منه و«خيركم احسنكم قضاء»
3002- قَوْله: «عَنْ أَبِي رَافِع أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِسْتَسْلَفَ مِنْ رَجُل بَكْرًا، فَقَدِمَتْ عَلَيْهِ إِبِل مِنْ إِبِل الصَّدَقَة، فَأَمَرَ أَبَا رَافِع أَنْ يَقْضِي الرَّجُل بَكْره، فَرَجَعَ إِلَيْهِ أَبُو رَافِع فَقَالَ: مَا أَجِد فيها إِلَّا خِيَارًا رَبَاعِيًا، فَقَالَ: أَعْطِيه إِيَّاهُ فَإِنَّ خِيَار النَّاس أَحَسَنهمْ قَضَاء» وَفِي رِوَايَة أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمْ: «اِشْتَرُوا لَهُ سِنًّا، فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ فَقَالُوا: إِنَّا لَا نَجِد إِلَّا سِنًّا هُوَ خَيْر مِنْ سِنّه»، قَالَ: «فَاشْتَرُوهُ فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ فَإِنَّ مِنْ خَيْركُمْ أَوْ خَيْركُمْ أَحْسَنكُمْ قَضَاء»، وَفِي رِوَايَة لَهُ: «اِسْتَقْرَضَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِنًّا فَأَعْطَاهُ سِنًّا فَوْقه، وَقَالَ: خِيَاركُمْ مَحَاسِنكُمْ قَضَاء» أَمَّا الْبَكْر مِنْ الْإِبِل: فَبِفَتْحِ الْبَاء وَهُوَ الصَّغِير كَالْغُلَامِ مِنْ الْآدَمِيِّينَ، وَالْأُنْثَى بَكْرَة وَقَلُوص، وَهِيَ الصَّغِيرَة كَالْجَارِيَةِ، فَإِذَا اِسْتَكْمَلَ سِتّ سِنِينَ وَدَخَلَ فِي السَّابِعَة، وَأَلْقَى رَبَاعِيَة بِتَخْفِيفِ الْيَاء فَهُوَ رَبَاع، وَالْأُنْثَى رَبَاعِيَة، بِتَخْفِيفِ الْيَاء، وَأَعْطَاهُ رَبَاعِيًا بِتَخْفِيفِهَا.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث: جَوَاز الِاقْتِرَاض وَالِاسْتِدَانَة، وَإِنَّمَا اِقْتَرَضَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْحَاجَةِ، وَكَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَعِيذ بِاَللَّهِ مِنْ الْمَغْرَم، وَهُوَ الدَّيْن.
وَفيه: جَوَاز اِقْتِرَاض الْحَيَوَان.
وَفيه ثَلَاثَة مَذَاهِب.
الشَّافِعِيّ وَمَالِك وَجَمَاهِير الْعُلَمَاء مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف: أَنَّهُ يَجُوز قَرْض جَمِيع الْحَيَوَان إِلَّا الْجَارِيَة لِمَنْ يَمْلِك وَطْأَهَا، فَإِنَّهُ لَا يَجُوز، وَيَجُوز إِقْرَاضهَا لِمَنْ لَا يَمْلِك وَطْأَهَا كَمَحَارِمِهَا وَالْمَرْأَة وَالْخُنْثَى.
وَالْمَذْهَب الثَّانِي: مَذْهَب الْمُزَنِيِّ وَابْن جَرِير وَدَاوُد أَنَّهُ يَجُوز قَرْض الْجَارِيَة وَسَائِر الْحَيَوَان لِكُلِّ وَاحِد.
وَالثَّالِث: مَذْهَب أَبِي حَنِيفَة وَالْكُوفِيِّينَ أَنَّهُ لَا يَجُوز قَرْض شَيْء مِنْ الْحَيَوَان.
وَهَذِهِ الْأَحَادِيث: تُرَدّ عَلَيْهِمْ وَلَا تُقْبَل دَعْوَاهُمْ النَّسْخ بِغَيْرِ دَلِيل.
وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيث جَوَاز السَّلَم فِي الْحَيَوَان، وَحُكْمه حُكْم الْقَرْض.
وَفيها: أَنَّهُ يُسْتَحَبّ لِمَنْ عَلَيْهِ دَيْن مِنْ قَرْض وَغَيْره أَنْ يَرُدّ أَجْوَد مِنْ الَّذِي عَلَيْهِ، وَهَذَا مِنْ السُّنَّة وَمَكَارِم الْأَخْلَاق، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ قَرْض جَرَّ مَنْفَعَة فَإِنَّهُ مَنْهِيّ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَنْهِيّ عَنْهُ مَا كَانَ مَشْرُوطًا فِي عَقْد الْقَرْض، وَمَذْهَبنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبّ الزِّيَادَة فِي الْأَدَاء عَمَّا عَلَيْهِ.
وَيَجُوز لِلْمُقْرِضِ أَخْذهَا سَوَاء زَادَ فِي الصِّفَة أَوْ فِي الْعَدَد بِأَنْ أَقْرَضَهُ عَشَرَة فَأَعْطَاهُ أَحَد عَشَر، وَمَذْهَب مَالِك: أَنَّ الزِّيَادَة فِي الْعَدَد مَنْهِيّ عَنْهَا، وَحُجَّة أَصْحَابنَا عُمُوم قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْركُمْ أَحْسَنكُمْ قَضَاء».
قَوْله: «فَقَدِمَتْ عَلَيْهِ إِبِل الصَّدَقَة.
إِلَى آخِره» هَذَا مِمَّا يُسْتَشْكَل فَيُقَال: فَكَيْفَ قَضَى مِنْ إِبِل الصَّدَقَة أَجْوَد مِنْ الَّذِي يَسْتَحِقّهُ الْغَرِيم مَعَ أَنَّ النَّاظِر فِي أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِقْتَرَضَ لِنَفْسِهِ، فَلَمَّا جَاءَتْ إِبِل الصَّدَقَة اِشْتَرَى مِنْهَا بَعِيرًا رَبَاعِيًّا مِمَّنْ اِسْتَحَقَّهُ، فَمَلَكَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَمَنِهِ، وَأَوْفَاهُ مُتَبَرِّعًا بِالزِّيَادَةِ مِنْ مَاله، وَيَدُلّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ رِوَايَة أَبِي هُرَيْرَة الَّتِي قَدَّمْنَاهَا: «أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: اِشْتَرُوا لَهُ سِنًّا» فَهَذَا هُوَ الْجَوَاب الْمُعْتَمَد.
وَقَدْ قِيلَ فيه أَجْوِبَة غَيْره، مِنْهَا: أَنَّ الْمُقْتَرِض كَانَ بَعْض الْمُحْتَاجِينَ اِقْتَرَضَ لِنَفْسِهِ فَأَعْطَاهُ مِنْ الصَّدَقَة حِين جَاءَتْ وَأَمَرَهُ بِالْقَضَاءِ.
✯✯✯✯✯✯
3003- قَوْله: «كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقٌّ فَأَغْلَظَ لَهُ فَهَمَّ بِهِ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقّ مَقَالًا» فيه أَنَّهُ يَحْتَمِل مِنْ صَاحِب الدَّيْن الْكَلَام الْمُعْتَاد فِي الْمُطَالَبَة، وَهَذَا الْإِغْلَاظ الْمَذْكُور مَحْمُول عَلَى تَشَدُّد فِي الْمُطَالَبَة وَنَحْو ذَلِكَ مِنْ غَيْر كَلَام فيه قَدْح أَوْ غَيْره مِمَّا يَقْتَضِي الْكُفْر، وَيَحْتَمِل أَنَّ الْقَائِل الَّذِي لَهُ الدَّيْن كَانَ كَافِرًا مِنْ الْيَهُود أَوْ غَيْرهمْ.
وَاللَّهُ أَعْلَم. باب من استسلف شييا فقضى خيرا منه و«خيركم احسنكم قضاء»
باب من استسلف شييا فقضى خيرا منه و«خيركم احسنكم قضاء»