📁 آخر الأخبار

باب فضل اخفاء الصدقة

 

 باب فضل اخفاء الصدقة

 باب فضل اخفاء الصدقة


1712- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَبْعَة يُظِلّهُمْ اللَّه فِي ظِلّه يَوْم لَا ظِلّ إِلَّا ظِلّه» قَالَ الْقَاضِي: إِضَافَة الظِّلّ إِلَى اللَّه تَعَالَى إِضَافَة مِلْك، كُلّ ظِلّ فَهُوَ لِلَّهِ وَمِلْكه وَخَلْقه وَسُلْطَانه، وَالْمُرَاد هُنَا ظِلّ الْعَرْش كَمَا جَاءَ فِي حَدِيث آخَر مُبَيَّنًا، وَالْمُرَاد يَوْم الْقِيَامَة إِذَا قَامَ النَّاس لِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَدَنَتْ مِنْهُمْ الشَّمْس وَاشْتَدَّ عَلَيْهِمْ حَرُّهَا، وَأَخَذَهُمْ الْعَرَق، وَلَا ظِلّ هُنَاكَ لِشَيْءٍ إِلَّا لِلْعَرْشِ، وَقَدْ يُرَاد بِهِ هُنَا ظِلّ الْجَنَّة وَهُوَ نَعِيمهَا وَالْكَوْن فيها كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا} قَالَ الْقَاضِي: وَقَالَ اِبْن دِينَار: الْمُرَاد بِالظِّلِّ هُنَا الْكَرَامَة وَالْكَنَف وَالْكَفّ مِنْ الْمَكَارِه فِي ذَلِكَ الْمَوْقِف، قَالَ: وَلَيْسَ الْمُرَاد ظِلّ الشَّمْس، قَالَ الْقَاضِي: وَمَا قَالَهُ مَعْلُوم فِي اللِّسَان، يُقَال: فُلَان فِي ظِلّ فُلَان أَيْ فِي كَنَفه وَحِمَايَته، قَالَ: وَهَذَا أَوْلَى بِالْأَقْوَالِ، وَتَكُون إِضَافَته إِلَى الْعَرْش؛ لِأَنَّهُ مَكَان التَّقْرِيب وَالْكَرَامَة، وَإِلَّا فَالشَّمْس وَسَائِر الْعَالَم تَحْت الْعَرْش، وَفِي ظِلّه.

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْإِمَام الْعَادِل» قَالَ الْقَاضِي: هُوَ كُلّ مَنْ إِلَيْهِ نَظَرٌ فِي شَيْء مِنْ مَصَالِح الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْوُلَاة وَالْحُكَّام، وَبَدَأَ بِهِ لِكَثْرَةِ مَصَالِحه وَعُمُوم نَفْعِهِ.

 وَوَقَعَ فِي أَكْثَر النُّسَخ: «الْإِمَام الْعَادِل» وَفِي بَعْضهَا: «الْإِمَام الْعَدْل» وَهُمَا صَحِيحَانِ.

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَشَابّ نَشَأَ بِعِبَادَةِ اللَّه» هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع النُّسَخ: «نَشَأَ بِعِبَادَةِ اللَّه» وَالْمَشْهُور فِي رِوَايَات هَذَا الْحَدِيث: «نَشَأَ فِي عِبَادَة اللَّه» وَكِلَاهُمَا صَحِيح، وَمَعْنَى رِوَايَة الْبَاء: نَشَأَ مُتَلَبِّسًا لِلْعِبَادَةِ أَوْ مُصَاحِبًا لَهَا أَوْ مُلْتَصِقًا بِهَا.

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَرَجُل قَلْبه مُعَلَّق فِي الْمَسَاجِد» هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخ كُلّهَا: «فِي الْمَسَاجِد» وَفِي غَيْر هَذِهِ الرِوَايَة: «بِالْمَسَاجِدِ» وَوَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَة فِي أَكْثَر النُّسَخ: «مُعَلَّق فِي الْمَسَاجِد» وَفِي بَعْضهَا: «مُتَعَلِّق» بِالتَّاءِ، وَكِلَاهُمَا صَحِيح، وَمَعْنَاهُ: شَدِيد الْحُبّ لَهَا وَالْمُلَازَمَة لِلْجَمَاعَةِ فيها، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ: دَوَام الْقُعُود فِي الْمَسْجِد.

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّه اِجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ» مَعْنَاهُ: اِجْتَمَعَا عَلَى حُبّ اللَّه وَافْتَرَقَا عَلَى حُبّ اللَّه، أَيْ كَانَ سَبَبُ اِجْتِمَاعهمَا حُبَّ اللَّه، وَاسْتَمَرَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى تَفَرَّقَا مِنْ مَجْلِسهمَا وَهُمَا صَادِقَانِ فِي حُبّ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا صَاحِبه لِلَّهِ تَعَالَى حَالَ اِجْتِمَاعهمَا وَافْتِرَاقهمَا.

وَفِي هَذَا الْحَدِيث: الْحَثّ عَلَى التَّحَابّ فِي اللَّه وَبَيَان عِظَم فَضْله وَهُوَ مِنْ الْمُهِمَّات، فَإِنَّ الْحُبّ فِي اللَّه وَالْبُغْض فِي اللَّه مِنْ الْإِيمَان، وَهُوَ بِحَمْدِ اللَّه كَثِير يُوَفَّق لَهُ أَكْثَر النَّاس أَوْ مَنْ وُفِّقَ لَهُ.

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَرَجُل دَعَتْهُ اِمْرَأَة ذَات مَنْصِب وَجَمَال فَقَالَ: إِنِّي أَخَاف اللَّه» قَالَ الْقَاضِي: يَحْتَمِل قَوْله: «أَخَاف اللَّه» بِاللِّسَانِ، وَيَحْتَمِل قَوْله فِي قَلْبه لِيَزْجُرَ نَفْسَهُ، وَخَصَّ ذَات الْمَنْصِب وَالْجَمَال لِكَثْرَةِ الرَّغْبَة فيها وَعُسْر حُصُولهَا، وَهِيَ جَامِعَة لِلْمَنْصِبِ وَالْجَمَال لاسيما وَهِيَ دَاعِيَة إِلَى نَفْسهَا، طَالِبَة لِذَلِكَ قَدْ أَغْنَتْ عَنْ مَشَاقّ التَّوَصُّل إِلَى مُرَاوَدَة وَنَحْوهَا، فَالصَّبْر عَنْهَا لِخَوْفِ اللَّه تَعَالَى- وَقَدْ دَعَتْ إِلَى نَفْسهَا مَعَ جَمْعِهَا الْمَنْصِبَ وَالْجَمَالَ- مِنْ أَكْمَلَ الْمَرَاتِب وَأَعْظَم الطَّاعَات، فَرَتَّبَ اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ أَنْ يُظِلَّهُ فِي ظِلِّهِ، وَذَات الْمَنْصِب، هِيَ: ذَات الْحَسَب وَالنَّسَب الشَّرِيف.

 وَمَعْنَى: «دَعَتْهُ» أَيْ دَعَتْهُ إِلَى الزِّنَا بِهَا، هَذَا هُوَ الصَّوَاب فِي مَعْنَاهُ.

 وَذَكَرَ الْقَاضِي فيه اِحْتِمَالَيْنِ أَصَحّهمَا هَذَا، وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَحْتَمِل أَنَّهَا دَعَتْهُ لِنِكَاحِهَا فَخَافَ الْعَجْز عَنْ الْقِيَام بِحَقِّهَا أَوْ أَنَّ الْخَوْف مِنْ اللَّه تَعَالَى شَغْله عَنْ لِذَاتِ الدُّنْيَا وَشَهَوَاتهَا.

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَرَجُل تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَم يَمِينه مَا تُنْفِق شِمَاله» هَكَذَا وَقَعَ فِي جَمِيع نُسَخ مُسْلِم فِي بِلَادنَا وَغَيْرهَا، وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ جَمِيع رِوَايَات نُسَخ مُسْلِم: «لَا تَعْلَم يَمِينه مَا تُنْفِق شِمَاله» وَالصَّحِيح الْمَعْرُوف: «حَتَّى لَا تَعْلَم شِمَاله مَا تُنْفِق يَمِينه» هَكَذَا رَوَاهُ مَالِك فِي الْمُوَطَّإِ وَالْبُخَارِيّ فِي صَحِيحه وَغَيْرهمَا مِنْ الْأَئِمَّة وَهُوَ وَجْه الْكَلَام؛ لِأَنَّ الْمَعْرُوف فِي النَّفَقَة فِعْلهَا بِالْيَمِينِ.

قَالَ الْقَاضِي: وَيُشْبِه أَنْ يَكُون الْوَهْم فيها مِنْ النَّاقِلِينَ عَنْ مُسْلِم لَا مِنْ مُسْلِم بِدَلِيلِ إِدْخَاله بَعْده حَدِيث مَالِك رَحِمَهُ اللَّه وَقَالَ بِمِثْلِ حَدِيث عُبَيْد، وَبَيَّنَ الْخِلَاف فِي قَوْله: «وَقَالَ: رَجُل مُعَلَّق بِالْمَسْجِدِ إِذَا خَرَجَ مِنْهُ حَتَّى يَعُود» فَلَوْ كَانَ مَا رَوَاهُ مُخَالِفًا لِرِوَايَةِ مَالِك لَنَبَّهَ عَلَيْهِ كَمَا نَبَّهَ عَلَى هَذَا.

وَفِي هَذَا الْحَدِيث فَضْل صَدَقَة السِّرّ، قَالَ الْعُلَمَاء: وَهَذَا فِي صَدَقَة التَّطَوُّع فَالسِّرّ فيها أَفْضَل؛ لِأَنَّهُ أَقْرَب إِلَى الْإِخْلَاص وَأَبْعَد مِنْ الرِّيَاء.

وَأَمَّا الزَّكَاة الْوَاجِبَة فَإِعْلَانهَا أَفْضَل، وَهَكَذَا حُكْم الصَّلَاة فَإِعْلَان فَرَائِضهَا أَفْضَل، وَإِسْرَار نَوَافِلهَا أَفْضَل؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفْضَل الصَّلَاة صَلَاة الْمَرْء فِي بَيْته إِلَّا الْمَكْتُوبَة» قَالَ الْعُلَمَاء: وَذَكَرَ الْيَمِين وَالشِّمَال مُبَالَغَة فِي الْإِخْفَاء وَالِاسْتِتَار بِالصَّدَقَةِ، وَضَرَبَ الْمَثَل بِهِمَا لِقُرْبِ الْيَمِين مِنْ الشِّمَال وَمُلَازَمَتهَا لَهَا، وَمَعْنَاهُ: لَوْ قَدَّرْت الشِّمَال رَجُلًا مُتَيَقِّظًا لَمَا عَلِمَ صَدَقَة الْيَمِين لِمُبَالَغَتِهِ فِي الْإِخْفَاء.

 وَنَقَلَ الْقَاضِي عَنْ بَعْضهمْ أَنَّ الْمُرَاد مَنْ عَنْ يَمِينه وَشِمَاله مِنْ النَّاس، وَالصَّوَاب الْأَوَّل.

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَرَجُل ذَكَرَ اللَّه تَعَالَى خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ» فيه فَضِيلَة الْبُكَاء مِنْ خَشْيَة اللَّه تَعَالَى، وَفَضْل طَاعَة السِّرّ لِكَمَالِ الْإِخْلَاص فيها.

 باب فضل اخفاء الصدقة

 باب فضل اخفاء الصدقة


كاتب
كاتب
مصطفى خميس خريج كلية اللغة العربية جامعة الإسكندرية، لعيب كرة قدم سابق لدي نادي أهلي دمنهور، مدون ومحرر اخبار ومالك عدة مواقع إلكترونية.
تعليقات