باب لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك العبد
باب لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك العبد
3099- قَوْله: (عَنْ أَبِي الْمُهَلَّب) هُوَ بِضَمِّ الْمِيم وَفَتْح الْهَاء وَاللَّام الْمُشَدَّدَة اِسْمه عَبْد الرَّحْمَن بْنُ عَمْرو، وَقِيلَ: مُعَاوِيَة بْن عَمْرو وَقِيلَ: عَمْرو بْن مُعَاوِيَة، وَقِيلَ: النَّضْر بْن عَمْرو الْحَرَمِيّ الْبَصْرِيّ.
وَاللَّهُ أَعْلَم.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَخَذْتُك بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِك» أَيْ بِجِنَايَتِهِمْ.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَسِيرَيْنِ حِين قَالَ: إِنِّي مُسْلِم: «لَوْ قُلْتهَا وَأَنْتَ تَمْلِك أَمْرك أَفْلَحْت كُلّ الْفَلَاح» إِلَى قَوْله: «فَفُدِيَ بِالرَّجُلَيْنِ» مَعْنَاهُ: لَوْ قُلْت كَلِمَة الْإِسْلَام قَبْل الْأَسْر حِين كُنْت مَالِك أَمْرك أَفْلَحْت كُلّ الْفَلَاح، لِأَنَّهُ لَا يَجُوز أَسْرك لَوْ أَسْلَمْت قَبْل الْأَسْر، فَكُنْت فُزْت بِالْإِسْلَامِ وَبِالسَّلَامَةِ مِنْ الْأَسْر، وَمِنْ اِغْتِنَام مَالِك، وَأَمَّا إِذَا أَسْلَمْت بَعْد الْأَسْر فَيَسْقُط الْخِيَار فِي قَتْلك، وَيَبْقَى الْخِيَار بَيْن الِاسْتِرْقَاق وَالْمَنّ وَالْفِدَاء.
وَفِي هَذَا جَوَاز الْمُفَادَاة، وَأَنَّ إِسْلَام الْأَسِير لَا يُسْقِط حَقّ الْغَانِمِينَ مِنْهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَسْلَمَ قَبْل الْأَسْر.
وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيث أَنَّهُ حِين أَسْلَمَ وَفَادَى بِهِ رَجَعَ إِلَى دَار الْكُفْر، وَلَوْ ثَبَتَ رُجُوعه إِلَى دَارهمْ- وَهُوَ قَادِر عَلَى إِظْهَار دِينه لِقُوَّةِ شَوْكَة عَشِيرَته أَوْ نَحْو ذَلِكَ لَمْ يَحْرُم ذَلِكَ- فَلَا إِشْكَال فِي الْحَدِيث، وَقَدْ اِسْتَشْكَلَهُ الْمَازِرِيّ وَقَالَ: كَيْف يَرُدّ الْمُسْلِم إِلَى دَار الْكُفْر؟ وَهَذَا الْإِشْكَال بَاطِل مَرْدُود بِمَا ذَكَرْته.
قَوْله: «وَأُسِرَتْ اِمْرَأَة مِنْ الْأَنْصَار» هِيَ اِمْرَأَة أَبِي ذَرّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ.
قَوْله: «نَاقَة مُنَوَّقَة» هِيَ بِضَمِّ الْمِيم وَفَتْح النُّون وَالْوَاو الْمُشَدَّدَة، أَيْ مُذَلَّلَة.
قَوْله: «وَنَذِرُوا بِهَا» هُوَ بِفَتْحِ النُّون وَكَسْر الذَّال، أَيْ عَلِمُوا.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا وَفَاء لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَة وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِك الْعَبْد» وَفِي رِوَايَة: «لَا نَذْر فِي مَعْصِيَة اللَّه تَعَالَى».
فِي هَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّ مَنْ نَذَرَ مَعْصِيَة كَشُرْبِ الْخَمْر وَنَحْو ذَلِكَ فَنَذْره بَاطِل لَا يَنْعَقِد، وَلَا تَلْزَمهُ كَفَّارَة يَمِين وَلَا غَيْرهَا، وَبِهَذَا قَالَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو حَنِيفَة وَدَاوُد وَجُمْهُور الْعُلَمَاء، وَقَالَ أَحْمَد: تَجِب فيه كَفَّارَة الْيَمِين بِالْحَدِيثِ الْمَرْوِيّ عَنْ عِمْرَان بْن الْحُصَيْن، وَعَنْ عَائِشَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا نَذْر فِي مَعْصِيَة، وَكَفَّارَته كَفَّارَة يَمِين» وَاحْتَجَّ الْجُمْهُور بِحَدِيثِ عِمْرَان بْن حُصَيْنٍ الْمَذْكُور فِي الْكِتَاب.
وَأَمَّا حَدِيث: «كَفَّارَته كَفَّارَة يَمِين» فَضَعِيف بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ.
وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِك الْعَبْد» فَهُوَ مَحْمُول عَلَى مَا إِذَا أَضَافَ النَّذْر إِلَى مُعَيَّن لَا يَمْلِكهُ، بِأَنْ قَالَ: إِنْ شَفَى اللَّه مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ عَبْد فُلَان، أَوْ أَتَصَدَّق بِثَوْبِهِ أَوْ بِدَارِهِ أَوْ نَحْو ذَلِكَ.
فَأَمَّا إِذَا اِلْتَزَمَ فِي الذِّمَّة شَيْئًا لَا يَمْلِكهُ فَيَصِحّ نَذْره، مِثَاله: قَالَ: إِنْ شَفَى اللَّه مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ عِتْق رَقَبَة، وَهُوَ فِي ذَلِكَ الْحَال لَا يَمْلِك رَقَبَة وَلَا قِيمَتهَا، فَيَصِحّ نَذْره، وَإِنْ شُفِيَ الْمَرِيض ثَبَتَ الْعِتْق فِي ذِمَّته.
قَوْله: «نَاقَة ذَلُول مُجَرَّسَة» وَفِي رِوَايَة: «مُدَرَّبَة» أَمَّا الْمُجَرَّسَة فَبِضَمِّ الْمِيم وَفَتْح الْجِيم وَالرَّاء الْمُشَدَّدَة.
وَأَمَّا (الْمُدَرَّبَة) فَبِفَتْحِ الدَّال الْمُهْمَلَة وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَة وَالْمُجَرَّسَة وَالْمُدَرَّبَة وَالْمُتَنَوَّقَة وَالذَّلُول كُلّه بِمَعْنًى وَاحِد.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث: جَوَاز سَفَر الْمَرْأَة وَحْدهَا بِلَا زَوْج وَلَا مَحْرَم وَلَا غَيْرهمَا إِذَا كَانَ سَفَر ضَرُورَة كَالْهِجْرَةِ مِنْ دَار الْحَرْب إِلَى دَار الْإِسْلَام، وَكَالْهَرَبِ مِمَّنْ يُرِيد مِنْهَا فَاحِشَة وَنَحْو ذَلِكَ، وَالنَّهْي عَنْ سَفَرهَا وَحْدهَا مَحْمُول عَلَى غَيْر الضَّرُورَة.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث دَلَالَة لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيّ وَمُوَافِقِيهِ: أَنَّ الْكُفَّار إِذَا غَنِمُوا مَالًا لِلْمُسْلِمِ لَا يَمْلِكُونَهُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَآخَرُونَ: يَمْلِكُونَهُ إِذَا حَازُوهُ إِلَى دَار الْحَرْب، وَحُجَّة الشَّافِعِيّ وَمُوَافِقِيهِ هَذَا الْحَدِيث، وَمَوْضِع الدَّلَالَة مِنْهُ ظَاهِر.
وَاللَّهُ أَعْلَم. باب لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك العبد
باب لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك العبد