📁 آخر الأخبار

باب ما يباح للمحرم بحج او عمرة وما لا يباح وبيان تحريم الطيب عليه

 

 باب ما يباح للمحرم بحج او عمرة وما لا يباح وبيان تحريم الطيب عليه

باب ما يباح للمحرم بحج او عمرة وما لا يباح وبيان تحريم الطيب عليه


2012- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ سُئِلَ مَا يَلْبَس الْمُحْرِم: «لَا تَلْبَسُوا الْقُمُص وَلَا الْعَمَائِم وَلَا السَّرَاوِيلَات وَلَا الْبَرَانِس وَلَا الْخِفَاف إِلَّا أَحَد لَا يَجِد النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَل مِنْ الْكَعْبَيْنِ وَلَا تَلْبَسُوا مِنْ الثِّيَاب شَيْئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَان وَلَا الْوَرْس» قَالَ الْعُلَمَاء: هَذَا مِنْ بَدِيع الْكَلَام وَجَزِله؛ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَمَّا يَلْبَسهُ الْمُحْرِم فَقَالَ: لَا يَلْبَس كَذَا وَكَذَا، فَحَصَلَ فِي الْجَوَاب أَنَّهُ لَا يَلْبَس الْمَذْكُورَات، وَيَلْبَس مَا سِوَى ذَلِكَ، وَكَانَ التَّصْرِيح بِمَا لَا يَلْبَس أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مُنْحَصِر، وَأَمَّا الْمَلْبُوس الْجَائِز لِلْمُحْرِمِ فَغَيْر مُنْحَصِر فَضُبِطَ الْجَمِيع بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَلْبَس كَذَا وَكَذَا) يَعْنِي: وَيَلْبَس مَا سِوَاهُ، وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوز لِلْمُحْرِمِ لُبْس شَيْء مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَات، وَأَنَّهُ نَبَّهَ بِالْقَمِيصِ وَالسَّرَاوِيل عَلَى جَمِيع مَا فِي مَعْنَاهُمَا، وَهُوَ مَا كَانَ مُحِيطًا أَوْ مَخِيطًا مَعْمُولًا عَلَى قَدْر الْبَدَن أَوْ قَدْر عُضْو مِنْهُ، كَالْجَوْشَنِ وَالتُّبَّان وَالْقُفَّاز وَغَيْرهَا، وَنَبَّهَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَمَائِمِ وَالْبَرَانِس عَلَى كُلّ سَاتِر لِلرَّأْسِ مَخِيطًا كَانَ أَوْ غَيْره، حَتَّى الْعِصَابَة فَإِنَّهَا حَرَام، فَإِنْ اِحْتَاجَ إِلَيْهَا لِشَجَّةٍ أَوْ صُدَاع أَوْ غَيْرهمَا شَدَّهَا وَلَزِمَتْهُ الْفِدْيَة، وَنَبَّهَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخِفَافِ عَلَى كُلّ سَاتِر لِلرِّجْلِ مِنْ مَدَاس وَجُمْجُم وَجَوْرَب وَغَيْرهَا، وَهَذَا كُلّه حُكْم الرِّجَال، وَأَمَّا الْمَرْأَة فَيُبَاح لَهَا سَتْر جَمِيع بَدَنهَا بِكُلِّ سَاتِر مِنْ مَخِيط وَغَيْره، إِلَّا سَتْر وَجْههَا فَإِنَّهُ حَرَام بِكُلِّ سَاتِر، وَفِي سَتْر يَدَيْهَا بِالْقُفَّازَيْنِ خِلَاف لِلْعُلَمَاءِ، وَهُمَا قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ: أَصَحّهمَا: تَحْرِيمه، وَنَبَّهَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْوَرْسِ وَالزَّعْفَرَان عَلَى مَا فِي مَعْنَاهُمَا، وَهُوَ الطِّيب، فَيَحْرُم عَلَى الرَّجُل وَالْمَرْأَة جَمِيعًا فِي الْإِحْرَام جَمِيع أَنْوَاع الطِّيب، وَالْمُرَاد مَا يُقْصَد بِهِ الطِّيب، وَأَمَّا الْفَوَاكِه كَالْأُتْرُجِّ وَالتُّفَّاح وَأَزْهَار الْبَرَارِي كَالشِّيحِ وَالْقَيْصُوم وَنَحْوهمَا، فَلَيْسَ بِحَرَامٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْصَد لِلطِّيبِ، قَالَ الْعُلَمَاء: وَالْحِكْمَة فِي تَحْرِيم اللِّبَاس الْمَذْكُور عَلَى الْمُحْرِم وَلِبَاسه الْإِزَار وَالرِّدَاء أَنْ يَبْعُد عَنْ التَّرَفُّه وَيَتَّصِف بِصِفَةِ الْخَاشِع الذَّلِيل؛ وَلْيَتَذَكَّرْ أَنَّهُ مُحْرِم فِي كُلّ وَقْت، فَيَكُون أَقْرَب إِلَى كَثْرَة أَذْكَاره، وَأَبْلَغ فِي مُرَاقَبَته وَصِيَانَته لِعِبَادَتِهِ، وَامْتِنَاعه مِنْ اِرْتِكَاب الْمَحْظُورَات؛ وَلِيَتَذَكَّرَ بِهِ الْمَوْت وَلِبَاس الْأَكْفَان، وَيَتَذَكَّر الْبَعْث يَوْم الْقِيَامَة، وَالنَّاس حُفَاة عُرَاة مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِي، وَالْحِكْمَة فِي تَحْرِيم الطِّيب وَالنِّسَاء: أَنْ يَبْعُد عَنْ التَّرَفُّه وَزِينَة الدُّنْيَا وَمَلَاذّهَا، وَيَجْتَمِع هَمّه لِمَقَاصِد الْآخِرَة، وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِلَّا أَحَد لَا يَجِد النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَل مِنْ الْكَعْبَيْنِ، وَذَكَرَ مُسْلِم بَعْد هَذَا مِنْ رِوَايَة اِبْن عَبَّاس وَجَابِر: «مَنْ لَمْ يَجِد نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ» وَلَمْ يَذْكُر قَطْعهمَا.

 وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ فَقَالَ أَحْمَد: يَجُوز لُبْس الْخُفَّيْنِ بِحَالِهِمَا، وَلَا يَجِب قَطْعهمَا؛ لِحَدِيثِ اِبْن عَبَّاس وَجَابِر، وَكَانَ أَصْحَابه يَزْعُمُونَ نَسْخ حَدِيث اِبْن عُمَر الْمُصَرِّح بِقَطْعِهِمَا، وَزَعَمُوا أَنَّ قَطْعهمَا إِضَاعَة مَال، وَقَالَ مَالِك وَأَبُو حَنِيفَة وَالشَّافِعِيّ وَجَمَاهِير الْعُلَمَاء: لَا يَجُوز لُبْسهمَا إِلَّا بَعْد قَطْعهمَا أَسْفَل مِنْ الْكَعْبَيْنِ؛ لِحَدِيثِ اِبْن عُمَر، قَالُوا: وَحَدِيث اِبْن عَبَّاس وَجَابِر مُطْلَقَانِ، فَيَجِب حَمْلهمَا عَلَى الْمَقْطُوعَيْنِ، لِحَدِيثِ اِبْن عُمَر، فَإِنَّ الْمُطْلَق يُحْمَل عَلَى الْمُقَيَّد، وَالزِّيَادَة مِنْ الثِّقَة مَقْبُولَة، وَقَوْلهمْ: إِنَّهُ إِضَاعَة مَال لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْإِضَاعَة إِنَّمَا تَكُون فِيمَا نُهِيَ عَنْهُ، وَأَمَّا مَا وَرَدَ الشَّرْع بِهِ فَلَيْسَ بِإِضَاعَةٍ، بَلْ حَقّ يَجِب الْإِذْعَان لَهُ.

 وَاَللَّه أَعْلَم.

ثُمَّ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي لَابِس الْخُفَّيْنِ لِعَدَمِ النَّعْلَيْنِ، هَلْ عَلَيْهِ فِدْيَة أَمْ لَا؟ فَقَالَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَمَنْ وَافَقَهُمَا: لَا شَيْء عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَتْ فِدْيَة لَبَيَّنَهَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابه: عَلَيْهِ الْفِدْيَة كَمَا إِذَا اِحْتَاجَ إِلَى حَلْق الرَّأْس يَحْلِقهُ وَيَفْدِي.

 وَاَللَّه أَعْلَم.

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلَا تَلْبَسُوا مِنْ الثِّيَاب شَيْئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَان وَلَا الْوَرْس».

أَجْمَعَتْ الْأُمَّة عَلَى تَحْرِيم لِبَاسهمَا لِكَوْنِهِمَا طِيبًا، وَأَلْحَقُوا بِهِمَا جَمِيع أَنْوَاع مَا يُقْصَد بِهِ الطِّيب، وَسَبَب تَحْرِيم الطِّيب أَنَّهُ دَاعِيَة إِلَى الْجِمَاع؛ وَلِأَنَّهُ يُنَافِي تَذَلُّل الْحَاجّ، فَإِنَّ الْحَاجّ أَشْعَث أَغْبَر، وَسَوَاء فِي تَحْرِيم الطِّيب الرَّجُل وَالْمَرْأَة، وَكَذَا جَمِيع مُحَرَّمَات الْإِحْرَام سِوَى اللِّبَاس كَمَا سَبَقَ بَيَانه.

وَمُحَرَّمَات الْإِحْرَام سَبْعَة: اللِّبَاس بِتَفْصِيلِهِ السَّابِق، وَالطِّيب، وَإِزَالَة الشَّعْر وَالظُّفْر، وَدَهْن الرَّأْس وَاللِّحْيَة، وَعَقْد النِّكَاح وَالْجِمَاع، وَسَائِر الِاسْتِمْتَاع حَتَّى الِاسْتِمْنَاء، وَالسَّابِع: إِتْلَاف الصَّيْد.

 وَاَللَّه أَعْلَم.

وَإِذَا تَطَيَّبَ أَوْ لَبِسَ مَا نُهِيَ عَنْهُ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَة إِنْ كَانَ عَامِدًا بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا فَلَا فِدْيَة عِنْد الثَّوْرِيّ وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق، وَأَوْجَبَهَا أَبُو حَنِيفَة وَمَالِك، وَلَا يَحْرُم الْمُعَصْفَر عِنْد مَالِك وَالشَّافِعِيّ، وَحَرَّمَهُ الثَّوْرِيّ وَأَبُو حَنِيفَة وَجَعَلَاهُ طِيبًا، وَأَوْجَبَا فيه الْفِدْيَة، وَيُكْرَه لِلْمُحْرِمِ لُبْس الثَّوْب الْمَصْبُوغ بِغَيْرِ طِيب، وَلَا يَحْرُم.

 وَاَللَّه أَعْلَم.

✯✯✯✯✯✯

‏2015- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «السَّرَاوِيل لِمَنْ لَمْ يَجِد الْإِزَار وَالْخُفَّانِ لِمَنْ لَمْ يَجِد النَّعْلَيْنِ» يَعْنِي: الْمُحْرِم، هَذَا صَرِيح فِي الدَّلَالَة لِلشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُور فِي جَوَاز لُبْس السَّرَاوِيل لِلْمُحْرِمِ إِذَا لَمْ يَجِد إِزَارًا، وَمَنَعَهُ مَالِك؛ لِكَوْنِهِ لَمْ يُذْكَر فِي حَدِيث اِبْن عُمَر السَّابِق، وَالصَّوَاب إِبَاحَته بِحَدِيثِ اِبْن عَبَّاس هَذَا مَعَ حَدِيث جَابِر بَعْده، أَمَّا حَدِيث اِبْن عُمَر فَلَا حُجَّة فيه؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فيه حَالَة وُجُود الْإِزَار، وَذَكَرَ فِي حَدِيثِ اِبْن عَبَّاس وَجَابِر حَالَة الْعَدَمِ، فَلَا مُنَافَاة.

 وَاَللَّه أَعْلَم.

✯✯✯✯✯✯

‏2017- قَوْله: «وَكَانَ يَعْلَى يَقُول: وَدِدْت أَنِّي أَرَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْي فَقَالَ: أَيَسُرُّك أَنْ تَنْظُر إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع النُّسَخ: «فَقَالَ: أَيَسُرُّك» وَلَمْ يُبَيِّن الْقَائِل مَنْ هُوَ، وَلَا سَبَقَ لَهُ ذِكْر، وَهَذَا الْقَائِل: هُوَ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ كَمَا بَيَّنَهُ فِي الرِّوَايَة الَّتِي بَعْد هَذِهِ.

قَوْله: «وَهُوَ بِالْجِعْرَانَةِ» فيها لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ: إِحْدَاهُمَا إِسْكَان الْعَيْن وَتَخْفِيف الرَّاء.

 وَالثَّانِيَة: كَسْر الْعَيْن وَتَشْدِيد الرَّاء، وَالْأُولَى أَفْصَح، وَبِهِمَا قَالَ الشَّافِعِيّ وَأَكْثَر أَهْل اللُّغَة، وَهَكَذَا اللُّغَتَانِ فِي تَخْفِيف الْحُدَيْبِيَة وَتَشْدِيدهَا، وَالْأَفْصَح التَّخْفِيف، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيّ وَمُوَافِقُوهُ.

قَوْله: «عَلَيْهِ جُبَّة وَعَلَيْهَا خَلُوق» هُوَ بِفَتْحِ الْخَاء، وَهُوَ نَوْع مِنْ الطِّيب يُعْمَل فيه زَعْفَرَان.

قَوْله: «لَهُ غَطِيط» هُوَ كَصَوْتِ النَّائِم الَّذِي يُرَدِّدهُ مَعَ نَفَسه.

قَوْله: «كَغَطِيطِ الْبَكْر» هُوَ بِفَتْحِ الْبَاء وَهُوَ الْفَتِيّ مِنْ الْإِبِل.

قَوْله: «فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ» هُوَ بِضَمِّ السِّين وَكَسْر الرَّاء الْمُشَدَّدَة، أَيْ: أُزِيلَ مَا بِهِ وَكُشِفَ عَنْهُ.

 وَاَللَّه أَعْلَم.

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلسَّائِلِ عَنْ الْعُمْرَة: «اِغْسِلْ عَنْك أَثَر الصُّفْرَة» فيه: تَحْرِيم الطِّيب عَلَى الْمُحْرِم اِبْتِدَاء وَدَوَامًا؛ لِأَنَّهُ إِذَا حَرُمَ دَوَامًا فَالِابْتِدَاء أَوْلَى بِالتَّحْرِيمِ.

 وَفيه: إِنَّ الْعُمْرَة يَحْرُم فيها مِنْ الطِّيب وَاللِّبَاس وَغَيْرهمَا مِنْ الْمُحَرَّمَات السَّبْعَة السَّابِقَة مَا يَحْرُم فِي الْحَجّ.

 وَفيه: أَنَّ مَنْ أَصَابَهُ طِيب نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا ثُمَّ عَلِمَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْمُبَادَرَة إِلَى إِزَالَته.

 وَفيه: أَنَّ مَنْ أَصَابَهُ فِي إِحْرَامه طِيب نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا لَا كَفَّارَة عَلَيْهِ، وَهَذَا مَذْهَب الشَّافِعِيّ، وَبِهِ قَالَ عَطَاء وَالثَّوْرِيُّ وَإِسْحَاق وَدَاوُد، وَقَالَ مَالِك وَأَبُو حَنِيفَة وَالْمُزَنِيّ وَأَحْمَد فِي أَصَحّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ: عَلَيْهِ الْفِدْيَة، لَكِنْ الصَّحِيح مِنْ مَذْهَب مَالِك: أَنَّهُ إِنَّمَا تَجِب الْفِدْيَة عَلَى الْمُتَطَيِّب نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا إِذَا طَالَ لُبْثه عَلَيْهِ.

 وَاَللَّه أَعْلَم.

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَاخْلَعْ عَنْك جُبَّتك» دَلِيل لِمَالِك وَأَبِي حَنِيفَة وَالشَّافِعِيّ وَالْجُمْهُور أَنَّ الْمُحْرِم إِذَا صَارَ عَلَيْهِ مَخِيط يَنْزِعهُ، وَلَا يَلْزَمهُ شَقّه، وَقَالَ الشَّعْبِيّ وَالنَّخَعِيّ: لَا يَجُوز نَزْعه؛ لِئَلَّا يَصِير مُغَطِّيًا رَأْسه، بَلْ يَلْزَمهُ شَقّه، وَهَذَا مَذْهَب ضَعِيف.

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتك مَا أَنْتَ صَانِع فِي حَجّك» مَعْنَاهُ: مِنْ اِجْتِنَاب الْمُحَرَّمَات، وَيَحْتَمِل أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ مَعَ ذَلِكَ الطَّوَاف وَالسَّعْي وَالْحَلْق بِصِفَاتِهَا وَهَيْئَاتهَا، وَإِظْهَار التَّلْبِيَة غَيْر ذَلِكَ مِمَّا يَشْتَرِك فيه الْحَجّ وَالْعُمْرَة، وَيَخُصّ مِنْ عُمُومه مَا لَا يَدْخُل فِي الْعُمْرَة مِنْ أَفْعَال الْحَجّ، كَالْوُقُوفِ وَالرَّمْي وَالْمَبِيت بِمِنًى وَمُزْدَلِفَة وَغَيْر ذَلِكَ.

وَهَذَا الْحَدِيث ظَاهِر فِي أَنَّ هَذَا السَّائِل كَانَ عَالِمًا بِصِفَةِ الْحَجّ دُون الْعُمْرَة، فَلِهَذَا قَالَ لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتك مَا أَنْتَ صَانِع فِي حَجّك».

وَفِي هَذَا الْحَدِيث دَلِيل لِلْقَاعِدَةِ الْمَشْهُورَة: أَنَّ الْقَاضِي وَالْمُفْتِي إِذَا لَمْ يَعْلَم حُكْم الْمَسْأَلَة أَمْسَكَ عَنْ جَوَابهَا حَتَّى يَعْلَمهُ أَوْ يَظُنّهُ بِشَرْطِهِ.

وَفيه: أَنَّ مِنْ الْأَحْكَام الَّتِي لَيْسَتْ فِي الْقُرْآن مَا هُوَ بِوَحْيٍ لَا يُتْلَى، وَقَدْ يَسْتَدِلّ بِهِ مَنْ يَقُول مِنْ أَهْل الْأُصُول: إِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ لَهُ الِاجْتِهَاد، وَإِنَّمَا كَانَ يَحْكُم بِوَحْيٍ، وَلَا دَلَالَة فيه؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِل أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَظْهَر لَهُ بِالِاجْتِهَادِ حُكْم ذَلِكَ، أَوْ أَنَّ الْوَحْي بَدَرَهُ قَبْل تَمَام الِاجْتِهَاد.

 وَاَللَّه أَعْلَم.

✯✯✯✯✯✯

‏2018- قَوْله: «وَعَلَيْهِ مُقَطَّعَات» هِيَ بِفَتْحِ الطَّاء الْمُشَدَّدَة، وَهِيَ الثِّيَاب الْمَخِيطَة، وَأَوْضَحَهُ بِقَوْلِهِ: يَعْنِي جُبَّة.

✯✯✯✯✯✯

‏2019- قَوْله: «مُتَضَمِّخ» هُوَ بِالضَّادِ وَالْخَاء الْمُعْجَمَتَيْنِ، أَيْ: مُتَلَوِّث بِهِ مُكْثِر مِنْهُ.

قَوْله: «مُحْمَرّ الْوَجْه يَغِطّ» هُوَ بِكَسْرِ الْغَيْن، وَسَبَب ذَلِكَ شِدَّة الْوَحْي وَهَوْله، قَالَ اللَّه تَعَالَى: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْك قَوْلًا ثَقِيلًا}، قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَّا الطِّيب الَّذِي بِك فَاغْسِلْهُ ثَلَاث مَرَّات» إِنَّمَا أَمَرَ بِالثَّلَاثِ مُبَالَغَة فِي إِزَالَة لَوْنه وَرِيحه، وَالْوَاجِب الْإِزَالَة، فَإِنْ حَصَلَتْ بِمَرَّةٍ كَفَتْ، وَلَمْ تَجِب الزِّيَادَة، وَلَعَلَّ الطِّيب الَّذِي كَانَ عَلَى هَذَا الرَّجُل كَثِير، وَيُؤَيِّدهُ قَوْله: «مُتَضَمِّخ» قَالَ الْقَاضِي: وَيَحْتَمِل أَنَّهُ قَالَ لَهُ: ثَلَاث مَرَّات اِغْسِلْهُ.

 فَكَرَّرَ الْقَوْل ثَلَاثًا، وَالصَّوَاب مَا سَبَقَ.

 وَاَللَّه أَعْلَم.

✯✯✯✯✯✯

‏2020- قَوْله: (عُقْبَة بْن مُكْرَم) هُوَ بِفَتْحِ الرَّاء.

 قَوْله فِي بَعْض هَذِهِ الرِوَايَة: «صَفْوَان بْن يَعْلَى بْن أُمَيَّة»، وَفِي بَعْضهَا: (اِبْن مُنْيَة) وَهُمَا صَحِيحَانِ فَأُمَيَّة أَبُو يَعْلَى، وَمُنْيَة أُمّ يَعْلَى، وَقِيلَ: جَدَّته، وَالْمَشْهُور الْأَوَّل فَنُسِبَ تَارَة إِلَى أَبِيهِ، وَتَارَة إِلَى أُمّه، وَهِيَ (مُنْيَة) بِضَمِّ الْمِيم بَعْدهَا نُون سَاكِنَة.

✯✯✯✯✯✯

‏2021- قَوْله: (حَدَّثَنَا رَبَاح) هُوَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَة.

قَوْله: «فَسَكَتَ عَنْهُ فَلَمْ يَرْجِع إِلَيْهِ» أَيْ: لَمْ يَرُدّ جَوَابه.

قَوْله: «خَمَّرَهُ عُمَر بِالثَّوْبِ» أَيْ: غَطَّاهُ، وَأَمَّا إِدْخَال يَعْلَى رَأْسه وَرُؤْيَته النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تِلْكَ الْحَال، وَإِذْن عُمَر لَهُ فِي ذَلِكَ فَكُلّه مَحْمُول عَلَى أَنَّهُمْ عَلِمُوا مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَا يَكْرَه الِاطِّلَاع عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْت وَتِلْكَ الْحَال؛ لِأَنَّ فيه تَقْوِيَة الْإِيمَان بِمُشَاهَدَةِ حَالَة الْوَحْي الْكَرِيم، وَاَللَّه أَعْلَم.


باب ما يباح للمحرم بحج او عمرة وما لا يباح وبيان تحريم الطيب عليه

تعليقات