📁 آخر الأخبار

باب اكرام الضيف وفضل ايثاره


 باب اكرام الضيف وفضل ايثاره

 باب اكرام الضيف وفضل ايثاره

3829- قَوْله: «إِنِّي مَجْهُود» أَيْ أَصَابَنِي الْجَهْد، وَهُوَ الْمَشَقَّة وَالْحَاجَة وَسُوء الْعَيْش وَالْجُوع.
قَوْله: «أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَتَاهُ هَذَا الْمَجْهُود أَرْسَلَ إِلَى نِسَائِهِ وَاحِدَة وَاحِدَة، فَقَالَتْ كُلّ وَاحِدَة: وَالَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ مَا عِنْدِي إِلَّا مَاء، فَقَالَ: مَنْ يُضَيِّف هَذَا اللَّيْلَة رَحِمَهُ اللَّه؟ فَقَامَ رَجُل مِنْ الْأَنْصَار، فَقَالَ أَنَا يَا رَسُول اللَّه، فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى رَحْله، وَذَكَرَ صَنِيعه وَصَنِيع اِمْرَأَته».
 هَذَا الْحَدِيث مُشْتَمِل عَلَى فَوَائِد كَثِيرَة، مِنْهَا مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْل بَيْته مِنْ الزُّهْد فِي الدُّنْيَا وَالصَّبْر عَلَى الْجُوع وَضِيق حَال الدُّنْيَا، وَمِنْهَا أَنَّهُ يَنْبَغِي لِكَبِيرِ الْقَوْم أَنْ يَبْدَأ فِي مُوَاسَاة الضَّيْف وَمَنْ يَطْرُقهُمْ بِنَفْسِهِ فَيُوَاسِيه مِنْ مَاله أَوَّلًا بِمَا يَتَيَسَّر إِنْ أَمْكَنَهُ، ثُمَّ يَطْلُب لَهُ عَلَى سَبِيل التَّعَاوُن عَلَى الْبِرّ وَالتَّقْوَى مِنْ أَصْحَابه، وَمِنْهَا الْمُوَاسَاة فِي حَال الشَّدَائِد.
 وَمِنْهَا فَضِيلَة إِكْرَام الضَّيْف وَإِيثَاره.
 وَمِنْهَا مَنْقَبَة لِهَذَا الْأَنْصَارِيّ وَامْرَأَته رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا.
 وَمِنْهَا الِاحْتِيَال فِي إِكْرَام الضَّيْف إِذَا كَانَ يَمْتَنِع مِنْهُ رِفْقًا بِأَهْلِ الْمَنْزِل لِقَوْلِهِ: أَطْفِئِي السِّرَاج، وَأَرِيهِ أَنَّا نَأْكُل، فَإِنَّهُ لَوْ رَأَى قِلَّة الطَّعَام، وَأَنَّهُمَا لَا يَأْكُلَانِ مَعَهُ لَامْتَنَعَ مِنْ الْأَكْل.
وَقَوْله: فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى رَحْله أَيْ مَنْزِله، وَرَحْل الْإِنْسَان هُوَ مَنْزِله مِنْ حَجَر أَوْ مَدَر أَوْ شَعْر أَوْ وَبَر.
قَوْله: «فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: هَلْ عِنْدك شَيْء؟ قَالَتْ: لَا إِلَّا قُوت صِبْيَانِي، قَالَ: فَعَلِّلِيهِمْ بِشَيْءٍ» هَذَا مَحْمُول عَلَى أَنَّ الصِّبْيَان لَمْ يَكُونُوا مُحْتَاجِينَ إِلَى الْأَكْل، وَإِنَّمَا تَطْلُبهُ أَنْفُسهمْ عَلَى عَادَة الصِّبْيَان مِنْ غَيْر جُوع يَضُرّهُمْ، فَإِنَّهُمْ لَوْ كَانُوا عَلَى حَاجَة بِحَيْثُ يَضُرّهُمْ تَرْك الْأَكْل لَكَانَ إِطْعَامهمْ وَاجِبًا، وَيَجِب تَقْدِيمه عَلَى الضِّيَافَة.
وَقَدْ أَثْنَى اللَّه وَرَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى هَذَا الرَّجُل وَامْرَأَته فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا لَمْ يَتْرُكَا وَاجِبًا، بَلْ أَحْسَنَا وَأَجْمَلَا رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا.
وَأَمَّا هُوَ وَامْرَأَته فَآثَرَا عَلَى أَنْفُسهمَا بِرِضَاهُمَا مَعَ حَاجَتهمَا وَخَصَاصَتهمَا، فَمَدَحَهُمَا اللَّه تَعَالَى، وَأَنْزَلَ فيهمَا: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسهمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَة} فَفيه فَضِيلَة الْإِيثَار وَالْحَثّ عَلَيْهِ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى فَضِيلَة الْإِيثَار بِالطَّعَامِ وَنَحْوه مِنْ أُمُور الدُّنْيَا، وَحُظُوظ النُّفُوس.
وَأَمَّا الْقُرُبَات فَالْأَفْضَل أَنْ لَا يُؤْثِر بِهَا؛ لِأَنَّ الْحَقّ فيها لِلَّهِ تَعَالَى.
 وَاللَّه أَعْلَم.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَجِبَ اللَّه مِنْ صَنِيعكُمَا بِضَيْفِكُمَا اللَّيْلَة» قَالَ الْقَاضِي: الْمُرَاد بِالْعَجَبِ مِنْ اللَّه رِضَاهُ ذَلِكَ.
قَالَ: وَقَدْ يَكُون الْمُرَاد عَجِبَتْ مَلَائِكَة اللَّه، وَأَضَافَهُ إِلَيْهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى تَشْرِيفًا.
✯✯✯✯✯✯
‏3830- سبق شرحه بالباب.
✯✯✯✯✯✯
‏3831- قَوْله: «أَقْبَلْت أَنَا وَصَاحِبَانِ لِي، وَقَدْ ذَهَبَتْ أَسْمَاعنَا وَأَبْصَارنَا مِنْ الْجَهْد، فَجَعَلْنَا نَعْرِض أَنْفُسنَا عَلَى أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَيْسَ أَحَد يَقْبَلنَا، فَأَتَيْنَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْطَلَقَ بِنَا».
 أَمَّا قَوْله: (الْجَهْد) فَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيم، وَهُوَ الْجُوع وَالْمَشَقَّة، وَقَدْ سَبَقَ فِي أَوَّل الْبَاب.
وَقَوْله: «فَلَيْسَ أَحَد يَقْبَلنَا» هَذَا مَحْمُول عَلَى أَنَّ الَّذِينَ عَرَضُوا أَنْفُسهمْ عَلَيْهِمْ كَانُوا مُقِلِّينَ لَيْسَ عِنْدهمْ شَيْء يُوَاسُونَ بِهِ.
قَوْله: «أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجِيء مِنْ اللَّيْل، فَيُسَلِّم تَسْلِيمًا لَا يُوقِظ نَائِمًا، وَيَسْمَع الْيَقْظَان» هَذَا فيه آدَاب السَّلَام عَلَى الْأَيْقَاظ فِي مَوْضِع فيه نِيَام، أَوْ مَنْ فِي مَعْنَاهُمْ، وَأَنَّهُ يَكُون سَلَامًا مُتَوَسِّطًا بَيْن الرَّفْع وَالْمُخَافَتَة، بِحَيْثُ يُسْمِع الْأَيْقَاظ، وَلَا يُهَوِّش عَلَى غَيْرهمْ.
قَوْله: «مَا بِهِ حَاجَة إِلَى هَذِهِ الْجَرْعَة» هِيَ بِضَمِّ الْجِيم وَفَتْحهَا، حَكَاهُمَا اِبْن السِّكِّيت وَغَيْره، وَهِيَ الْحَثْوَة مِنْ الْمَشْرُوب، وَالْفِعْل مِنْهُ (جَرِعْت) بِفَتْحِ الْجِيم وَكَسْر الرَّاء.
قَوْله: «وَغَلَتْ فِي بَطْنِي» بَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَة الْمَفْتُوحَة أَيْ دَخَلَتْ وَتَمَكَّنَتْ مِنْهُ.
قَوْله: «أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَطْعِمْ مَنْ أَطْعَمَنِي، وَأَسْقِ مَنْ أَسْقَانِي» فيه الدُّعَاء لِلْمُحْسِنِ وَالْخَادِم، وَلِمَنْ يَفْعَل خَيْرًا، وَفيه مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْحِلْم وَالْأَخْلَاق الْمُرضِيَة وَالْمَحَاسِن الْمُرْضِيَة وَكَرَم النَّفْس وَالصَّبْر وَالْإِغْضَاء عَنْ حُقُوقه؛ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْأَل عَنْ نَصِيبه مِنْ اللَّبَن.
قَوْله فِي الْأَعْنُز: «إِذَا هُنَّ حُفَّل كُلّهنَّ» هَذِهِ مِنْ مُعْجِزَات النُّبُوَّة وَآثَار بَرَكَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَوْله: «فَحَلَبْت فيه حَتَّى عَلَتْهُ رَغْوَة» هِيَ زَبَد اللَّبَن الَّذِي يَعْلُوهُ، وَهِيَ بِفَتْحِ الرَّاء وَضَمّهَا وَكَسْرهَا، ثَلَاث لُغَات مَشْهُورَات، وَرِغَاوَة بِكَسْرِ الرَّاء، وَحُكِيَ ضَمّهَا، و(رُغَايَة) بِالضَّمِّ، وَحُكِيَ الْكَسْر.
 وَارْتَغَيْت شَرِبَتْ الرَّغْوَة.
قَوْله: «فَلَمَّا عَلِمْت أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَوِيَ، وَأَصَبْت دَعَوْته، ضَحِكْت حَتَّى أُلْقِيت إِلَى الْأَرْض، فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِحْدَى سَوْآتك يَا مِقْدَاد» مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ عِنْده حُزْن شَدِيد خَوْفًا مِنْ أَنْ يَدْعُو عَلَيْهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكَوْنِهِ أَذْهَبَ نَصِيب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَعَرَّضَ لِأَذَاهُ، فَلَمَّا عَلِمَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَوِيَ، وَأُجِيبَتْ دَعْوَته، فَرِحَ وَضَحِكَ حَتَّى سَقَطَ إِلَى الْأَرْض مِنْ كَثْرَة ضَحِكه لِذَهَابِ مَا كَانَ بِهِ مِنْ الْحُزْن، وَانْقِلَابه سُرُورًا بِشُرْبِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِجَابَة دَعْوَته لِمَنْ أَطْعَمَهُ وَسَقَاهُ، وَجَرَيَان ذَلِكَ عَلَى يَد الْمِقْدَاد، وَظُهُور هَذِهِ الْمُعْجِزَة، وَلِتَعَجُّبِهِ مِنْ قُبْح فِعْله أَوَّلًا، وَحُسْنه آخِرًا، وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِحْدَى سَوْآتك يَا مِقْدَاد» أَيْ إِنَّك فَعَلْت سَوْأَة مِنْ الْفَعَلَات مَا هِيَ؟ فَأَخْبَرَهُ خَبَره، فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا هَذِهِ إِلَّا رَحْمَة مِنْ اللَّه تَعَالَى»، أَيْ إِحْدَاث هَذَا اللَّبَن فِي غَيْر وَقْته، وَخِلَاف عَادَته، وَإِنْ كَانَ الْجَمِيع مِنْ فَضْل اللَّه تَعَالَى.
✯✯✯✯✯✯
‏3832- قَوْله: «جَاءَ رَجُل مُشْرِك مُشْعَانّ» هُوَ بِضَمِّ الْمِيم وَإِسْكَان الشِّين الْمُعْجَمَة وَتَشْدِيد النُّون أَيْ مُنْتَفِش الشَّعْر وَمُتَفَرِّقه.
قَوْله: «وَأَمَرَ بِسَوَادِ الْبَطْن أَنْ يُشْوَى» يَعْنِي الْكَبِد.
قَوْله: «وَاَيْم اللَّه مَا مِنْ الثَّلَاثِينَ وَمِائَة إِلَّا حَزَّ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُزَّة مِنْ سَوَاد بَطْنهَا، إِنْ كَانَ شَاهِدًا أَعْطَاهُ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا خَبَّأَ لَهُ، وَجَعَلَ قَصْعَتَيْنِ، فَأَكَلْنَا مِنْهُمَا أَجْمَعُونَ، وَشَبِعْنَا، وَفَضَلَ فِي الْقَصْعَتَيْنِ فَحَمَلْته عَلَى الْبَعِير» الْحُزَّة بِضَمِّ الْحَاء، وَهِيَ الْقِطْعَة مِنْ اللَّحْم وَغَيْره، وَالْقَصْعَة بِفَتْحِ الْقَاف.
 وَفِي هَذَا الْحَدِيث مُعْجِزَتَانِ ظَاهِرَتَانِ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:إِحْدَاهُمَا تَكْثِير سَوَاد الْبَطْن حَتَّى وَسِعَ هَذَا الْعَدَد، وَالْأُخْرَى تَكْثِير الصَّاع وَلَحْم الشَّاة حَتَّى أَشْبَعَهُمْ أَجْمَعِينَ، وَفَضَلَتْ مِنْهُ فَضْلَة حَمَلُوهَا لِعَدَمِ حَاجَة أَحَد إِلَيْهَا.
 وَفيه مُوَاسَاة الرُّفْقَة فِيمَا يَعْرِض لَهُمْ مِنْ طُرْفَة وَغَيْرهَا، وَأَنَّهُ إِذَا غَابَ بَعْضهمْ خُبِّئَ نَصِيبه.
✯✯✯✯✯✯
‏3833- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ عِنْده طَعَام اِثْنَيْنِ فَلْيَذْهَبْ بِثَلَاثَةٍ، وَمَنْ كَانَ عِنْده طَعَام أَرْبَعَة فَلْيَذْهَبْ بِخَامِسٍ بِسَادِسٍ» هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع نُسَخ صَحِيح مُسْلِم: «فَلْيَذْهَبْ» وَوَقَعَ فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ: «فَلْيَذْهَبْ بِثَلَاثٍ».
قَالَ الْقَاضِي: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ هُوَ الصَّوَاب، وَهُوَ الْمُوَافِق لِسِيَاقِ بَاقِي الْحَدِيث.
 قُلْت: وَلِلَّذِي فِي مُسْلِم أَيْضًا وَجْه، وَهُوَ مَحْمُول عَلَى مُوَافَقَة الْبُخَارِيّ وَتَقْدِيره، فَلْيَذْهَبْ بِمَنْ يَتِمّ ثَلَاثَة، أَوْ بِتَمَامِ ثَلَاثَة، كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى: {وَقَدَّرَ فيها أَقْوَاتهَا فِي أَرْبَعَة أَيَّام} أَيْ فِي تَمَام أَرْبَعَة، وَسَبَقَ فِي كِتَاب الْجَنَائِز إِيضَاح هَذَا، وَذِكْر نَظَائِره.
 وَفِي هَذَا الْحَدِيث فَضِيلَة الْإِيثَار وَالْمُوَاسَاة، وَأَنَّهُ إِذَا حَضَرَ ضِيفَان كَثِيرُونَ فَيَنْبَغِي لِلْجَمَاعَةِ أَنْ يَتَوَزَّعُوهُمْ، وَيَأْخُذ كُلّ وَاحِد مِنْهُمْ مَنْ يَحْتَمِلهُ، وَأَنَّهُ يَنْبَغِي لِكَبِيرِ الْقَوْم أَنْ يَأْمُر أَصْحَابه بِذَلِكَ، وَيَأْخُذ هُوَ مَنْ يُمْكِنهُ.
قَوْله: «وَإِنَّ أَبَا بَكْر جَاءَ بِثَلَاثَةٍ، وَانْطَلَقَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَشَرَةٍ» هَذَا مُبَيِّن لِمَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْأَخْذ بِأَفْضَل الْأُمُور، وَالسَّبْق إِلَى السَّخَاء وَالْجُود، فَإِنَّ عِيَال النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا قَرِيبًا مِنْ عَدَد ضِيفَانه هَذِهِ اللَّيْلَة، فَأَتَى بِنِصْفِ طَعَامه أَوْ نَحْوه، وَأَتَى أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ بِثُلُثِ طَعَامه أَوْ أَكْثَر، وَأَتَى الْبَاقُونَ بِدُونِ ذَلِكَ.
 وَاللَّه أَعْلَم.
قَوْله: «فَإِنَّ أَبَا بَكْر تَعَشَّى عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ لَبِثَ حَتَّى صُلِّيَتْ الْعِشَاء، ثُمَّ رَجَعَ فَلَبِثَ حَتَّى نَعَسَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ» قَوْله (نَعَسَ) بِفَتْحِ الْعَيْن، وَفِي هَذَا جَوَاز ذَهَاب مَنْ عِنْده ضِيفَان إِلَى أَشْغَاله وَمَصَالِحه إِذَا كَانَ لَهُ مَنْ يَقُوم بِأُمُورِهِمْ، وَيَسُدّ مَسَدّه كَمَا كَانَ لِأَبِي بَكْر هُنَا عَبْد الرَّحْمَن رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا.
 وَفيه مَا كَانَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ مِنْ الْحُبّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالِانْقِطَاع إِلَيْهِ، وَإِيثَاره فِي لَيْله وَنَهَاره عَلَى الْأَهْل وَالْأَوْلَاد وَالضِّيفَان وَغَيْرهمْ.
قَوْله فِي الْأَضْيَاف: «أَنَّهُمْ اِمْتَنَعُوا مِنْ الْأَكْل حَتَّى يَحْضُر أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ» هَذَا فَعَلُوهُ أَدَبًا وَرِفْقًا بِأَبِي بَكْر فِيمَا ظَنُّوهُ؛ لِأَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّهُ لَا يَحْصُل لَهُ عَشَاء مِنْ عَشَائِهِمْ.
قَالَ الْعُلَمَاء: وَالصَّوَاب لِلضَّيْفِ أَنْ لَا يَمْتَنِع مِمَّا أَرَادَهُ الْمُضِيف مِنْ تَعْجِيل طَعَام وَتَكْثِيره وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أُمُوره، إِلَّا أَنْ يَعْلَم أَنَّهُ يَتَكَلَّف مَا يَشُقّ عَلَيْهِ حَيَاء مِنْهُ فَيَمْنَعهُ بِرِفْقٍ، وَمَتَى شَكَّ لَمْ يَعْتَرِض عَلَيْهِ، وَلَمْ يَمْتَنِع، فَقَدْ يَكُون لِلْمُضِيفِ عُذْر أَوْ غَرَض فِي ذَلِكَ لَا يُمْكِنهُ إِظْهَاره، فَتَلْحَقهُ الْمَشَقَّة بِمُخَالَفَةِ الْأَضْيَاف كَمَا جَرَى فِي قِصَّة أَبِي بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ.
قَوْله عَنْ عَبْد الرَّحْمَن: «فَذَهَبْت فَاخْتَبَأْت، وَقَالَ: يَا غُنْثَر فَجَدَّعَ وَسَبَّ» أَمَّا اِخْتِبَاؤُهُ فَخَوْفًا مِنْ خِصَام أَبِيهِ لَهُ، وَشَتْمه إِيَّاهُ.
 وَقَوْله: «فَجَدَّعَ» أَيْ دَعَا بِالْجَدَعِ، وَهُوَ قَطْع الْأَنْف وَغَيْره مِنْ الْأَعْضَاء وَالسَّبّ وَالشَّتْم.
 وَقَوْله: «يَا غُنْثَر» بِغَيْنٍ مُعْجَمَة مَضْمُومَة ثُمَّ نُون سَاكِنَة ثُمَّ ثَاء مُثَلَّثَة مَفْتُوحَة وَمَضْمُومَة لُغَتَانِ، هَذِهِ هِيَ الرِّوَايَة الْمَشْهُورَة فِي ضَبْطه.
 قَالُوا: وَهُوَ الثَّقِيل الْوَخِم، وَقِيلَ: هُوَ الْجَاهِل مَأْخُوذ مِنْ الْغَثَارَة بِفَتْحِ الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَهِيَ الْجَهْل وَالنُّون فيه زَائِدَة، وَقِيلَ: هُوَ السَّفيه، وَقِيلَ: هُوَ ذُبَاب أَزْرَق، وَقِيلَ: هُوَ اللَّئِيم مَأْخُوذ مِنْ الْغَثَر، وَهُوَ اللُّؤْم.
 وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ بَعْض الشُّيُوخ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّمَا هُوَ غَنْثَر بِفَتْحِ الْغَيْن وَالثَّاء، وَرَوَاهُ الْخَطَّابِيُّ وَطَائِفَة (عَنْتَر) بِعَيْنٍ مُهْمَلَة وَتَاء مُثَنَّاة مَفْتُوحَتَيْنِ.
 قَالُوا: وَهُوَ الذُّبَاب، وَقِيلَ: هُوَ الْأَزْرَق مِنْهُ، شَبَّهَهُ بِهِ تَحْقِيرًا لَهُ.
قَوْله: «كُلُوا لَا هَنِيئًا» إِنَّمَا قَالَهُ لِمَا حَصَلَ لَهُ مِنْ الْحَرَج وَالْغَيْظ بِتَرْكِهِمْ الْعِشَاء بِسَبَبِهِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ لَيْسَ بِدُعَاءٍ إِنَّمَا أَخْبَرَ أَيْ لَمْ تَتَهَنَّئُوا بِهِ فِي وَقْته.
قَوْله: «وَاللَّه لَا أَطْعَمُهُ أَبَدًا» وَذَكَرَ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى فِي الْأَضْيَاف قَالُوا: وَاللَّه لَا نَطْعَمهُ حَتَّى تَطْعَمهُ، ثُمَّ أَكَلَ وَأَكَلُوا.
 فيه أَنَّ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِين فَرَأَى غَيْرهَا خَيْرًا مِنْهَا فَعَلَ ذَلِكَ وَكَفَّرَ عَنْ يَمِينه كَمَا جَاءَتْ بِهِ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة.
 وَفيه حَمْل الْمُضِيف الْمَشَقَّة عَلَى نَفْسه فِي إِكْرَام ضِيفَانه، وَإِذَا تَعَارَضَ حِنْثه وَحِنْثهمْ حَنَّثَ نَفْسه لِأَنَّ حَقّهمْ عَلَيْهِ آكَد.
 وَهَذَا الْحَدِيث الْأَوَّل مُخْتَصَر تُوَضِّحهُ الرِّوَايَة الثَّانِيَة، وَتُبَيِّن مَا حُذِفَ مِنْهُ، وَمَا هُوَ مُقَدَّم أَوْ مُؤَخَّر.
قَوْله: «مَا كُنَّا نَأْخُذ مِنْ لُقْمَة إِلَّا رَبَا مِنْ أَسْفَلهَا أَكْثَر مِنْهَا، وَأَنَّهُمْ أَكَلُوا مِنْهَا حَتَّى شَبِعُوا، وَصَارَتْ بَعْد ذَلِكَ أَكْثَر مِمَّا كَانَتْ بِثَلَاثِ مِرَار، ثُمَّ حَمَلُوهَا إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكَلَ مِنْهَا الْخَلْق الْكَثِير».
 فَقَوْله: «إِلَّا رَبَا مِنْ أَسْفَلهَا أَكْثَر» ضَبَطُوهُ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَة وَبِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَة.
 هَذَا الْحَدِيث فيه كَرَامَة ظَاهِرَة لِأَبِي بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، وَفيه إِثْبَات كَرَامَات الْأَوْلِيَاء، وَهُوَ مَذْهَب أَهْل السُّنَّة خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ.
قَوْله: «فَنَظَرَ إِلَيْهَا أَبُو بَكْر فَإِذَا هِيَ كَمَا هِيَ أَوْ أَكْثَر» وَقَوْله: «لَهِيَ الْآنَ أَكْثَر مِنْهَا» ضَبَطُوهُمَا أَيْضًا بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَة وَبِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَة.
قَوْلهَا: «لَا وَقُرَّة عَيْنِي لَهِيَ الْآن أَكْثَر مِنْهَا» قَالَ أَهْل اللُّغَة: قُرَّة الْعَيْن يُعَبَّر بِهَا عَنْ الْمَسَرَّة وَرُؤْيَة مَا يُحِبّهُ الْإِنْسَان وَيُوَافِقهُ قِيلَ: إِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ لِأَنَّ عَيْنه تُقِرّ لِبُلُوغِهِ أُمْنِيَّته، فَلَا يَسْتَشْرِف لِشَيْءٍ، فَيَكُون مَأْخُوذًا مِنْ الْقَرَار.
وَقِيلَ: مَأْخُوذ مِنْ الْقُرّ بِالضَّمِّ، وَهُوَ الْبَرْد، أَيْ عَيْنه بَارِدَة لِسُرُورِهَا وَعَدَم مُقْلِقهَا.
قَالَ الْأَصْمَعِيّ وَغَيْره: أَقَرَّ اللَّه عَيْنه أَيْ أَبْرَدَ دَمْعَته؛ لِأَنَّ دَمْعَة الْفَرَح بَارِدَة، وَدَمْعَة الْحُزْن حَارَّة، وَلِهَذَا يُقَال فِي ضِدّه: أَسْخَنَ اللَّه عَيْنه.
قَالَ صَاحِب الْمَطَالِع: قَالَ الدُّؤَادِيّ: أَرَادَتْ بِقُرَّةِ عَيْنهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقْسَمَتْ بِهِ.
 وَلَفْظَة (لَا) فِي قَوْلهَا: (لَا وَقُرَّة عَيْنِي) زَائِدَة، وَلَهَا نَظَائِر مَشْهُورَة.
 وَيَحْتَمِل أَنَّهَا نَافِيَة، وَفيه مَحْذُوف أَيْ لَا شَيْء غَيْر مَا أَقُول، وَهُوَ وَقُرَّة عَيْنِي لَهِيَ أَكْثَر مِنْهَا.
قَوْله: «يَا أُخْت بَنِي فِرَاس» هَذَا خِطَاب مِنْ أَبِي بَكْر لِامْرَأَتِهِ أُمِّ رُومَان، وَمَعْنَاهُ يَا مَنْ هِيَ مِنْ بَنِي فِرَاس.
قَالَ الْقَاضِي: فِرَاس هُوَ اِبْن غَنْم بْن مَالِك بْن كِنَانَة، وَلَا خِلَاف فِي نَسَب أُمِّ رُومَان إِلَى غَنْم بْن مَالِك، وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّة اِنْتِسَابهَا إِلَى غَنْم اِخْتِلَافًا كَثِيرًا، وَاخْتَلَفُوا هَلْ هِيَ مِنْ بَنِي فِرَاس بْن غَنْم أَمْ مِنْ بَنِي الْحَارِث بْن غَنْم؟ وَهَذَا الْحَدِيث الصَّحِيح كَوْنهَا مِنْ بَنِي فِرَاس بْن غَنْم.
قَوْله: «فَعَرَّفْنَا اِثْنَا عَشَر رَجُلًا مَعَ كُلّ رَجُل مِنْهُمْ أُنَاس» هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَم النُّسَخ: (فَعَرَّفْنَا) بِالْعَيْنِ وَتَشْدِيد الرَّاء أَيْ جَعَلْنَا عُرَفَاء.
 وَفِي كَثِير مِنْ النُّسَخ: (فَفَرَّقْنَا) بِالْفَاءِ الْمُكَرَّرَة فِي أَوَّله وَبِقَافٍ مِنْ التَّفْرِيق، أَيْ جَعَلَ كُلّ رَجُل مِنْ الِاثْنَيْ عَشَر مَعَ فِرْقَة، فَهُمَا صَحِيحَانِ، وَلَمْ يَذْكُر الْقَاضِي هُنَا غَيْر الْأَوَّل.
 وَفِي هَذَا الْحَدِيث دَلِيل لِجَوَازِ تَفْرِيق الْعُرَفَاء عَلَى الْعَسَاكِر وَنَحْوهَا.
 وَفِي سُنَن أَبِي دَاوُدَ (الْعِرَافَة حَقٌّ) لِمَا فيه مِنْ مَصْلَحَة النَّاس، وَلِيَتَيَسَّر ضَبْط الْجُيُوش وَنَحْوهَا عَلَى الْإِمَام بِاِتِّخَاذِ الْعُرَفَاء.
وَأَمَّا الْحَدِيث الْآخَر: «الْعُرَفَاء فِي النَّار» فَمَحْمُول عَلَى الْعُرَفَاء الْمُقَصِّرِينَ فِي وِلَايَتهمْ، الْمُرْتَكِبِينَ فيها مَا لَا يَجُوز كَمَا هُوَ مُعْتَاد لِكَثِيرٍ مِنْهُمْ.
قَوْله: «فَعَرَّفْنَا اِثْنَا عَشَر رَجُلًا مَعَ كُلّ وَاحِد مِنْهُمْ أُنَاس» هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَم النُّسَخ، وَفِي نَادِر مِنْهَا (اِثْنَيْ عَشَر) وَكِلَاهُمَا صَحِيح، وَالْأَوَّل جَارٍ عَلَى لُغَة مَنْ جَعَلَ الْمُثَنَّى بِالْأَلِفِ فِي الرَّفْع وَالنَّصْب وَالْجَرّ، وَهِيَ لُغَة أَرْبَع قَبَائِل مِنْ الْعَرَب، وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} وَغَيْر ذَلِكَ، وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَة مَرَّات.
✯✯✯✯✯✯
‏3834- قَوْله: «اُفْرُغْ مِنْ أَضْيَافك» أَيْ عَشّهمْ وَقُمْ بِحَقِّهِمْ.
قَوْله: «جِئْنَاهُمْ بِقِرَاهُمْ» هُوَ بِكَسْرِ الْقَاف مَقْصُور، وَمَا هُوَ يُصْنَع لِلضَّيْفِ مِنْ مَأْكُول وَمَشْرُوب.
قَوْله: «حَتَّى يَجِيء أَبُو مَنْزِلنَا» أَيْ صَاحِبه.
قَوْله: «إِنَّهُ رَجُل حَدِيد» أَيْ فيه قُوَّة وَصَلَابَة، وَيَغْضَب لِانْتِهَاكِ الْحُرُمَات وَالتَّقْصِير فِي حَقّ ضَيْفه وَنَحْو ذَلِكَ.
قَوْله: «مَا لَكُمْ أَلَا تَقْبَلُوا مِنَّا قِرَاكُمْ» قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: قَوْله: «أَلَا» هُوَ بِتَخْفِيفِ اللَّام عَلَى التَّحْضِيض وَاسْتِفْتَاح الْكَلَام، هَكَذَا رَوَاهُ الْجُمْهُور.
قَالَ: وَرَوَاهُ بَعْضهمْ بِالتَّشْدِيدِ، وَمَعْنَاهُ مَا لَكُمْ لَا تَقْبَلُوا قِرَاكُمْ؟ وَأَيّ شَيْء مَنَعَكُمْ ذَلِكَ وَأَحْوَجكُمْ إِلَى تَرْكه؟قَوْله: «أَمَّا الْأُولَى فَمِنْ الشَّيْطَان» يَعْنِي يَمِينه.
قَالَ الْقَاضِي: وَقِيلَ: مَعْنَاهُ اللُّقْمَة الْأُولَى فَلِقَمْعِ الشَّيْطَان وَإِرْغَامه وَمُخَالَفَته فِي مُرَاده بِالْيَمِينِ، وَهُوَ إِيقَاع الْوَحْشَة بَيْنه وَبَيْن أَضْيَافه، فَأَخْزَاهُ أَبُو بَكْر بِالْحِنْثِ الَّذِي هُوَ خَيْر.
قَوْله: «قَالَ أَبُو بَكْر: يَا رَسُول اللَّه بَرُّوا وَحَنِثْتُ، فَقَالَ: بَلْ أَنْتَ أَبَرّهمْ وَأَخْيَرهمْ قَالَ: وَلَمْ تَبْلُغنِي كَفَّارَة» مَعْنَاهُ بَرُّوا فِي أَيْمَانهمْ، وَحَنِثْت فِي يَمِينِي، فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَلْ أَنْتَ أَبَرّهمْ» أَيْ أَكْثَرهمْ طَاعَة، وَخَيْر مِنْهُمْ لِأَنَّك حَنِثْت فِي يَمِينك حِنْثًا مَنْدُوبًا إِلَيْهِ مَحْثُوثًا عَلَيْهِ، فَأَنْتَ أَفْضَل مِنْهُمْ.
قَوْله: «وَأَخْيَرهمْ» هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع النُّسَخ: «وَأَخْيَرهمْ» بِالْأَلِفِ، وَهِيَ لُغَة سَبَقَ بَيَانهَا مَرَّات.
وَأَمَّا قَوْله: «وَلَمْ تَبْلُغنِي كَفَّارَة» يَعْنِي لَمْ يَبْلُغنِي أَنَّهُ كَفَّرَ قَبْل الْحِنْث.
 فَأَمَّا وُجُوب الْكَفَّارَة فَلَا خِلَاف فيه لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِين فَرَأَى غَيْرهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْر وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينه» وَهَذَا نَصّ فِي عَيْن الْمَسْأَلَة، مَعَ عُمُوم قَوْله تَعَالَى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَان فَكَفَّارَته إِطْعَام} إِلَخْ.

 باب اكرام الضيف وفضل ايثاره

۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب الأشربة ﴿ 25 ﴾ 
۞۞۞۞۞۞۞۞


تعليقات