📁 آخر الأخبار

باب اداب الطعام والشراب واحكامهما


 باب اداب الطعام والشراب واحكامهما

 باب اداب الطعام والشراب واحكامهما

3761- قَوْله: عَنْ الْأَعْمَش عَنْ خَيْثَمَةَ عَنْ أَبِي حُذَيْفَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ: «كُنَّا إِذَا حَضَرْنَا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا لَمْ نَضَع أَيْدِينَا حَتَّى يَبْدَأ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَضَع يَده إِلَى آخِره» هَذَا الْإِسْنَاد فيه ثَلَاثَة تَابِعِيُّونَ كُوفِيُّونَ بَعْضهمْ عَنْ بَعْض الْأَعْمَش عَنْ خَيْثَمَةَ- وَهُوَ خَيْثَمَة بْن عَبْد الرَّحْمَن الْعَبْد الصَّالِح- وَأَبُو حُذَيْفَة وَاسْمه سَلَمَة بْن صُهَيْب، وَقِيلَ: اِبْن صُهَيْبَة وَقِيلَ: اِبْن صَهْبَان، وَقِيلَ: اِبْن صُهْبَة، وَقِيلَ: اِبْن صُهَيْبَة الْهَمْدَانِيُّ الْأَرْحَبِيّ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَة وَبِالْمُوَحَّدَةِ.
وَقَوْله: «لَمْ نَضَع أَيْدِينَا حَتَّى يَبْدَأ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» فيه بَيَان هَذَا الْأَدَب، وَهُوَ أَنَّهُ يَبْدَأ الْكَبِير وَالْفَاضِل فِي غَسْل الْيَد لِلطَّعَامِ وَفِي الْأَكْل.
قَوْله: «فَجَاءَتْ جَارِيَة كَأَنَّهَا تَدْفَع»؛ وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «كَأَنَّهَا تَطْرُد» يَعْنِي لِشِدَّةِ سُرْعَتهَا: «فَذَهَبَتْ لِتَضَع يَدهَا فِي الطَّعَام فَأَخَذَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهَا، ثُمَّ جَاءَ أَعْرَابِيّ كَأَنَّمَا يَدْفَع فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الشَّيْطَان يَسْتَحِلّ الطَّعَام إِذَا لَمْ يُذْكَر اِسْم اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ، وَإِنَّهُ جَاءَ بِهَذِهِ الْجَارِيَة لِيَسْتَحِلّ بِهَا فَأَخَذْت بِيَدِهَا، فَجَاءَ بِهَذَا الْأَعْرَابِيّ لِيَسْتَحِلّ بِهِ فَأَخَذْت بِيَدِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ يَده فِي يَدِي مَعَ يَدهَا»، ثُمَّ زَادَ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى فِي آخِر الْحَدِيث: «ثُمَّ ذَكَرَ اِسْم اللَّه تَعَالَى وَأَكَلَ».
 فِي هَذَا الْحَدِيث فَوَائِد: مِنْهَا جَوَاز الْحَلِف مِنْ غَيْر اِسْتِحْلَاف، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانه مَرَّات، وَتَفْصِيل الْحَال فِي اِسْتِحْبَابه وَكَرَاهَته، وَمِنْهَا: اِسْتِحْبَاب التَّسْمِيَة فِي اِبْتِدَاء الطَّعَام، وَهَذَا مُجْمَع عَلَيْهِ، وَكَذَا تُسْتَحَبّ حَمْد اللَّه تَعَالَى فِي آخِره كَمَا سَيَأْتِي فِي مَوْضِعه إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى، وَكَذَا تُسْتَحَبّ التَّسْمِيه فِي أَوَّل الشَّرَاب، بَلْ فِي أَوَّل كُلّ أَمْر ذِي بَال كَمَا ذَكَرْنَا قَرِيبًا، قَالَ الْعُلَمَاء: وَيُسْتَحَبّ أَنْ يَجْهَر بِالتَّسْمِيَةِ لِيُسْمِع غَيْره وَيُنَبِّههُ عَلَيْهَا، وَلَوْ تَرَكَ التَّسْمِيَة فِي أَوَّل الطَّعَام عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا أَوْ مُكْرَهًا أَوْ عَاجِزًا لِعَارِضٍ آخَر ثُمَّ تَمَكَّنَ فِي أَثْنَاء أَكْله مِنْهَا يُسْتَحَبّ أَنْ يُسَمِّي وَيَقُول: بِسْمِ اللَّه أَوَّله وَآخِره، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَكَلَ أَحَدكُمْ فَلْيَذْكُرْ اِسْم اللَّه فَإِنْ نَسِيَ أَنْ يَذْكُر اللَّه فِي أَوَّله فَلْيَقُلْ: بِسْمِ اللَّه أَوَّله وَآخِره» رَوَاه أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيّ وَغَيْرهمَا، قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حَسَن صَحِيح، وَالتَّسْمِيَة فِي شُرْب الْمَاء وَاللَّبَن وَالْعَسَل وَالْمَرَق وَالدَّوَاء وَسَائِر الْمَشْرُوبَات كَالتَّسْمِيَةِ عَلَى الطَّعَام فِي كُلّ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَتَحْصُل التَّسْمِيَة بِقَوْلِهِ: (بِسْمِ اللَّه) فَإِنْ قَالَ: بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم، كَانَ حَسَنًا، وَسَوَاء فِي اِسْتِحْبَاب التَّسْمِيَة الْجُنُب وَالْحَائِض وَغَيْرهمَا، وَيَنْبَغِي أَنْ يُسَمِّي كُلّ وَاحِد مِنْ الْآكِلِينَ، فَإِنْ سَمَّى وَاحِدٌ مِنْهُمْ حَصَلَ أَصْل السُّنَّة، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، وَيُسْتَدَلّ لَهُ بِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ أَنَّ الشَّيْطَان إِنَّمَا يَتَمَكَّن مِنْ الطَّعَام إِذَا لَمْ يُذْكَر اِسْم اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُود يَحْصُل بِوَاحِدٍ، وَيُؤَيِّدهُ أَيْضًا مَا سَيَأْتِي فِي حَدِيث الذِّكْر عِنْد دُخُول الْبَيْت، وَقَدْ أَوْضَحْت هَذِهِ الْمَسَائِل وَمَا يَتَعَلَّق بِهَا فِي كِتَاب أَذْكَار الطَّعَام.
 وَاللَّهُ أَعْلَم.
وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ يَده فِي يَدِي مَعَ يَدهَا» هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَم الْأُصُول: «يَدهَا» وَفِي بَعْضهَا: «يَدهمَا» فَهَذَا ظَاهِر، وَالتَّثْنِيَة تَعُود إِلَى الْجَارِيَة وَالْأَعْرَابِيّ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ يَدِي فِي يَد الشَّيْطَان مَعَ يَد الْجَارِيَة وَالْأَعْرَابِيّ.
وَأَمَّا عَلَى رِوَايَة: «يَدهَا» بِالْإِفْرَادِ فَيَعُود الضَّمِير عَلَى الْجَارِيَة، وَقَدْ حَكَى الْقَاضِي عِيَاض رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّ الْوَجْه التَّثْنِيَة، وَالظَّاهِر أَنَّ رِوَايَة الْإِفْرَاد أَيْضًا مُسْتَقِيمَة، فَإِنَّ إِثْبَات يَدهَا لَا يَنْفِي يَد الْأَعْرَابِيّ، وَإِذَا صَحَّتْ الرِّوَايَة بِالْإِفْرَادِ وَجَبَ قَبُولهَا وَتَأْوِيلهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ.
 وَاللَّهُ أَعْلَم.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الشَّيْطَان يَسْتَحِلّ الطَّعَام أَنْ لَا يُذْكَر اِسْم اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ» مَعْنَى (يَسْتَحِلّ) يَتَمَكَّن مِنْ أَكْله، وَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ يَتَمَكَّن مِنْ أَكْل الطَّعَام إِذَا شَرَعَ فيه إِنْسَان بِغَيْرِ ذِكْر اللَّه تَعَالَى.
وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَشْرَع فيه أَحَد فَلَا يَتَمَكَّن.
 وَإِنْ كَانَ جَمَاعَة فَذَكَرَ اِسْم اللَّه بَعْضهمْ دُون بَعْض لَمْ يَتَمَكَّن مِنْهُ، ثُمَّ الصَّوَاب الَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِير الْعُلَمَاء مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف مِنْ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاء وَالْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيث وَشَبَهه مِنْ الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي أَكْل الشَّيْطَان مَحْمُولَة عَلَى ظَوَاهِرهَا، وَأَنَّ الشَّيْطَان يَأْكُل حَقِيقَة إِذْ الْعَقْل لَا يُحِيلهُ، وَالشَّرْع لَمْ يُنْكِرهُ، بَلْ أَثْبَته فَوَجَبَ قَبُوله وَاعْتِقَاده.
 وَاللَّهُ أَعْلَم.
 قَوْله فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة وَقَدَّمَ مَجِيء الْأَعْرَابِيّ قَبْل الْجَارِيَة عَكْس الرِّوَايَة الْأُولَى، وَالثَّالِثَة كَالْأُولَى، وَوَجْه الْجَمْع بَيْنهمَا أَنَّ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ فِي الثَّانِيَة (قَدَّمَ مَجِيء الْأَعْرَابِيّ) أَنَّهُ قَدَّمَهُ فِي اللَّفْظ بِغَيْرِ حَرْف تَرْتِيب، فَذَكَرَهُ بِالْوَاوِ فَقَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيّ وَجَاءَتْ جَارِيَة، وَالْوَاو لَا تَقْتَضِي تَرْتِيبًا، وَأَمَّا الرِّوَايَة الْأُولَى فَصَرِيحَة فِي التَّرْتِيب وَتَقْدِيم الْجَارِيَة؛ لِأَنَّهُ قَالَ: ثُمَّ جَاءَ أَعْرَابِيّ، وَثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ فَيَتَعَيَّن حَمْل الثَّانِيَة عَلَى الْأُولَى وَيَبْعُد حَمْله عَلَى وَاقِعَتَيْنِ.
✯✯✯✯✯✯
‏3762- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا دَخَلَ الرَّجُل بَيْته فَذَكَرَ اللَّه تَعَالَى عِنْد دُخُوله وَعِنْد طَعَامه قَالَ الشَّيْطَان: لَا مَبِيت لَكُمْ وَلَا عِشَاء، وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُر اللَّه تَعَالَى عِنْد دُخُوله قَالَ الشَّيْطَان: أَدْرَكْتُمْ الْمَبِيت.
 وَإِذَا لَمْ يَذْكُر اللَّه تَعَالَى عِنْد طَعَامه قَالَ: أَدْرَكْتُمْ الْمَبِيت وَالْعِشَاء» مَعْنَاهُ: قَالَ الشَّيْطَان لِإِخْوَانِهِ وَأَعْوَانه وَرُفْقَته.
 وَفِي هَذَا اِسْتِحْبَاب ذِكْر اللَّه تَعَالَى عِنْد دُخُول الْبَيْت وَعِنْد الطَّعَام.
✯✯✯✯✯✯
‏3763- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَأْكُلُوا بِالشِّمَالِ فَإِنَّ الشَّيْطَان يَأْكُل بِالشِّمَالِ» فيه اِسْتِحْبَاب الْأَكْل وَالشُّرْب بِالْيَمِينِ وَكَرَاهَتهمَا بِالشِّمَالِ، وَقَدْ زَادَ نَافِع الْأَخْذ وَالْإِعْطَاء، وَهَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ عُذْر، فَإِنْ كَانَ عُذْر يَمْنَع الْأَكْل وَالشُّرْب بِالْيَمِينِ مِنْ مَرَض أَوْ جِرَاحَة أَوْ غَيْر ذَلِكَ فَلَا كَرَاهَة فِي الشِّمَال.
 وَفيه: أَنَّهُ يَنْبَغِي اِجْتِنَاب الْأَفْعَال الَّتِي تُشْبِه أَفْعَال الشَّيَاطِين وَأَنَّ لِلشَّيَاطِينِ يَدَيْنِ.
✯✯✯✯✯✯
‏3764- فِي رِوَايَة اِبْن عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: «إِذَا أَكَلَ أَحَدكُمْ فَلْيَأْكُلْ بِيَمِينِهِ، وَإِذَا شَرِبَ فَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَان يَأْكُل بِشِمَالِهِ، وَيَشْرَب بِشِمَالِهِ»، وَكَانَ نَافِع يَزِيد فيها: «وَلَا يَأْخُذ بِهَا وَلَا يُعْطِي بِهَا» فيه: اِسْتِحْبَاب الْأَكْل وَالشُّرْب بِالْيَمِينِ، وَكَرَاهَتهمَا بِالشِّمَالِ، وَقَدْ زَادَ نَافِع الْأَخْذ وَالْإِعْطَاء، وَهَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ عُذْر فَإِنْ كَانَ عُذْر يَمْنَع الْأَكْل وَالشُّرْب بِالْيَمِينِ مِنْ مَرَض أَوْ جِرَاحَة أَوْ غَيْر ذَلِكَ فَلَا كَرَاهَة اِجْتِنَاب الْأَفْعَال الَّتِي تُشْبِه أَفْعَال الشَّيَاطِين، وَأَنَّ لِلشَّيَاطِينِ يَدَيْنِ.
✯✯✯✯✯✯
‏3766- قَوْله: «إِنَّ رَجُلًا أَكَلَ عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِمَالِهِ فَقَالَ: كُلْ بِيَمِينِك، قَالَ: لَا أَسْتَطِيع، قَالَ: لَا اِسْتَطَعْت، مَا مَنَعَهُ إِلَّا الْكِبْر، قَالَ: فَمَا رَفَعَهَا إِلَى فيه» هَذَا الرَّجُل هُو: (بُسْر) بِضَمِّ الْبَاء وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَة، اِبْن رَاعِي الْعَيْر، بِفَتْحِ الْعَيْن وَبِالْمُثَنَّاةِ، الْأَشْجَعِيّ، كَذَا ذَكَرَ اِبْن مَنْدَهْ وَأَبُو نُعَيْم الْأَصْبَهَانِيّ، وَابْن مَاكُولَا وَآخَرُونَ وَهُوَ صَحَابِيّ مَشْهُور عَدَّهُ هَؤُلَاءِ وَغَيْرهمْ مِنْ الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ، وَأَمَّا قَوْل الْقَاضِي عِيَاض رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: إِنَّ قَوْله: مَا مَنَعَهُ إِلَّا الْكِبْر، يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مُنَافِقًا، فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، فَإِنَّ مُجَرَّد الْكِبْر وَالْمُخَالَفَة لَا يَقْتَضِي النِّفَاق وَالْكُفْر، لَكِنَّهُ مَعْصِيَة إِنْ كَانَ الْأَمْر أَمْر إِيجَاب.
 وَفِي هَذَا الْحَدِيث: جَوَاز الدُّعَاء عَلَى مَنْ خَالَفَ الْحُكْم الشَّرْعِيّ بِلَا عُذْر، وَفيه: الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر فِي كُلّ حَال حَتَّى فِي حَال الْأَكْل، وَاسْتِحْبَاب تَعْلِيم الْآكِل آدَاب الْأَكْل إِذَا خَالَفَهُ كَمَا فِي حَدِيث عُمَر بْن أَبِي سَلَمَة الَّذِي بَعْد هَذَا.
✯✯✯✯✯✯
‏3767- قَوْله: «مِنْ عُمَر بْن أَبِي سَلَمَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ: كُنْت فِي حِجْر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَتْ يَدِي تَطِيش فِي الصَّحْفَة فَقَالَ لِي: يَا غُلَام سَمِّ اللَّه وَكُلْ بِيَمِينِك، وَكُلْ مِمَّا يَلِيك» قَوْله: (تَطِيش) بِكَسْرِ الطَّاء وَبَعْدهَا مُثَنَّاة تَحْت سَاكِنَة أَيْ تَتَحَرَّك وَتَمْتَدّ إِلَى نَوَاحِي الصَّحْفَة، وَلَا تَقْتَصِر عَلَى مَوْضِع وَاحِد، وَالصَّحْفَة دُون الْقَصْعَة، وَهِيَ مَا تَسَع مَا يُشْبِع خَمْسَة، فَالْقَصْعَة تُشْبِع عَشْرَة، كَذَا قَالَهُ الْكِسَائِيّ فِيمَا حَكَاهُ الْجَوْهَرِيّ وَغَيْره عَنْهُ.
وَقِيلَ: الصَّحْفَة كَالْقَصْعَةِ، وَجَمْعهَا صِحَاف.
 وَفِي هَذَا الْحَدِيث بَيَان ثَلَاث سُنَن مِنْ سُنَن الْأَكْل وَهِيَ: التَّسْمِيَة، وَالْأَكْل بِالْيَمِينِ، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانهمَا، وَالثَّالِثَة: الْأَكْل مِمَّا يَلِيه؛ لِأَنَّ أَكْله مِنْ مَوْضِع يَد صَاحِبه سُوء عِشْرَة وَتَرْك مُرُوءَة فَقَدْ يَتَقَذَّرهُ صَاحِبه لاسيما فِي الْأَمْرَاق وَشَبَههَا، وَهَذَا فِي الثَّرِيد وَالْأَمْرَاق وَشَبَههَا، فَإِنْ كَانَ تَمْرًا أَوْ أَجْنَاسًا فَقَدْ نَقَلُوا إِبَاحَة اِخْتِلَاف الْأَيْدِي فِي الطَّبَق وَنَحْوه، وَالَّذِي يَنْبَغِي تَعْمِيم النَّهْي حَمْلًا لِلنَّهْيِ عَلَى عُمُومه حَتَّى يَثْبُت دَلِيل مُخَصِّص.
✯✯✯✯✯✯
‏3768- قَوْله: (مُحَمَّد بْن عَمْرو بْن حَلْحَلَة) هُوَ بِفَتْحِ الْحَاءَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَإِسْكَان اللَّام بَيْنهمَا.
 وَاللَّهُ أَعْلَم.
✯✯✯✯✯✯
‏3769- قَوْله: «نَهَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ اِخْتِنَاث الْأَسْقِيَة»، قَالَ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «وَاخْتِنَاثهَا أَنْ يَقْلِب رَأْسهَا حَتَّى يَشْرَب مِنْهُ».
 الِاخْتِنَاث بِخَاءٍ مُعْجَمَة ثُمَّ تَاء مُثَنَّاة فَوْق ثُمَّ نُون ثُمَّ أَلِف ثُمَّ مُثَلَّثَة، وَقَدْ فَسَّرَهُ فِي الْحَدِيث، وَأَصْل هَذِهِ الْكَلِمَة التَّكَسُّر وَالِانْطِوَاء، وَمِنْهُ سُمِّيَ الرَّجُل الْمُتَشَبِّه بِالنِّسَاءِ فِي طَبْعه وَكَلَامه وَحَرَكَاته مُخَنَّثًا، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ النَّهْي عَنْ اِخْتِنَاثهَا نَهْي تَنْزِيه لَا تَحْرِيم، ثُمَّ قِيلَ: سَبَبُهُ أَنَّهُ لَا يُؤْمِن أَنْ يَكُون فِي الْبَقَاء مَا يُؤْذِيه، فَيَدْخُل فِي جَوْفه وَلَا يَدْرِي، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ يُقَذِّرهُ عَلَى غَيْره، وَقِيلَ: إِنَّهُ يُنْتِنهُ أَوْ لِأَنَّهُ مُسْتَقْذَر، وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيّ وَغَيْره عَنْ كَبْشَة بِنْت ثَابِت وَهِيَ أُخْت حَسَّان بْن ثَابِت رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَرِبَ مِنْ قِرْبَة مُعَلَّقَة قَائِمًا فَقُمْت إِلَى فيها فَقَطَعْته، قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح، وَقَطْعهَا لِفَمِ الْقِرْبَة فَعَلَتْهُ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدهمَا أَنْ تَصُونَ مَوْضِعًا أَصَابَهُ فَم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَنْ يُبْتَذَل وَيَمَسّهُ كُلّ أَحَد، وَالثَّانِي أَنْ تَحْفَظهُ لِلتَّبَرُّكِ بِهِ وَالِاسْتِشْفَاء.
 وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
 فَهَذَا الْحَدِيث يَدُلّ عَلَى أَنَّ النَّهْي لَيْسَ لِلتَّحْرِيمِ.
 وَاللَّهُ أَعْلَم.
✯✯✯✯✯✯
‏3770- سبق شرحه بالباب.
 باب اداب الطعام والشراب واحكامهما


۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب الأشربة ﴿ 11 ﴾ 
۞۞۞۞۞۞۞۞


تعليقات