📁 آخر الأخبار

باب في الصدقة بلحوم الهدي وجلودها وجلالها

 

 باب في الصدقة بلحوم الهدي وجلودها وجلالها

 باب في الصدقة بلحوم الهدي وجلودها وجلالها


2320- قَوْله: «عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ: أَمَرَنِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقُوم عَلَى بُدْنِه وَأَنْ أَتَصَدَّق بِلُحُومِهَا وَجُلُودهَا وَأَجِلَّتهَا، وَأَنْ لَا أُعْطِي الْجَزَّار مِنْهَا شَيْئًا وَقَالَ: نَحْنُ نُعْطِيه مِنْ عِنْدنَا» قَالَ أَهْل اللُّغَة: سُمِّيَتْ الْبَدَنَة لِعَظَمِهَا، وَيُطْلَق عَلَى الذَّكَر وَالْأُنْثَى، وَيُطْلَق عَلَى الْإِبِل وَالْبَقَر وَالْغَنَم، هَذَا قَوْل أَكْثَر أَهْل اللُّغَة، وَلَكِنَّ مُعْظَم اِسْتِعْمَالهَا فِي الْأَحَادِيث وَكُتُبِ الْفِقْه، فِي الْإِبِل خَاصَّة.

وَفِي هَذَا الْحَدِيث فَوَائِد كَثِيرَة مِنْهَا: اِسْتِحْبَاب سَوْق الْهَدْي، وَجَوَاز النِّيَابَة فِي نَحْره، وَالْقِيَام عَلَيْهِ وَتَفْرِقَته، وَأَنَّهُ يُتَصَدَّق بِلُحُومِهَا وَجُلُودهَا وَجِلَالهَا، وَأَنَّهَا تُجَلَّل، وَاسْتَحَبُّوا أَنْ يَكُون جِلًّا حَسَنًا، وَأَلَّا يُعْطَى الْجَزَّار مِنْهَا، لِأَنَّ عَطِيَّته عِوَض عَنْ عَمَله فَيَكُون فِي مَعْنَى بَيْع جُزْء مِنْهَا، وَذَلِكَ لَا يَجُوز.

 وَفيه: جَوَاز الِاسْتِئْجَار عَلَى النَّحْر وَنَحْوه، وَمَذْهَبنَا أَنَّهُ لَا يَجُوز بَيْع جِلْد الْهَدْي وَلَا الْأُضْحِيَّة وَلَا شَيْء مِنْ أَجْزَائِهِمَا؛ لِأَنَّهَا لَا يُنْتَفَع بِهَا فِي الْبَيْت وَلَا بِغَيْرِهِ، سَوَاء كَانَا تَطَوُّعًا أَوْ وَاجِبَتَيْنِ، لَكِنْ إِنْ كَانَا تَطَوُّعًا فَلَهُ الِانْتِفَاع بِالْجِلْدِ وَغَيْره بِاللُّبْسِ وَغَيْره، وَلَا يَجُوز إِعْطَاء الْجَزَّار مِنْهَا شَيْئًا بِسَبَبِ جِزَارَته، هَذَا مَذْهَبنَا وَبِهِ قَالَ عَطَاء وَالنَّخَعِيُّ وَمَالِك وَأَحْمَد وَإِسْحَاق، وَحَكَى اِبْن الْمُنْذِر عَنْ اِبْن عُمَر وَأَحْمَد وَإِسْحَاق: أَنَّهُ لَا بَأْس بِبَيْعِ جِلْد هَدْيه، وَيَتَصَدَّق بِثَمَنِهِ، قَالَ: وَرَخَّصَ فِي بَيْعه أَبُو ثَوْر، وَقَالَ النَّخَعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ: لَا بَأْس أَنْ يَشْتَرِي بِهِ الْغِرْبَال وَالْمُنْخُل وَالْفَأْس وَالْمِيزَان وَنَحْوهَا، وَقَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ: يَجُوز أَنْ يُعْطِي الْجَزَّار جِلْدهَا، وَهَذَا مُنَابِذ لِلسُّنَّةِ.

 وَاَللَّه أَعْلَم.

قَالَ الْقَاضِي: التَّجْلِيل سُنَّة، وَهُوَ عِنْد الْعُلَمَاء مُخْتَصّ بِالْإِبِلِ، وَهُوَ مِمَّا اُشْتُهِرَ مِنْ عَمَل السَّلَف، قَالَ: وَمِمَّنْ رَآهُ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو ثَوْر وَإِسْحَاق.

 قَالُوا: وَيَكُون بَعْد الْإِشْعَار لِئَلَّا يَتَلَطَّخ بِالدَّمِ، قَالُوا وَيُسْتَحَبّ أَنْ تَكُون قِيمَتهَا وَنَفَاسَتهَا بِحَسَبِ حَال الْمُهْدِي، وَكَانَ بَعْض السَّلَف يُجَلِّل بِالْوَشْيِ، وَبَعْضهمْ بِالْحِبَرَةِ، وَبَعْضهمْ بِالْقُبَاطِيِّ وَالْمَلَاحِف وَالْأُزُر، قَالَ مَالِك: وَتُشَقّ عَلَى الْأَسْنِمَة إِنْ كَانَتْ قَلِيلَة الثَّمَن لِئَلَّا تَسْقُط، قَالَ مَالِك: وَمَا عَلِمَتْ مَنْ تَرَكَ ذَلِكَ إِلَّا اِبْن عُمَر اِسْتِبْقَاء لِلثِّيَابِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُجَلِّل الْجِلَال الْمُرْتَفِعَة مِنْ الْأَنْمَاط وَالْبُرُود وَالْحُبُر، قَالَ: كَانَ لَا يُجَلِّل حَتَّى يَغْدُو مِنْ مِنًى إِلَى عَرَفَات، قَالَ: وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُجَلِّل مِنْ ذِي الْحُلَيْفَة، وَكَانَ يَعْقِد أَطْرَاف الْجِلَال عَلَى أَذْنَابهَا، فَإِذَا مَشَى لَيْلَة نَزَعَهَا، فَإِذَا كَانَ يَوْم عَرَفَة جَلَّلَهَا، فَإِذَا كَانَ عِنْد النَّحْر نَزَعَهَا لِئَلَّا يُصِيبهَا الدَّم، قَالَ مَالِك: أَمَّا الْجِلّ فَيُنْزَع فِي اللَّيْل، لِئَلَّا يَخْرِقهَا الشَّوْك، قَالَ: وَاسْتُحِبَّ إِنْ كَانَتْ الْجِلَال مُرْتَفِعَة أَنْ يَتْرُك شِقَّهَا، وَأَلَّا يُجَلِّلهَا حَتَّى يَغْدُو إِلَى عَرَفَات فَإِنْ كَانَتْ بِثَمَنٍ يَسِير فَمِنْ حِين يُحْرِم يَشُقّ وَيُجَلِّل، قَالَ الْقَاضِي: وَفِي شَقّ الْجِلَال عَلَى الْأَسْنِمَة فَائِدَة أُخْرَى وَهِيَ إِظْهَار الْإِشْعَار لِئَلَّا يَسْتَتِر تَحْتهَا.

وَفِي هَذَا الْحَدِيث الصَّدَقَة بِالْجِلَالِ وَهَكَذَا قَالَهُ الْعُلَمَاء وَكَانَ اِبْن عُمَر أَوَّلًا يَكْسُوهَا الْكَعْبَة، فَلَمَّا كُسِيَتْ الْكَعْبَة تَصَدَّقَ بِهَا.

 وَاَللَّه أَعْلَم.

✯✯✯✯✯✯

‏2321- سبق شرحه بالباببَابُ الِاشْتِرَاك فِي الْهَدْي وَإِجْزَاء الْبَقَرَة وَالْبَدَنَة كُلّ مِنْهُمَا عَنْ سَبْعَة:قَوْله: عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا قَالَ: «نَحَرنَا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَام الْحُدَيْبِيَة الْبَدَنَة عَنْ سَبْعَة وَالْبَقَرَة عَنْ سَبْعَة» وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ فَأَمَرَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَشْتَرِك فِي الْإِبِل وَالْبَقَر كُلّ سَبْعَة مِنَّا فِي بَدَنَة».

وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «اِشْتَرَكْنَا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَجّ وَالْعُمْرَة كُلّ سَبْعَة فِي بَدَنَة».

فِي هَذِهِ الْأَحَادِيث دَلَالَة لِجَوَازِ الِاشْتِرَاك فِي الْهَدْي، وَفِي الْمَسْأَلَة خِلَاف بَيْن الْعُلَمَاء، فَمَذْهَب الشَّافِعِيّ جَوَاز الِاشْتِرَاك فِي الْهَدْي، سَوَاء كَانَ تَطَوُّعًا أَوْ وَاجِبًا، وَسَوَاء كَانُوا كُلّهمْ مُتَقَرِّبِينَ أَوْ بَعْضهمْ يُرِيد الْقُرْبَة، وَبَعْضهمْ يُرِيد اللَّحْم، وَدَلِيله هَذِهِ الْأَحَادِيث، وَبِهَذَا قَالَ أَحْمَد وَجُمْهُور الْعُلَمَاء، وَقَالَ دَاوُدَ وَبَعْض الْمَالِكِيَّة: يَجُوز الِاشْتِرَاك فِي هَدْي التَّطَوُّع دُون الْوَاجِب، وَقَالَ مَالِك: لَا يَجُوز مُطْلَقًا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: يَجُوز إِنْ كَانُوا كُلّهمْ مُتَقَرِّبِينَ، وَإِلَّا فَلَا، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الشَّاة لَا يَجُوز الِاشْتِرَاك فيها.

وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيث أَنَّ الْبَدَنَة تُجْزِي عَنْ سَبْعَة، وَالْبَقَرَة عَنْ سَبْعَة، وَتَقُوم كُلّ وَاحِدَة مَقَام سَبْع شِيَاه، حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَى الْمُحْرِم سَبْعَة دِمَاء بِغَيْرِ جَزَاء الصَّيْد، وَذَبَحَ عَنْهَا بَدَنَة أَوْ بَقَرَة أَجْزَأَهُ عَنْ الْجَمِيع.


 باب في الصدقة بلحوم الهدي وجلودها وجلالها


‏2325- قَوْله: (فَقَالَ رَجُل لِجَابِرٍ أَيَشْتَرِكُ فِي الْبَدَنَة مَا يَشْتَرِك فِي الْجَزُور؟ قَالَ: مَا هِيَ إِلَّا مِنْ الْبَدَنَة) قَالَ الْعُلَمَاء: الْجَزُور بِفَتْحِ الْجِيم وَهِيَ الْبَعِير.

قَالَ الْقَاضِي: وَفَرَّقَ هُنَا بَيْن الْبَدَنَة وَالْجَزُور، لِأَنَّ الْبَدَنَة وَالْهَدْي مَا اُبْتُدِيَ إِهْدَاؤُهُ عِنْد الْإِحْرَام، وَالْجَزُور مَا اشْتُرِيَ بَعْد ذَلِكَ لِيُنْحَر مَكَانهَا فَتَوَهَّمَ السَّائِل أَنَّ هَذَا أَحَقّ فِي الِاشْتِرَاك، فَقَالَ فِي جَوَابه: الْجَزُور لَمَّا اُشْتُرِيَت لِلنُّسُكِ صَارَ حُكْمهَا كَالْبُدْنِ.

وَقَوْله: «مَا يَشْتَرِك فِي الْجَزُور» هَكَذَا فِي النُّسَخ: «مَا يَشْتَرِك» وَهُوَ صَحِيح وَيَكُون (مَا) بِمَعْنَى (مَنْ) وَقَدْ جَازَ ذَلِكَ فِي الْقُرْآن وَغَيْره، وَيَجُوز أَنْ تَكُون مَصْدَرِيَّة أَيْ اِشْتِرَاكًا كَالِاشْتِرَاكِ فِي الْجَزُور.

✯✯✯✯✯✯

‏2326- قَوْله: «فَأَمَرَنَا إِذَا حَلَلْنَا أَنْ نُهْدِي وَيَجْتَمِع النَّفَر مِنَّا فِي الْهَدِيَّة وَذَلِكَ حِين أَمَرَهُمْ أَنْ يَحِلُّوا مِنْ حَجّهمْ».

 فِي هَذَا فَوَائِد مِنْهَا: وُجُوب الْهَدْي عَلَى الْمُتَمَتِّع، وَجَوَاز الِاشْتِرَاك فِي الْبَدَنَة الْوَاجِبَة لِأَنَّ دَم التَّمَتُّع وَاجِب، وَهَذَا الْحَدِيث صَرِيح فِي الِاشْتِرَاك فِي الْوَاجِب خِلَاف مَا قَالَهُ مَالِك كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ قَرِيبًا.

 وَفيه دَلِيل لِجَوَازِ ذَبْحِ هَدْي التَّمَتُّع بَعْد التَّحَلُّل مِنْ الْعُمْرَة وَقَبْل الْإِحْرَام بِالْحَجِّ، وَفِي الْمَسْأَلَة خِلَاف وَتَفْصِيل فَمَذْهَبنَا: أَنَّ دَم التَّمَتُّع إِنَّمَا يَجِب إِذَا فَرَغَ مِنْ الْعُمْرَة ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، فَبِإِحْرَامِ الْحَجّ يَجِب الدَّم، وَفِي وَقْت جَوَازه ثَلَاثَة أَوْجُه: الصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور أَنَّهُ يَجُوز بَعْد فَرَاغ الْعُمْرَة وَقَبْل الْإِحْرَام بِالْحَجِّ، وَالثَّانِي: لَا يَجُوز حَتَّى يُحْرِم بِالْحَجِّ، وَالثَّالِث: يَجُوز بَعْد الْإِحْرَام بِالْعُمْرَةِ.

 وَاَللَّه أَعْلَم.

✯✯✯✯✯✯

‏2327- قَوْله: «عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه قَالَ كُنَّا نَتَمَتَّع مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعُمْرَةِ فَنَذْبَح الْبَقَرَة عَنْ سَبْعَة» هَذَا فيه دَلِيل لِلْمَذْهَبِ الصَّحِيح عِنْد الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ لَفْظ (كَانَ) لَا يَقْتَضِي التَّكْرَار؛ لِأَنَّ إِحْرَامهمْ بِالتَّمَتُّعِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجّ مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا وُجِدَ مَرَّة وَاحِدَة، وَهِيَ حَجَّة الْوَدَاع.

 وَاَللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَم. باب في الصدقة بلحوم الهدي وجلودها وجلالها

 باب في الصدقة بلحوم الهدي وجلودها وجلالها




تعليقات