درس الطباق والمقابلة والفرق بينهما
أولا : الطباق
الأمثلة:
1- قال صلى الله عليه وسلم:"خَيْرُ الْمَالِ عَيْنٌ سَاهِرَة لِعَيْنٍ نَائمة".
2- قال تعالى: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ ..}سورة النساء:108
إيضاح:
لا حظ المثال الأول،لقد اشتمل على كلمتين لهما معنيان متضادّان (ساهرة ونائمة) والجمع بين كلمتين على هذا النّحو يسمّى طباقا.
المقصود في الحديث النّبويّ بالعين السّاهرة عين الماء التي ينام صاحبها وهي تسقي أرضه.
هل المثال الثاني يشتمل على طباق؟ تأمّله جيّدا تجد التضادّ بين (يستخفون) و (لا يستخفون) ولكنّ هذا الطّباق ليس كسابقه،لأنه جمع بين كلمتين مختلفتين في المعنى بطريقة غير عادية أي باستعمال المعنى الأول مثبتا والمعنى الثاني منفيّا أي ما يسمّى (الإيجاب والسّلب).
الطباق الأول يسمّى طباق الإيجاب والطّباق الثّاني يسمّى طباق السّلب.
تذكّر:
تعريف الطّباق
الطباق عند البلاغيين هو أن تجمع في الكلام الواحد بين معنيين متقابلين في الجملة،والمراد بالتقابل أن يكون بين المعنيين مطلق التنافي دون نظر إلى نوعه أو مقداره،فالتقابل بهذا المعنى الواسع لا يُشترط أن يكون التنافي فيه من جميع الصور،أو من كل الوجوه،بل يكفي أن يكون في الجملة ودون تفصيل.
نوعا الطّباق
1- طباق الإيجاب وهو الذي يكون فيه التقابل بين معنيين مثبتين أي لم يختلف فيه الضدّان إيجابا وسَلبا،مثل: أحبّ الصّدق وأكره الظّلم.
2- طباق السّلب وهو الذي يكون فيه التقابل بين معنيين أحدهما مثبت والآخر منفي أي ما اختلف فيه الضدّان إيجابا وسَلبا،مثل:أحبّ الصّدق و لا أحبّ الظّلم.
صور الطّباق
1- الطّباق بين اسمين مثبتين مثل قوله تعالى:{وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ .....} سورة الكهف:18
2- الطّباق بين اسمين منفيّين مثل:ليس المجرم طويل القامة ولا قصيرا وليس سمينا ولا نحيفا.
3- الطّباق بين اسمين أحدهما مثبت والآخر منفيّ مثل قوله تعالى:{ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ }الحج:5
4- الطّباق بين فعلين مثبتين مثل:حضر التلاميذ وغاب المدير.
5-الطّباق بين فعلين منفيين مثل قوله تعالى:{ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى} سورة الأعلى:13
6- الطّباق بين فعلين أحدهما مثبت والآخر منفي مثل: حضر
التلاميذ وما حضر المدير.
7- الطّباق بين فعلين أحدهما مأمور به والآخر منهيّ عنه مثل قوله تعالى:{ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} المائدة: 44
8- الطّباق بين لفظين متفقين لفظا ومختلفين معنى مثل قوله تعالى:{ومكروا مكْرًا ومكرْنا مَكْرا} النمل:36
9- الطّباق بين حرفين مثل قوله تعالى:{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}البقرة:228
10- الطّباق بين لفظين من نوعين مختلفين مثل قوله تعالى:{وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} الزمر:36
ومثل قوله تعالى:{أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ }الأنعام:122
فالأول طباق بين فعل واسم والثاني طباق بين اسم وفعل
ما يلحق بالطباق
1-الطّباق المجازيّ مثل قوله تعالى:{ أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} الأنعام:122
الحياة والموت ليسا بالمعنى الحقيقيّ بل هما بالمعنى المجازي وهو الضلال والهدى وهما متضادّان.
2- الطّباق الوهميّ (إيهام التضادّ)،وهو أن نجمع بين معنيين غير متقابلين نعبّر عنهما بلفظين يتقابل معناهما الحقيقيان،أي هو تضاد اللفظين في الظاهر واختلافهما في المعنى،مثل قول دعبل الخزاعيّ:
لا تعجَبي يا سَلْمُ من رجلٍ ... ضحِكَ المشيبُ برأسِه فبكى
فقد جمع الشاعر بين معنيين غير متقابلين تقابلا حقيقيّا،لأنّ المقصود بالضحك في البيت ليس هو ضدّ البكاء ولكنّه قصد المعنى المجازيّ لضحك وهو ظهر،ورغم هذا نقول:هذا طباق باعتبار أنّ المعنيين الحقيقيين لضحك وبكى متضادّين.
3-الطّباق المعنويّ ويسمّى الطّباق الخفيّ وهو الذي يفهم من سياق الكلام،مثل قولنا:يكون الإنسان ضعيفا عندما يكون في المهد ثمّ يقوى في مرحلتي الشّباب والكهولة ثمّ يضعف عندما يشيب شعره.
المقصود هو الصّغر والكبر.
هذا الطّباق خفي من الجهتين وقد يكون خفيّا من جهة واحدة مثل قوله تعالى:{مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ}الفتح: 29،إذ لا يوجد تضادّ بين أشدّاء ورحماء لأنّ ضدّ أشدّاء هو ليّنون.
فالله استعمل الرّحمة بدل اللّين لأنّ الرحمة مُسببَّة عن اللين الذي هو ضدّ الشدة.أضف إلى ذلك أنّ الرّحمة تقتضي إقامة العدل بالأخذ على يد الظّالم أمّا اللّين فهو يدلّ على الضّعف.
بلاغة الطّباق
1- الدلالة على المفارقة والصّراع مثل الخير والشّر
2- الدلالة على العموم والشمول مثل الشرق والغرب
3- الدلالة على التكامل مثل الذّكر والأنثى
4- الدلالة على كمال القدرة مثل الإحياء والإماتة
5- توكيد وتوضيح المعنى وتقويته لأن الأشياء بأضدادها تُعرف.
التقابل:
1- التقابل بين معنيين يكون تقابلا حقيقيّا أو مجازيّا أو خفيّا أو على سبيل الإيهام.
2- لا يشترط كون اللّفظين المتقابلين من نوع واحد (اسمين أو فعلين أو حرفين)،وإنّما يشترط التقابل في المعنى فقط.
3- أقسام التقابل:
تقسّم الألفاظ المختلفة في المعنى بحسب معانيها إلى عدة أقسام،أهمها التقابل والمتقابلان هما المعنيان المتنافران اللذان لا يجتمعان في مكان واحد،وزمان واحد،ومن جهة واحدة.
أولا:التقابل الحقيقيّ هو أربعة أنواع
أ- تقابل التناقض:
- النقيضان فيه هما أمران أحدهما موجود والآخر معدوم،ووجود أحدهما ينفي وجود الآخر،مثل:إنسان ولا إنسان وكريم وغير كريم.
- هذان الضّدان لا يمكن اجتماعهما أي لا يمكن أن نقول:خالد كريم وغير كريم ولا يمكن أن ينتفيا معا فلا بدّ من وجود أحدهما.
ب- تقابل التضاد:
- الضدّان فيه هما أمران موجودان (صفتان) تتعاقبان على موضوع واحد،مثل:الأسود والأبيض والحارّ والبارد.
- هذان الضّدان لا يمكن اجتماعهما في ذات واحدة في زمان واحد فلا يعقل أن يكون الماء باردا وحارّا في نفس الوقت.
- هذان الضدّان يمكن أن ينتفيا معا فلا يكون الماء باردا أو حارّا بل فاترا أو دافئا.
- تصوّر أحدهما لا يتوقف على تصوّر الآخر،فيمكن أن تتصوّر أنّ الماء بارد،من غير أن تتصوّره حاراً.
ج- تقابل الملكة وعدمها:
- المتقابلان فيه أمران أحدهما موجود واآخر معدوم مثل البصر والعمى،فالبصر ملكة والعمى عدم البصر،فلا يقال للحجر مبصر ولا أعمى لأنه لا يمكن أن يكون مبصراً ولا يملك قابلية الإبصار.
- الملكة وعدمها لا يجتمعان،فلا يمكن أن يكون الإنسان مبصراً وأعمى في نفس الوقت.
- الملكة وعدمها يجوز أن ينتفيا،وذلك في الشيء الذي لا يقبل تلك الملكة،فالحجر لا يقبل ملكة البصر،ولهذا لا يتصف بالعمى أو بالبصر.
د- تقابل المتضايفين
- المتقابلان أمران وجوديان مثل الأب والابن،تصوّر أحدهما يتبعه تصوّر الآخر (أي إذا وجد أحد المتضايفين وجد الآخر بالضرورة)،فإدراك أن هذا أب يعني أنّ له ابنا، وإدراك أنّ هذا أبن يعني أن له أبا.
- المتضايفان لا يجتمعان من جهة واحدة في وقت واحد،فلا يمكن أن يكون عمر ابناً لخالد وأباً لخالد نفسه أيضاً،ولكن قد يجتمعان من جهتين فخالد أب لعمر،وخالد ابن لعبد الله،فخالد هو أب من جهة عمر،وابن من جهة عبدالله.
- المتضايفان يجوز أن ينتفيا،فاللَّه عزَّ وجلّ لا هو أب ولا هو ابن.
ثانيا:التقابل الاعتباري
مثل قوله تعالى:{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ}الأنعام:122،فليس بين الإحياء والإماتة تقابل حقيقي،لأنهما لا يتقابلان إلا باعتبار بعض الصور،وهو أن يتعلق الإحياء بحياة جرم في وقت والإماتة بإماتته في ذلك الوقت، وإلا فلا تقابل بينهما باعتبار أنفسهما،ولا باعتبار التعلق عند تعدد الوقت،ومع هذا فوجود هذا النوع من التقابل كاف في تحقيق المطابقة متى وُجد.
تنبيه:
اتفق البلاغيون على أن الطباق هو الجمع بين الشيء وضده.لكن وجهات نظرهم اختلفت حول الرابط بين الدلالة الاصطلاحية والدلالة اللغوية،فمنهم من فهم المطابقة بمعنى الموافقة،في حين أن الجمهور ربطها بمطابقة البعير في مشيته،فرأوا أنّ البعير قد جمع بين الرجل واليد في موطئ واحد،والرجل واليد ضدان أو في معنى الضدين،فرأوا أن الكلام الذي جمع فيه بين الضدين يحسن أن يسمى مطابقا،فدلت المطابقة عندهم على المخالفة.وشذ عنهم ابن أبي الحديد الذي فهم من المطابقة معنى المشقة،فقال:الطبق في اللغة المشقة،
قال الله سبحانه: ﴿لتركبن طبقا عن طبق﴾ أي مشقة بعد مشقة،فلما كان الجمع بين الضدّين على الحقيقة شاقا بل متعذّرا،ومن عادتهم أن تعطى الألفاظ حكم الحقائق في نفسها،سمّوا كل كلام جمع فيه بين ضدين مطابقة.
ثانيا المقابلة
لقد عرفنا سابقا ؛ ان الطباق هو الجمع بين الشيء وضده في الكلام ، وهناك نوع آخر من المحسنات البديعية يشبه إلى حد بعيد الطباق ؛ ويسمى : المقابلة .
تأمل الأساليب التالية :
1 ـ قال رجل يصف آخر : " ليس له صديق في السر ، ولا عدوّ في العلانية ".
2 ـ قال الله تعالى : ( فَأمّا مَنْ أعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ) سورة الليل : الآيات من 5 إلى 10
3 ـ قال تعالى : ( فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً و لْيَبْكُوا كَثِيراً ) سورة التوبة : الآية 82
لعلك لاحظت إن الأسلوب الأول اشتمل في صدره على معنيين هما : ( صديق ـ و ـ السر ) ، واشتمل في عجزه على ما يقابل هذين المعنيين على الترتيب ( عدو ـ و علانية )
ماذا يسمى الكلام على هذا النحو ؟ ـ إنه يسمى ( المقابلة )
والآن تأمل النص القرآني ( المثال الثاني ) : إنه يوازن بين صنفين من الناس ، صنف يعطي من ماله ، ويتقي الله ، ويلتزم ما أُمر به ويؤمن بالدين ، وجزاء مثل هؤلاء الجنة ؛ يقابل ذلك على الترتيب؛ صنف يبخل بماله ، ويظن نفسه في غنى عن ربه ، و يكذِّب بدينه ، وجزاء مثل هؤلاء النار
ولعلك تلاحظ أن الآيات بينت ثلاث صفات من صفات أهل الجنة في صدر الآيات ، ثم قابلت على الترتيب ثلاث صفات أخرى من صفات أهل النار في عجز الآيات
ولعلك تستنتج مما سبق : أن المقابلة :هي أن يؤتى بمعنيين غير متقابلين أو أكثر ، ثم يؤتى بما يقابل ذلك على الترتيب
الفرق بين الطباق والمقابلة
ليتضح لك الفرق تأمل المثال الثالث قوله تعالى: ( فليضحكوا قليلا و ليبكوا كثيرا )
ـ ماذا تلاحظ ؟ سوف تلاحظ في صدر الآية الكريمة معنيين ( فليضحكوا ـ قليلا ) قابلهما معنيان آخران في عجز الآية هما : (وليبكوا ـ كثيرا )
ـ هل المعنيان :( يضحكوا ) و ( قليلا ) متقابلان ؟ هما غير متقابلين .
ـ هل المعنيان : (يبكوا ) و ( كثيرا ) متقابلان ؟ هما غير متقابلين .
ـ هل المعنيان : ( يضحكوا قليلا ) يقابلان المعنيين ( يبكوا كثيرا ) ؟ نعم هما متقابلان .
إذا ما هو الفرق بين الطباق والمقابلة ؟
ـ قلنا : إن الطباق هو الجمع بين الشيء الواحد وضده في الكلام
أمّا المقابلة : هي أن يؤتى بمعنيين غير متقابلين أو أكثر ، ثم يؤتى بما يقابل ذلك على الترتيب
ما هو الغرض البلاغي من المقابلة؟ للمقابلة أثر في المعنى والأسلوب. فالمعنى يزداد قوة ووضوحا حيث تعرض المتضادات في نسق يثير الانتباه إلى الفكرة فتزداد وضوحا وقوة في العقل ، ويشتد تقبل النفس لها ورسوخها فيه، ثم تكسب الكلام جرْسا موسيقيا ترتاح له الأذن وتلتذ له النفس .
يكمن الفرق بين المطابقة والمقابلة في وجهين
الأول – أن الطباق لا يكون إلا بين الضدين غالبا .
والمقابلة تكون لأكثر من ذلك ، كأن تكون مثلا بين أربعة أضداد : ضدين في صدر الكلام ، وضدين في عجزه .
وقد تصل المقابلة إلى الجمع بين عشرة أضداد : خمسة في الصدر ، وخمسة في العجز .
وقال علماء البديع : كلما كثر عددها كانت أبلغ . فمن مقابلة خمسة ألفاظ بخمسة أخرى ، قول أمير المؤمنين علي ( كرم الله وجهه) لعثمان بن عفان ( رضي الله عنهما ) : إن الحق ثقيل مري (يسهل بلعه ) ، والباطل خفيف وبيّ (من الوباء وهو: المرض ) ، وأنت رجل إذا صدقت سخطت ، وإن كذبت رضيت " .
الثاني – أن الطباق لا يكون إلا بالأضداد ، أما المقابلة بالأضداد وغير الأضداد ، ولهذا جعل ابن الأثير ،الطباق أحد
أنواع المقابلة ، ولكنها بالأضداد تكون أعلى رتبة ، وأعظم موقفا . ويضرب ابن حجة مثلا لذلك فيقول : " ومن معجزات هذا الباب قوله تعالى :
(( ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون )). فانظر إلى مجيء الليل والنهار في صدر الكلام ، وهما ضـدان ، ثم قابلهما في عجز الكلام بضدين ، وهما السكون والحركة ، على الترتيب ، ثم عبر عن الحركة بلفظ مرادف ، فاكتسب الكلام بذلك ضربا من المحاسن زائدا على المقابلة ، فإنه عدل عن لفظ الحركة إلى لفظ ابتغاء الفضل ، لكون الحركة تكون لمصلحة ، ومفسدة ، وابتغاء الفضل حركة المصلحة دون المفسدة ، وهي تشير إلى الإعانة بالقوة ، وحسن الاختيار الدال على رجاحة العقل ، وسلامة الحس ، وإضافة الطرف إلى تلك الحركة المخصوصة واقعة فيه، ليهتدي المتحرك إلى بلوغ المآرب ، ويتقي أسباب المهالك . والآية الكريمة سيقت للاعتداد بالنعم ، فوجب العدول عن لفظ الحركة إلى لفظ هو ردفه ، ليتم حسن البيان ،
فتضمنت هذه الكلمات التي هي بعض آية عدة من المنافع والمصالح، التي لو عددت بألفاظها الموضوعة لها لاحتاجت في العبارة عنا إلى ألفاظ كثيرة ، فحصل في هذا الكلام ، بهذا السبب ، عدة ضروب من المحاسن .
ألا ترى الله سبحانه وتعالى كيف جعل العلة في وجود الليل والنهار ، حصول منافع الإنسان ، حيث قال :" لتسكنوا ، ولتبتغوا " (بلام التعليل !) فجمعت هذه الكلمات من أنواع البديع : المقابلة ، والتعليل ، والإشارة ، والإرداف ، وائتلاف اللفظ مع المعنى ، وحسن البيان ، وحسن النسق ، فلذلك جاء الكلام متلائما ، آخذا بعضه بأعناق بعض ، ثم أخبرنا بالخبر الصادق : إن جميع ما عدده من النعم باللفظ الخاص ، وما تضمنته العبارة من النعم التي تلزم من لفظ الإرداف ، بعض رحمته ، ح كليث قال بحرف التبعيض : " ومن رحمته " . وهذا كله في بعض آية عدتها عشر كلمات ، فالحظ هذه البلاغة الباهرة والفصاحة الظاهرة