📁 آخر الأخبار

الاشتغال في النحو العربي

الاشتغال في النحو العربي

الاشتغال في النحو العربي


(يجوز رفع المشغول عنه ونصبه ، ولا داعي لذكر حالات الوجوب أو الترجيح ).


كان ذلك قرار مجمع اللغة العربية بالقاهرة عند مناقشته باب الاشتغال .

اسمحوا لي أيها الأحبة أن أقتطف لكم ما جاء في بحث يتناول القضية بشيء من التأمل ، وهو بحث منقول أرجو أن تكون فيه الفائدة .


"ويتفاوت أسلوب النحاة في تعريف الاشتغال بين الاختصار الذي لا يوضح أطراف الموضوع كلها والشرح المطول الذي يعرض القضية في صورتها المتكاملة.


تعريف اسلوب الاشتغال 

فالاشتغال هو:ـ

(أن يتقدم اسم، ويتأخر عنه فعل متصرف أو ما جرى مجراه قد عمل في ضمير ذلك الاسم أو في سببه، ولو لم يعمل فيه لعمل في الاسم المشتغل عنه أو موضعه).


وإذا جئنا إلى التعريفات الحديثة وجدناها تدور كذلك في الإطار نفسه، ومن هذه التعاريف: (أن يتقدم اسم واحد، ويتأخر عنه عامل يعمل في ضميره مباشرة، أو يعمل في سببي للمتقدم مشتمل على ضمير يعود على المتقدم، بحيث لو خلا الكلام من الضمير الذي يباشر العامل ومن السبب وتفرغ العامل للمتقدم لعمل فيه النصب لفظاً أو معنى كما كان قبل التقدم).



وأركان الاشتغال حسب ورودها أربعة:

الفعل المضمر،

والاسم المشغول عنه،

والفعل المفسِّر،

والمشغول والمشغول به،


ولكل واحد من هذه الأركان شروطه الكثيرة التي أسهب النحاة في سردها، ومن أمثلة أسلوب الاشتغال قوله تعالى "إني رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين".


فالشمس والقمر مفعول لفعل محذوف يفسره الفعل رأيتهم.

وفيما يتصل بالفعل المضمر وموافقته للفعل المظهر فإن صور الموافقة بينهما تتنوع بين الموافقة لفظاً ومعنى مثل


(زيداً أكرمته) والتقدير: أكرمت زيداً،


ومنه في القرآن الكريم "والسماء بنيناها".


والصورة الثانية للموافقة في المعنى دون اللفظ مثل:

(زيداً مررت به) والتقدير: جاوزت زيداً مررت به.


وقد أطال النحاة في شرح هذه المسألة إطالة يشوبها قدر كبير من المبالغة وافتراض كل الصور، ومن صور العلاقة بين الفعل المحذوف والفعل المذكور أن يخالفه من حيث اللفظ والمعنى معا، ولا يتم ذلك إلا بوجود قرينة تدل على هذه المخالفة مثل الإجابة: "كتاباً أقرؤه" على السؤال: ماذا اشتريت؟

فالمحذوف مخالف للمذكور لفظاً ومعنى هذا عن الركن الأول وهو الفعل المضمر، أما الركن الثاني وهو الاسم المشغول عنه فقد اختلف النحاة حول ناصبه فذهب الجمهور إلى أن المشغول عنه منصوب بفعل محذوف يفسره الفعل المذكور لأنه يدل عليه، ووجب الإضمار للاستغناء عنه، وهذا الرأي هو الذي ساد في كتب النحو وقام على أساسه باب الاشتغال في تراثنا النحوي، وذهب الكوفيون إلى أن المشغول عنه منصوب بالفعل المذكور بعده، ويتفرع داخل المدرسة الكوفية رأي آخر للفراء يذهب إلى إعمال الفعل المذكور في الاسم المشغول عنه والضمير معاً.


أما شروط المشغول عنه وهو الاسم المتقدم على الفعل المشغول فهي كثيرة منها التقدم وعدم التعدد مع اتحاد العامل، وقابليته للإضمار والافتقار لما بعده وأخيراً ألا يكون نكرة محضة، وتتوافر الشروط كلها في مثل (زيداً أكرمته).


وثالث أركان الاشتغال هو الفعل المشغول وهو العامل الذي اشتغل عن العمل في الاسم المتقدم بالعمل في ضميره أو سببيه فإن من شروطه اتصاله بالاسم السابق وصلاحيته للعمل في ما قبله والاشتغال عن الاسم السابق بضميره، وأخيراً موافقته للفعل المفسِّر المحذوف.

وآخر أركان الاشتغال هو الشاغل أو المشغول به، وهو ما اشتغل به العامل عن العمل في الاسم المتقدم، ومن شروطه أن يكون ضميراً معمولاً للشاغل وأن تتحد وجهة ناصب المشغول عنه والشاغل.


ويجوز حذف هذا الشاغل كما في قوله تعالى "وكلا وعد الله الحسنى"، والتقدير: وكلا وعده، وكذلك قول الشاعر:

حميت حمى تهامة بعد نجد ***** وما شيء حميت بمستباح

والتقدير: وما شيء حميته.


أما عن أحكام الاشتغال الإعرابية فهي خمسة أحكام:

وجوب النصب

وترجيح النصب،

واستواء الرفع والنصب،

وترجيح الرفع،

ووجوب الرفع.


ويمثل الحكم الأول، وهو وجوب النصب، الشكل الآتي:

أداة تختص بالدخول على الفعل + اسم + فعل + ضمير أو سبب منصوب كما في قول الشاعر:

لا تجزعي إن منفسا أهلكته***** وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي


والحكم الثاني ترجيح النصب مع جواز الرفع يمثله الشكل الآتي:

اسم + فعل طلبي + ضمير أو سببي منصوب.

ومنه قول الشاعر:

هريرة ودّعها وإن لام لائم ***** غداة غد أم أنت للبين واجم


والحكم الثالث وهو استواء النصب والرفع فيمثله الشكل الآتي:

جملة ذات وجهين + عاطف + اسم + فعل + ضمير أو سببي منصوب والجملة ذات الوجهين هي الجملة التي صدرها اسم وخبرها فعل مثل


(زيد قام وعمرو أكرمته) فيستوي رفع كلمة عمرو ونصبها.


والحكم الرابع للمشغول عنه هو اختيار الرفع وترجيحه على النصب فيمثله الشكل الآتي:

اسم + فعل + ضمير أو سبب منصوب

وذلك عندما لا يوجد موجب للنصب أو الرفع أو ما يرجح النصب أو ما يجوز فيه الأمران على السواء، ومنه قول الشاعر:


قد أصبحت أم الخيار تدعي ***** عليَ ذنباً كله لم أصنع

برفع (كله) والتقدير لم أصنعه.


وقد ذهب مجمع اللغة العربية بالقاهرة إلى أن الصيغة الأساسية للباب

(محمد رأيته) يجوز فيها الوجهان النصب على المفعولية والرفع على الابتداء، أي جواز استواء الأمرين.

وآخر الأحكام وجوب الرفع، ويخرج هذا القسم من الاشتغال لأن تعريف الاشتغال يعني خصوص النصب.

وإنما جاء ذكره على سبيل الضرورة في تتميم ذكر الأقسام.

وقد دار خلاف بين النحاة حول موقع جملة الاشتغال من الإعراب. وجملة الاشتغال جملة تفسيرية عند النحاة بلا خلاف، والجملة التفسيرية من الجمل التي ليس لها محل من الإعراب عند النحاة وهي كما يقول ابن هشام

(الفضلة الكاشفة لحقيقة ما تليه).


وذهب الشلوبين إلى أن موقع الجملة المفسرة يتحدد بحسب ما تفسره فلا يكون لها موضع في مثل (زيداً ضربته) لأن الجملة المفسرة أيضاً ليس لها موقع، وتكون جملة الاشتغال في محل رفع في مثل قوله تعالى "إنا كل شيء خلقناه بقدر" وذلك لأن المفسر في محل رفع خبر إنَّ، وهو رأي يلقى قبولاً عند المحدثين.


وإذا كان باب الاشتغال يقوم في جوهره عند النحاة على عدم جواز إعمال الفعل في الاسم الظاهر وضميره معاً فإن الباب يواجه اعتراضاً في أصله وذلك عند كثير من المحدثين الرافضين لفكرة العامل، وذلك انطلاقاً من أن العوامل في النحو تختلف عن مثيلاتها من العوامل الأخرى فهي ليست طبيعية وإنما هي من صنع المتكلم ويمكن له أن يغفلها ولكنه يكون قد خالف القواعد النحوية، فقاعدة النحاة أن لكل منصوب ناصباً هي التي حملتهم على ذلك التقدير غير اللازم.


وقد كان قرار مجمع اللغة العربية بالقاهرة عند مناقشته باب الاشتغال أنه "يجوز رفع المشغول عنه ونصبه ولا داعي لذكر حالات الوجوب أو الترجيح، وتردَ أمثلة هذه الحالات إلى أبوابها من كتب النحو".

تعليقات