الاستعارة باعتبار ذاتها
الاستعارة باعتبار ذاتها في البلاغة العربية
الاستعارة من أرقى أنواع المجاز في البلاغة، وتتعدد تقسيماتها بحسب الزاوية التي ننظر منها، ومن أشهر هذه الزوايا الاستعارة باعتبار ذاتها، والتي تناولها العلماء كالعلامة القزويني وأبو يعقوب السكاكي وغيرهما.
تعريف الاستعارة التحقيقية عند القزويني
ذكر القزويني أن الاستعارة قد تُقيَّد بما يُسمى بـالاستعارة التحقيقية، وهي:
الاستعارة التي يتحقق معناها حسًا أو عقلاً، أي أن المعنى الذي يُنقل إليه اللفظ المجازي يكون مدركًا بالحس أو بالعقل.
وهذا النوع من الاستعارة يُفهم فيه المعنى المجازي على نحو واضح، بحيث يمكن الإشارة إليه حسياً أو عقلياً.
أمثلة على الاستعارة التحقيقية
-
الاستعارة الحسية:
-
قولك: "رأيت أسدًا" وأنت تقصد رجلاً شجاعًا.
-
فـ"الأسد" في الأصل حيوان مفترس، ولكن المعنى هنا محسوس من حيث الشجاعة والهيبة.
-
-
الاستعارة العقلية:
-
قولك: "أبديت نورًا" وأنت تقصد "حجةً".
-
فـ"النور" ليس محسوسًا هنا، بل هو تعبير عن شيء يُدرك بالعقل، وهو وضوح الحجة وقوتها.
-
إشارة قرآنية الاستعارة في اهدنا الصراط المستقيم
من الاستعارات العقلية الجميلة في القرآن الكريم قوله تعالى:
﴿اهدنا الصراط المستقيم﴾
فـ"الصراط المستقيم" ليس طريقًا حسيًا، بل هو الدين الحق، ويُراد به طريق الهداية العقلي والروحي. ومن هنا، فهذه استعارة عقلية بديعة.
الفرق بين الاستعارة المكنية والتخيلية عند القزويني
أشار القزويني إلى أن الفرق بين الاستعارة المكنية والاستعارة التخيلية ليس واضحًا تمامًا في كلامه. لكنه أشار إلى الترشيح كعنصر من عناصر الجمال في الاستعارة، كما في بيت الشاعر:
واللازم المذكور في بيت أبي ذؤيب ترشيح.
والترشيح هو: استخدام ألفاظ تُناسب المستعار له والمستعار منه معًا لتأكيد الصورة المجازية.
رأي صاحب الطراز في الفرق بين الاستعارة التحقيقية والخيالية
فرّق صاحب الطراز بين نوعين من الاستعارة بحسب ما إذا كان التشبيه مفهوماً أو لا:
1. الاستعارة التحقيقية
-
إذا كانت الاستعارة لا يُفهم منها معنى التشبيه لا من قريب ولا من بعيد.
-
مثال:
"أثمرت أغصان راحته لجناة الحسن عنابًا"
-
لا يُفهم منها تشبيه ظاهر، بل الصورة المجازية مقبولة وكأنها حقيقة.
-
2. الاستعارة التخيلية
-
هي التي يفهم منها معنى التشبيه الخيالي، أي تشبيه لا يتحقق في الواقع وإنما يتصوره الذهن فقط.
-
مثال قرآني:
﴿بل يداه مبسوطتان﴾
-
فليس المقصود يدًا حقيقية، بل استعارة تخيلية تعبر عن الكرم والجود.
-
ومن هنا، يرى صاحب الطراز أن كل آيات التشبيه في القرآن الكريم هي من باب الاستعارة التخيلية.
خلاصة الفرق بين أنواع الاستعارة باعتبار ذاتها
نوع الاستعارة | التعريف | المثال | نوع الإدراك |
---|---|---|---|
التحقيقية (الحسية) | نقل لفظ لما يُدرك بالحس | "رأيت أسدًا" | محسوس |
التحقيقية (العقلية) | نقل لفظ لما يُدرك بالعقل | "أبديت نورًا (حجة)" | معقول |
التخيلية | تشبيه لا يوجد في الواقع، وإنما في الخيال | "يداه مبسوطتان" | خيالي |
خاتمة عن الاستعارة باعتبار ذاتها
الاستعارة باعتبار ذاتها تفتح لنا بابًا لفهم دقيق لمستويات المجاز في اللغة العربية. فهي تكشف عن مدى الإبداع البلاغي والقدرة على التعبير المجازي الذي يصل بالقارئ إلى إدراك المعنى من خلال الحس أو العقل أو الخيال. وهي بهذا تعكس عبقرية اللغة العربية وقدرتها على التعبير الفني الدقيق والعميق.