النهي عن خدمة السلطان وإتيان الملوك
النهي عن خدمة السلطان وإتيان الملوك
" لقى أبو جعفر سفيانَ الثوريّ في الطواف، فقال:
ما الذي يمنعك أبا عبد الله أن تأتينا؟ قال:
إن الله نهانا عنكم فقال:
" وَلاَ تَرْكَنُوا إلى الذين ظَلَمُوا فَتَمَسَّكم النار " . وقدِمَ هِشامُ بن عبد الملك المدينة لزيارة القَبر، فدخل عليه أبو حازم الأعرج، فقال:
ما يمنعك أبا حازم أن تأتينا؟ فقال:
وما أصنع بإتيانك يا أمير المؤمنين، إن أدْنيتني فَتَنْتَني، وإن أقصيتني أخزَيْتني، وليس عندي ما أخافك عليه، ولا عندك ما أرجوك له " .
قال عمرُ بنُ الخطّاب رضي الله عنه:
مَن دخل على المُلوك خَرج وهو ساخِطٌ على اللّه. أرسل أبو جعفر إلى سُفْيانَ، فلما دَخل عليه قال:
سَلني حاجتك أبا عبد الله؟ قال:
وتَقْضيها يا أمير المؤمنين؟ قال:
نعم، قال:
فإنّ حاجتي إليك أن لا تُرْسِل إليَّ حتى آتيك؛ ولا تُعْطِيني شيئاً حتى أسألك، ثم خرج. فقال أبو جعفر:
أَلْقَيْنا الحَبَّ إلى العُلماء فلَقَطوا إلا ما كان من سُفيان الثَّوْرِي، فإنه أعيانا فِراراً. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
الدُّخولُ على الأغنياء فِتْنَةٌ للفقراء.
وقال زِيادٌ لأصحابه:
مَنْ أغبطُ الناس عيشاً؟ قالوا:
الأميُر وأصحابه؟ قال:
كلاّ، إِنّ لأعْواد المنْبَر لَهَيْبةً، ولقَرْع لِجَام البريد لَفَزْعة، ولكنَّ أَغبطَ الناس عيشاً رجلٌ له دار يَسْكُنُها، وزَوْجَة صالحة يأوي إليها، في كَفَاف من عَيْش، لا يَعْرفنا ولا نَعْرفه، فإن عَرَفنا وعرفْناه أَفْسَدْنا " عليه " آخرته ودُنياه وقال الشاعر:
إِنَّ الملوك بلاءٌ حيثُما حَلُّوا
***
فلا يَكُنْ لك في أكنافِهم ظِلُّ
ماذا تُريد بقَوْمٍ إِنْ هُمُ غَضبُوا
***
جارُوا عليك وإن أَرْضَيْتهم مَلُّوا
فاسْتَغْنِ باللّهِ عنَ إتْيَانهم أبداً
***
إنّ الوُقوف على أبوابهم ذلُّ
وقال آخر:
لا تصحبنَّ ذَوي السُّلطان في عَملٍِ
***
تُصْبِح عَلَى وَجَلٍ تمسْي عَلَى وَجَل
كُل الترابَ ولا تَعْملِ لهم عملاً
***
فالشرُّ أَجْمَعُه في ذلك العَمَل
وفي كتاب كليلة ودِمْنة:
صاحبُ السلطان مثلُ راكب الأسد لا يَدْرِي متى يَهيجُ به فَيَقْتُله. دخل مالكُ بنُ دِينار على رَجُل في السِّجن يَزوره، فنظر إلى رجل جُنْديّ قد اتّكأ، في رِجلَيه كُبُول قد قَرَنت بين سَاقَيْه، وقد أتِي بسُفْرة كثيرة الألوان، فدعا مالكَ بنَ دِينار إلى طَعامه؟ فقال له:
أخشى إن أكلتُ من طَعامك هذا أن يُطْرَح في رجليّ مثلُ كُبولك هذه.
وفي كتاب الهِنْد:
السلطانُ مثلُ النار، إن تباعدتَ عنها احتجتَ إليها، وإن دنوتَ منها أحْرقَتك. أيوب السِّخْتياني قال:
طُلب أبو قِلابة لِقَضاء البَصْرة فهَرب منها إلى الشام، فأقامَ حيناً ثم رَجع. قال:
أيوب. فقلتُ له:
لو وَليتَ القَضاء وعَدلْت كان لك أجران؟ فقال يا أيّوب، إذا وقعِ السابحُ في البحر كَم عسى أَنْ يَسْبح؟ وقِال بَقيّة:
قال لي إبراهيم:
يا بَقِيّة، كن ذَنبا ولا تَكن رَأْسا، فإنّ الرأسَ يهلك والذَّنب ينجو.
ومن قولنا في خِدْمة السلطان وصُحبته:
تجَنَّب لِباس الخَزّ ِإنْ كنْت عاقلاً
***
وَلا تَخْتَتِمْ يوماً بفَصِّ زَبَرْجَدِ
ولا تتطيَّب بالغَوالي تَعَطُّرًا
***
وَتَسْحَبَ أذْيَالَ المُلاَءِ المعضَّد
وَلاَ تَتَخَيَّر صَيِّتَ النًعْل زَاهِيًا
***
ولا تَتَصَّدر في الفِرَاش المُمَهَّد
وكُنْ هَمَلاً في الناس أغْبَرَ شاعثاً
***
تَرُوحُ وَتَغْدُو في إزارٍ وَبُرْجُد
يَرَى جِلْد كَبْشٍ، تحتَهُ كلما استوَى
***
عليْه، سِريراً فَوْقَ صَرْحٍ ممَرَّد
ولا تَطْمَح العينَان منك إلى امرىءٍ
***
له سَطَوَاتٌ باللِّسان وباليَد
تراءَتْ له الدُّنيا بزِبْرج عَيْشِهِا
***
وقادَتْ له الأطماع من غيره مقوَد
فأسْمَنَ كَشَحَيْهِ وأهْزَلَ دِينه
***
وَلم يَرتَقِب في اليوم عاقبةَ الغد
فيوماً تراهُ تحت سَوْطٍ مُجَرَّداً
***
وَيوماً تَرَاه فوق سرجِ مُنَضَّد
فَيُرْحَم تاراتٍ وَبُحْسَدُ تارةً
***
فذا شرُّ مَرْحُوم وَشرُّ مُحَسَّد
النهي عن خدمة السلطان وإتيان الملوك
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب الزمردة في المواعظ والزهد ﴿ 22 ﴾
۞۞۞۞۞۞۞۞النهي عن خدمة السلطان وإتيان الملوك
النهي عن خدمة السلطان وإتيان الملوك