📁 آخر الأخبار

صفة الدنيا باب صفة الدنيا


صفة الدنيا باب صفة الدنيا

صفة الدنيا باب صفة الدنيا

۞۞۞۞۞۞۞

قال رجُل لعلي بن أبي طالب كرم الله وَجْهَه:
 يا أميرَ المؤمنين، صِفْ لنا الدّنيا.
قال:
 صِف لنا الدنيا. فقال:
 ما أصِف من دار أولها فَوْت، وآخرها مَوْت. وقيل لحكيم:
 صف لنا الدنيا. قال:
 أمَل بين يديك، وأجَل مُطِل عليك، وشَيْطان فتّان، وأمانِيُّ جرّارة العِنَا؛ تدعوك فَتستجيب، وترجُوها فتَخيب. وقيل لعامر بن عبد القيس:
 صف لنا الدنيا. قال:
 الدنيا والدةٌ للموت، ناقضة للمُبْرَم، مُرْتجعة للعطية، وكلُّ مَن فيها يجري إلى ما لا يدري. وقيل لبَكر بن عبد الله المُزنيّ:
 صِف لنا الدنيا. فقال:
 ما مَضى منها فَحُلم، وما بَقي فأمانيّ، وقيل لعبد الله بن ثَعْلبة:
 صِف لنا الدنيا قال:
 أمسُكَ مَذْموم منك، ويومُك غير محمود لك، وغَدك غير مأمون عليك. وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
 الدنيا سِجْن المُؤمن وجنَّة الكافر. وقال:
 الدنيا عرَضٌ حاضرِ، يأْكُل منه البرّ والفاجر، والآخرة وَعْد صِدْق يحكم فيها ملك قادر، يفصل الحقّ من الباطل. وقال:
 الدنيا خَضرِة حًلْوَة، فمن أَخذها بحقّها بُورك له فيها، ومَن أخذها بغير حقّها كان كالآكِل الذي لا يَشْبع. وقال ابن مَسعود:
 ليس من الناس أَحدٌ إلا وهو ضَيْف على الدنيا ومالُه عارية، فالضَّيْف مُرْتحِل، والعارية مردودة. وقال المسيح عليه السلام:
 الدنيا لإبليس مزْرَعة وأهْلُها حُرَّاث. وقال إبليسُ:
 ما أُبالي إذا أحَب الناس الدنيا أن لا يَعْبُدوا صَنما ولا وَثَنا، الدنيا أفتنُ لهم من ذلك، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يُسمِّي الدنيا أمّ ذَفَر. والذفر:
 النتن. وقال النبي صلى الله عليه وسلم للضحَّاك بن سُفيان:
 ما طعامُك؟ قال:
 اللحم واللبن؛ قال:
 ثم إلى ماذا يَصير؟ قال:
 يصير إلى ما قد علمت؛ قال:
 فإنّ الله عزّ وجلّ ضَرَب ما يخرج من ابن آدم مثلاً للدنيا. وقال المسيحُ عليه السلام لأصحابه:
 اتخذوا الدنيا قَنطرة فاعبرُوها ولا تَعْمُروها. وفي بعض الكتب:
 أوحى اللهّ إلى الدنيا:
 من خَدمني فاخدُميه، ومَن خدمك فاستخدميه. وقيل لنُوح عليه السلام:
 يا أبا البَشر ويا طويل العُمر، كيف وجدتَ الدنيا؟ قال:
 كَبَيْتٍ له بابان، دخلتُ من أحدهما وخرجتُ من الآخر. وقال لُقمان لابنه:
 إنّ الدنيا بَحْرٌ عريض، قد هلك فيه الأوَلون والآخِرون، فإن استطعت فاجعل سَفِينتك تقوى اللّه، وعدَتك التوكُّل على اللّه، وزادك العملَ الصالح، فإن نجوتَ فبرحمة اللّه، وإن هلكت فبذنوبك. وقال محمد بن الحنفيّة:
 من كرُمت عليه نفسُه هانت عليه الدنيا. وقال:
 إنّ المُلوك خَلَّوْا لكم الحِكمة فَخلُوا لهم الدنيا. وقيل لمحمد بن واسع:
 إنك لترضى بالدُّون؛ قال:
 إنما رَضي بالدُون من رضي بالدنيا. وقال المسيحُ عليه الصلاة والسلام للحواريين:
 أنا الذي كفأتُ الدنيا علىِ وَجهها، فليس لي زوجةٌ تموت ولا بَيْت يَخْرَب. شكا رجل إلى يُونس بن عُبيد وَجَعاَ يَجده؛ فقال له:
 يا عبد الله، هذه دار لا توافقك، فالتمس لك داراً تُوافقك. لقي رجلٌ راَهِباً، فقال:
 يا راهب، صِف لنا الدنيا؛ فقال:
 الدنيا تُخْلِق الأبدان، وتُجَدِّد الآمال، وِتباعد الأمْنِيّة، وتُقَرِّب المنيَّة، قال:
 فما حالُ أهلها؟ قال مَنْ ظَفِرَ بها تَعِب، ومن فاتْته نصِب؟ قال:
 فما الغِنى عنها؟ قال:
 قَطْعُ الرَّجاءِ منها، قالت:
 فأين المَخْرَج؟ قال:
 في سُلوك المَنْهَج؟ قال:
 وما ذاك؟ قال بَذْل المجهود، والرِّضا بالمَوْجود. قال الشاعر:

ما الناسُ إلا مع الدنيا وصاحبها
***
 فحيثما انقلبت يوماً به انقلبوا
يُعظِّمون أخا الدنيا وإن وَثَبت
***
 يوماً عليه بما لا يَشْتَهي وَثبوا
وقال آخر:

يا خاطبَ الدنيا إلى نفسه
***
 تَنَحَ عن خطبتهْا تَسْلَم
إنً التيَ تَخْطُبُ غَزَارَةٌ
***
 قريبةُ العُرْس من المَأْتَم
داود بن المُحَبَّر قال:
 أخبرنا عبدُ الواحد بن الخطاب قالت:
 أقبلنا قافلين من بلاد الروم حتى إذا كُنَّا بين الرُّصافة وحِمْص، سمعنا صوتاً من تلك الجبال، تَسمعه آذاننا ولا تُبصره أبصارنا، يقول:
 يا مَسْتُوريا مَحْفوظ، انظر في سترْ مَن " وحِفْظ مَن " أنت، إنما الدنيا شَوْك، فانظر أين تَضَع قدمَيْك منها. وقال أبو العتاهية:


رَضيت بذي الدنيا كَكُل مُكاثر
***
 مُلِحّ على الدنيا وكلِّ مُفاخِر
أَلم تَرَهَا تَسْقِيه حتى إذا صَبا
***
 فَرَت حَلْقَه منها بِشَفْرة جازر
" ولا تَعْدلُ الدنيا جَناح بَعُوضة
***
 لدى الله أو مقدارَ نَغْبْةِ طائر "
فلم يَرْضَ بالدنيا ثواباً لمُؤْمن
***
 ولم يَرْضَ بالدنيا عِقاباً لكافر
وقال أيضاً:

هي الدنيا إذا كَمُلتْ
***
 وتَمَّ سرُورُها خَذَلتْ
وتَفعل في الذين بَقوا
***
 كما فيمن مَضى فَعلتَ
وقال بعضُ الشعراء يصف الدنيا:

لقد غرت الدنيا رجالاً فأصبحوا
***
 بمنزلةٍ ما بعدها متحوَّلُ
فساخِطُ أَمْر لا يًبَدَّلُ غيرَه
***
 ورَاضٍ بأمر غيرَه سيبدلُ
وبالغُ أمر كان يأمًل دونه
***
 ومخْتَرَم من دون ما كان يأمُل
وقال هارون الرشيد:
 لو قيل للدنيا صِفي لنا نفسك، وكانت ممّن يَنْطق، ما وَصفت نفسها بأكثر من قول أبي نُواس:

إذا امتحن الدنيا لبيبٌ تكَشَّفت
***
 له عن عدوٍّ في ثِياب صديقِ
وما الناسُ إلا هالكٌ وابن هالكٍ
***
 وذو نسَبٍ في الهالكين عَريق
وقال آخر في صفة الدنيا:

فَرُحْنا وراح الشَامِتون عَشِيَّةً
***
 كأَنَّ عَلَى أكتافنا فِلَق الصًخْرِ
لحا الله دُنيا يَدْخل النارَ أَهْلُها
***
 وتَهْتك ما بين الأقارب من سِتر
ولأبي العتاهية:

كُلَّنَا يُكثر الملامةَ للدن
***
 يا وكل بِحُبِّها مَفْتُون
والمقاديرُ لا تناوَلُها الأوْ
***
 هام لُطْفاَ ولا تراها العُيون
ولركب الفَناء في كلِّ يومٍ
***
 حَرَكات كَأنَّهنَّ سُكون
ومن قولنا في وصف الدنيا:

ألا إنما الدُّنيا نضارة أَيْكةٍ
***
 إذا اخضرَّ منها جانبٌ جَفَّ جانبُ
هِيَ الدَّار ما الآمالُ إلا فَجَائع
***
 عليها ولا اللَذًاتُ إلا مصائب
فكم سَخُنت بالأمس عين قَرِيرة
***
 وقَرَّت عُيُون دمعُها اليوم ساكِبُ
فلا تَكْتَحلْ عَيْناك فيها بِعَبْرَة
***
 على ذاهب منها فإنك ذاهب
وقال أبو العتاهية:

أَصْبَحَتْ الدنيا لنا فتنةً
***
 والحمد للّه على ذلِكَا
قد أَجْمَعَ الناسُ على ذَمِّهَا
***
 ولا أرى منهمْ لها تارِكا
وِّقال إبراهيم بن أدهم:

نُرَقع دُنْيانا بِتَمْزيقِ دِيننا
***
 فلا دينُنا يَبقى ولا ما نُرَقِّع
وما سمعتُ في صفة الدُنيا والسبب الذي يُحبها الناسُ لأجله بأبلغ من قول القائل:

نراع بِذْكر المَوت في حين ذِكْره
***
 وتَعْترض الدنيا فَنَلْهُو ونَلْعَبُ
ونحن بنُو الدُّنيا خُلِقْنا لغَيرها
***
 وما كنتَ منه فهو شيء مُحبب
فذكر أن الناس بنو الدنيا وما كان الإنسان منه فهو محبّب إليه.
واعلم أنّ الإنسانَ لا يُحبّ شيئاً إلاّ أن يُجانَسه في بعض طبائعه، وأنّ الدنيا جانَسَت الإنسان في طبائعه كلها فأحبَّها بكل أطرافه.
وقال بعض ولد ابن شُبْرمة:
 كنتُ مع أبي جالساً قبل أن يلي القضاء فمر به طارقُ بن أبي زياد في مَوْكب نبيل، فلما رآه أبي تَنفَس الصُّعَدَاء وقال:

أراها وإنْ كانت تُحَبُّ كأنَّها
***
 سحابةُ صَيْفٍ عن قلِيل تقشعُ
ثم قال:
 اللّهم لي دِيني ولهم دُنياهم. فلما ابتلى بالقْضاء، قلتُ:
 يا أبتِ، أتذكر يومَ طارق؟ فقال:
 يا بُنِى، إنهم يَجدون خَلَفاً من أبيك وإنّ أباك لا يَجد خَلَفاً منهم، إنّ أباك خَطَب في أهوائهم، وأكل من حَلْوائهم.
وقال الشَّعبي:
 ما رأيتُ مَثَلَنا ومثِلَ الدنيا إلا كما قالت كُثَيِّر عَزَّة:

أسِيئي بنا أَوْ أَحْسني لاَ مَلومةَ
***
 لَدَينا ولا مَقْلِيةً إن تَقَلَّتِ
وأحكُم بيتٍ قيل في تَمْثِيل الدنيا قولُ الشاعر:

ومَن يأمَن الدنيا يكن مثلَ قابض
***
 على الماء خانَتْه فُروجُ الأصابع
وحَدّث العبّاس بن الفَرج الرِّيَاشي قال:
 رأيت الأصمعيّ يُنْشد هذا البيتَ ويستحسنه في صفة الدنيا:


ما عذر مُرْضِعَةٍ بكا
***
 س الموت تَفْطِم مَنْ غَذَتْ
ولقَطَهريّ بن الفُجاءة في وَصف الدُّنيا خُطْبَةٌ مجرَّدة تَقَع في جملة الخُطَب في كتاب الواسطة.
صفة الدنيا باب صفة الدنيا
صفة الدنيا باب صفة الدنيا

۞۞۞۞۞۞۞۞
 كتاب الزمردة في المواعظ والزهد ﴿ 10 ﴾ 
۞۞۞۞۞۞۞۞
صفة الدنيا باب صفة الدنيا
صفة الدنيا باب صفة الدنيا
صفة الدنيا باب صفة الدنيا
صفة الدنيا باب صفة الدنيا


تعليقات