قولهم في الخوف قولهم في الخوف
قولهم في الخوف قولهم في الخوف
سُئل ابن عباس عن الخائفين للّه، فقال:
هم الذي صَدَقُوا الله في مَخَافَة وعيده، فقلوبهم بالخَوْف قَرِيحة، وأعينُهم على أنفسهم باكِية، ودُموعهم على خدودهم جارية، يقولون:
كيف نَفْرح والموتُ من ورائنا، والقُبورُ من أمامنا، والقيامة مَوْعدنا، وعلى جهنَّم طريقُنا، وبين يدي ربنا مَوْقفنا.
وقال عليّ كَرم الله وجهَه:
ألا إنّ للّه عباداً مُخْلصين، كمَن رأى أهلَ الجنَّة في الجنَّة فاكهين، وأَهْل النار في النار مُعذَّبين، شرُورُهم مأمونة، وقُلوبهم مَحزونة، وأنفسُهم عفيفة، وحوائجهم خَفيفة، صَبَرُوا أيًاماَ قليلة، لِعُقْبى راحة طويلة؛ أمّا بالليل فَصَفُوا أقدامَهم في صَلاتهم، تَجْري دُموعُهم على خُدُودهم، يَجْأَرون إلى ربِّهم:
ربَّنا ربنا، يَطلبون فَكاك قُلوبهم:
وأمَّا بالنهار فُعلماء حُلماء، بَررة أَتْقياء، كأنهم القِداح - القِداح:
السهام، يريد في ضُمرتها - يَنْظر إليهم الناظرُ فيقول:
مَرْضىَ، وما بالقوم من مَرض، ويقول:
خُولطوا، ولقد خالط القومَ أمرٌ عظيم.
وقال منصور بن عَمَّار في مجلس الزهد:
إن للهّ عباداً جعلوا ما كُتب عليهم من الموتِ مثالاً بين أعينهم، وقطعوا الأَسباب المُتَّصلة بقلُوبهم من عَلائق الدنيا، فهم أنضاءُ عبادته، حُلفاء طاعته قد نَضَحوا خُدودهم بوابل دُموعهم، وافترشوا جِبِاهَهم في مَحاريبهم، يناجون ذا الكِبْرياء والعَظمة في فكاك رِقابهم.
ودَخل قوم على عُمر بن عبد العزيز يَعودونه في مَرضه، وفيهم شابٌّ ذابل ناحِل. فقال له عُمر:
يا فتى، ما بَلغ بك ما أَرى؟ قال:
يا أميرَ المؤمنين، أمراضُ وأسقام. قال له عمر:
لَتَصْدُقَنِّي. قال:
بلى يا أمير المؤمنين، ذُقت يوماً حلاوةَ الدنيا فوجدتُها مُرَّةً عواقُبها، فاستوى عندي حَجَرُها وذَهَبُها، وكأَنِّي أنظر إلى عَرْش ربِّنا بارزاً، وإلى الناس يُسَاقون إلى الجنة والنار، فأظمأْتُ نَهاري، وأسْهَرْتُ ليلي، وقليلٌ كلُّ ما أنا فيه في جنْب ثواب الله وخوف عقابه.
وقال ابن أبي اَلحَواريّ:
قلت لسُفيان:
بلغني في قول الله تبارك وتعالى:
" إلاَ مَنْ أتىَ الله بِقَلْب سَلِيم " الذي يَلْقى ربَّه وليس فيه أَحَدٌ غَيْره. فبكى وقال:
ما سمعتُ منذ ثلاثين سنةً أحسَنَ من هذا التفسير. وقال الحسنُ:
إنّ خوفك حتى تلقى الأمنَ خيرٌ من أمنك حتى تَلقى الخوف. وقال:
ينبغي أن يكوِن الخوفُ أغلبَ على الرجاء، فإنّ الرجاء إذا غَلَب الخوفَ فَسَد القلبُ. وقال:
عجباَ لمَن خافَ العِقَابَ ولم يَكُف، ولمَن رَجا الثوابَ ولم يَعْمل.
وقال علي بن أبي طالب كرَّمَ الله وجَهه لرجل:
ما تَصْنع؟ فقال:
أرجو وأخاف، قال:
مَن رجا شيئاً طلبه، ومَن خاف شيئاً هرب منه. وقال الفضَيْل بن عياض:
إني لأسْتَحِي من الله أن أقول:
تَوَكلت على اللّه، ولو توكلت عليه حقَّ التوكل ما خِفْتُ ولا رَجَوْتُ غيره. وقال:
مَن خاف الله أخاف الله منه كل شيء، ومَن لم يَخف الله أخافَه الله من كل شيء. وقال:
وعْد من اللهّ لمَن خافَهُ أن يُدْخِله اللَهُ الجنةَ، وتلا قولَه عزَّ وجَلّ:
" وَلمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّه جَنَّتَان " .
وقال عمر بن ذَرّ:
عبادَ اللّه، لا تَغترُّوا بطول حِلْم الله، واحذروا أَسَفَه، فإنه قال عزِّ وجلّ:
" فلمَّا آسُفونا آنْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فأغْرَقْناهم أَجْمَعين. فجعلناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً للآخِرين " . وقال محمد بن سَلاّم:
سمعت يونس بن حَبيب يقول:
لا تأمن مَن قَطع في خمسة دراهم أشرَفَ عُضو فيك أن تكون عُقُوبته في الآخرة أضعافَ ذلك. وقال الربيعُ بن خُثَيم:
لو أَنَّ لي نَفْسَين إذا غَلِقَتْ إحداهما سَعَت الأخرى في فَكاكِها، ولكنها نفس واحدة، فإن أنا أوثقتُها مَنْ يَفْكّها؟ وفي الحديث:
مَن كانت الدنيا هَمَّه طال في الآخرة غَمُّه، ومَن أُخْلِف الوعيدَ لها عما يُريد، ومَن خاف ما بين يَدَيه ضاق ذَرْعاً بما في يديه.
وقال محموِد الورٍّاق:
يا غافلاَ تَرْنو بِعَيْنَي راقد
***
ومُشَاهِداً للأمر غيرَ مُشَاهِدِ
تَصِلُ الذُّنوب إلى الذُّنوب وَتَرْتَجيِ
***
عَرَكَ الجنَان بها وفَوْزَ العَابِد
ونسيتَ أَنّ الله أَخْرَجَ آدمَاَ
***
منها إلى الدُنيا بِذَنبِ واحد
وقال نابغة بني شَيْبَان:
إنّ مَنْ يَرْكَبُ الفواحشَ سِرَّاً
***
حين يَخلو بسرِّه غيرُ خالي
كيف يَخْلو وعنده كاتبَاه
***
شاهدَاه وربُّه ذو الجَلال
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب الزمردة في المواعظ والزهد ﴿ 11 ﴾
۞۞۞۞۞۞۞۞
قولهم في الخوف قولهم في الخوف