من رثى إخوته من رثى إخوته
من رثى إخوته من رثى إخوته
الرِّياشي قال:
صَلَّى مُتَمِّم بن نوَيْرة الصُّبح مع أبي بكر الصِّدِّيق رضي الله تعالى عنه، ثم أنشد:
نِعْم القَتِيلُ إذا الرِّياحُ تَنَاوَحَتْبين البيُوت قَتَلْت يا بنَ الأزْور
أدعَوْتَه باللّه ثم قَتَلْتَهلو هو دَعاكَ بِذِمَّة لم يَغْدِر
لا يُضْمِر الفَحْشاءَ تحت رِدَائه
***
قال:
ثمّ بكى حتى سالت عَينُه العَوْراء. قال أبو بَكر:
مَا دعوتُه ولا قتلتُه.
وقال مُتَمِّم:
ومُسْتَضْحِكٍ منّي أدّعى كَمصيبتي
***
وليس أخو الشَّجْو الحَزِين بضاحكِ
يَقُول أتَبكي مِن قُبُور رأيتَها
***
لِقَبْر بأطْراف المَلاَ فالدَّكادك
فقلتُ له إنّ الأسى يَبْعَث الأسىَ
***
فَدَعني فَهذِي كلُّها قَبْرُ مالك
وقال مُتَمّم يَرْثي أخاه مالكاً، وهي التي تُسمَّى أمَّ المَراثي:
لَعَمْرِي وما دَهْرِي بتأبين هالكٍ
***
ولا جَزَع ممّا أَلمّ فَأوْجَعَا
لقد غَيَّب اْلمِنْهَالُ تحت رِدَائه
***
فَتىً غَيرَ مبطَانِ العَشِيّات أَرْوعَا
ولا بَرَماً تُهْدِي النِّسَاء لِعْرسِه
***
إذا القَشْعُ من بَرْد الشِّتاء تَقَعْقَعَا
تَراه كنَصْل السّيف يهتز للنَّدَى
***
إذا لم تَجد عند امرىء السَّوء مَطْمَعا
فَعَيْنىّ هلا تَبْكيان لمالكٍ
***
إذا هَزَّت الرِّيحْ الكَنِيفَ المُرفَّعا
وأرملَة تَمْشي بأَشْعَثَ مُحْثَل
***
كَفَرْخ الحُبَاري ريشهُ قد تَمَزَّعا
وما كان وَقّافا إذا الْخَيْل أحْجَمت
***
ولا طالباً من خَشْية اْلمَوِت مَفْزَعا
ولا بكهامٍ سَيْفُه عَن عدوّه
***
إذا هو لاقَى حاسراً أو مُقَنَّعا
أبى الصَّبرً آياتٌ أراها وأنّني
***
أرى كُلَّ حَبْل بعد حَبْلِك أقْطَعَا
وأنّي متى ما أدْعُ باسمك لم تُجب
***
وكُنت حَرِيًّا أن تُجيب وتسمعا
تَحِيَّتَه منّي وإن كان نائيَاً
***
وأمسى تُراباً فوِقهَ الأرضُ بَلْقَعا
فإن تَكُنِ الأيّام فَرقْن بَيْننا
***
فقَد بان مَحْموداً أخِي حِين وَدَّعا
فَعِشْنا بِخيْر في الحَياة وقَبْلَنا
***
أصاب المَنايا رَهْطَ كِسْرَى وتُبَّعا
وكُنَا كَنَدْمَاًني جَدِيمة حِقْبَةً
***
من الدَهر حتى قِيل لن يَتَصَدًعا
فلمّا تَفَرَّقْنا كأنِّي ومالِكا
***
لِطُول اجتماع لم نَبِت ليلةً معا
فما شارِفٌ حَنَّتْ حَنِيناً ورجعَتْ
***
أنِيناً فأبْكى شَجْنُها البَرْك أجمعا
ولا وَجْدُ أظْار ثلاثٍ رَوَائم
***
رَأيْنَ مَجَرًّا من حُوار ومَصرعا
بأَوْجَد منّي يومَ قام بمالكٍ
***
مُنَادٍ فَصِيح بالْفِراق فأَسْمَعَا
سَقى الله أرضاً حَلَّها قَبْرُ مالك
***
ذِهابُ الغَوَادي المُدْجنات فأمْرَعا
قيل لعمرو بن بَحْر الجاحظ:
إنّ الأصمعيّ كان يُسَمِّي هذا الشعرَ أمَّ المَراثي؛ فقال:
لم يَسمع الأصمعيًّ:
أي القلوب عليكم ليس يَنْصَدعُ
***
وأي نَوْم عليكم ليس يَمْتَنعً
وقال الأصمعيُّ:
لم يَبْتدى أحدٌ مَرْثِية بأحسنَ من ابتداء أوس بن حَجَر:
أيتُها النَّفْسً أجملِي جَزَعا
***
إِنّ الذي تَحْذرين قد وَقَعا
وبعدها قولُ زُمَيل:
أجارتَنَا مَن يجتمع يَتَفَرَّقِ
***
ومَن يَكُ رَهْنَاً للحوادث يَعْلَقِ
قال ابن إسحاق صاحبُ المغازي:
لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصَّفْراء - وقال ابن هشام:
الأثيل - أمَر عليَّ بن أبي طالب بضَرْب عُنق النضر بن الحارث بن كَلَدَة بن عَلْقمة بن عبد مَناف، صَبْراً، بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت أُخته قُتَيْلة بنت الحارث تَرْثيه:
يا راكباً إنّ الأثَيل مَظَّنَة
***
من صُبْح خامسةٍ وأنت مُوَفَّقُ
أبْلغْ بها مَيْتاً بأنْ تَحيَّةً
***
ما إن تَزال بها النَّجائِبُ تَخْفِقً
منِّي إليك وعَبْرَةً مَسْفُوحَةً
***
جادت بواكفها وأخرى تَخْنُقُ
هل يَسْمَعنِّي النَضْر إن ناديتُه
***
أم كيف يَسْمع مَيِّتٌ لا يَنْطِق
أمحمدٌ يا خير ضِنْء كريمةٍ
***
في قومها والفَحْلُ فَحْلٌ مُعْرِق
ما كان ضَرَّك لو مَنَنْتَ وربما
***
مَنَّ الفتى وهو المَغِيظُ المُحْنِق
فالنَّضر أَقْرَبُ مَنْ أسَرْتَ قَرَابَةً
***
وأحقُّهم إن كان عِتْقٌ يُعْتَقُ
ظَلَّت سُيوف بني أبيه تَنْوشه
***
للّه أرحام هُناك تشقَّق
صَبْراً يًقَاد إلى المنيَّة مُتْعَباً
***
رَسْفَ المُقَيد وهو فانِ مُوثَق
قال ابن هشام:
قال النبي الصلاُة والسلام لما بلغه هذا الشًّعر:
لو بلغني قبلَ قَتْله ما قتلتُه.
الأصمعيًّ قال:
نَظر عمرُ بن الخَطاب إلى الخَنساء وبها نًدوب في وَجْهها، فقال:
ما هذه النُدوب يا خَنْساء؟ قالت:
من طُول البُكاء على أخَوَيّ؛ قال لها:
أخَواك في النار؛ قالت:
ذلك أطْول لِحُزني عليهما، إني كنتُ أشْفِق عليهما من النار، وأنا اليوم أبْكي لهما من النار، وأنشدتْ:
وقائلةٍ والنَّعشُ قد فات خَطْوَها
***
لِتًدْرِكه:
يا لَهْفَ نفسي عَلَى صَخْرِ
ألا ثَكِلت أُمُ الذين غَدَوْا به
***
إلى القَبرِ ماذا يَحْمِلون إلى القَبر
دخلت خَنساء على عائشة أمّ المؤمنين رضي اللهّ تعالى عنها وعليها صِدَار من شَعَر قد استشعرته إلى جِلْدِها، فقالت لها:
ما هذا يا خَنساء؟ فوالله لقد تُوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فما لَبِسْتُه؛ قالت:
إنّ له مَعْنى دَعاني إلى لِباسه، وذلك أنّ أبي زَوَجني سيّد قومه، وكان رجلاً مِتْلافاً فأسْرف في ماله حتى أنْفده، ثم رَجِع في مالي فأنْفده أيضاً، ثم التفت إليّ فقال:
إلى أين يا خَنْساء؟ قلتُ:
إلى أخي صَخر. قالتَ:
فأتيناه فَقَسَّم مالَه شَطْرَين، ثم خَيَّرنا في أحْسن الشَّطْرين، فَرَجْعنا من عنده، فلم يَزَل زَوْجي حتى أذْهَبَ جَمِيعَه. ثم التفت إليّ، فقال لي:
إلى أينِ يا خَنْساء؟ قلت:
إلى أخي صَخْر. قالت:
فَرَحَلْنا إليه، ثمٍ قَسَّم ماله شَطْرين وخيَّرنا في أفضل الشَّطْرين. فقالت له زوجتُه:
أما تَرْضى أن تشَاطِرهَم مالك حتى تُخَيِّرهم بين الشَطرين؟ فقال:
واللّه لا أمْنَحها شِرَارَها
***
فلو هَلَكْت قَدَّدَتْ خِمَارَها
واتخذَتْ من شَعَر صِدَارَها
***
" وهي حَصَان قد كَفتْني عارها "
فآليت أن لا يُفارق الصِّدارُ جَسَدي ما بَقِيت.
قيل للخَنْساء:
صِفِي لنا أخَوَيك صَخْراً ومُعاوية، قالت:
كان صَخْرٌ واللّه جُنةَ الزمان الأَغْبر، وزُعافَ الخَميس الأحمر، وكان واللّه مُعاوية القائلَ والفاعل. قيل لها:
فأيهما كان أسْنَى وأفْخَر؟ قالت:
أمّا صَخْر فَحَرُّ الشِّتاءِ، وأما مُعاوية فَبَرْد الهواء. قيل لها:
فأيهما أوْجع وأفْجَع؟ قالت:
أما صَخْر فَجَمْر الكَبِد، وأما مُعاوية فَسَقام الجَسَد، وأنشأت:
أسَدان مُحْمَرَّا المَخالب نَجْدَةً
***
بَحْران في الزَمن الغَضُوب الأمْمرٍ
قمرَان في النَّادِي رَفِيعا مَحْتدٍ
***
في المَجْدِ فَرْعا سُودَدٍ مُتَخَير
وقالت الْخنساء تَرْثِي أخاها " صَخْر بن الشرِيد " :
قَذىً بعَيْنِك أمْ بالْعَينْ عُوَّارُ
***
أم أقْفَرت إذ خَلَتْ من أهْلها الدًارُ
كأنَّ عَيْني لذِكْراه إذا خًطَرتْ
***
فَيْضٌ يَسِيلُ على الخَدَّين مِدْرار
فالعَينْ تَبكِي على صَخْر وحُق لها
***
ودُونه من جَديد الأرض أسْتار
بُكاءَ والهةٍ ضَلَّت أليفَتها
***
لها حَنينان إصْغار وإكبار
ترعى إذا نسيت حتى إذا ذكرت
***
فإنما هي إقبالٌ وإدبار
وإن صخرا لتأتم الهداة به
***
كأنه علمٌ في رأسه نار
حامي الحقيقة محمود الخليقة مه
***
ديُّ الطريقة نفاع ضرار
وقالت أيضاً:
ألا ما لعيني ألا مالها
***
لقد أخضل الدمع سربالها
أمن بعد صخرٍ من آل الشريد
***
حلت به الأرض أثقالها
فآليت آسي على هالكٍ
***
وأسأل باكيةً مالها
وهمت بنفسي كل الهموم
***
فأولى لنفسي أولى لها
سأحمل نفسي على خطة
***
فإما عليها وإما لها
وقالت أيضاً:
أعيني جودا ولا تجمدا
***
ألا تبكيان لصخر الندى
ألا تبكيان الجريء الجواد
***
ألا تبكيان الفتى السيدا
طويال النجاد رفيع العما
***
د ساد عشيرته أمردا
يحمله القوم ما غالهم
***
وإن كان أصغرهم مولدا
جموع الضيوف إلى بابه
***
يرى أفضل الكسب أن يحمدا
وقالت أيضاً:
فما أدركت كف امرئ متناولاً
***
من المجد إلا والذي نلت أطول
وما بلغ المهدون للمدح غاية
***
ولول جهدوا إلا الذي فيك إفضل
وما ألغيث في جعد الثرى دمث الربى
***
تعبق فيها الوابل المتهلل
بأفضل سيباً من يديك ونعمةً
***
تجود بها بل سيب كفيك أجزل
من القوم مغشي الرواق كأنه
***
إذا سيم ضيماً خادرٌ متبسل
شرنبث أطراف البنان ضيازمٌ
***
له في رؤعين الغيل عرسٌ وأشبل
وقالت أخت الوليد بن طريف ترثي أخاها الوليد بن طريف:
أيا شجر الخابور مالك مورقاً
***
كأنك لم تجزع على ابن طريف
فتى لا يريد العز إلا من التقى
***
ولا المال إلا من قناً وسيوف
ولا الذخر إلا كل جرداء صلدمٍ
***
وكل رقيق الشفرتين حليف
فقدناه فقدان الربيع فليتنا
***
فديناه من سادتنا بألوف
خفيفٌ على ظهر الجواد إذا عدا
***
وليس على أعدائه بخفيف
عليك سلام الله وقفاً فإنني
***
أرى الموت وقاعاً بكل شريف
وقال آخر يرثي أخاه:
أخٌ طالما سرني ذكره
***
فقد صرت أشجى إلى ذكره
وقد كنت أغدو إلى قصره
***
فقد صرت أغدو إلى قبره
وكنت أراني غنيا به
***
عن الناس لو مد في عمره
وكنت إذا جئته زائراً
***
فأمري يجوز على أمره
وقالت الخنساء ترثى أخاها صخراً:
بكت عيني وعاودها قذاها
***
بعوار فما تقضي كراها
على صخر وأي فتى كصخر
***
إذا ما الناب لم ترأم طلاها
حلفت برب صهبٍ معملات
***
إلى البيت المحرم منتهاها
لئن جزعت بنو عمرو عليه
***
لقد رزئت بنو عمرو فتاها
له كف يشد بها وكفٌ
***
تجود فيما يجف ثرى نداها
ترى الشم الغطارف من سليم
***
وقد بلت مدامعها لجاها
أحامِيَكم ومُطْعِمَكم تركتُم
***
لَدَى غَبْرَاءَ مُنْهَدم رَجاها
فَمن للضَّيْف إِن هَبَّت شَمَالٌ
***
مُزَعْزعة تُنَاوِحها صَبَاها
وأَلْجأ برْدُها الأشْوالَ حُدْباً
***
إلى الحُجُرات بادِيةً كُلاها
هنالك لو نَزلْت بباب صَخْرِ
***
قَرَى الأضيافَ شَحْماً من ذُرَاها
وخَيْل قد دَلَفْتَ لها بِخَيْل
***
فَدَارَتْ بين كَبْشَيْها رَحاها
تُكَفْكِفُ فَضْلَ سابِغَة دِلاصٍ
***
على خَيْفانةٍ خَفِقٌ حَشاها "
وقال كعب يرثي أخاه أبا المِغْوار:
تقول سُلَيْمى ما لِجِسْمك شاحباً
***
كأنَّك يَحْمِيكَ الطَّعامَ طَبِيبُ
فقُلتُ شجُون من خُطُوبٍ تَتابعت
***
عليّ كِبَارٌ والزَّمانُ يَريب
لَعَمْرِي لئنْ كانت أصابتْ مَنِيةٌ
***
أخِي فالمَنايا للرِّجال شَعوب
فإنِّي لباكِيه وإنِّي لصادِقٌ
***
عليه وبعضُ القائلين كَذًوب
أخِي ما أخِي لا فاحشٌ عند بَيْتِه
***
ولا وَرعٌ عند اللِّقاء هَيُوب
أخٌ كان يَكْفِيني وِكان يُعِيننِيِ
***
على نائباتِ الدَّهْرِ حين تَنوب
هو العَسَل الماذيُّ لِيناً وشِيمةً
***
وليثٌ إذا لاقى الرجالَ قَطُوب
هَوَتْ أُمُّه ما يَبْعَثُ الصُّبحُ غادِياً
***
وماذا يَرُدّ الليلُ حين يؤوب
كعالِية الرُّمْح الرُّدَيْنيّ لم يَكًن
***
إذا ابتدر الخيلَ الرجالُ يَخيب
وَدَاعٍ دَعَا يا مَن يُجيب إلى النَّدا
***
فلم يَسْتَجبه عند ذاك مُجِيَب
فقلت ادعُ أخرى وارفَع الصوت ثانيا
***
لعلّ أبي المغْوَار منْك قَرِيب
يُجبْك كما قد كان يَفْعَل إنّه
***
بأمْثالها رَحْبُ الذّراع أريب
وحًدّثتُماني أنّما المَوْتُ بالقُرى
***
فكيفَ وهاتي هَضْبة وكئِيبُ
فلو كانت المَوْتى تُباع اشتريتُه
***
بما لم تَكُن عنه النُّفوس تَطيب
بِعَيْني أو يمنى يَدَيّ وخِلْتُني
***
أنا الغانمُ الجَذْلانُ حين يؤوب
لقد أفسد الموتُ الحياةَ وقد أتى
***
على يَوْمِهِ عِلْقٌ إليّ حَبيب
أتى دون حُلْو العَيْش حتى أمَرَّه
***
قُطُوبٌ على آثارهن نُكًوب
فواللّه لا أنْساه ماذَرَّ شارِقٌ
***
وما اهتزّ في فَرْع الأراك قَضِيب
فإنْ تكُن الأيّامُ أحْسَنّ مَرّةً
***
إليّ لقد عادَتْ لَهُن ذُنُوب
وقال امروء القَيْس يرْثي إخْوته:
أَلا يا عَين جُودي لي شَنينَا
***
وبَكِّي للملوك الذَّاهبينا
مُلُوك مِن بني صَخر بن عمرو
***
يُقَادُون العَشِيَّة يقْتَلونا
فلم تُغْسَل رُؤوسُهم بِسِدْر
***
ولَكنْ في الدِّمَاءِ مُزَمَّلينا
فَلَو في يَوْم مَعْرَكة أصِيبُوا
***
ولكنْ في ديَار بَني مَرِينا
وقال الأبَيْرد بن المُعذَّر الرياحي يَرْثي أخاه بُرَيداً:
" تَطَاوَل لَيلي ولم أنمهُ تَقَلّباً
***
كأنَّ فِرَاشي حالَ من دونه الجَمْرُ
أراقب من ليل التِّمام نُجومَه
***
لَدُن غاب قَرْنُ الشمس حَتَّى بدا الفجر
تَذَكَّرَ عِلْق بَانَ منّا بنَصرِه
***
ونائله يا حَبَّذا ذلك الذِّكْر
فإن تَكُن الأيّام فَرَّقْن بَينَنا
***
فقد عَذَرَتْنا في صَحابته العُذْر
وكنتُ أرى هَجْراً فِراقك ساعةً
***
ألا لا بَلِ الموتُ التفرُّق والهَجْرُ
أحَقًّا عبادَ الله أَنْ لستُ لاقيا
***
بُرَيْداً طَوَالَ الدَّهْرِ ما لألأ العُفْر
فَتًى ليس كالفِتْيان إلاّ خِيارَهم
***
مِن القَوْم جَزْلٌ لا ذَليلٌ ولا غُمْر
فَتًى إنْ هو استغنى تَخَرَّق في الغِنَى
***
وإن كان فَقْرٌ لم يَؤُدْ مَتْنَه الفَقْر
وسامَى جَسيماتِ الأمورِ فَنالها
***
على العُسْر حتى يُدْرِك العُسْرَةَ اليُسْر
تَرَى القومَ في العَزَّاء يَنْتَظرونه
***
إذا شَتّ رأيُ القوم أو حَزَب الأمر
فَليتَك كُنت الحيَّ في الناس باقياً
***
وكنتُ أنا المَيْتَ الذي ضَمَّه القَبْر
قتًى يَشتَري حُسْن الثَّناء بماله
***
إذا السَّنَةُ الشَّهْباء قَلَّ بها القَطْر
كأنْ لم يُصَاحِبْها بُرَيد بِغبْطةٍ
***
ولم تَأْتنا يَوْماً بأَخْباره البُشْر
لَعَمْري لَنِعْم المرءُ عالىَ نَعِيَّهُ
***
لَنا ابنْ عَرِيْنٍ بعد ما جَنَح العَصْر
تَمَضَّتْ به الأخْبار حتى تَغَلْغَلت
***
ولم تَثْنِه الأطْباعُ عَنّا ولا الجُدْر
فلمّا نَعى النّاعي بُرَيْداً تَغَوَّلَت
***
بي الأرْض فَرْطَ الحُزْن وانْقَطَع الظَّهر
عَساكِرُ تَغْشَى النَّفْس حتى كأنني
***
أَخو نَشْوَةٍ ارت بهامَته الخَمْر
إلى الله أشكُو في بُرَيْدٍ مُصِيبتي
***
وبَثِّي وأحْزاناً يَجيش بها الصّدر
وقد كُنتُ أَستَعفي الإله إذا اشتكى
***
من ألأجر لي فيه وإِن سَرَّني الأجر
وما زال في عَيْنَيّ بَعدُ غِشاوةٌ
***
وسَمْعيَ عما كنتُ أَسْمعه وَقْر
عَلى أنَّني أقنَى الحياءَ وأتَّقي
***
شماتة أقوام عُيونُهم خُزْر
فحيَّاكَ عَنّي اليلُ والصبحُ إذ بدا
***
وهُوجٌ من الأرْواح غُدْوَتُها شَهْر
سَقَى جَدَثاً لو أسْتطيع سَقَيْتُه
***
بأُودَ فَرَوَّاه الرَّواعِدُ والقطْر
ولا زال يُسْقَي من بلاد ثَوَى بها
***
نَباتٌ إذا صاب الرَّبيع بها نَضْر
حَلفتُ بربِّ الرَّافعين أكُفَّهم
***
وربِّ الهَدايا حيثُ حلَّ بها النَّحْر
ومُجْتَمع الحُجّاج حيث تَوَاقفَت
***
رِفاقٌ من الآفاق تَكْبيرها جَأر "
يَمينَ امريءٍ آلى وليسَ بكاذبٍ
***
وما في يَمين بتَّها صادقٌ وِزْرُ
لَئن كان أَمْسَى ابنُ المُعَذَّر قد ثَوَى
***
بُرَيْدٌ لِنعْم المَرْء غَيَّبَه القَبْر
هو المَرْء للمَعْرُوف والدِّين والنَّدَى
***
ومِسْعَر حَرْب لا كَهَامٌ ولا غُمْر
أَقام ونادَى أهلُه فَتَحَمَّلوا
***
وصُرِّمَتِ الأسْباب واختَلفت النَّجْر
فأيّ امريء غادرتُم في بُيوتكم
***
إذا هي أَمْسَتْ لونُ آفاقِها حُمْر
إذا الشَّول أَمْسَتْ وهي حُدْبٌ ظُهورها
***
عِجَافا ولم يُسْمَع لِفَحْل لها هَدْر
كَثِير رَماد النَّار يُغْشَى فِنَاؤه
***
إذا نُودي الأيْسار واحْتُضِر الجُزْر
فَتًى كان يُغلي اللحمَ نِيئاً ولحمُه
***
رَخِيصٌ بكَفّيه إذا تَنْزِل القِدْر
يُقَسِّمه حتى يَشِيع ولم يَكُن
***
كآخَر يُضْحى من غيبته ذُخْر
فَتى الحيِّ والأضياف إنْ رَوَّحَتْهم
***
بَلِيلٌ وزادُ القَوم إن أَرْمَل السَّفْر
إذا جَهَد القومُ المَطِيَّ وأَدْرَجَتْ
***
من الضُّمْر حتى يَبْلغ الحقَبَ الضَّفْر
وخَفَّت بَقَايا زادِهم وتَواكلُوا
***
وأَكْسَف بالَ القوم مَجْهولةٌ قَفْر
رأيتَ له فَضْلاً عليهم بقُوته
***
وبالعَقْر لما كان زادَهُم العَقْر
إذ القومُ أسْرَوا ليلَهم ثم أصْبَحوا
***
غَدَا وهو ما في سِقَاطٌ ولا فَتْر
وإن خَشَعتْ أبصارهم وتَضَاءَلت
***
من الأيْن جلى مثلَ ما يَنْظُر الصَقْر
وإنْ جارةٌ حَلَت إليه وَفي لها
***
فباتت ولم يُهْتك لجارته سِتر
عَفِيفٌ عن السوآت ما التَبَسَت به
***
صليبٌ فما يُلفي بِعُودٍ له كَسْر
سَلَكْت سبيلَ العاَلمين فما لَهم
***
وراءَ الذي لاقَيْت مَعْدًى ولا قَصر
وكلًّ امرىء يوِماً مُلاَقٍ حِمَامه
***
وإن دَانت الدُّنْيا وطال به العُمْر
فأبليت خيراً في الحياة وإنما
***
ثوابُك عِنْدي اليومَ أن يَنْطِق الشَّعر
لِيَفْدِك مَوْلًى أو أخٌ ذو ذِمامَةٍ
***
قليل الغناء لا عطاءٌ ولا نصرْ
لِشبْل بن مَعْبَد البَجَلى:
أتى دون حُلْوِ العَيْش حتى أمرَّه
***
نُكُوبٌ على آثارهنّ نكُوبُ
تَتَابَعْنَ في الأحْبَاب حتى أبَدْنَهم
***
فلم يَبْقَ فيهمْ في الدِّيار قَريبُ
بَرَتني صُروف الدَّهْرِ من كلّ جانب
***
كما يَنبري دون اللحَاء عَسِيب
فأصبحتُ إلا رحمةَ الله مُفْرَدًاً
***
لَدَى الناس طُرًّا والفُؤاد كَئِيب
إذا ذَرّ قَرْن الشَّمْس عُللت بالأسىَ
***
وَيأوِي إِليّ الحُزْن حين تَؤُوب
ونام خَليُّ الباب عنَي ولم أنمْ
***
كما لم يَنم عارِي الفِناءِ غَريب
تَضُرّ به الأيامُ حتى كأنَّه
***
لِطُول الذي أَعْقَبْن وهو رَقوب
فقلتْ لأصْحابي وقد قَذَفَتْ بنا
***
نَوَى غُربةٍ عمن نُحِب شَطُوب
مَتَى العهدُ بالأهْل الذين تَرَكْتُهم
***
لهم في فُؤادي بِالعِرَاق نَصِيب
فَما تَرَك الطاعونُ من ذِي قَرابة
***
إليه إذا حانَ الإيابُ نَؤُوب
فقد أصبحوا لا دارهمِ منك غرْبَةٌ
***
بعد ولاهُمْ في الحياة قَريب
وكُنْتَ تُرَجَّى أنْ تؤُوب إليهمُ
***
فغالَتْهمُ من دون ذاك شَعُوب
مَقادِير لا يُغْفِلن مَن حان يَوْمُه
***
لهنّ على كلِّ النُّفوس رَقيب
سَقَينْ بكَأس المَوْت مَن حان حَيْنُه
***
وفي الحَيِّ مِن أنفاسِهنَّ ذَنًوب
وإنَّا وإيّاهمْ كَوَارِد مَنْهَلٍ
***
على حَوْضِه بالتَّاليات يُهِيب
إِلَيه تَنَاهِينا ولو كان دُونه
***
مياهٌ رَوَاء كلّهن شرُوب
فهوَّن عني بَعْضَ وَجْدِيَ أنَّني
***
رأيْتُ المَنايا تَغْتَدِي وَتَؤُوب
ولَسْنا بأحْيَا مِنْهُم غيرَ أننا
***
إلى أجَلٍ نُدْعَى له فَنجِيب
وِإني إذا ما شِئْت لاقيتُ أسْوَةً
***
تَكاد لها نَفْس الحَزِين تَطِيب
فتى كان ذا أهل ومالٍ فلم يَزَل
***
به الدَّهْرُ حتى صار وهو حَرِيب
وكيف عَزَاء المَرْء عن أهل بَيْتِه
***
وليس له في الغَابرين حَبِيب
متى يُذْكَروا يَفْرَح فُؤَادي لِذكْرِهم
***
وتَسْجُمْ دُموعٌ بَيْنهن نَحِيب
دُمُوع مَرَاها الشجْوُ حتى كأنها
***
جَدَاوِلُ تَجْري بَيْنَهن غروب
إذا ما أردْتُ الصبرَ هاج لِيَ البُكا
***
فُؤادٌ إلى أهل القًبُور طَرُوب
بكَى شَجْوه ثم ارْعَوى بعد عَوْله
***
كما واتَرَتْ بين الحنين سَلُوب
دَعَاها الهَوَى من سَقْبها فَهِيَ والِهٌ
***
ورُدّت إلى الألاَّفِ فَهي تَحُوب
فَوَجْدِي بأهلِي وَجْدُها غيرَ أنهم
***
شَبَابٌ يَزِينون النَّدى ومَشِيب
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب الدرة في المعازي والمراثي ﴿ 8 ﴾
۞۞۞۞۞۞۞۞