باب كراهة التنفس في نفس الاناء واستحباب التنفس ثلاثا خارج الاناء
باب كراهة التنفس في نفس الاناء واستحباب التنفس ثلاثا خارج الاناء
فيه حَدِيث: «نَهَى أَنْ يُتَنَفَّس فِي الْإِنَاء» وَحَدِيث: «كَانَ يَتَنَفَّس فِي الْإِنَاء ثَلَاثًا»، وَفِي رِوَايَة: «فِي الشَّرَاب، وَيَقُول: إِنَّهُ أَرْوَى وَأَبْرَأ وَأَمْرَأ».
هَذَانِ الْحَدِيثَانِ مَحْمُولَانِ عَلَى مَا تَرْجَمْنَاهُ لَهُمَا، فَالْأَوَّل مَحْمُول عَلَى أَوَّل التَّرْجَمَة، وَالثَّانِي عَلَى آخِرهَا.
✯✯✯✯✯✯
3780- سبق شرحه بالباب.
✯✯✯✯✯✯
✯✯✯✯✯✯
3782- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَرْوَى» مِنْ الرِّيّ أَيْ أَكْثَر رِيًّا، وَأَمْرَأ وَأَبْرَأ مَهْمُوزَانِ، وَمَعْنَى (أَبْرَأ): أَيْ أَبْرَأ مِنْ أَلَم الْعَطَش، وَقِيلَ: أَبْرَأ أَيْ أَسْلَم مِنْ مَرَض أَوْ أَذَى يَحْصُل بِسَبَبِ الشُّرْب.
فِي نَفَس وَاحِد، وَمَعْنَى (أَمْرَأ): أَيْ أَجْمَل اِنْسِيَاغًا.
وَاللَّهُ أَعْلَم.
قَوْله: (عَنْ أَبِي عِصَام عَنْ أَنَس) اِسْم أَبِي عِصَام: خَالِد بْن أَبِي عُبَيْد.
وَقَوْله فِي الْحَدِيث الثَّانِي: «كَانَ يَتَنَفَّس فِي الْإِنَاء أَوْ فِي الشَّرَاب» مَعْنَاهُ: فِي أَثْنَاء شُرْبه مِنْ الْإِنَاء أَوْ فِي أَثْنَاء شُرْبه الشَّرَاب.
وَاللَّهُ أَعْلَمبَاب اِسْتِحْبَاب إِدَارَة الْمَاء وَاللَّبَن وَنَحْوهمَا عَنْ يَمِين الْمُبْتَدِئ:فيه أَنَس رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ: «أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِلَبَنٍ قَدْ شِيبَ بِمَاءٍ، وَعَنْ يَمِينه أَعْرَابِيّ وَعَنْ يَسَاره أَبُو بَكْر الصِّدِّيق، فَشَرِبَ، ثُمَّ أَعْطَى الْأَعْرَابِيّ وَقَالَ: الْأَيْمَن فَالْأَيْمَن»، وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «فَقَالَ لَهُ عُمَر- وَأَبُو بَكْر عَنْ شِمَاله-: يَا رَسُول اللَّه أَعْطِ أَبَا بَكْر فَأَعْطَاهُ أَعْرَابِيًّا عَنْ يَمِينه، وَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْأَيْمَن فَالْأَيْمَن»، وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «الْأَيْمَنُونَ الْأَيْمَنُونَ الْأَيْمَنُونَ قَالَ أَنَس: فَهِيَ سُنَّة فَهِيَ سُنَّة فَهِيَ سُنَّة»، وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «أُتِيَ بِشَرَابٍ فَشَرِبَ مِنْهُ وَعَنْ يَمِينه غُلَام وَعَنْ يَسَارَة أَشْيَاخ فَقَالَ لِلْغُلَامِ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ هَؤُلَاءِ؟ فَقَالَ الْغُلَام: لَا وَاللَّهُ لَا أُوثِر بِنَصِيبِي مِنْك أَحَدًا، فَتَلَّهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَده».
فِي هَذِهِ الْأَحَادِيث بَيَان هَذِهِ السُّنَّة الْوَاضِحَة، وَهُوَ مُوَافِق لِمَا تَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ دَلَائِل الشَّرْع مِنْ اِسْتِحْبَاب التَّيَامُن فِي كُلّ مَا كَانَ مِنْ أَنْوَاع الْإِكْرَام،.
وَفيه أَنَّ الْأَيْمَن فِي الشَّرَاب وَنَحْوه يُقَدَّم، وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا أَوْ مَفْضُولًا؛ لِأَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدَّمَ الْأَعْرَابِيّ وَالْغُلَام عَلَى أَبِي بَكْر رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ، وَأَمَّا تَقْدِيم الْأَفَاضِل وَالْكِبَار فَهُوَ عِنْد التَّسَاوِي فِي بَاقِي الْأَوْصَاف، وَلِهَذَا يُقَدَّم الْأَعْلَم وَالْأَقْرَأ عَلَى الْأَسَنّ النَّسِيب فِي الْإِمَامَة فِي الصَّلَاة.
✯✯✯✯✯✯
3783- وَقَوْله: «شِيبَ» أَيْ خُلِطَ، وَفيه جَوَاز ذَلِكَ وَإِنَّمَا نَهْي عَنْ شَوْبه إِذَا أَرَادَ بَيْعه؛ لِأَنَّهُ غِشّ، قَالَ الْعُلَمَاء: وَالْحِكْمَة فِي شَوْبه أَنْ يَبْرُد أَوْ يَكْثُر أَوْ لِلْمَجْمُوعِ.
✯✯✯✯✯✯
3784- قَوْله: «عَنْ أَنَس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: وَكُنَّ أُمَّهَاتِي تَحْثُثْنَنِي عَلَى خِدْمَته» الْمُرَاد بِأُمَّهَاتِهِ أُمّه أُمّ سُلَيْمٍ وَخَالَته أُمّ حَرَام وَغَيْرهمَا مِنْ مَحَارِمه، فَاسْتَعْمَلَ لَفْظ الْأُمَّهَات فِي حَقِيقَته وَمَجَازه، وَهَذَا عَلَى مَذْهَب الشَّافِعِيّ رَحِمه اللَّه وَالْقَاضِي أَبِي بَكْر البَاقِلَّانِيّ وَغَيْرهمَا مِمَّنْ يَجُوز إِطْلَاق اللَّفْظ الْوَاحِد عَلَى حَقِيقَته وَمَجَازه، وَقَوْله: (كُنَّ أُمَّهَاتِي) عَلَى لُغَة أَكَلُونِي الْبَرَاغِيث، وَهِيَ لُغَة صَحِيحَة، وَإِنْ كَانَتْ قَلِيلَة الِاسْتِعْمَال، وَقَدْ تَقَدَّمَ إِيضَاحهَا عِنْد قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَة» وَنَظَائِره.
وَاللَّهُ أَعْلَم.
قَوْله: «فَحَلَبْنَا لَهُ مِنْ شَاة دَاجِن» هِيَ بِكَسْرِ الْجِيم، وَهِيَ الَّتِي تُعْلَف فِي الْبُيُوت، يُقَال: دَجَنَتْ تَدْجُن دُجُونًا، وَيُطْلَق الدَّاجِن أَيْضًا عَلَى كُلّ مَا يَأْلَف الْبَيْت مِنْ طَيْر وَغَيْره.
وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْأَيْمَن فَالْأَيْمَن» ضُبِطَ بِالنَّصْبِ وَالرَّفْع، وَهُمَا صَحِيحَانِ النَّصْب عَلَى تَقْدِير: أَعْطِ الْأَيْمَن، وَالرَّفْع عَلَى تَقْدِير الْأَيْمَن أَحَقّ، أَوْ نَحْو ذَلِكَ.
وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى، (الْأَيْمَنُونَ) وَهُوَ يُرَجِّح الرَّفْع.
وَقَوْل عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: يَا رَسُول اللَّه أَعْطِ أَبَا بَكْر، إِنَّمَا قَالَهُ لِلتَّذْكِيرِ بِأَبِي بَكْر مَخَافَة مِنْ نِسْيَانه، وَإِعْلَامًا لِذَلِكَ الْأَعْرَابِيّ الَّذِي عَلَى الْيَمِين بِجَلَالَةِ أَبِي بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ.
✯✯✯✯✯✯
3785- قَوْله: (عَنْ أَبِي طُوَالَة) هُوَ بِضَمِّ الطَّاء هَذَا هُوَ الصَّحِيح الْمَشْهُور، وَحَكَى صَاحِب الْمَطَالِع ضَمّهَا وَفَتْحهَا، قَالُوا: وَلَا يُعْرَف فِي الْمُحَدِّثِينَ مَنْ يُكَنَّى أَبَا طُوَالَة غَيْره، وَقَدْ ذَكَرَهُ الْحَاكِم أَبُو أَحْمَد فِي الْكُنَى الْمُفْرَدَة.
قَوْله: (وَعُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وُجَاهَه) هُوَ بِضَمِّ الْوَاو وَكَسْرهَا لُغَتَانِ أَيْ قُدَّامه مُوَاجِهًا لَهُ.
✯✯✯✯✯✯
3786- وَقَوْله: «فَتَلَّهُ فِي يَده» أَيْ وَضَعَهُ فيها، وَقَدْ جَاءَ فِي مُسْنَد أَبِي بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة أَنَّ هَذَا الْغُلَام هُوَ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس؛ وَمَنْ الْأَشْيَاخ خَالِد بْن الْوَلِيد رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ قِيلَ: إِنَّمَا اِسْتَأْذَنَ الْغُلَام دُون الْأَعْرَابِيّ إِدْلَالًا عَلَى الْغُلَام وَهُوَ اِبْن عَبَّاس، وَثِقَةً بِطِيبِ نَفْسه بِأَصْلِ الِاسْتِئْذَان وَالْأَشْيَاخ أَقَارِبه، قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: وَفِي بَعْض الرِّوَايَات: «عَمّك وَابْن عَمّك أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَهُ» وَفَعَلَ ذَلِكَ أَيْضًا تَأَلُّفًا لِقُلُوبِ الْأَشْيَاخ، وَإِعْلَامًا بِوُدِّهِمْ وَإِيثَار كَرَامَتهمْ إِذَا لَمْ تَمْنَع مِنْهَا سُنَّة، وَتَضَمَّنَ ذَلِكَ أَيْضًا بَيَان هَذِهِ السُّنَّة، وَهِيَ أَنَّ الْأَيْمَن أَحَقّ، وَلَا يُدْفَع إِلَى غَيْره إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَأَنَّهُ لَا بَأْس بِاسْتِئْذَانِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمهُ الْإِذْن، وَيَنْبَغِي لَهُ أَيْضًا أَلَّا يَأْذَن إِنْ كَانَ فيه تَفْوِيت فَضِيلَة أُخْرَوِيَّة، وَمَصْلَحَة دِينِيَّة كَهَذِهِ الصُّورَة، وَقَدْ نَصَّ أَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ مِنْ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهُ لَا يُؤْثَر فِي الْقُرَب، وَإِنَّمَا الْإِيثَار الْمَحْمُود مَا كَانَ فِي حُظُوظ النَّفْس دُون الطَّاعَات، قَالُوا: فَيُكْرَه أَنْ يُؤْثِر غَيْره بِمَوْضِعِهِ مِنْ الصَّفّ الْأَوَّل، وَكَذَلِكَ نَظَائِره.
وَأَمَّا الْأَعْرَابِيّ فَلَمْ يَسْتَأْذِنهُ مَخَافَة مِنْ إِيحَاشه فِي اِسْتِئْذَانه فِي صَرْفه إِلَى أَصْحَابه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرُبَّمَا سَبَقَ إِلَى قَلْب ذَلِكَ الْأَعْرَابِيّ شَيْء يَهْلِك بِهِ لِقُرْبِ عَهْده بِالْجَاهِلِيَّةِ وَأَنَفَتهَا، وَعَدَم تَمَكُّنه فِي مَعْرِفَته خُلُق رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ تَظَاهَرَتْ النُّصُوص عَلَى تَأَلُّفه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَلْب مَنْ يَخَاف عَلَيْهِ.
وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيث أَنْوَاع مِنْ الْعِلْم: مِنْهَا أَنَّ الْبُدَاءَة بِالْيَمِينِ فِي الشَّرَاب وَنَحْوه سُنَّة وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَاف فيه، وَنُقِلَ عَنْ مَالِك تَخْصِيص ذَلِكَ بِالشَّرَابِ، قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ وَغَيْره: لَا يَصِحّ هَذَا عَنْ مَالِك، قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: يُشْبِه أَنْ يَكُون قَوْل مَالِك رَحِمه اللَّه تَعَالَى أَنَّ السُّنَّة وَرَدَتْ فِي الشَّرَاب خَاصَّة، وَإِنَّمَا يُقَدَّم الْأَيْمَن فَالْأَيْمَن فِي غَيْره بِالْقِيَاسِ لَا بِسُنَّةٍ مَنْصُوصَة فيه.
وَكَيْف كَانَ فَالْعُلَمَاء مُتَّفِقُونَ عَلَى اِسْتِحْبَاب التَّيَامُن فِي الشَّرَاب وَأَشْبَاهه.
وَفيه جَوَاز شُرْب اللَّبَن الْمَشُوب.
وَفيه أَنَّ مَنْ سَبَقَ إِلَى مَوْضِع مُبَاح أَوْ مَجْلِس الْعَالِم وَالْكَبِير فَهُوَ أَحَقّ بِهِ مِمَّنْ يَجِيء بَعْده.
وَاللَّهُ أَعْلَم.
قَوْله: (يَعْقُوب بْن عَبْد الرَّحْمَن الْقَارِيّ) هُوَ بِتَشْدِيدِ الْيَاء مَنْسُوب إِلَى الْقَارَة الْقَبِيلَة الْمَعْرُوفَة، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانه مَرَّات.
وَاللَّهُ أَعْلَمبَاب اِسْتِحْبَاب لَعْق الْأَصَابِع وَالْقَصْعَة وَأَكْل اللُّقْمَة السَّاقِطَة بَعْد مَسْح مَا يُصِيبهَا مِنْ أَذًى وَكَرَاهَة مَسْح الْيَد قَبْل لَعْقهَا:فيه: قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَكَلَ أَحَدكُمْ طَعَامًا فَلَا يَمْسَح يَده حَتَّى يَلْعَقهَا أَوْ يُلْعِقهَا»، وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُل بِثَلَاثِ أَصَابِع، وَيَلْعَق يَده قَبْل أَنْ يَمْسَحهَا»، وَفِي رِوَايَة: «يَأْكُل بِثَلَاثِ أَصَابِع فَإِذَا فَرَغَ لَعِقَهَا»، وَفِي رِوَايَة: «أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِلَعْقِ الْأَصَابِع وَالصَّحْفَة وَقَالَ: إِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ فِي أَيِّهِ الْبَرَكَة»، وَفِي رِوَايَة: «إِذَا وَقَعَتْ لُقْمَة أَحَدكُمْ فَلِيَأْخُذهَا فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى، وَلْيَأْكُلهَا وَلَا يَدَعهَا لِلشَّيْطَانِ وَلَا يَمْسَح يَده بِالْمِنْدِيلِ حَتَّى يَلْعَق أَصَابِعه فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي فِي أَيِّ طَعَامه الْبَرَكَة»، وَفِي رِوَايَة: «إِنَّ الشَّيْطَان يَحْضُر أَحَدكُمْ عِنْد كُلّ شَيْء مِنْ شَأْنه حَتَّى يَحْضُرهُ عِنْد طَعَامه فَإِذَا سَقَطَتْ مِنْ أَحَدكُمْ اللُّقْمَة فَلْيُمِطْ.
وَذَكَرَ نَحْو مَا سَبَقَ»، وَفِي رِوَايَة: «وَأَمَرَنَا أَنْ نَسْلُت الْقَصْعَة»، وَفِي رِوَايَة: «وَلْيَسْلُتْ أَحَدكُمْ الصَّفْحَة».
فِي هَذِهِ الْأَحَادِيث أَنْوَاع مِنْ سُنَن الْأَكْل، مِنْهَا اِسْتِحْبَاب لَعْق الْيَد مُحَافَظَة عَلَى بَرَكَة الطَّعَام وَتَنْظِيفًا لَهَا، وَاسْتِحْبَاب الْأَكْل بِثَلَاثِ أَصَابِع، وَلَا يَضُمّ إِلَيْهَا الرَّابِعَة وَالْخَامِسَة إِلَّا لِعُذْرٍ بِأَنْ يَكُون مَرَقًا وَغَيْره مِمَّا لَا يُمْكِن بِثَلَاثٍ وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأَعْذَار، وَاسْتِحْبَاب لَعْق الْقَصْعَة وَغَيْرهَا، وَاسْتِحْبَاب أَكْل اللُّقْمَة السَّاقِطَة بَعْد مَسْح أَذًى يُصِيبهَا، هَذَا إِذَا لَمْ تَقَع عَلَى مَوْضِع نَجِس، فَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى مَوْضِع نَجِس تَنَجَّسَتْ، ولابد مِنْ غَسْلهَا إِنْ أَمْكَنَ، فَإِنْ تَعَذَّرَ أَطْعَمَهَا حَيَوَانًا وَلَا يَتْرُكهَا لِلشَّيْطَانِ، وَمِنْهَا إِثْبَات الشَّيَاطِين، وَأَنَّهُمْ يَأْكُلُونَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا إِيضَاح هَذَا، وَمِنْهَا جَوَاز مَسْح الْيَد بِالْمِنْدِيلِ، لَكِنَّ السُّنَّة أَنْ يَكُون بَعْد لَعْقهَا.
✯✯✯✯✯✯
3787- وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَلْعَقهَا أَوْ يُلْعِقهَا» مَعْنَاهُ- وَاللَّهُ أَعْلَم- لَا يَمْسَح يَده حَتَّى يَلْعَقهَا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَل فَحَتَّى يُلْعِقهَا غَيْره مِمَّنْ لَا يَتَقَذَّر ذَلِكَ كَزَوْجَةٍ وَجَارِيَة وَوَلَد وَخَادِم يُحِبُّونَهُ وَيَلْتَذُّونَ بِذَلِكَ وَلَا يَتَقَذَّرُونَ، وَكَذَا مَنْ كَانَ فِي مَعْنَاهُمْ كَتِلْمِيذٍ يَعْتَقِد بَرَكَته وَيَوَدّ التَّبَرُّك بِلَعْقِهَا، وَكَذَا لَوْ أَلْعَقهَا شَاة وَنَحْوهَا.
وَاللَّهُ أَعْلَم.
✯✯✯✯✯✯
3788- سبق شرحه بالباب.
✯✯✯✯✯✯
3789- سبق شرحه بالباب.
✯✯✯✯✯✯
3790- سبق شرحه بالباب.
✯✯✯✯✯✯
3791- قَوْله: (إِنَّ عَبْد الرَّحْمَن بْن كَعْب بْن مَالِك أَوْ عَبْد اللَّه بْن كَعْب أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ) هَذَا تَقَدَّمَ مِثْله مَرَّات، وَذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَضُرّ الشَّكّ فِي الرَّاوِي إِذَا كَانَ الشَّكّ بَيْن ثِقَتَيْنِ؛ لِأَنَّ اِبْنَيْ كَعْب هَذَيْنِ ثِقَتَانِ.
✯✯✯✯✯✯
3792- وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَدْرُونَ فِي أَيّه الْبَرَكَة» مَعْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَم أَنَّ الطَّعَام الَّذِي يَحْضُرهُ الْإِنْسَان فيه بَرَكَة وَلَا يَدْرِي أَنَّ تِلْكَ الْبَرَكَة فِيمَا أَكَلَهُ أَوْ فِيمَا بَقِيَ عَلَى أَصَابِعه أَوْ فِي مَا بَقِيَ فِي أَسْفَل الْقَصْعَة أَوْ فِي اللُّقْمَة السَّاقِطَة، فَيَنْبَغِي أَنْ يُحَافِظ عَلَى هَذَا كُلّه؛ لِتَحْصُل الْبَرَكَة، وَأَصْل الْبَرَكَة الزِّيَادَة وَثُبُوت الْخَيْر وَالْإِمْتَاع بِهِ، وَالْمُرَاد هُنَا- وَاللَّهُ أَعْلَم- مَا يَحْصُل بِهِ التَّغْذِيَة وَتَسْلَم عَاقِبَته مِنْ أَذًى، وَيُقَوِّي عَلَى طَاعَة اللَّه تَعَالَى وَغَيْر ذَلِكَ.
✯✯✯✯✯✯
3793- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى وَلَا يَمْسَح يَده بِالْمِنْدِيلِ حَتَّى يَلْعَقهَا» أَمَّا (يُمِطْ) فَبِضَمِّ الْيَاء وَمَعْنَاهُ: يُزِيل وَيُنَحِّي، وَقَالَ الْجَوْهَرِيّ: حَكَى أَبُو عُبَيْد مَاطَهُ وَأَمَاطَهُ نَحَّاهُ، وَقَالَ الْأَصْمَعِيّ: أَمَاطَهُ لَا غَيْر، وَمِنْهُ إِمَاطَة الْأَذَى وَمِطْت أَنَا عَنْهُ أَيْ تَنَحَّيْت، وَالْمُرَاد بِالْأَذَى هُنَا الْمُسْتَقْذَر مِنْ غُبَار وَتُرَاب وَقَذًى وَنَحْو ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَتْ نَجَاسَة فَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمهَا، وَأَمَّا الْمِنْدِيل فَمَعْرُوف، وَهُوَ بِكَسْرِ الْمِيم، قَالَ اِبْن فَارِس فِي الْمُجْمَل: لَعَلَّهُ مَأْخُوذ مِنْ النَّدْل وَهُوَ النَّقْل، وَقَالَ غَيْره: هُوَ مَأْخُوذ مِنْ النَّدْل وَهُوَ الْوَسَخ؛ لِأَنَّهُ يُنْدَل بِهِ، قَالَ أَهْل اللُّغَة: يُقَال: تَنَدَّلْت بِالْمِنْدِيلِ، قَالَ الْجَوْهَرِيّ: وَيُقَال أَيْضًا: تَمَنْدَلْتُ، قَالَ: وَأَنْكَرَ الْكِسَائِيّ: تَمَنْدَلْتُ.
قَوْله: (أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ الْحَفَرِيّ) هُوَ بِحَاءٍ مُهْمَلَة وَفَاء مَفْتُوحَتَيْنِ، وَاسْمه: عُمَر بْن سَعْد مَنْسُوب إِلَى حَفَر مَوْضِع بِالْكُوفَةِ.
✯✯✯✯✯✯
3794- وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الشَّيْطَان يَحْضُر أَحَدكُمْ عِنْد كُلّ شَيْء مِنْ شَأْنه» فيه التَّحْذِير مِنْهُ وَالتَّنْبِيه عَلَى مُلَازَمَته لِلْإِنْسَانِ فِي تَصَرُّفَاته، فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَأَهَّب وَيَحْتَرِز مِنْهُ، وَلَا يَغْتَرّ مِمَّا يُزَيِّنهُ لَهُ.
قَوْله: (عَنْ الْأَعْمَش عَنْ أَبِي سُفْيَان عَنْ جَابِر) اِسْم أَبِي سُفْيَان: طَلْحَة بْن نَافِع، تَقَدَّمَ مَرَّات.
✯✯✯✯✯✯
3795- قَوْله: «وَأَمَرَنَا أَنْ نَسْلُت الْقَصْعَة» هُوَ بِفَتْحِ النُّون وَضَمّ اللَّام، وَمَعْنَاهُ: نَمْسَحهَا.
وَنَتَتَبَّع مَا بَقِيَ فيها مِنْ الطَّعَام، وَمِنْهُ سَلَتَ الدَّم عَنْهَا.
✯✯✯✯✯✯
3796- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرِّوَايَة الْأَخِيرَة وَهِيَ رِوَايَة أَبِي هُرَيْرَة: «إِذَا أَكَلَ أَحَدكُمْ طَعَامًا فَلْيَلْعَقْ أَصَابِعه فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي فِي أَيَّتِهِنَّ الْبَرَكَة» هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَم الْأُصُول، وَفِي بَعْضهَا: «لَا يَدْرِي أَيَّتهمَا» وَكِلَاهُمَا صَحِيح، أَمَّا رِوَايَة: «فِي أَيّهنَّ» فَظَاهِرَة، وَأَمَّا رِوَايَة: «لَا يَدْرِي أَيَّتهنَّ الْبَرَكَة» فَمَعْنَاهُ: أَيَّتهنَّ صَاحِبَة الْبَرَكَة فَحَذَفَ الْمُضَاف وَأَقَامَ الْمُضَاف إِلَيْهِ مَقَامه.
وَاللَّهُ أَعْلَمبَاب مَا يَفْعَل الضَّيْف إِذَا تَبِعَهُ غَيْر مَنْ دَعَاهُ صَاحِب الطَّعَام وَاسْتِحْبَاب إِذْن صَاحِب الطَّعَام لِلتَّابِعِ:فيه: «أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَار يُقَال لَهُ: أَبُو شُعَيْب صَنَعَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا ثُمَّ دَعَاهُ خَامِس خَمْسَة وَاتَّبَعَهُمْ رَجُل، فَلَمَّا بَلَغَ الْبَاب قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ هَذَا اِتَّبَعَنَا فَإِنْ شِئْت أَنْ تَأْذَن لَهُ وَإِنْ شِئْت رَجَعَ، قَالَ: لَا بَلْ آذَن لَهُ يَا رَسُول اللَّه» وَفيه: «أَنَّ جَارًا لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَارِسِيًّا كَانَ طَيِّب الْمَرَق فَصَنَعَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا ثُمَّ جَاءَ يَدْعُوهُ فَقَالَ: وَهَذِهِ؟- لِعَائِشَة- فَقَالَ: لَا.
فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا.
فَعَادَ يَدْعُوهُ، فَقَالَ: رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَهَذِهِ - لِعَائِشَة- فَقَالَ: لَا.
قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا.
ثُمَّ عَادَ يَدْعُوهُ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَهَذِهِ، قَالَ: نَعَمْ فِي الثَّالِثَة، فَقَامَا يَتَدَافَعَانِ حَتَّى أَتَيَا مَنْزِله».
أَمَّا الْحَدِيث الْأَوَّل فَفيه أَنَّ الْمُدَّعُو إِذَا تَبِعَهُ رَجُل بِغَيْرِ اِسْتِدْعَاء يَنْبَغِي لَهُ أَلَّا يَأْذَن لَهُ وَيَنْهَاهُ، وَإِذَا بَلَغَ بَاب دَار صَاحِب الطَّعَام أَعْلَمَهُ بِهِ لِيَأْذَن لَهُ أَوْ يَمْنَعهُ، وَأَنَّ صَاحِب الطَّعَام يُسْتَحَبّ لَهُ أَنْ يَأْذَن لَهُ إِنْ لَمْ يَتَرَتَّب عَلَى حُضُوره مَفْسَدَة بِأَنْ يُؤْذِي الْحَاضِرِينَ أَوْ يُشِيع عَنْهُمْ مَا يَكْرَهُونَهُ، أَوْ يَكُون جُلُوسه مَعَهُمْ مُزْرِيًا بِهِمْ؛ لِشُهْرَتِهِ بِالْفِسْقِ وَنَحْو ذَلِكَ، فَإِنْ خِيفَ مِنْ حُضُوره شَيْء مِنْ هَذَا لَمْ يَأْذَن لَهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَلَطَّف فِي رَدّه، وَلَوْ أَعْطَاهُ شَيْئًا مِنْ الطَّعَام إِنْ كَانَ يَلِيق بِهِ لِيَكُونَ رَدًّا جَمِيلًا كَانَ حَسَنًا.
وَأَمَّا الْحَدِيث الثَّانِي فِي قِصَّة الْفَارِسِيّ وَهِيَ قَضِيَّة أُخْرَى، فَمَحْمُول عَلَى أَنَّهُ كَانَ هُنَاكَ عُذْر يَمْنَع وُجُوب إِجَابَة الدَّعْوَة، فَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخَيَّرًا بَيْن إِجَابَته وَتَرْكهَا، فَاخْتَارَ أَحَد الْجَائِزَيْنِ وَهُوَ تَرْكهَا إِلَّا أَنْ يَأْذَن لِعَائِشَة مَعَهُ لِمَا كَانَ بِهَا مِنْ الْجُوع أَوْ نَحْوه، فَكَرِهَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الِاخْتِصَاص بِالطَّعَامِ دُونهَا، وَهَذَا مِنْ جَمِيل الْمُعَاشَرَة، وَحُقُوق الْمُصَاحَبَة، وَآدَاب الْمُجَالَسَة الْمُؤَكَّدَة، فَلَمَّا أَذِنَ لَهَا اِخْتَارَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَائِز الْآخَر لِتَجَدُّدِ الْمَصْلَحَة، وَهُوَ حُصُول مَا كَانَ يُرِيدهُ مِنْ إِكْرَام جَلِيسه، وَإِيفَاء حَقّ مُعَاشَرَته وَمُوَاسَاته فِيمَا يَحْصُل، وَقَدْ سَبَقَ فِي بَاب الْوَلِيمَة بَيَان الْأَعْذَار فِي تَرْك إِجَابَة الدَّعْوَة وَاخْتِلَاف الْعُلَمَاء فِي وُجُوب الْإِجَابَة، وَأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُوجِبهَا فِي غَيْر وَلِيمَة الْعُرْس كَهَذِهِ الصُّورَة.
وَاللَّه أَعْلَم.
✯✯✯✯✯✯
3797- وَقَوْله: «كَانَ لِأَبِي شُعَيْب غُلَام لَحَّام» أَيْ يَبِيع اللَّحْم، وَفيه دَلِيل عَلَى جَوَاز الْجِزَارَة، وَحِلّ كَسْبهَا.
وَاَللَّه أَعْلَم.
✯✯✯✯✯✯
3798- قَوْله: «فَقَامَا يَتَدَافَعَانِ» مَعْنَاهُ: يَمْشِي كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا فِي أَثَر صَاحِبه.
قَالُوا: وَلَعَلَّ الْفَارِسِيّ إِنَّمَا لَمْ يَدْعُ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا أَوَّلًا لِكَوْنِ الطَّعَام كَانَ قَلِيلًا، فَأَرَادَ تَوْفِيره عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث جَوَاز أَكْل الْمَرَق وَالطَّيِّبَات، قَالَ اللَّه تَعَالَى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَة اللَّه الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَات مِنْ الرِّزْق}.
باب كراهة التنفس في نفس الاناء واستحباب التنفس ثلاثا خارج الاناء
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب الأشربة ﴿ 14 ﴾
۞۞۞۞۞۞۞۞