باب الشفعة الشفعة
باب الشفعة
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ لَهُ شَرِيك فِي رَبْعَة أَوْ نَخْل فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيع حَتَّى يُؤْذِن شَرِيكه فَإِنْ رَضِيَ أَخَذَ وَإِنْ كَرِهَ تَرَكَ»، وَفِي رِوَايَة: «قَضَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشُّفْعَةِ فِي كُلّ شَرِكَة لَمْ تُقَسَّم رَبْعَة أَوْ حَائِط لَا يَحِلّ لَهُ أَنْ يَبِيع حَتَّى يُؤْذِن شَرِيكه فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، فَإِذَا بَاعَ وَلَمْ يُؤْذِنهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ».
وَفِي رِوَايَة: «قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الشُّفْعَة فِي كُلّ شِرْك فِي أَرْض أَوْ رَبْع أَوْ حَائِط لَا يَصْلُح أَنْ يَبِيع حَتَّى يَعْرِض عَلَى شَرِيكه فَيَأْخُذ أَوْ يَدَع، فَإِنْ أَبَى فَشَرِيكه أَحَقُّ بِهِ حَتَّى يُؤْذِنهُ».
وَالرَّبْعَة وَالرَّبْع بِفَتْحِ الرَّاء وَإِسْكَان الْبَاء، وَالرَّبْع الدَّار الْمَسْكَن وَمُطْلَق الْأَرْض، وَأَصْله الْمَنْزِل الَّذِي كَانُوا يَرْتَبِعُونَ فيه، وَالرَّبْعَة تَأْنِيث الرَّبْع، وَقِيلَ وَاحِدَة وَالْجَمْع الَّذِي هُوَ اِسْم الْجِنْس رَبَع كَثَمَرَةٍ وَثَمَر، وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى ثُبُوت الشُّفْعَة لِلشَّرِيكِ فِي الْعَقَار مَا لَمْ يُقَسَّم، قَالَ الْعُلَمَاء: الْحِكْمَة فِي ثُبُوت الشُّفْعَة إِزَالَة الضَّرَر عَنْ الشَّرِيك، وَخُصَّتْ بِالْعَقَارِ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَر الْأَنْوَاع ضَرَرًا، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا شُفْعَة فِي الْحَيَوَان وَالثِّيَاب وَالْأَمْتِعَة وَسَائِر الْمَنْقُول، قَالَ الْقَاضِي: وَشَذَّ بَعْض النَّاس فَأَثْبَتَ الشُّفْعَة فِي الْعُرُوض، وَهِيَ رِوَايَة عَنْ عَطَاء، وَتَثْبُت فِي كُلّ شَيْء حَتَّى فِي الثَّوْب، وَكَذَا حَكَاهَا عَنْهُ اِبْن الْمُنْذِر.
وَعَنْ أَحْمَد رِوَايَة: أَنَّهَا تَثْبُت فِي الْحَيَوَان وَالْبِنَاء الْمُنْفَرِد، وَأَمَّا الْمَقْسُوم فَهَلْ تَثْبُتُ فيه الشُّفْعَة بِالْجِوَارِ؟ فيه خِلَاف.
مَذْهَب الشَّافِعِيّ وَمَالِك وَأَحْمَد وَجَمَاهِير الْعُلَمَاء لَا تَثْبُت بِالْجِوَارِ، وَحَكَاهُ اِبْن الْمُنْذِر عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب وَعُثْمَان بْن عَفَّان وَسَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَسُلَيْمَان بْن يَسَار وَعُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز وَالزُّهْرِيّ وَيَحْيَى الْأَنْصَارِيّ، وَأَبِي الزِّنَاد، وَرَبِيعَة، وَمَالِك وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالْمُغِيرَة بْن عَبْد الرَّحْمَن، وَأَحْمَد وَإِسْحَاق، وَأَبِي ثَوْر.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَالثَّوْرِيُّ: تَثْبُتُ بِالْجِوَارِ.
وَاللَّهُ أَعْلَم.
وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى أَنَّ الشُّفْعَة لَا تَثْبُت إِلَّا فِي عَقَار مُحْتَمِل لِلْقِسْمَةِ، بِخِلَافِ الْحَمَّام الصَّغِير، وَالرَّحَى وَنَحْو ذَلِكَ.
وَاسْتَدَلَّ بِهِ أَيْضًا مَنْ يَقُول بِالشُّفْعَةِ فِيمَا لَا يَحْتَمِل الْقِسْمَة.
✯✯✯✯✯✯
3016- وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَمَنْ كَانَ لَهُ شَرِيك» فَهُوَ عَامّ يَتَنَاوَل الْمُسْلِم وَالْكَافِر وَالذِّمِّيّ فَتَثْبُت لِلذِّمِّيِّ الشُّفْعَة عَلَى الْمُسْلِم كَمَا تَثْبُت لِلْمُسْلِمِ عَلَى الذِّمِّيّ، هَذَا قَوْل الشَّافِعِيّ وَمَالِك وَأَبِي حَنِيفَة وَالْجُمْهُور، وَقَالَ الشَّعْبِيّ وَالْحَسَن وَأَحْمَد رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ: لَا شُفْعَة لِلذِّمِّيِّ عَلَى الْمُسْلِم.
وَفيه ثُبُوت الشُّفْعَة لِلْأَعْرَابِيِّ كَثُبُوتِهَا لِلْمُقِيمِ فِي الْبَلَد.
وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَة وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَابْن الْمُنْذِر وَالْجُمْهُور.
وَقَالَ الشَّعْبِيّ: لَا شُفْعَة لِمَنْ لَا يَسْكُن بِالْمِصْرِ.
وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيع حَتَّى يُؤْذِن شَرِيكه فَإِنْ رَضِيَ أَخَذَ وَإِنْ كَرِهَ تَرَكَ» وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «لَا يَحِلّ لَهُ أَنْ يَبِيع حَتَّى يُؤْذِن شَرِيكه» فَهُوَ مَحْمُول عِنْد أَصْحَابنَا عَلَى النَّدْب إِلَى إِعْلَامه، وَكَرَاهَة بَيْعه قَبْل إِعْلَامه كَرَاهَة تَنْزِيه، وَلَيْسَ بِحَرَامٍ، وَيَتَأَوَّلُونَ الْحَدِيث عَلَى هَذَا، وَيَصْدُق عَلَى الْمَكْرُوه أَنَّهُ لَيْسَ بِحَلَالٍ، وَيَكُون الْحَلَال بِمَعْنَى الْمُبَاح، وَهُوَ مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ.
وَالْمَكْرُوه لَيْسَ بِمُبَاحٍ مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ بَلْ هُوَ رَاجِحُ التَّرْك، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِيمَا لَوْ أَعْلَمَ الشَّرِيك بِالْبَيْعِ فَأَذِنَ فيه فَبَاعَ ثُمَّ أَرَادَ الشَّرِيك أَنْ يَأْخُذ بِالشُّفْعَةِ، فَقَالَ الشَّافِعِيّ وَمَالِك وَأَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابهمْ وَعُثْمَان الْبَتِّيّ وَابْن أَبِي لَيْلَى وَغَيْرهمْ: لَهُ أَنْ يَأْخُذ بِالشُّفْعَةِ، وَقَالَ الْحَكَم وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو عُبَيْد وَطَائِفَة مِنْ أَهْل الْحَدِيث: لَيْسَ لَهُ الْأَخْذ، وَعَنْ أَحْمَد رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ.
وَاللَّهُ أَعْلَم.
باب الشفعة
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب المساقاة ﴿ 28 ﴾
۞۞۞۞۞۞
۞۞