باب قوله لابن عباس ما هذا الفتيا التي قد تشغفت - او قد تشغبت- بالناس
باب قوله لابن عباس ما هذا الفتيا التي قد تشغفت - او قد تشغبت- بالناس
2185- قَوْله: (مَا هَذَا الْفُتْيَا الَّتِي قَدْ تَشَغَّفَتْ أَوْ تَشَغَّبَتْ بِالنَّاسِ) وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى (إِنَّ هَذَا الْأَمْر قَدْ تَشَفَّعَ بِالنَّاسِ) أَمَّا اللَّفْظَة الْأُولَى فَبِشِينٍ ثُمَّ غَيْن مُعْجَمَتَيْنِ ثُمَّ فَاء، وَالثَّانِيَة كَذَلِكَ لَكِنْ بَدَل الْفَاء بَاء مُوَحَّدَة، وَالثَّالِثَة بِتَقْدِيمِ الْفَاء وَبَعْدهَا شِين ثُمَّ عَيْن.
وَمَعْنَى هَذِهِ الثَّالِثَة اِنْتَشَرَتْ وَفَشَتْ بَيْن النَّاس.
وَأَمَّا الْأُولَى فَمَعْنَاهَا عَلِقَتْ بِالْقُلُوبِ وَشَغَفُوا بِهَا.
وَأَمَّا الثَّانِيَة فَرُوِيَتْ أَيْضًا بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَة وَمِمَّنْ ذَكَرَ الرِّوَايَتَيْنِ فيها الْمُعْجَمَة وَالْمُهْمَلَة أَبُو عُبَيْد وَالْقَاضِي عِيَاض.
وَمَعْنَى الْمُهْمَلَة أَنَّهَا فَرَّقَتْ مَذَاهِب النَّاس وَأَوْقَعَتْ الْخِلَاف بَيْنهمْ.
وَمَعْنَى الْمُعْجَمَة خَلَطَتْ عَلَيْهِمْ أَمْرهمْ.
قَوْله: (مَا هَذَا الْفُتْيَا) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَم النُّسَخ (هَذَا الْفُتْيَا).
وَفِي بَعْضهَا (هَذِهِ)، وَهُوَ الْأَجْوَد، وَوَجْه الْأَوَّل أَنَّهُ أَرَادَ بِالْفُتْيَا الْإِفْتَاء فَوَصَفَهُ مُذَكَّرًا، وَيُقَال فُتْيَا وَفَتْوَى.
قَوْله: عَنْ اِبْن عَبَّاس (أَنَّ مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ فَقَدْ حَلَّ فَقَالَ: سُنَّة نَبِيّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ رَغِمْتُمْ) وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى حَدَّثَنَا اِبْن جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَطَاء قَالَ: (كَانَ اِبْن عَبَّاس يَقُول: لَا يَطُوف بِالْبَيْتِ حَاجّ وَلَا غَيْر حَاجّ إِلَّا حَلَّ قُلْت لِعَطَاءٍ: مِنْ أَيْنَ يَقُول ذَلِكَ؟ قَالَ: مِنْ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {ثُمَّ مَحِلّهَا إِلَى الْبَيْت الْعَتِيق} قُلْت: فَإِنَّ ذَلِكَ بَعْد الْمُعَرَّف، فَقَالَ: كَانَ اِبْن عَبَّاس يَقُول: هُوَ بَعْد الْمُعَرَّف وَقَبْله، كَانَ يَأْخُذ ذَلِكَ مِنْ أَمْر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين أَمَرَهُمْ أَنْ يَحِلُّوا فِي حَجَّة الْوَدَاع).
هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ اِبْن عَبَّاس هُوَ مَذْهَبه، وَهُوَ خِلَاف مَذْهَب الْجُمْهُور مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف، فَإِنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْعُلَمَاء كَافَّة سِوَى اِبْن عَبَّاس أَنَّ الْحَاجّ لَا يَتَحَلَّل بِمُجَرَّدِ طَوَاف الْقُدُوم، بَلْ لَا يَتَحَلَّل حَتَّى يَقِف بِعَرَفَاتٍ وَيَرْمِي وَيَحْلِق وَيَطُوف طَوَاف الزِّيَارَة، فَحِينَئِذٍ يَحْصُل التَّحَلُّلَانِ، وَيَحْصُل الْأَوَّل بِاثْنَيْنِ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَة الَّتِي هِيَ رَمْي جَمْرَة الْعَقَبَة وَالْحَلْق وَالطَّوَاف.
وَأَمَّا اِحْتِجَاج اِبْن عَبَّاس بِالْآيَةِ فَلَا دَلَالَة لَهُ فيها لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى: {مَحِلّهَا إِلَى الْبَيْت الْعَتِيق} مَعْنَاهُ لَا تُنْحَر إِلَّا فِي الْحَرَم، وَلَيْسَ فيه تَعَرُّض لِلتَّحَلُّلِ مِنْ الْإِحْرَام، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَاد بِهِ التَّحَلُّل مِنْ الْإِحْرَام لَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَحَلَّل بِمُجَرَّدِ وُصُول الْهَدْي إِلَى الْحَرَم قَبْل أَنْ يَطُوف.
وَأَمَّا اِحْتِجَاجه بِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُمْ فِي حَجَّة الْوَدَاع بِأَنْ يَحِلُّوا فَلَا دَلَالَة فيه لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُمْ بِفَسْخِ الْحَجّ إِلَى الْعُمْرَة فِي تِلْكَ السَّنَة، فَلَا يَكُون دَلِيلًا فِي تَحَلُّل مَنْ هُوَ مُلْتَبِس بِإِحْرَامِ الْحَجّ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
قَالَ الْقَاضِي: قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَتَأَوَّلَ بَعْض شُيُوخنَا قَوْل اِبْن عَبَّاس فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة عَلَى مَنْ فَاتَهُ الْحَجّ أَنَّهُ يَتَحَلَّل بِالطَّوَافِ وَالسَّعْي.
قَالَ: وَهَذَا تَأْوِيل بَعِيد لِأَنَّهُ قَالَ بَعْده، وَكَانَ اِبْن عَبَّاس يَقُول: لَا يَطُوف بِالْبَيْتِ حَاجّ وَلَا غَيْره إِلَّا حَلَّ.
وَاَللَّه أَعْلَم. باب قوله لابن عباس ما هذا الفتيا التي قد تشغفت - او قد تشغبت- بالناس