باب من فضائل اهل بدر رضي الله عنهم وقصة حاطب بن ابي بلتعة
باب من فضائل اهل بدر رضي الله عنهم وقصة حاطب بن ابي بلتعة
4550- قَوْله: «رَوْضَة خَاخٍ» هِيَ بِخَاءَيْنِ مُعْجَمَتَيْنِ.
هَذَا هُوَ الصَّوَاب الَّذِي قَالَهُ الْعُلَمَاء كَافَّة فِي جَمِيع الطَّوَائِف، وَفِي جَمِيع الرِّوَايَات وَالْكُتُب.
وَوَقَعَ فِي الْبُخَارِيّ مِنْ رِوَايَة أَبِي عَوَانَة: «وَحَاج» بِحَاءِ مُهْمَلَة وَالْجِيم، وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهُ غَلَط أَبِي عَوَانَة، وَإِنَّمَا اِشْتَبَهَ عَلَيْهِ بِذَاتِ حَاجّ بِالْمُهْمَلَةِ وَالْجِيم، وَهِيَ مَوْضِع بَيْن الْمَدِينَة وَالشَّام عَلَى طَرِيق الْحَجِيج.
وَأَمَّا: «رَوْضَةُ خَاخٍ» فَبَيْن مَكَّة وَالْمَدِينَة بِقُرْبِ الْمَدِينَة.
قَالَ صَاحِب الْمَطَالِع: وَقَالَ الصَّائِدِيّ: هِيَ بِقُرْبِ مَكَّة، وَالصَّوَاب الْأَوَّل.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَاب» الظَّعِينَة هُنَا الْجَارِيَة، وَأَصْلُهَا الْهَوْدَجُ، وَسُمِّيَتْ بِهَا الْجَارِيَة؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ فيه.
وَاسْم هَذِهِ الظَّعِينَة سَارَة مَوْلَاة لِعِمْرَان بْن أَبِي صَيْفِيّ الْقُرَشِيّ.
وَفِي هَذَا مُعْجِزَة ظَاهِرَة لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفيه هَتْك أَسْتَارِ الْجَوَاسِيس بِقِرَاءَةِ كُتُبِهِمْ سَوَاء كَانَ رَجُلًا أَوْ اِمْرَأَة، وَفيه هَتْك سِتْرِ الْمَفْسَدَة إِذَا كَانَ فيه مَصْلَحَة أَوْ كَانَ فِي السِّتْر مَفْسَدَة وَإِنَّمَا يُنْدَبُ السِّتْر إِذَا لَمْ يَكُنْ فيه مَفْسَدَة، وَلَا يَفُوتُ بِهِ مَصْلَحَة، وَعَلَى هَذَا تُحْمَلُ الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي النَّدْب إِلَى السِّتْر.
وَفيه أَنَّ الْجَاسُوس وَغَيْره مِنْ أَصْحَاب الذُّنُوب الْكَبَائِر لَا يَكْفُرُونَ بِذَلِكَ، وَهَذَا الْجِنْسُ كَبِيرَةٌ قَطْعًا لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إِيذَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ كَبِيرَة بِلَا شَكٍّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ} الْآيَة وَفيه أَنَّهُ لَا يُحَدُّ الْعَاصِي، وَلَا يُعَزَّرُ إِلَّا بِإِذْنِ الْإِمَام.
وَفيه إِشَارَة جُلَسَاء الْإِمَام وَالْحَاكِم بِمَا يَرَوْنَهُ كَمَا أَشَارَ عُمَر بِضَرْبِ عُنُق حَاطِب.
وَمَذْهَب الشَّافِعِيّ وَطَائِفَة أَنَّ الْجَاسُوس الْمُسْلِم يُعَزَّرُ، وَلَا يَجُوزُ قَتْلُهُ.
وَقَالَ بَعْض الْمَالِكِيَّة: يُقْتَلُ إِلَّا أَنْ يَتُوبَ.
وَبَعْضُهُمْ يُقْتَلُ، وَإِنْ تَابَ.
وَقَالَ مَالِك: يَجْتَهِدُ فيه الْإِمَام.
قَوْله: «تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا» هُوَ بِفَتْحِ التَّاء أَيْ تَجْرِي.
قَوْله: «فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصهَا» هُوَ بِكَسْرِ الْعَيْن أَيْ شَعْرِهَا الْمَضْفُور، وَهُوَ جَمْع عَقِيصَة.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَعَلَّ اللَّه اِطَّلَعَ عَلَى أَهْل بَدْر فَقَالَ: اِعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غُفِرَ لَكُمْ» قَالَ الْعُلَمَاء: مَعْنَاهُ الْغُفْرَان لَهُمْ فِي الْآخِرَة، وَإِلَّا فَإِنْ تَوَجَّهَ عَلَى أَحَد مِنْهُمْ حَدٌّ أَوْ غَيْره أُقِيمَ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا.
وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاض الْإِجْمَاع عَلَى إِقَامَة الْحَدّ، وَأَقَامَهُ عُمَر عَلَى بَعْضِهِمْ.
قَالَ: وَضَرَبَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِسْطَحًا الْحَدّ وَكَانَ بَدْرِيًّا.
قَوْله: «عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا مَرْثَد الْغَنَوِيّ وَالزُّبَيْر بْن الْعَوَامّ»، وَفِي الرِّوَايَة السَّابِقَة: (الْمِقْدَاد) بَدَل (أَبِي مَرْثَد).
وَلَا مُنَافَاةَ، بَلْ بَعَثَ الْأَرْبَعَة عَلِيًّا وَالزُّبَيْر وَالْمِقْدَاد وَأَبَا مَرْثَد.
✯✯✯✯✯✯
4551- قَوْله: «يَا رَسُول اللَّه لَيَدْخُلَنَّ حَاطِب النَّار فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَذَبْت لَا يَدْخُلهَا فَإِنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَة» فيه فَضِيلَة أَهْل بَدْر وَالْحُدَيْبِيَة، وَفَضِيلَة حَاطِب لِكَوْنِهِ مِنْهُمْ، وَفيه أَنَّ لَفْظَة الْكَذِب هِيَ الْإِخْبَار عَنْ الشَّيْء عَلَى خِلَاف مَا هُوَ، عَمْدًا كَانَ أَوْ سَهْوًا، سَوَاء كَانَ الْإِخْبَار عَنْ مَاضٍ أَوْ مُسْتَقْبَل، وَخَصَّتْهُ الْمُعْتَزِلَة بِالْعَمْدِ، وَهَذَا يَرُدّ عَلَيْهِمْ، وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَة فِي كِتَاب الْإِيمَان، وَقَالَ بَعْض أَهْل اللُّغَة: لَا يُسْتَعْمَل الْكَذِب إِلَّا فِي الْإِخْبَار عَنْ الْمَاضِي مَا هُوَ مُسْتَقْبَل، وَهَذَا الْحَدِيث يَرُدّ عَلَيْهِ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
باب من فضائل اهل بدر رضي الله عنهم وقصة حاطب بن ابي بلتعة
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب فضائل الصحابة ﴿ 37 ﴾
۞۞۞۞۞۞
۞۞