باب فضل الشهادة في سبيل الله تعالى
باب فضل الشهادة في سبيل الله تعالى
3488- قَوْله: (حَدَّثَنَا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر عَنْ شُعْبَة عَنْ قَتَادَة وَحُمَيْد عَنْ أَنَس) قَالَ أَبُو عَلِيّ الْغَسَّانِيّ: ظَاهِر هَذَا الْإِسْنَاد أَنَّ شُعْبَة يَرْوِيه عَنْ قَتَادَة وَحُمَيْد جَمِيعًا عَنْ أَنَس، قَالَ: وَصَوَابه: أَنَّ أَبَا خَالِد يَرْوِيه عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَس، وَيَرْوِيه أَبُو خَالِد أَيْضًا عَنْ شُعْبَة عَنْ قَتَادَة عَنْ أَنَس، قَالَ: وَهَكَذَا قَالَهُ عَبْد الْغَنِيّ بْن سَعِيد، قَالَ الْقَاضِي: فَيَكُون حُمَيْدٌ مَعْطُوفًا عَلَى شُعْبَة لَا عَلَى قَتَادَة، قَالَ: وَقَدْ ذَكَرَهُ اِبْن أَبِي شَيْبَة فِي كِتَابه عَنْ أَبِي خَالِد عَنْ حُمَيْدٍ وَشُعْبَة عَنْ قَتَادَة عَنْ أَنَس، فَبَيَّنَهُ، وَإِنْ كَانَ فيه أَيْضًا إِيهَام فَإِنَّ ظَاهِره: أَنَّ حُمَيْدًا يَرْوِيه عَنْ قَتَادَة، وَلَيْسَ الْمُرَاد كَذَلِكَ؛ بَلْ الْمُرَاد أَنَّ حُمَيْدًا يَرْوِيه عَنْ أَنَس كَمَا سَبَقَ.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ نَفْس تَمُوت لَهَا عِنْد اللَّه خَيْر يَسُرّهَا أَنَّهَا تَرْجِع إِلَى الدُّنْيَا وَلَا أَنَّ لَهَا الدُّنْيَا وَمَا فيها إِلَّا الشَّهِيد إِلَى آخِره» هَذَا مِنْ صَرَائِح الْأَدِلَّة فِي عَظِيم فَضْل الشَّهَادَة، وَاللَّهُ الْمَحْمُود الْمَشْكُور.
وَأَمَّا سَبَب تَسْمِيَته شَهِيدًا: فَقَالَ النَّضْر بْن شُمَيْلٍ: لِأَنَّهُ حَيّ، فَإِنَّ أَرْوَاحهمْ شَهِدَتْ وَحَضَرَتْ دَار السَّلَام وَأَرْوَاح غَيْرهمْ إِنَّمَا تَشْهَدهَا يَوْم الْقِيَامَة، وَقَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ: إِنَّ اللَّه تَعَالَى وَمَلَائِكَته عَلَيْهِمْ الصَّلَاة وَالسَّلَام يَشْهَدُونَ لَهُ بِالْجَنَّةِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ شَهِدَ عِنْد خُرُوج رُوحه مَا أَعَدَّهُ اللَّه تَعَالَى لَهُ مِنْ الثَّوَاب وَالْكَرَامَة، وَقِيلَ: لِأَنَّ مَلَائِكَة الرَّحْمَة يَشْهَدُونَهُ فَيَأْخُذُونَ رُوحه، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ شُهِدَ لَهُ بِالْإِيمَانِ وَخَاتِمَة الْخَيْر بِظَاهِرِ حَاله، وَقِيلَ: لِأَنَّ عَلَيْهِ شَاهِدًا بِكَوْنِهِ شَهِيدًا وَهُوَ الدَّم، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ مِمَّنْ يَشْهَد عَلَى الْأُمَم يَوْم الْقِيَامَة بِإِبْلَاغِ الرُّسُلِ الرِّسَالَةَ إِلَيْهِمْ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْل يُشَارِكهُمْ غَيْرهمْ فِي هَذَا الْوَصْف.
✯✯✯✯✯✯
3490- قَوْله: «مَا يَعْدِل الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه؟ قَالَ: لَا تَسْتَطِيعُوهُ» هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَم النُّسَخ: «لَا تَسْتَطِيعُوهُ» وَفِي بَعْضهَا: «لَا تَسْتَطِيعُونَهُ» بِالنُّونِ، وَهَذَا جَارٍ عَلَى اللُّغَة الْمَشْهُورَة، وَالْأَوَّل صَحِيح أَيْضًا، وَهِيَ لُغَة فَصِيحَة حَذْف النُّون مِنْ غَيْر نَاصِب وَلَا جَازِم، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانهَا وَنَظَائِرهَا مَرَّات.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَل الْمُجَاهِد فِي سَبِيل اللَّه كَمَثَلِ الصَّائِم الْقَائِم الْقَانِت بِآيَاتِ اللَّه إِلَى آخِره» مَعْنَى الْقَانِت هُنَا: الْمُطِيع.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث عَظِيم فَضْل الْجِهَاد؛ لِأَنَّ الصَّلَاة وَالصِّيَام وَالْقِيَام بِآيَاتِ اللَّه أَفْضَل الْأَعْمَال، وَقَدْ جَعَلَ الْمُجَاهِد مِثْل مَنْ لَا يَفْتُر عَنْ ذَلِكَ فِي لَحْظَة مِنْ اللَّحَظَات، وَمَعْلُوم أَنَّ هَذَا لَا يَتَأَتَّى لِأَحَدٍ، وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَسْتَطِيعُونَهُ» وَاللَّهُ أَعْلَم.
✯✯✯✯✯✯
3491- قَوْله: (أَنَّ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ زَجَرَ الرِّجَال الَّذِينَ رَفَعُوا أَصْوَاتهمْ يَوْم الْجُمُعَة عِنْد الْمِنْبَر) فيه: كَرَاهَة رَفْع الصَّوْت فِي الْمَسَاجِد يَوْم الْجُمُعَة وَغَيْره، وَأَنَّهُ لَا يُرْفَع الصَّوْت بِعِلْمٍ وَلَا غَيْره عِنْد اِجْتِمَاع النَّاس لِلصَّلَاةِ لِمَا فيه مِنْ التَّشْوِيش عَلَيْهِمْ وَعَلَى الْمُصَلِّينَ وَالذَّاكِرِينَ.
وَاللَّهُ أَعْلَم.
باب فضل الشهادة في سبيل الله تعالى
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب الإمارة ﴿ 26 ﴾
۞۞۞۞۞۞۞۞