باب فضل اعانة الغازي في سبيل الله بمركوب وغيره وخلافته في اهله بخير
باب فضل اعانة الغازي في سبيل الله بمركوب وغيره وخلافته في اهله بخير
3509- قَوْله: «أُبْدِعَ بِي» هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَة، وَفِي بَعْض النُّسَخ: «بُدِّعَ بِي» بِحَذْفِ الْهَمْزَة وَتَشْدِيد الدَّال، وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ جُمْهُور رُوَاة مُسْلِم، قَالَ: وَالْأَوَّل هُوَ الصَّوَاب، وَمَعْرُوف فِي اللُّغَة، وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَآخَرُونَ بِالْأَلِفِ، وَمَعْنَاة: هَلَكَتْ دَابَّتِي، وَهِيَ مَرْكُوبِي.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْر فَلَهُ مِثْل أَجْر فَاعِله» فيه: فَضِيلَة الدَّلَالَة عَلَى الْخَيْر وَالتَّنْبِيه عَلَيْهِ، وَالْمُسَاعَدَة لِفَاعِلِهِ، وَفيه: فَضِيلَة تَعْلِيم الْعِلْم وَوَظَائِف الْعِبَادَات، لاسيما لِمَنْ يَعْمَل بِهَا مِنْ الْمُتَعَبِّدِينَ وَغَيْرهمْ، وَالْمُرَاد بِمِثْلِ أَجْر فَاعِله.
أَنَّ لَهُ ثَوَابًا بِذَلِكَ الْفِعْل كَمَا أَنَّ لِفَاعِلِهِ ثَوَابًا، وَلَا يَلْزَم أَنْ يَكُون قَدْر ثَوَابهمَا سَوَاء.
✯✯✯✯✯✯
3510- قَوْله: «إِنَّ فَتًى مِنْ أَسْلَمَ قَالَ: يَا رَسُول اللَّه إِنِّي أُرِيدَ الْغَزْو وَلَيْسَ مَعِي مَا أَتَجَهَّز بِهِ، قَالَ: اِئْتِ فُلَانًا فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ تَجَهَّزَ فَمَرِضَ إِلَى آخِرِهِ» فيه: فَضِيلَة الدَّلَالَة عَلَى الْخَيْر.
وَفيه: أَنَّ مَا نَوَى الْإِنْسَانُ صَرْفَهُ فِي جِهَة بِرّ فَتَعَذَّرَتْ عَلَيْهِ تِلْكَ الْجِهَة يُسْتَحَبّ لَهُ بَذْله فِي جِهَة أُخْرَى مِنْ الْبِرّ، وَلَا يَلْزَمهُ ذَلِكَ مَا لَمْ يَلْتَزِمهُ بِالنَّذْرِ.
✯✯✯✯✯✯
3511- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فَقَدْ غَزَا وَمَنْ خَلَفَهُ فِي أَهْله بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا» أَيْ: حَصَلَ لَهُ أَجْر بِسَبَبِ الْغَزْو، وَهَذَا الْأَجْر يَحْصُل بِكُلِّ جِهَاد، وَسَوَاء قَلِيله وَكَثِيره، وَلِكُلِّ خَالِف لَهُ فِي أَهْله بِخَيْرٍ مِنْ قَضَاء حَاجَة لَهُمْ، وَإِنْفَاق عَلَيْهِمْ، أَوْ مُسَاعَدَتهمْ فِي أَمْرهمْ، وَيَخْتَلِف قَدْر الثَّوَاب بِقِلَّةِ ذَلِكَ وَكَثْرَته.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث: الْحَثّ عَلَى الْإِحْسَان إِلَى مَنْ فَعَلَ مَصْلَحَة لِلْمُسْلِمِينَ، أَوْ قَامَ بِأَمْرٍ مِنْ مُهِمَّاتهمْ.
✯✯✯✯✯✯
3513- قَوْله: «إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ بَعْثًا إِلَى بَنِي لِحْيَان مِنْ هُذَيْل فَقَالَ: لِيَنْبَعِث مِنْ كُلّ رَجُلَيْنِ أَحَدهمَا وَالْأَجْر بَيْنهمَا» أَمَّا (بَنُو لِحْيَان) فَبِكَسْرِ اللَّام وَفَتْحهَا، وَالْكَسْر أَشْهَر، وَقَدْ اِتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ بَنِي لِحْيَانَ كَانُوا فِي ذَلِكَ الْوَقْت كُفَّارًا، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ بَعْثًا يَغْزُونَهُمْ، وَقَالَ لِذَلِكَ الْبَعْث: لِيَخْرُج مِنْ كُلّ قَبِيلَة نِصْف عَدَدهَا، وَهُوَ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ: مِنْ كُلّ رَجُلَيْنِ أَحَدهمَا.
وَأَمَّا كَوْن الْأَجْر بَيْنهمَا، فَهُوَ مَحْمُول عَلَى مَا إِذَا خَلَفَ الْمُقِيم الْغَازِي فِي أَهْله بِخَيْرٍ كَمَا شَرَحْنَاهُ قَرِيبًا، وَكَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي بَاقِي الْأَحَادِيث.
قَوْله: فِي إِسْنَاد هَذَا الْحَدِيث: (أَبُو سَعِيد مَوْلَى الْمَهْرِيّ) هُوَ بِالرَّاءِ، وَاسْمه: سَالِم بْن عَبْد اللَّه أَبُو عَبْد اللَّه الْنَصْرِيّ- بِالنُّونِ- الْمَدَنِيّ، مَوْلَى شَدَّاد بْن الْهَادِي، وَيُقَال: مَوْلَى مَالِك بْن أَوْس بْن الْحَدَثَان، وَيُقَال: مَوْلَى دَوْس، وَيُقَال لَهُ: سَالِم سَبَلَات، بِالسِّينِ الْمُهْمَلَة وَالْبَاء الْمُوَحَّدَة الْمَفْتُوحَتَيْنِ، وَهُوَ سَالِم الْبُرْد بِالرَّاءِ وَآخِرَة دَال، وَهُوَ سَالِم مَوْلَى النَّصْرِيِّينَ بِالنُّونِ، وَهُوَ أَبُو عَبْد اللَّه مَوْلَى شَدَّاد، وَهُوَ سَالِم أَبُو عَبْد اللَّه الْمَدِينِيّ، وَهُوَ سَالِم مَوْلَى مَالِك بْن أَوْس، وَهُوَ سَالِم مَوْلَى الْمَهْرَبَيْنِ، وَهُوَ سَالَمَ مَوْلَى دَوْس، وَهُوَ سَالِم أَبُو عَبْد اللَّه الدَْوْسِيّ.
وَلِسَالِمٍ هَذَا نَظَائِر فِي هَذَا، وَهُوَ أَنْ يَكُون لِلْإِنْسَانِ أَسْمَاء أَوْ صِفَات وَتَعْرِيفَات يَعْرِفهُ كُلّ إِنْسَان بِوَاحِدٍ مِنْهَا، وَصَنَّفَ الْحَافِظ عَبْد الْغَنِيّ بْن سَعِيد الْمِصْرِيّ فِي هَذَا كِتَابًا حَسَنًا وَصَنَّفَ فيه غَيْره.
باب فضل اعانة الغازي في سبيل الله بمركوب وغيره وخلافته في اهله بخير
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب الإمارة ﴿ 35 ﴾
۞۞۞۞۞۞۞۞