باب بين كل اذانين صلاة
باب بين كل اذانين صلاة
1384- سبق شرحه بالباببَاب صَلَاة الْخَوْف:ذَكَرَ مُسْلِم رَحِمَهُ اللَّه فِي الْبَاب أَرْبَعَة أَحَادِيث.
أَحَدهَا: حَدِيث أَبِي عُمَر: «أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَة وَالْأُخْرَى مُوَاجِهَة لِلْعَدُوِّ، ثُمَّ اِنْصَرَفُوا فَقَامُوا مَقَام أَصْحَابهمْ وَجَاءَ أُولَئِكَ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَة، ثُمَّ سَلَّمَ فَقَضَى هَؤُلَاءِ رَكْعَة وَهَؤُلَاءِ رَكْعَة» وَبِهَذَا الْحَدِيث أَخَذَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَشْهَب الْمَالِكِيّ وَهُوَ جَائِز عِنْد الشَّافِعِيّ، ثُمَّ قِيلَ: إِنَّ الطَّائِفَتَيْنِ قَضَوْا رَكْعَتهمْ الْبَاقِيَة مَعًا، وَقِيلَ: مُتَفَرِّقِينَ وَهُوَ الصَّحِيح.
الثَّانِي: حَدِيث اِبْن أَبِي حَثْمَة بِنَحْوِهِ إِلَّا أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَة وَثَبَتَ قَائِمًا فَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ اِنْصَرَفُوا فَصَفُّوا وِجَاه الْعَدُوّ، وَجَاءَ الْآخَرُونَ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَة ثُمَّ ثَبَتَ جَالِسًا حَتَّى أَتَمُّوا رَكْعَتهمْ ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ.
وَبِهَذَا أَخَذَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو ثَوْر وَغَيْرهمْ، وَذَكَرَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنه صِفَة أُخْرَى أَنَّهُ صَفَّهُمْ صَفَّيْنِ فَصَلَّى بِمَنْ يَلِيه رَكْعَة ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا حَتَّى صَلَّى الَّذِينَ خَلْفه رَكْعَة، ثُمَّ تَقَدَّمُوا وَتَأَخَّرَ الَّذِينَ كَانُوا قُدَّامهمْ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَة ثُمَّ قَعَدَ حَتَّى صَلَّى الَّذِينَ تَخَلَّفُوا رَكْعَة ثُمَّ سَلَّمَ.
وَفِي رِوَايَة: «سَلَّمَ بِهِمْ جَمِيعًا».
الْحَدِيث الثَّالِث: حَدِيث جَابِر: «أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفَّهُمْ صَفَّيْنِ خَلْفه وَالْعَدُوّ بَيْنهمْ وَبَيْن الْقِبْلَة وَرَكَعَ بِالْجَمِيعِ وَسَجَدَ مَعَهُ الصَّفّ الْمُؤَخَّر، وَقَامُوا ثُمَّ تَقَدَّمُوا وَتَأَخَّرَ الَّذِي يَلِيه وَقَامَ الْمُؤَخَّر فِي نَحْر الْعَدُوّ، فَلَمَّا قَضَى السُّجُود سَجَدَ الصَّفّ الْمُقَدَّم» وَذَكَرَ فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة نَحْوه، وَحَدِيث اِبْن عَبَّاس نَحْو حَدِيث جَابِر لَكِنْ لَيْسَ فيه تَقَدُّم الصَّفّ وَتَأَخُّر الْآخَر، وَبِهَذَا الْحَدِيث قَالَ الشَّافِعِيّ وَابْن أَبِي لَيْلَى وَأَبُو يُوسُف إِذَا كَانَ الْعَدُوّ فِي جِهَة الْقِبْلَة، وَيَجُوز عِنْد الشَّافِعِيّ تَقَدُّم الصَّفّ الثَّانِي وَتَأَخُّر الْأَوَّل كَمَا فِي رِوَايَة جَابِر، وَيَجُوز بَقَاؤُهُمَا عَلَى حَالهمَا كَمَا هُوَ ظَاهِر حَدِيث اِبْن عَبَّاس.
الْحَدِيث الرَّابِع: حَدِيث جَابِر: «أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِكُلِّ طَائِفَة رَكْعَتَيْنِ» وَفِي سُنَن أَبِي دَاوُدَ وَغَيْره مِنْ رِوَايَة أَبِي بَكْرَة أَنَّهُ صَلَّى بِكُلِّ طَائِفَة رَكْعَتَيْنِ وَسَلَّمَ، فَكَانَتْ الطَّائِفَة الثَّانِيَة مُفْتَرِضِينَ خَلْف مُتَنَفِّل، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيّ وَحَكَوْهُ عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ، وَادَّعَى الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ مَنْسُوخ.
وَلَا تُقْبَل دَعْوَاهُ إِذْ لَا دَلِيل لِنَسْخِهِ فَهَذِهِ سِتَّة أَوْجُه فِي صَلَاة الْخَوْف.
وَرَوَى اِبْن مَسْعُود وَأَبُو هُرَيْرَة وَجْهًا سَابِعًا: أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَة وَانْصَرَفُوا وَلَمْ يُسَلِّمُوا وَوَقَفُوا بِإِزَاءِ الْعَدُوّ، وَجَاءَ الْآخَرُونَ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَة ثُمَّ سَلَّمَ فَقَضَى هَؤُلَاءِ رَكْعَتهمْ، ثُمَّ سَلَّمُوا وَذَهَبُوا، فَقَامُوا مَقَام أُولَئِكَ، وَرَجَعَ أُولَئِكَ فَصَلُّوا لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَة ثُمَّ سَلَّمَ.
وَبِهَذَا أَخَذَ أَبُو حَنِيفَة.
وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَغَيْره وُجُوهًا أُخَر فِي صَلَاة الْخَوْف بِحَيْثُ يَبْلُغ مَجْمُوعهَا سِتَّة عَشَرَ وَجْهًا.
وَذَكَرَ اِبْن الْقَصَّار الْمَالِكِيّ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّاهَا فِي عَشْرَة مَوَاطِن.
وَالْمُخْتَار أَنَّ هَذِهِ الْأَوْجُه كُلّهَا جَائِزَة بِحَسَبِ مَوَاطِنهَا.
وَفيها تَفْصِيل وَتَفْرِيع مَشْهُور فِي كُتُب الْفِقْه.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: صَلَاة الْخَوْف أَنْوَاع صَلَّاهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَيَّام مُخْتَلِفَة وَأَشْكَال مُتَبَايِنَة يَتَحَرَّى فِي كُلّهَا مَا هُوَ أَحْوَط لِلصَّلَاةِ وَأَبْلَغ فِي الْحِرَاسَة، فَهِيَ عَلَى اِخْتِلَاف صُوَرهَا مُتَّفِقَة الْمَعْنَى، ثُمَّ مَذْهَب الْعُلَمَاء كَافَّة أَنَّ صَلَاة الْخَوْف مَشْرُوعَة الْيَوْم كَمَا كَانَتْ إِلَّا أَبَا يُوسُف وَالْمُزَنِيَّ فَقَالَا: لَا تُشْرَع بَعْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِ اللَّه تَعَالَى: {وَإِذَا كُنْتَ فيهمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلَاة} وَاحْتَجَّ الْجُمْهُور بِأَنَّ الصَّحَابَة لَمْ يَزَالُوا عَلَى فِعْلهَا بَعْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ الْمُرَاد بِالْآيَةِ تَخْصِيصه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ ثَبَتَ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي».
✯✯✯✯✯✯
1385- سبق شرحه بالباب.
✯✯✯✯✯✯
1386- سبق شرحه بالباب.
✯✯✯✯✯✯
1387- سبق شرحه بالباب.
✯✯✯✯✯✯
1388- قَوْله فِي رِوَايَة أَبِي الزُّبَيْر عَنْ جَابِر: «ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدَ مَعَهُ الصَّفّ الْأَوَّل» هَكَذَا وَقَعَ فِي بَعْض النُّسَخ: «الصَّفّ الْأَوَّل» وَلَمْ يَقَع فِي أَكْثَرهَا ذِكْر الْأَوَّل وَالْمُرَاد الصَّفّ الْمُقَدَّم الْآن.
✯✯✯✯✯✯
1389- قَوْله: (صَالِح بْن خَوَّات) هُوَ بِفَتْحِ الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْدِيد الْوَاو.
✯✯✯✯✯✯
1390- قَوْله: (ذَات الرِّقَاع) هِيَ غَزْوَة مَعْرُوفَة كَانَتْ سَنَة خَمْس مِنْ الْهِجْرَة بِأَرْضِ غَطَفَانَ مِنْ نَجْد، سُمِّيَتْ ذَات الرِّقَاع لِأَنَّ أَقْدَام الْمُسْلِمِينَ نُقِّبَتْ مِنْ الْحَفَاء فَلَفُّوا عَلَيْهَا الْخِرَق، هَذَا هُوَ الصَّحِيح فِي سَبَب تَسْمِيَتهَا، وَقَدْ ثَبَتَ هَذَا فِي الصَّحِيح عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ.
وَقِيلَ: سُمِّيَتْ لِجَبَلٍ هُنَاكَ يُقَال لَهُ الرِّقَاع، لِأَنَّ فيه بَيَاضًا وَحُمْرَة وَسَوَادًا.
وَقِيلَ: سُمِّيَتْ بِشَجَرَةٍ هُنَاكَ يُقَال لَهَا ذَات الرِّقَاع، وَقِيلَ: لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ رَقَعُوا رَايَاتهمْ وَيَحْتَمِل أَنَّ هَذِهِ الْأُمُور كُلّهَا وُجِدَتْ مَعَهَا، وَشُرِعَتْ صَلَاة الْخَوْف فِي غَزْوَة خِلَاف الرِّقَاع، وَقِيلَ: فِي غَزْوَة بَنِي النَّضْر.
قَوْله فِي حَدِيث يَحْيَى بْن يَحْيَى: «أَنَّ طَائِفَة صَفَّتْ مَعَهُ» هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَر النُّسَخ وَفِي بَعْضهَا: «صَلَّتْ مَعَهُ» وَهُمَا صَحِيحَانِ.
قَوْله: «وَطَائِفَة وِجَاه الْعَدُوّ» هُوَ بِكَسْرِ الْوَاو وَضَمّهَا: يُقَال: وِجَاهه وَتُجَاهه أَيْ قُبَالَته، وَالطَّائِفَة الْفِرْقَة وَالْقِطْعَة مِنْ الشَّيْء تَقَع عَلَى الْقَلِيل وَالْكَثِير، لَكِنْ قَالَ الشَّافِعِيّ: أَكْرَه أَنْ تَكُون الطَّائِفَة فِي صَلَاة الْخَوْف أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَة فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُون الطَّائِفَة الَّتِي مَعَ الْإِمَام ثَلَاثَة فَأَكْثَر، وَاَلَّذِينَ فِي وَجْه الْعَدُوّ كَذَلِكَ، وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِ اللَّه تَعَالَى: {وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتهمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا} إِلَى آخِر الْآيَة.
فَأَعَادَ عَلَى كُلّ طَائِفَة ضَمِير الْجَمْع، وَأَقَلُّ الْجَمْع ثَلَاثَة عَلَى الْمَشْهُور.
✯✯✯✯✯✯
1391- قَوْله: «شَجَرَة ظَلِيلَة» أَيْ ذَات ظِلّ.
قَوْله: «فَأَخَذَ السَّيْف فَاخْتَرَطَهُ» أَيْ سَلَّهُ.
قَوْله: «فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ تَأَخَّرُوا وَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَع رَكَعَات وَلِلْقَوْمِ رَكْعَتَيْنِ» مَعْنَاهُ: صَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَتَيْنِ وَسَلَّمَ وَسَلَّمُوا، وَبِالثَّانِيَةِ كَذَلِكَ، وَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَنَفِّلًا فِي الثَّانِيَة وَهُمْ مُفْتَرِضُونَ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيّ وَأَصْحَابه عَلَى جَوَاز صَلَاة الْمُفْتَرِض خَلْف الْمُتَنَفِّل.
وَاَللَّه أَعْلَم.
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب صلاة المسافرين ﴿ 48 ﴾
۞۞۞۞۞۞۞۞