📁 آخر الأخبار

باب معرفة الركعتين اللتين كان يصليهما النبي صلى الله عليه وسلم بعد العصر

 

 باب معرفة الركعتين اللتين كان يصليهما النبي صلى الله عليه وسلم بعد العصر

باب معرفة الركعتين اللتين كان يصليهما النبي صلى الله عليه وسلم بعد العصر


1377- قَوْله: (قَالَ اِبْن عَبَّاس: وَكُنْت أَضْرِب مَعَ عُمَر بْن الْخَطَّاب النَّاس عَلَيْهَا) هَكَذَا وَقَعَ فِي بَعْض الْأُصُول (أَضْرِب النَّاس عَلَيْهَا) وَفِي بَعْض (أَصْرِف النَّاس عَنْهَا) وَكِلَاهُمَا صَحِيح وَلَا مُنَافَاة بَيْنهمَا، وَكَانَ يَضْرِبهُمْ عَلَيْهَا فِي وَقْت وَيَصْرِفهُمْ عَنْهَا فِي وَقْت مِنْ غَيْر ضَرْب، أَوْ يَصْرِفهُمْ مَعَ الضَّرْب، وَلَعَلَّهُ كَانَ يَضْرِب مَنْ بَلَغَهُ النَّهْي، وَيَصْرِف مَنْ لَمْ يَبْلُغهُ مِنْ غَيْر ضَرْب.

وَقَدْ جَاءَ فِي غَيْر مُسْلِم أَنَّهُ كَانَ يَضْرِب عَلَيْهَا بِالدِّرَّةِ، وَفيه اِحْتِيَاط الْإِمَام لِرَعِيَّتِهِ وَمَنْعهمْ مِنْ الْبِدَع وَالْمَنْهِيَّات الشَّرْعِيَّة وَتَعْزِيرهمْ عَلَيْهَا.

قَوْله: (قَالَ كُرَيْبٌ: فَدَخَلْت عَلَيْهَا وَبَلَّغْتهَا مَا أَرْسَلُونِي بِهِ فَقَالَتْ: سَلْ أُمّ سَلَمَة فَخَرَجْت إِلَيْهِمْ فَأَخْبَرْتهمْ بِقَوْلِهَا فَرَدُّونِي إِلَى أُمّ سَلَمَة) هَذَا فيه أَنَّهُ يُسْتَحَبّ لِلْعَالِمِ إِذَا طُلِبَ مِنْهُ تَحْقِيق أَمْر مُهِمّ وَيَعْلَم أَنَّ غَيْرَة أَعْلَم بِهِ أَوْ أَعْرَف بِأَصْلِهِ أَنْ يُرْشِد إِلَيْهِ إِذَا أَمْكَنَهُ.

 وَفيه الِاعْتِرَاف لِأَهْلِ الْفَضْل بِمَزِيَّتِهِمْ.

 وَفيه إِشَارَة إِلَى أَدَب الرَّسُول فِي حَاجَته، وَأَنَّهُ لَا يَسْتَقِلّ فيها بِتَصَرُّفٍ لَمْ يُؤْذَن لَهُ فيه، وَلِهَذَا لَمْ يَسْتَقِلّ كُرَيْبٌ بِالذَّهَابِ إِلَى أُمّ سَلَمَة؛ لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا أَرْسَلُوهُ إِلَى عَائِشَة، فَلَمَّا أَرْشَدَتْهُ عَائِشَة إِلَى أُمّ سَلَمَة وَكَانَ رَسُولًا لِلْجَمَاعَةِ لَمْ يَسْتَقِلّ بِالذَّهَابِ حَتَّى رَجَعَ إِلَيْهِمْ فَأَخْبَرَهُمْ فَأَرْسَلُوهُ إِلَيْهَا.

قَوْلهَا: (وَعِنْدِي نِسْوَة مِنْ بَنِي حَرَام مِنْ الْأَنْصَار) قَدْ سَبَقَ مَرَّات أَنَّ بَنِي حَرَام بِالرَّاءِ، وَأَنَّ حَرَامًا فِي الْأَنْصَار وَحِزَامًا بِالزَّايِ فِي قُرَيْش.

قَوْلهَا: (فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ الْجَارِيَة) فيه قَبُول خَبَر الْوَاحِد وَالْمَرْأَة مَعَ الْقُدْرَة عَلَى الْيَقِين بِالسَّمَاعِ مِنْ لَفْظ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قَوْلهَا: (فَقُولِي لَهُ تَقُول أُمّ سَلَمَة) إِنَّمَا قَالَتْ عَنْ نَفْسهَا: تَقُول أُمّ سَلَمَة فَكَنَّتْ نَفْسَهَا، وَلَمْ تَقُلْ هِنْد بِاسْمِهَا؛ لِأَنَّهَا مَعْرُوفَة بِكُنْيَتِهَا، وَلَا بَأْس بِذِكْرِ الْإِنْسَان نَفْسه بِالْكُنْيَةِ، إِذَا لَمْ يُعْرَف إِلَّا بِهَا أَوْ اِشْتَهَرَ بِهَا بِحَيْثُ لَا يُعْرَف غَالِبًا إِلَّا بِهَا، وَكُنِّيَتْ بِأَبِيهَا سَلَمَة بْن أَبِي سَلَمَة وَكَانَ صَحَابِيًّا، وَقَدْ ذَكَرْت أَحْوَاله فِي تَرْجَمَتهَا مِنْ تَهْذِيب الْأَسْمَاء.

قَوْلهَا: (إِنِّي أَسْمَعك تَنْهَى عَنْ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ وَأَرَاك تُصَلِّيهِمَا) مَعْنَى: (أَسْمَعك) سَمِعْتُك فِي الْمَاضِي، وَهُوَ مِنْ إِطْلَاق لَفْظ الْمُضَارِع لِإِرَادَةِ الْمَاضِي كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّب وَجْهك} وَفِي هَذَا الْكَلَام أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلتَّابِعِ إِذَا رَأَى مِنْ الْمَتْبُوع شَيْئًا يُخَالِف الْمَعْرُوف مِنْ طَرِيقَته وَالْمُعْتَاد مِنْ حَاله أَنْ يَسْأَلهُ بِلُطْفٍ عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ نَاسِيًا رَجَعَ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ عَامِدًا وَلَهُ مَعْنًى مُخَصَّص عَرَفَهُ التَّابِع وَاسْتَفَادَهُ، وَإِنْ كَانَ مَخْصُوصًا بِحَالٍ يَعْلَمهَا وَلَمْ يَتَجَاوَزهَا.

 وَفيه مَعَ هَذِهِ الْفَوَائِد فَائِدَة أُخْرَى وَهِيَ أَنَّهُ بِالسُّؤَالِ يَسْلَم مِنْ إِرْسَال الظَّنّ السَّيِّئ بِتَعَارُضِ الْأَفْعَال أَوْ الْأَقْوَال وَعَدَم الِارْتِبَاط بِطَرِيقٍ وَاحِد.

قَوْلهَا: (فَأَشَارَ بِيَدِهِ) فيه أَنَّ إِشَارَة الْمُصَلِّي بِيَدِهِ وَنَحْوهَا مِنْ الْأَفْعَال الْخَفِيفَة لَا تُبْطِل الصَّلَاة.

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ أَتَانِي نَاس مِنْ عَبْد الْقَيْس بِالْإِسْلَامِ مِنْ قَوْمهمْ فَشَغَلُونِي عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْد الظُّهْر فَهُمَا هَاتَانِ» فيه فَوَائِد مِنْهَا إِثْبَات سُنَّة الظُّهْر بَعْدهَا، وَمِنْهَا: أَنَّ السُّنَن الرَّاتِبَة إِذَا فَاتَتْ يُسْتَحَبّ قَضَاؤُهَا، وَهُوَ الصَّحِيح عِنْدنَا، وَمِنْهَا أَنَّ الصَّلَاة الَّتِي لَهَا سَبَب لَا تُكْرَه فِي وَقْت النَّهْي، وَإِنَّمَا يُكْرَه مَا لَا سَبَب لَهَا.

 وَهَذَا الْحَدِيث هُوَ عُمْدَة أَصْحَابنَا فِي الْمَسْأَلَة وَلَيْسَ لَنَا أَصَحُّ دَلَالَة مِنْهُ، وَدَلَالَته ظَاهِرَة فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ دَاوَمَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا، وَلَا يَقُولُونَ بِهَذَا، قُلْنَا: لِأَصْحَابِنَا فِي هَذَا وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَغَيْره أَحَدهمَا الْقَوْل بِهِ، فَمَنْ دَأْبه سُنَّة رَاتِبَة فَقَضَاهَا فِي وَقْت النَّهْي كَانَ لَهُ أَنْ يُدَاوِم عَلَى صَلَاة مِثْلهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْت.

وَالثَّانِي: وَهُوَ الْأَصَحّ الْأَشْهَر لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَهَذَا مِنْ خَصَائِص رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَحْصُل الدَّلَالَة بِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَوْم الْأَوَّل، فَإِنْ قِيلَ: هَذَا خَاصّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْنَا: الْأَصْل الِاقْتِدَاء بِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَدَم التَّخْصِيص حَتَّى يَقُوم دَلِيل بِهِ، بَلْ هُنَا دَلَالَة ظَاهِرَة عَلَى عَدَم التَّخْصِيص وَهِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَّنَ أَنَّهَا سُنَّة الظُّهْر وَلَمْ يَقُلْ هَذَا الْفِعْل مُخْتَصّ بِي، وَسُكُوته ظَاهِر فِي جَوَاز الِاقْتِدَاء.

 وَمِنْ فَوَائِده أَنَّ صَلَاة النَّهَار مَثْنَى مَثْنَى كَصَلَاةِ اللَّيْل، وَهُوَ مَذْهَبنَا، وَمَذْهَب الْجُمْهُور، وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَة.

 وَمِنْهَا: أَنَّهُ إِذَا تَعَارَضَتْ الْمَصَالِح وَالْمُهِمَّات بُدِئَ بِأَهَمِّهَا، وَلِهَذَا بَدَأَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَدِيثِ الْقَوْم فِي الْإِسْلَام، وَتَرَكَ سُنَّة الظُّهْر حَتَّى فَاتَ وَقْتهَا؛ لِأَنَّ الِاشْتِغَال بِإِرْشَادِهِمْ وَهِدَايَتهمْ وَقَوْمهمْ إِلَى الْإِسْلَام أَهَمُّ.

✯✯✯✯✯✯

‏1378- قَوْله: «سَأَلْت عَائِشَة عَنْ السَّجْدَتَيْنِ اللَّتَيْنِ كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّيهِمَا بَعْد الْعَصْر فَقَالَتْ: كَانَ يُصَلِّيهِمَا قَبْل الْعَصْر، ثُمَّ إِنَّهُ شُغِلَ عَنْهُمَا أَوْ نَسِيَهُمَا فَصَلَّاهُمَا بَعْد الْعَصْر» هَذَا الْحَدِيث ظَاهِر فِي أَنَّ الْمُرَاد بِالسَّجْدَتَيْنِ رَكْعَتَانِ هُمَا سُنَّة الْعَصْر قَبْلهَا، وَقَالَ الْقَاضِي: يَنْبَغِي أَنْ تُحْمَل عَلَى سُنَّة الظُّهْر كَمَا فِي حَدِيث أُمّ سَلَمَة لِيَتَّفِق الْحَدِيثَانِ، وَسُنَّة الظُّهْر تَصِحّ تَسْمِيَتهَا أَنَّهَا قَبْل الْعَصْر.

✯✯✯✯✯✯

‏1379- قَوْلهَا: «مَا تَرَكَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْد الْعَصْر عِنْدِي قَطُّ» يَعْنِي بَعْد يَوْم وَفْد عَبْد الْقَيْسبَاب اِسْتِحْبَاب رَكْعَتَيْنِ قَبْل صَلَاة الْمَغْرِب:فيه حَدِيث صَلَاتهمْ رَكْعَتَيْنِ بَعْد الْغُرُوب وَقَبْل صَلَاة الْمُغْرِب، وَفِي رِوَايَة: «أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَهَا بَعْد الْأَذَان» وَفِي الْحَدِيث الْآخَر: «بَيْن كُلّ أَذَانَيْنِ صَلَاة».

 الْمُرَاد بِالْأَذَانِ وَالْإِقَامَة.

 وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَات اِسْتِحْبَاب رَكْعَتَيْنِ بَيْن الْمَغْرِب وَصَلَاة الْمَغْرِب.

 وَفِي الْمَسْأَلَة وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا أَشْهَرهمَا: لَا يُسْتَحَبّ، وَأَصَحّهمَا عِنْد الْمُحَقِّقِينَ، يُسْتَحَبّ لِهَذِهِ الْأَحَادِيث.

 وَفِي الْمَسْأَلَة مَذْهَبَانِ لِلسَّلَفِ وَاسْتَحَبَّهُمَا جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ أَحْمَد وَإِسْحَاق، وَلَمْ يَسْتَحِبّهُمَا أَبُو بَكْر وَعُمَر وَعُثْمَان وَعَلِيّ وَآخَرُونَ مِنْ الصَّحَابَة وَمَالِك وَأَكْثَر الْفُقَهَاء.

وَقَالَ النَّخَعِيُّ: هِيَ بِدْعَة.

 وَحُجَّة هَؤُلَاءِ أَنَّ اِسْتِحْبَابهمَا يُؤَدِّي إِلَى تَأْخِير الْمَغْرِب عَنْ أَوَّل وَقْتهَا قَلِيلًا.

 وَزَعَمَ بَعْضهمْ فِي جَوَاب هَذِهِ الْأَحَادِيث أَنَّهَا مَنْسُوخَة، وَالْمُخْتَار اِسْتِحْبَابهَا لِهَذِهِ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الصَّرِيحَة، وَفِي صَحِيح الْبُخَارِيّ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَلُّوا قَبْل الْمَغْرِب، صَلُّوا قَبْل الْمَغْرِب، صَلُّوا قَبْل الْمَغْرِب، قَالَ فِي الثَّالِثَة: لِمَنْ شَاءَ» وَأَمَّا قَوْلهمْ: يُؤَدِّي إِلَى تَأْخِير الْمَغْرِب فَهَذَا خَيَال مُنَابِذ لِلسُّنَّةِ فَلَا يُلْتَفَت إِلَيْهِ، وَمَعَ هَذَا فَهُوَ زَمَن يَسِير لَا تَتَأَخَّر بِهِ الصَّلَاة عَنْ أَوَّل وَقْتهَا، وَأَمَّا مَنْ زَعَمَ النَّسْخ فَهُوَ مُجَازِف؛ لِأَنَّ النَّسْخ لَا يُصَار إِلَيْهِ إِلَّا إِذَا عَجَزْنَا عَنْ التَّأْوِيل وَالْجَمْع بَيْن الْأَحَادِيث وَعَلِمْنَا التَّارِيخ، وَلَيْسَ هُنَا شَيْء مِنْ ذَلِكَ.

 وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

باب معرفة الركعتين اللتين كان يصليهما النبي صلى الله عليه وسلم بعد العصر

كاتب
كاتب
مصطفى خميس خريج كلية اللغة العربية جامعة الإسكندرية، لعيب كرة قدم سابق لدي نادي أهلي دمنهور، مدون ومحرر اخبار ومالك عدة مواقع إلكترونية.
تعليقات