باب تامير الامام الامراء على البعوث ووصيته اياهم باداب الغزو وغيرها
باب تامير الامام الامراء على البعوث ووصيته اياهم باداب الغزو وغيرها
3261- قَوْله: كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْش أَوْ سَرِيَّة أَوْصَاهُ فِي خَاصَّته بِتَقْوَى اللَّه تَعَالَى وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، ثُمَّ قَالَ: اُغْزُوا بِاسْمِ اللَّه، فِي سَبِيل اللَّه قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ، اُغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا وَلَا تَغْدِرُوا وَلَا تُمَثِّلُوا وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا» أَمَّا: «السَّرِيَّة»: فَهِيَ قِطْعَة مِنْ الْجَيْش تَخْرُج مِنْهُ تُغِير وَتَرْجِع إِلَيْهِ، قَالَ إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ: هِيَ الْخَيْل تَبْلُغ أَرْبَعَمِائَةٍ وَنَحْوهَا، قَالُوا: سُمِّيَتْ سَرِيَّة لِأَنَّهَا تَسْرِي فِي اللَّيْل، وَيَخْفَى ذَهَابهَا، وَهِيَ فِعْلِيَّة بِمَعْنَى فَاعِلَة، يُقَال: سَرَى وَأَسْرَى، إِذَا ذَهَبَ لَيْلًا.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلَا تَغْدِرُوا» بِكَسْرِ الدَّال.
وَالْوَلِيد الصَّبِيّ.
وَفِي هَذِهِ الْكَلِمَات مِنْ الْحَدِيث فَوَائِد مُجْمَع عَلَيْهَا، وَهِيَ تَحْرِيم الْغَدْر، وَتَحْرِيم الْغُلُول، وَتَحْرِيم قَتْل الصِّبْيَان إِذَا لَمْ يُقَاتِلُوا، وَكَرَاهَة الْمُثْلَة، وَاسْتِحْبَاب وَصِيَّة الْإِمَام أُمَرَاءَهُ وَجُيُوشه بِتَقْوَى اللَّه تَعَالَى، وَالرِّفْق بِأَتْبَاعِهِمْ، وَتَعْرِيفهمْ مَا يَحْتَاجُونَ فِي غَزْوهمْ، وَمَا يَجِب عَلَيْهِمْ، وَمَا يَحِلّ لَهُمْ، وَمَا يَحْرُم عَلَيْهِمْ.
وَمَا يُكْرَه وَمَا يُسْتَحَبّ.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَإِذَا لَقِيت عَدُوّك مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلَاث خِصَال أَوْ خِلَال فَأَيَّتهنَّ مَا أَجَابُوك فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ اُدْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَام، فَإِنْ أَجَابُوك فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ اُدْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّل مِنْ دَارهمْ» قَوْله: «ثُمَّ اُدْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَام» هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع نُسَخ صَحِيح مُسْلِم: «ثُمَّ اُدْعُهُمْ» قَالَ الْقَاضِي عِيَاض رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: صَوَاب الرِّوَايَة (اُدْعُهُمْ) بِإِسْقَاطِ (ثُمَّ) وَقَدْ جَاءَ بِإِسْقَاطِهَا عَلَى الصَّوَاب فِي كِتَاب أَبِي عُبَيْد، وَفِي سُنَن أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرهمَا؛ لِأَنَّهُ تَفْسِير لِلْخِصَالِ الثَّلَاث، وَلَيْسَتْ غَيْرهَا، وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: لَيْسَتْ (ثُمَّ) هُنَا زَائِدَة، بَلْ دَخَلْت لِاسْتِفْتَاحِ الْكَلَام وَالْأَخْذ.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثُمَّ اُدْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّل مِنْ دَارهمْ إِلَى دَار الْمُهَاجِرِينَ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ، وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ، فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ، يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْم اللَّه الَّذِي يَجْرِي عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا يَكُون لَهُمْ فِي الْغَنِيمَة وَالْفَيْء شَيْء إِلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ» مَعْنَى هَذَا الْحَدِيث: أَنَّهُمْ إِذَا أَسْلَمُوا اُسْتُحِبَّ لَهُمْ أَنْ يُهَاجِرُوا إِلَى الْمَدِينَة، فَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ كَانُوا كَالْمُهَاجِرِينَ قَبْلهمْ فِي اِسْتِحْقَاق الْفَيْء وَالْغَنِيمَة وَغَيْر ذَلِكَ، وَإِلَّا فَهُمْ أَعْرَاب كَسَائِرِ أَعْرَاب الْمُسْلِمِينَ السَّاكِنِينَ فِي الْبَادِيَة مِنْ غَيْر هِجْرَة وَلَا غَزْو، فَتَجْرِي عَلَيْهِمْ أَحْكَام الْإِسْلَام، وَلَا حَقّ لَهُمْ فِي الْغَنِيمَة وَالْفَيْء، وَإِنَّمَا يَكُون لَهُمْ نَصِيب مِنْ الزَّكَاة إِنْ كَانُوا بِصِفَةِ اِسْتِحْقَاقهَا، قَالَ الشَّافِعِيّ: الصَّدَقَات لِلْمَسَاكِينِ وَنَحْوهمْ مِمَّنْ لَا حَقّ لَهُ فِي الْفَيْء لِلْأَجْنَادِ، قَالَ: وَلَا يُعْطَى أَهْل الْفَيْء مِنْ الصَّدَقَات، وَلَا أَهْل الصَّدَقَات مِنْ الْفَيْء، وَاحْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيث، وَقَالَ مَالِك وَأَبُو حَنِيفَة: الْمَالَانِ سَوَاء وَيَجُوز صَرْف كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا إِلَى النَّوْعَيْنِ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْد: هَذَا الْحَدِيث مَنْسُوخ، قَالَ: وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا الْحُكْم فِي أَوَّل الْإِسْلَام لِمَنْ لَمْ يُهَاجِر ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} وَهَذَا الَّذِي اِدَّعَاهُ أَبُو عُبَيْد لَا يُسَلَّم لَهُ.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَسَلْهُمْ الْجِزْيَة، فَإِنْ هُمْ أَجَابُوك فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ» هَذَا مِمَّا يَسْتَدِلّ بِهِ مَالِك وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمُوَافِقُوهُمَا فِي جَوَاز أَخْذ الْجِزْيَة مِنْ كُلّ كَافِر عَرَبِيًّا كَانَ أَوْ عَجَمِيًّا كِتَابِيًّا أَوْ مَجُوسِيًّا أَوْ غَيْرهمَا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ: تُؤْخَذ الْجِزْيَة مِنْ جَمِيع الْكُفَّار إِلَّا مُشْرِكِي الْعَرَب وَمَجُوسهمْ، وَقَالَ الشَّافِعِيّ: لَا يُقْبَل إِلَّا مِنْ أَهْل الْكِتَاب وَالْمَجُوس عَرَبًا كَانُوا أَوْ عَجَمًا، وَيَحْتَجّ بِمَفْهُومِ آيَة الْجِزْيَة، وَبِحَدِيثِ: «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّة أَهْل الْكِتَاب» وَيُتَأَوَّل هَذَا الْحَدِيث عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِأَخْذِ الْجِزْيَة أَهْل الْكِتَاب؛ لِأَنَّ اِسْم الْمُشْرِك يُطْلَق عَلَى أَهْل الْكِتَاب وَغَيْرهمْ، وَكَانَ تَخْصِيصهمْ مَعْلُومًا عِنْد الصَّحَابَة.
وَاخْتَلَفُوا فِي قَدْر الْجِزْيَة، فَقَالَ الشَّافِعِيّ: أَقَلّهَا دِينَار عَلَى الْغَنِيّ وَدِينَار عَلَى الْفَقِير أَيْضًا فِي كُلّ سَنَة، وَأَكْثَرهَا مَا يَقَع بِهِ التَّرَاضِي، وَقَالَ مَالِك: هِيَ أَرْبَعَة دَنَانِير عَلَى أَهْل الذَّهَب، وَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا عَلَى أَهْل الْفِضَّة، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ وَغَيْره مِنْ الْكُوفِيِّينَ وَأَحْمَد رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ: عَلَى الْغَنِيّ ثَمَانِيَة وَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وَالْمُتَوَسِّط أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ، وَالْفَقِير اِثْنَا عَشَرَ.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَإِذَا حَاصَرْت أَهْل حِصْن فَأَرَادُوك أَنْ تَجْعَل لَهُمْ ذِمَّة اللَّه وَذِمَّة نَبِيّه، فَلَا تَجْعَل لَهُمْ ذِمَّة اللَّه وَذِمَّة نَبِيّه، وَلَكِنْ اِجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتك وَذِمَّة أَصْحَابك، فَإِنَّكُمْ إِنْ تُخْفِرُوا ذِمَمكُمْ وَذِمَم أَصْحَابكُمْ أَهْوَن مِنْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَّة اللَّه وَذِمَّة رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» قَالَ الْعُلَمَاء: الذِّمَّة هُنَا: الْعَهْد، «تُخْفِرُوا»: بِضَمِّ التَّاء، يُقَال: أَخَفَرْت الرَّجُل إِذَا نَقَضْت عَهْده، وَخَفَرْته أَمِنْته وَحَمَيْته، قَالُوا: وَهَذَا نَهْي تَنْزِيه أَيْ: لَا تَجْعَل لَهُمْ ذِمَّة اللَّه فَإِنَّهُ قَدْ يَنْقُضهَا مَنْ لَا يَعْرِف حَقّهَا، وَيَنْتَهِك حُرْمَتهَا بَعْض الْأَعْرَاب وَسَوَاد الْجَيْش.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَإِذَا حَاصَرْت أَهْل حِصْن فَأَرَادُوك أَنْ تُنْزِلهُمْ عَلَى حُكْم اللَّه فَلَا تُنْزِلهُمْ عَلَى حُكْم اللَّه، وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمك؛ فَإِنَّك لَا تَدْرِي أَتُصِيبُ حُكْم اللَّه فيهمْ أَمْ لَا» هَذَا النَّهْي أَيْضًا عَلَى النَّزِيه وَالِاحْتِيَاط، وَفيه حُجَّة لِمَنْ يَقُول: لَيْسَ كُلّ مُجْتَهِد مُصِيبًا، بَلْ الْمُصِيب وَاحِد، وَهُوَ الْمُوَافِق لِحُكْمِ اللَّه تَعَالَى فِي نَفْس الْأَمْر، وَقَدْ يُجِيب عَنْهُ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ كُلّ مُجْتَهِد مُصِيب بِأَنَّ الْمُرَاد أَنَّك لَا تَأْمَن مِنْ أَنْ يَنْزِل عَلَيَّ وَحْي بِخِلَافِ مَا حَكَمْت، وَهَذَا الْمَعْنَى مُنْتَفٍ بَعْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَوْله: (حَدَّثَنَا مُسْلِم بْن هَيْصَم) بِفَتْحِ الْهَاء وَالصَّاد الْمُهْمَلَة.
باب تامير الامام الامراء على البعوث ووصيته اياهم باداب الغزو وغيرها
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب الجهاد والسير ﴿ 2 ﴾
۞۞
۞۞۞۞۞۞