باب جواز الطواف على بعير وغيره واستلام الحجر بمحجن ونحوه للراكب
باب جواز الطواف على بعير وغيره واستلام الحجر بمحجن ونحوه للراكب
2233- قَوْله: (أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ فِي حَجَّة الْوَدَاع عَلَى بَعِير يَسْتَلِم الرُّكْن بِمِحْجَنٍ) (الْمِحْجَن) بِكَسْرِ الْمِيم وَإِسْكَان الْحَاء وَفَتْح الْجِيم، وَهُوَ عَصًا مَعْقُوفَة، يَتَنَاوَل بِهَا الرَّاكِب مَا سَقَطَ لَهُ، وَيُحَرِّك بِطَرَفِهَا بَعِيره لِلْمَشْيِ.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث: جَوَاز الطَّوَاف رَاكِبًا، وَاسْتِحْبَاب اِسْتِلَام الْحَجَر، وَأَنَّهُ إِذَا عَجَزَ عَنْ اِسْتِلَامه بِيَدِهِ اِسْتَلَمَهُ بِعُودٍ.
وَفيه: جَوَاز قَوْل: حَجَّة الْوَدَاع، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ بَعْض الْعُلَمَاء كَرِهَ أَنْ يُقَال لَهَا: حَجَّة الْوَدَاع، وَهُوَ غَلَط، وَالصَّوَاب جَوَاز قَوْل: حَجَّة الْوَدَاع.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَاسْتَدَلَّ بِهِ أَصْحَاب مَالِك وَأَحْمَد عَلَى طَهَارَة بَوْل مَا يُؤْكَل لَحْمه وَرَوْثه؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَن ذَلِكَ مِنْ الْبَعِير، فَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَمَا عَرَّضَ الْمَسْجِد لَهُ.
وَمَذْهَبنَا وَمَذْهَب أَبِي حَنِيفَة وَآخَرِينَ نَجَاسَة ذَلِكَ، وَهَذَا الْحَدِيث لَا دَلَالَة فيه؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَته أَنْ يَبُول أَوْ يَرُوث فِي حَال الطَّوَاف، وَإِنَّمَا هُوَ مُحْتَمَل، وَعَلَى تَقْدِير حُصُوله يُنَظَّف الْمَسْجِد مِنْهُ، كَمَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَرَّ إِدْخَال الصِّبْيَان الْأَطْفَال الْمَسْجِد مَعَ أَنَّهُ لَا يُؤْمَن بَوْلهمْ، بَلْ قَدْ وُجِدَ ذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ مُحَقَّقًا لَنَزَّهَ الْمَسْجِد مِنْهُ سَوَاء كَانَ نَجِسًا أَوْ طَاهِرًا لِأَنَّهُ مُسْتَقْذَر.
✯✯✯✯✯✯
2234- قَوْله فِي طَوَافه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاكِبًا: «لِأَنْ يَرَاهُ النَّاس وَلِيُشْرِف وَلِيَسْأَلُوهُ» هَذَا بَيَان لِعِلَّةِ رُكُوبه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقِيلَ أَيْضًا لِبَيَانِ الْجَوَاز، وَجَاءَ فِي سُنَن أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ كَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَوَافه هَذَا مَرِيضًا، وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى أَشَارَ الْبُخَارِيّ وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ بَاب الْمَرِيض يَطُوف رَاكِبًا، فَيُحْتَمَل أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ رَاكِبًا لِهَذَا كُلّه.
قَوْله: «فَإِنَّ النَّاس غَشُوهُ» هُوَ بِتَخْفِيفِ الشِّين أَيْ اِزْدَحَمُوا عَلَيْهِ.
✯✯✯✯✯✯
2236- قَوْلهَا: «كَرَاهِيَة أَنْ يُضْرَب عَنْهُ النَّاس» هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَم النُّسَخ (يُضْرَب) بِالْبَاءِ وَفِي بَعْضهَا (يُصْرَف) بِالصَّادِ الْمُهْمَلَة وَالْفَاء، وَكِلَاهُمَا صَحِيح.
قَوْله: (حَدَّثَنِي الْحَكَم بْن مُوسَى الْقَنْطَرِيّ) هُوَ بِفَتْحِ الْقَاف، قَالَ السَّمْعَانِيّ: هُوَ مِنْ قَنْطَرَة بَرَدَان وَهِيَ مَحَلَّة مِنْ بَغْدَاد.
✯✯✯✯✯✯
2237- قَوْله: (وَحَدَّثَنَا مَعْرُوف بْن خَرَّبُوذ) هُوَ بِخَاءٍ مُعْجَمَة مَفْتُوحَة وَمَضْمُومَة، الْفَتْح أَشْهَر، وَمِمَّنْ حَكَاهُمَا الْقَاضِي عِيَاض فِي الْمَشَارِق، وَالْقَائِل بِالضَّمِّ هُوَ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ، وَقَالَ الْجُمْهُور بِالْفَتْحِ وَبَعْد الْخَاء رَاء مَفْتُوحَة مُشَدَّدَة ثُمَّ بَاء مُوَحَّدَة مَضْمُومَة ثُمَّ وَاو ثُمَّ ذَال مُعْجَمَة.
قَوْله: «رَأَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطُوف بِالْبَيْتِ وَيَسْتَلِم الرُّكْن بِمِحْجَنٍ مَعَهُ وَيُقَبِّل الْمِحْجَن» فيه: دَلِيل عَلَى اِسْتِحْبَاب اِسْتِلَام الْحَجَر الْأَسْوَد، وَأَنَّهُ إِذَا عَجَزَ عَنْ اِسْتِلَامه بِيَدِهِ بِأَنْ كَانَ رَاكِبًا أَوْ غَيْره اِسْتَلَمَهُ بِعَصًا وَنَحْوهَا، ثُمَّ قَبَّلَ مَا اِسْتَلَمَ بِهِ، وَهَذَا مَذْهَبنَا.
✯✯✯✯✯✯
2238- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «طُوفِي مِنْ وَرَاء النَّاس وَأَنْتِ رَاكِبَة، قَالَتْ: فَطُفْت وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَئِذٍ يُصَلِّي إِلَى جَنْب الْبَيْت وَهُوَ يَقْرَأ بِالطُّورِ وَكِتَاب مَسْطُور» إِنَّمَا أَمَرَهَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالطَّوَافِ مِنْ وَرَاء النَّاس لِشَيْئَيْنِ: أَحَدهمَا أَنَّ سُنَّة النِّسَاء التَّبَاعُد عَنْ الرِّجَال فِي الطَّوَاف.
وَالثَّانِي: أَنَّ قُرْبهَا يُخَاف مِنْهُ تَأَذِّي النَّاس بِدَابَّتِهَا، وَكَذَا إِذَا طَافَ الرَّجُل رَاكِبًا، وَإِنَّمَا طَافَتْ فِي حَال صَلَاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَكُونَ أَسْتَر لَهَا وَكَانَتْ هَذِهِ الصَّلَاة صَلَاة الصُّبْح، وَاَللَّه أَعْلَم.
باب جواز الطواف على بعير وغيره واستلام الحجر بمحجن ونحوه للراكب
باب جواز الطواف على بعير وغيره واستلام الحجر بمحجن ونحوه للراكب