باب بيان عدد عمر النبي صلى الله عليه وسلم وزمانهن
باب بيان عدد عمر النبي صلى الله عليه وسلم وزمانهن
2197- قَوْله: «اِعْتَمَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَع عُمَر كُلّهنَّ فِي ذِي الْقَعْدَة إِلَّا الَّتِي مَعَ حَجَّته: عُمْرَة مِنْ الْحُدَيْبِيَة، أَوْ زَمَن الْحُدَيْبِيَة، فِي ذِي الْقَعْدَة، وَعُمْرَة مِنْ الْعَام الْمُقْبِل فِي ذِي الْقَعْدَة، وَعُمْرَة مِنْ الْجِعِرَّانَة حَيْثُ قَسَمَ غَنَائِم حُنَيْنٍ فِي ذِي الْقَعْدَة، وَعُمْرَة مَعَ حَجَّته».
وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «حَجَّ حَجَّة وَاحِدَة وَاعْتَمَرَ أَرْبَع عُمَر».
هَذِهِ رِوَايَة أَنَس.
وَفِي رِوَايَة اِبْن عُمَر: «أَرْبَع عُمَر إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَب»، وَأَنْكَرَتْ ذَلِكَ عَائِشَة، وَقَالَتْ: لَمْ يَعْتَمِر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطُّ فِي رَجَب.
فَالْحَاصِل مِنْ رِوَايَة أَنَس وَابْن عُمَر اِتِّفَاقهمَا عَلَى أَرْبَع عُمَر، وَكَانَتْ إِحْدَاهُنَّ فِي ذِي الْقَعْدَة عَام الْحُدَيْبِيَة سَنَة سِتّ مِنْ الْهِجْرَة وَصُدُّوا فيها فَتَحَلَّلُوا وَحُسِبَتْ لَهُمْ عُمْرَة، وَالثَّانِيَة فِي ذِي الْقَعْدَة وَهِيَ سَنَة سَبْع وَهِيَ عُمْرَة الْقَضَاء، وَالثَّالِثَة فِي ذِي الْقَعْدَة سَنَة ثَمَانٍ، وَهِيَ عَام الْفَتْح.
وَالرَّابِعَة مَعَ حَجَّته وَكَانَ إِحْرَامهَا فِي ذِي الْقَعْدَة وَأَعْمَالهَا فِي ذِي الْحِجَّة.
وَأَمَّا قَوْل اِبْن عُمَر: إِنَّ إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَب فَقَدْ أَنْكَرَتْهُ عَائِشَة وَسَكَتَ اِبْن عُمَر حِين أَنْكَرَتْهُ.
قَالَ الْعُلَمَاء: هَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ اِشْتَبَهَ عَلَيْهِ أَوْ نَسِيَ أَوْ شَكَّ، وَلِهَذَا سَكَتَ عَنْ الْإِنْكَار عَلَى عَائِشَة وَمُرَاجَعَتهَا بِالْكَلَامِ، فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْته هُوَ الصَّوَاب الَّذِي يَتَعَيَّن الْمَصِير إِلَيْهِ.
وَأَمَّا الْقَاضِي عِيَاض فَقَالَ: ذَكَرَ أَنَس أَنَّ الْعُمْرَة الرَّابِعَة كَانَتْ مَعَ حَجَّته فَيَدُلّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَارِنًا.
قَالَ: وَقَدْ رَدَّهُ كَثِير مِنْ الصَّحَابَة قَالَ: وَقَدْ قُلْنَا: إِنَّ الصَّحِيح أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُفْرِدًا، وَهَذَا يَرُدّ قَوْل أَنَس، وَرَدَّتْ عَائِشَة قَوْل اِبْن عُمَر: فَحَصَلَ أَنَّ الصَّحِيح ثَلَاث عُمَر.
قَالَ: وَلَا يُعْلَم لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِعْتِمَار إِلَّا مَا ذَكَرْنَاهُ.
قَالَ: وَاعْتَمَدَ مَالِك فِي الْمُوَطَّإِ عَلَى أَنَّهُنَّ ثَلَاث عُمَر.
هَذَا آخِر كَلَام الْقَاضِي، وَهُوَ قَوْل ضَعِيف بَلْ بَاطِل، وَالصَّوَاب أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِعْتَمَرَ أَرْبَع عُمَر كَمَا صَرَّحَ بِهِ اِبْن عُمَر وَأَنَس وَجَزَمَا الرِّوَايَة بِهِ، فَلَا يَجُوز رَدّ رِوَايَتهمَا بِغَيْرِ جَازِم.
وَأَمَّا قَوْله: إِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي حَجَّة الْوَدَاع مُفْرَدًا لَا قَارِنًا فَلَيْسَ كَمَا قَالَ، بَلْ الصَّوَاب أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُفْرِدًا فِي أَوَّل إِحْرَامه، ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فَصَارَ قَارِنًا، ولابد مِنْ هَذَا التَّأْوِيل وَاَللَّه أَعْلَم.
قَالَ الْعُلَمَاء: وَإِنَّمَا اِعْتَمَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْعُمْرَة فِي ذِي الْقَعْدَة لِفَضِيلَةِ هَذَا الشَّهْر، وَلِمُخَالَفَةِ الْجَاهِلِيَّة فِي ذَلِكَ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَهُ مِنْ أَفْجَر الْفُجُور كَمَا سَبَقَ، فَفَعَلَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّات فِي هَذِهِ الْأَشْهُر لِيَكُونَ أَبْلَغ فِي بَيَان جَوَازه فيها، وَأَبْلَغ فِي إِبْطَال مَا كَانَتْ الْجَاهِلِيَّة عَلَيْهِ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَأَمَّا قَوْله: «إِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّ حَجَّة وَاحِدَة» فَمَعْنَاهُ بَعْد الْهِجْرَة لَمْ يَحُجّ إِلَّا حَجَّة وَاحِدَة وَهِيَ حَجَّة الْوَدَاع سَنَة عَشْر مِنْ الْهِجْرَة.
وَقَوْله: (قَالَ أَبُو إِسْحَاق وَبِمَكَّة أُخْرَى) يَعْنِي قَبْل الْهِجْرَة، وَقَدْ رُوِيَ فِي غَيْر مُسْلِم: «قَبْل الْهِجْرَة حَجَّتَانِ».
✯✯✯✯✯✯
2198- قَوْله: عَنْ زَيْد بْن أَرْقَم: «أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا تِسْع عَشْرَة غَزْوَة» مَعْنَاهُ أَنَّهُ غَزَا تِسْع عَشْرَة وَأَنَا مَعَهُ أَوْ أَعْلَم لَهُ تِسْع عَشْرَة غَزْوَة، وَكَانَتْ غَزَوَاته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ، وَقِيلَ: سَبْعًا وَعِشْرِينَ، وَقِيلَ غَيْر ذَلِكَ، وَهُوَ مَشْهُور فِي كُتُب الْمَغَازِي وَغَيْرهَا.
✯✯✯✯✯✯
2199- قَوْله: «عَنْ عَائِشَة قَالَتْ: لَعَمْرِي مَا اِعْتَمَرَ فِي رَجَب» هَذَا دَلِيل عَلَى جَوَاز قَوْل الْإِنْسَان لَعَمْرِي، وَكَرِهَهُ مَالِك لِأَنَّهُ مِنْ تَعْظِيم غَيْر اللَّه تَعَالَى وَمُضَاهَاته بِالْحَلِفِ بِغَيْرِهِ.
✯✯✯✯✯✯
2200- قَوْله: (إِنَّهُمْ سَأَلُوا اِبْن عُمَر عَنْ صَلَاة الَّذِينَ كَانُوا يُصَلُّونَ الضُّحَى فِي الْمَسْجِد فَقَالَ: بِدْعَة) هَذَا قَدْ حَمَلَهُ الْقَاضِي وَغَيْره عَلَى أَنَّ مُرَاده أَنَّ إِظْهَارهَا فِي الْمَسْجِد وَالِاجْتِمَاع لَهَا هُوَ الْبِدْعَة، لَا أَنَّ أَصْل صَلَاة الضُّحَى بِدْعَة، وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَة فِي كِتَاب الصَّلَاة.
وَاَللَّه أَعْلَم.
باب بيان عدد عمر النبي صلى الله عليه وسلم وزمانهن
باب بيان عدد عمر النبي صلى الله عليه وسلم وزمانهن
باب بيان عدد عمر النبي صلى الله عليه وسلم وزمانهن